محاور الموضوع
1. الأسرة نواة المجتمع.
2. أبرز المشكلات الأسرية وأسبابها
الهدف:
تسليط الضوء على أهميّة الأسرة في المجتمع وتظهير أبرز المشكلات، ثمّ
بيان أسبابها الأبرز، ومن ثمّ سُبُل معالجتها
تصدير:
قال تعالى :﴿يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا
النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللهَ
مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾1.
وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي"2.
الأسرة نواة المجتمع:
من نافل القول إنّ الأسرة تشكّل وحدةً اجتماعيةً كاملة، تمثّل صورة حيّة وواقعيّة
للمجتمع. ونحن نعلم أنّ العلاقات بين أفراد الأسرة فيما بينهم، من المفترض أن تكون
الأوثق والأقوى بين أفراد المجتمع؟ وذلك بالنظر إلى الروابط الرَّحميّة القائمة
بينهم، حيث إنها علاقات بين:
1 ـ الزوجين.
2 ـ الأم وأبنائها.
3 ـ الأب وأبنائه.
4 ـ الأخوّة بين الأبناء.
ولا يمكن أن نعثر على صلات بين أفرادٍ ـ أيّاً تكن ـ أقرب من تلك الواقعة موضوعياً
بين هؤلاء المذكورين.
ومعلومٌ أنه، كلّما كانت علاقات أفراد الأسرة وثيقة وقوية، أمكن للروابط الاجتماعية
أن تكون أقوى وأفضل، لمناسبة العلاقة الطردية القائمة بين الأسرة وبين المجتمع؛ إذ
هي ـ أي العلاقة ـ تسري من أفراد الأسرة الصغيرة، إلى الأعمام والأخوال والأجداد،
والقرابات الأخرى، وإلى الجيران والأصهار والعلاقات السببيّة الناشئة من التفاعلات
الاجتماعية.
لذلك، فإنه كلّما كانت قيم التعاون والتراحم، والتوّاد والتحابّ، والتكافل والتكامل
هي الحاكمة؛ كانت العلاقات أقوم وأشدّ. وكلّما كانت مبادئ التحاسد والتباغض،
والأنانية والجشع، سوء النيّة، وسوء الظنّ... هي الحاكمة، كانت المشكلات مستشرية
بين الأسرة (أفرادها).
أبرز المشكلات الأسرية وأسبابها:
أ ـ بين الزوجين:
فضلاً عن أسباب المشكلات المذكورة في الكتب الفقهية، ومنها ما ورد تحت
عنوان "الأسباب الموجبة للفسخ"؛ فإنّ من المشكلات التي تطرأ على الزواج مشكلة
التفاوت بين الزوجين. ومن أبرز وجوه التفاوت:
1 ـ التفاوت الاجتماعي: وهو الناشئ من الفقر في مقابل الغنى، أو التفاوت
النسبي، أو الطبقي عموماً. وهو ما قد يؤدّي إلى تفاخر مع ما يعتبر أنه أفضل من جهة
التفاضل الطبقي والمادي، أو النسبي، وهذا بالتالي ما يتسبّت بكثرة التصادم، ما
يؤدّي إلى اشتداد الحساسيات وسوء النيّات المتبادلة.
وعلاجه: يجب أن يكون الاختيار أولاً على أساس الصفات الشخصية؛ فلا يجدر بالرجل أن
يتزوج امرأة للمال والجمال. فقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
"من
تزوّج امرأةً لا يتزوّج إلّا لجمالها لم يرَ فيها ما يحبّ، ومن تزوّجها لمالها لا
يتزوَّجها إلّا له، وَكَلَه الله إليه، فعليكم بذات الدين"3.
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "إياكم وخضراء الدّمن؟ قيل: يا رسول الله، وما
خضراء الدّمن؟ قال: الحسناء في منبت السوء"4.
ولا يضرّ التفاوت المذكور، فإنّ الإسلام يعلو ولا يُعلى عليه.فعن الإمام السجاد عليه
السلام في ردّه على عبد الملك بن مروان يعاتبه على زواجه بإحدى جواريه يقول:
"... وقد رفع الله بالإسلام الخسيسة، وتمّم النقيصة، وأذهب به اللوم، فلا لوم على امرئ
مسلم، إنّما اللّوم لوم الجاهلية... والسلام"5.
أمّا من جهة تزوج المرأة من رجل دونها حسباً؛ فإنّ نفس العلاج هو الصالح لحلّ
المشكلة. وهذه قصّة جويبر الذي كان "رجلاً قصيراً، دميماً، محتاجاً، عارياً، فأرسله
الله إلى زياد بن لبيد، وكان من أشراف الأنصار، ليزوّجه ابنته". قال: "إنّ الله قد
وضع بالإسلام من كان في الجاهلية عزيزاً، وشرّف بالإسلام من كان في الجاهلية وضيعاً،
وأعزّ بالإسلام من كان في الجاهلية ذليلاً، وأذهب بالإسلام ما كان من نخوة الجاهلية
وتفاخرها بعشائرها وباسق أنسابها..."6.
وقد يكون التفاوت العلمي بينهما هو السبب، فإنّ علاجه يكون بتخيّير ذات الدين للرجل،
كما في الحديث المتقدّم، التي ترى زوجها ولياً لها واجب الاحترام والتقدير؛ وأما
المرأة، فعليها أن تتزوّج ممّن ترضى دينه وخُلُقه، كما في الحديث، فإنّه "إن أحبّها
أكرمها وإن أبغضها لم يظلمها". كما في وصية الإمام الصادق عليه السلام وإلّا
﴿فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ﴾"7.
ولا يحقّ له أن يعذّبها أو يضرّها حتى تبذل في سبيل خلعه، فعن النبي صلى الله عليه
وآله وسلم: "ألا وإنّ الله ورسوله بريئان ممّن أضرّ بامرأته حتى تختلع منه"8.
2 ـ التفاوت في الخصال النفسية والكمالات العقلية: فإنّ ذلك يدفع باتجاه
التدنّي في مستويات الوعي عند أحد الطرفين على الأقل، حيث يطبع صاحبه بالحمق، أو
السذاجة والبلاهة، أو التزمّت والسلبية، وكلّ ذلك يبرز عوامل تقويض الأسرة، بسبب
انعدام سُبُل التفاهم والتلاقي، فإنك تجد طلاقاً سببه تافه أو غير واضح. كل ذلك
يرجع إلى هذا التفاوت.
3 ـ قلّة الدين: إذا كان أحد الزوجين قليل التديُّن، فإنّ ذلك يؤدي لبروز
الكثير من المشكلات الزوجية والأسرية. وقد نهت الشريعة عن التزويج من قليل التدين،
وحثّت بالمقابل على التزويج "بذات الدين"، و"من ترضون خُلُقه ودينه".
ب ـ بين الآباء والأبناء:
عقوق الوالدين: فإننا نجد أنّ الكثير من أبناء الجيل لا يحترمون الأبوين،
ولا يؤدّون إليهما الحقوق الواجبة، فضلاً عن عدم المبالغة بالإحسان والبرّ؛ وبتنا
نجد من يتنصّل من واجبات الإنفاق عليهما، أو في أحسن الأحوال بضرورة تحويلهما إلى
دُور المسنّين، وهناك يعنّف أبويه ويقابلهما بقسوة، حتى في سنيّ الفتوة والقوة،
وهذه مشكلات محزنة، ولكنها، مع الأسف، منتشرة في أيامنا. ومن أهم أسبابها:
1 ـ انقلاب الأولويات: فإننا نجد أنّ الكثير من الأشخاص يفضّلون زيادة
الاهتمام باستلام أكثر من عمل واحدٍ، بحيث يستنزف أوقاته كلها، في سبيل تعزيز
المداخيل، وتحصيل الوجاهة، وتحقيق الذات؛ وكلّ ذلك يأتي على حساب تربية الأبناء،
والاهتمام بالآباء.
2 ـ ضعف التربية: فإنّ التفاوت العلمي بين الأبوين ـ أو أحدهما ـ من جهة
وبين الأبناء؛ وكذلك التفاوت في الوعي والمعرفة والاطّلاع؛ يُضاف إليه الاختلاف في
الاتجاهات الفكرية والسياسية والاعتقادية؛ كلّ ذلك إذا كان محكوماً إلى قلّة
التديّن. فإنّ هذا ممّا يعيق العملية التربوية ويضعف تأثير الأبوين في أبنائهما.
وقد لا يكون في ذلك أيّ نقص أو قلّة خبرة من جهة الأبوين، كما في قصّة نوح وولده
قال: ﴿يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلاَ تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ * قَالَ سَآوِي
إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاء﴾9. وكذلك الأمر في قصّة جعفر
الكذّاب ابن الإمام الهادي عليه السلام .
هذا مضافاً إلى المشكلات القائمة بين الإخوة والتي تحتاج إلى بحث مستقلّ لدراسة
الظاهرة وأسبابها وكيفيات علاجها، وإن كانت مجمل هذه المشكلات تشترك في الأسباب
وسبل العلاج للمشكلات الأم.
1- سورة التحريم، الآية: 6.
2- وسائل الشيعة للحرّ العاملي، ج14، ص122.
3- وسائل الشيعة للشيخ الحر العاملي، ج20، ص50.
4- الكافي للشيخ الكليني، ج5، ص332.
5- وسائل الشيعة، ج14، ص48.
6- وسائل الشيعة، ج14، ص44.
7- سورة البقرة، الآية: 229.
8- وسائل الشيعة، ج15، ص490.
9- سورة هود، الآيتان: 42 ـ 43.