محاور الموضوع
1. مفهوم العيد في القرآن الكريم
2. قيمة العيد في الإسلام
3. المقارنة بين العيدين
الهدف:
التعرّف على مفهوم العيد في القرآن، ومفهوم الإسلام له.
تصدير:
قال تعالى في سورة المائدة:
﴿قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّـهُمَّ رَبَّنَا
أَنزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِّنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِّأَوَّلِنَا
وَآخِرِنَا وَآيَةً مِّنكَ وَارْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ﴾.
مدخل
العيد في اللغة مأخوذ من عاد بمعنى العود أي عاد إليه، أو مأخوذ من العادة بمعنى
اعتاده[1].
والمستفاد من الروايات الشريفة أن أعياد المسلمين بالمعنى المصطلح أربعة لا غير وهي:
"عيد الفطر، وعيد الأضحى، ويوم الجمعة في كل أسبوع، وعيد الغدير".
مفهوم العيد في القرآن الكريم
قال الله تعالى: ﴿إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ
يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِّنَ السَّمَاءِ قَالَ
اتَّقُوا اللَّـهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِين﴾﴿قَالُوا نُرِيدُ أَن نَّأْكُلَ مِنْهَا
وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَن قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ
الشَّاهِدِينَ﴾﴿قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّـهُمَّ رَبَّنَا أَنزِلْ
عَلَيْنَا مَائِدَةً مِّنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِّأَوَّلِنَا
وَآخِرِنَا وَآيَةً مِّنكَ وَارْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ﴾﴿قَالَ
اللَّـهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ فَإِنِّي
أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَّا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِّنَ الْعَالَمِينَ
﴾[2].
بالإضافة إلى الآية الكريمة في قضية مائدة الحواريين، لقد جاءت تصاريف للكلمة
وصيغها في مواضع عديدة في القرآن الكريم نذكر منها:
قال تعالى: ﴿إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ، إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ﴾[3] و﴿قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى﴾[4]
والمقصود بهذا التعبير القرآني يدور دائماً حول معنى التكرار والرجوع، وليس وارداً
أبداً بمعنى له صلة بعبادة دينية، وإن رجعنا ثانيةً إلى نص سورة المائدة لنفهمها
يتضّح لنا أنها تتحدّث عن آية من السماء طلبها الحواريون من النبي عيسى عليه السلام
ليأكلوا منها وليذهب عنهم الريب وتطمئن قلوبهم بالإيمان وبصدق هذا النبي، فسأل عيسى
عليه السلام ربه أن يُنزل آية وهي المائدة من السماء يأكلوا منها وقال وتكون لنا
عيداً، والكلمة كما عرفناها في نصوص سابقة هي من العودة والرجوع. والمقصود هنا أن
تكون المائدة ذكرى يرجعون إليها ليذَّكروا ما عاهدوا الله عليه وبالذي طلبوه هم
وأخذ ميثاقهم بالإيمان والتصديق.وعليه فإن كلمة (عيد) تحمل معنى التكرار لأنها
مشتقة من (عاد يعود). وعليه فإن دعاء عيسى عليه السلام في سورة المائدة: يعني أن
العيد سوف يكون ذكرى في كل عام لهذه المائدة وكأنها عهد لأتباعه مع الله تعالى
يذكرونه في كل عام يمنعهم من الكفر.
العيد في الإسلام
العيد في الإسلام هو يوم محدّد نصّت عليه الشريعة الإسلامية المقدّسة وحدّدت له
أعمالاً وآداباً ومراسم خاصة. وما يدلّ على عظم شأن العيد أن الإسلام قد قرن كل
واحد من عيديه العظيمين بشعيرة من شعائره الهامة التي لها جلالها الخطير في
الروحانيات، ولها خطرها الجليل في الاجتماعيات، ولها أثرها العميق في التربية
الفردية والجماعية، هاتان الشعيرتان هما شهر رمضان الذي جاء عيد الفطر مسك ختامه،
والحج الذي كان عيد الأضحى بعض أيامه، فهذا الربط الإلهي بين العيدين، وبين هاتين
الشعيرتين كاف في الحكم عليهما، وكاشف عن وجه الحقيقة فيهما، وأنهما عيدان دينيان
بكل ما في الكلمة من معنى. ولهذا فهو عبادة دينية تعبّر عن نوع خاص من العلاقة
بالله تعالى، يمكن فهمها من خلال الآتي:
العيد هو العودة إلى الله تعالى:
من المعاني العميقة التي يحملها العيد أنه يعبّر عن تحقّق العودة إلى الله تعالى
والرجوع إليه، ولعل أفضل كلمة قيلت في معنى العيد، هي كلمة الإمام علي عليه السلام:
"إِنَّمَا هُوَ عِيدٌ لِمَنْ قَبِلَ اللهُ صِيَامَهُ وَ شَكَرَ قِيَامَهُ، وَ كُلُّ
يَوْمٍ لَا يُعْصَى اللهُ فِيهِ فَهُوَ عِيدٌ"[5]. فلقد جاء في نهاية موسم عبادي
محمّل بمختلف ألوان العبادة والطاعة، والدعاء والتذللّ لله تعالى، فشهر رمضان هو
شهر الله الذي يفتح الله فيه باب رحمته ومغفرته ولطفه وعفوه وغفرانه للصائمين،
وللقائمين، وللمجاهدين، وللعاملين، في مواقع رضاه؛ فهو شهر التوبة والمغفرة والرحمة.
والحاج الذي يؤدي فروض الطاعة من الإحرام والطواف والسعي والوقوف في عرفات
والمزدلفة... يمارس نوعاً من العودة إلى الله تعالى، ليمنّ الله عليه بالرحمة
والمغفرة وبهذا يتحقّق فرح وسرور المؤمنين. ولهذا اعتبر أمير المؤمنين عليه السلام
أن بإمكان المؤمن أن يحوّل كل أيّامه إلى أعياد، "فكل يوم لا يعصى الله فيه فهو عيد".
بداية يوم العيد بالتكبير والتهليل:
فالعيد شعيرة من شعائر الله تعالى، التي ينبغي أن تظهر وتبرز في المجتمع الإسلامي،
ومنها استحباب التكبير والتهليل والتحميد صبيحة العيد، والاجتماع للصلاة وغيرها من
الأعمال والمستحبات. ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قوله: "زيّنوا
العيدين بالتهليل والتكبير والتحميد والتقديس"[6].
البعد الاجتماعي للعيد:
فالتلاقي والتزاور وغيرها من المظاهر في العيد تحقّق حالة إنسانية تزيد من التواصل
والترابط الحميم بين أفراد المجتمع، فقد ورد الحث على التزاور في الله ولقاء
الإخوان، عن َأَبِي عَبْدِ اللَّه عليه السلام يَقُولُ: "مَنْ زَارَ أَخَاه فِي
الله فِي مَرَضٍ أَوْ صِحَّةٍ لَا يَأْتِيه خِدَاعاً ولَا اسْتِبْدَالاً وَكَّلَ
الله بِه سَبْعِينَ أَلْفَ مَلَكٍ يُنَادُونَ فِي قَفَاه أَنْ طِبْتَ وطَابَتْ لَكَ
الْجَنَّةُ فَأَنْتُمْ زُوَّارُ الله وأَنْتُمْ وَفْدُ الرَّحْمَنِ...
والْمَلَائِكَةُ كَثِيرَةٌ يُشَيِّعُونَه حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى مَنْزِلِه"[7].
وكذلك إبراز الزينة والبهجة والسرور، فصحيح بأن بهجة العيد وزينته ليست لذات العيد،
بل لما يحمله العيد من معان ومفاهيم عظيمة في الإسلام تتجلى في فرحة الصائم بعد
قضائه لعبادة اعتبره الله له (الصوم لي)، وكذا غفران ذنوب الحاج، وقبول حجّه وسعيه..،
إلا أن هذا لا يتنافى أبداً مع إبراز مظاهر الزينة المعنوية بالتهليل والتكبير،
والزينة المادية من خلال التجمّل في اللباس للكبار والصغار، وتبادل التهاني
والتبريكات بأجواء تسودها البهجة والسرور. فقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم قوله: "إن الله يحب إذا خرج عبده المؤمن إلى أخيه أن يتهيّأ له وأن يتجمّل"[8].
البعد التربوي للعيد:
وذلك بالسعي الجدي للمشاركة في تحمّل المسؤولية تجاه الفقراء والمستضعفين لنشعرهم
جميعاً بفرحة العيد، وليكن شعارنا العمل ليفرح الناس كل الناس بالعيد، وذلك من خلال
التعاون والتكافل والإيثار، فقد ورد أن علياً اشترى ثوباً فأعجبه فتصدّق به، وقال
سمعت رسول الله يقول: "من آثر على نفسه آثره الله يوم القيامة الجنة"[9].
المقارنة بين العيدين:
وبنظرة موجزة إلى ما طلبه الحواريون من عيسى عليه السلام نجد بأنهم طلبوا مائدة من
السماء واستجاب الله لهذا الطلب الصادر عن حسن نية وإِخلاص، فلاشك بأنّ الحواريين
لم يكونوا مدفوعين بقصد سيء في طلبهم هذا، بل كانوا يرغبون في بلوغ مرحلة الاطمئنان
الأقوى وإِبعاد ما بقي من رواسب الشك والوسوسة من أعماقهم.
وأما العيد الذي أكرم الله به المسلمين فهو تتويج لعبادتين كبيرتين في الإسلام هما
عبادة الصوم وعبادة الحج، وهذا يعني أن الاطمئنان القلبي والروحي قد تعمّق بفعل
العبادتين وأدائهما بإخلاص لله تعالى. وأن الله منّ على عباده بعدهما بهذه العبادة
ليختتم المسلمون فرحتهم بطاعتهم لله تعالى بطاعة جديدة وهي العيد بما يحمله من
مناسك وطاعات لله تعالى.
[1] المعجم الوسيط، ص
635.
[2] سورة المائدة: الآيات 112- 115.
[3] سورة البروج: الآيتان12-13.
[4] سورة طه: الآية21.
[5] شرح نهج البلاغة، 20، ص73.
[6] كنز العمال، 94 240
[7] الكليني، الكافي، ج2، ص177، باب زيارة الإخوان.
[8] بحار الأنوار، ج76، ص307.
[9] نور الثقلين، ج5، ص 47