محاور الموضوع
1- الدفاع من الأمور الفطرية عند الإنسان.
2- مفهوم الجهاد الدفاعي وضرورته.
3- وجوب الاستعداد للدفاع وكيفيته
4- تنوّع أساليب الدفاع ووسائله.
الهدف:
التعرّف على أبعاد ودلالات الدفاع المقدّس عن النفس والعرض، والمال. وفهم غرض
الإسلام من تشريع الجهاد وأنه الدفاع عن البلاد والعباد.
تصدير:
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم "للجنّة
باب يقال له: باب المجاهدين، يمضون إليه فإذا هو مفتوح وهم متقلّدون بسيوفهم،
والجمع في الموقف والملائكة ترحّب بهم"1.
1- فطرية الدفاع عن النفس:
يُعتبر الدفاع عن النفس وما يتعلّق بها من الأمور الفطرية المركوزة في طبيعة
الإنسان، وقد حكم العقل بحسنه وضرورته، وأقرّه الشرع وأمر المكلّفين به، ورغّب
بالثواب على فعله، وتوعّد بالعقاب على تركه، وذلك لما له من أهمية قصوى في سعادة
الإنسان ونهوض الأمم واستقرار المجتمعات.
بل إن الحيوانات مفطورة على ذلك ومجهّزة بأجهزة الدفاع، فكما أودع الله تعالى في
الإنسان شهوة الغذاء لحفظ البدن، كذلك أودع فيه قوّة الغضب أيضاً لينبعث قهراً إلى
الدفاع عن نفسه وما يتعلّق به من المال والعرض ونحوه. فالدفاع في نظام الطبيعة أمر
طبيعي ضروري لا محالة، وكما يحتاج الفرد إلى الدفاع عن منافعه ومصالحه، فكذلك الأمة
والمجتمع.
2- وجوب الدفاع عن البلاد الإسلامية:
يعدُّ وجوب الدفاع عن المسلمين والبلاد الإسلامية من ضروريات الفقه الإسلامي، بل
يمكن القول بأن الدفاع عن النفس، والمال، والعرض، والوطن، والأرض، والشرف، والأمة،
والاستقلال، والسيادة... مقولة مقدّسة وممدوحة لله، يتفق عليها البشر كافّة، فلم
يحتكر الإسلام أمر الدفاع والمقاومة أمام المعتدين.
ولقد اعتبر القرآن الكريم الحياة البشرية، وديمومة العقائد الدينية والأماكن
المقدّسة رهناً لحسّ الدفاع الفطري عند بني البشر، فقال الله تعالى:
﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ
لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن
يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ
لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ
اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ
عَزِيزٌ﴾2.
فلقد منح الله تعالى في هذه الآية إذناً بالحرب والجهاد لأولئك الذين مورست عليهم
مظاهر الظلم والجور، وتفيد الروايات بأن شأن نزول الآية كان إخراج المسلمين من
مدينتهم (مكة) وديارهم، ومصادرة أموالهم من جانب المشركين، ما يعني أن مفهوم
المظلوم في الآية شامل لكل من يخرج من بلده ويعتدى على ممتلكاته، وعليه فإن محاربة
العدو الغازي والمحتل حق مشروع للمظلومين.
3- ما هو الجهاد الدفاعي:
هو أحد أقسام الجهاد - كما ذهب أغلب الفقهاء- ويراد به قتال من دهم المسلمين من
الكفار والمشركين وغيرهم من الأعداء، للدفاع عن حوزة الإسلام وأراضي المسلمين
ونفوسهم وأعراضهم وأموالهم وثقافتهم وعناصر قوتهم...
ولا يعتبر في الجهاد الدفاعي إذن الإمام عليه السلام، بل يجب مطلقاً، فالدفاع واجب
بضرورة من الفطرة والعقل والشرع، وهو من أوجب الواجبات على جميع المسلمين في قبال
هجوم الأجانب والكفّار والتسلّط على بلاد المسلمين وشؤونهم.
وبما أن الدفاع لا يمكن ولا يتحصّل إلا بإعداد المقدّمات والوسائل والتسلّح بسلاح
العصر، والتدرّب عليه، فيجب ذلك لا محالة. ولعلّه لا يتسير إلا بالتشكيل التنظيمي
والعسكري المناسب ووجود قيادة جيّدة وحكيمة، لذا وجب عليهم أن يؤمِّروا على أنفسهم
قائداً حتى ينصرهم الله بتأييده ونصره.
نظرة الإمام الخميني قدس سره إلى الدفاع:
لقد كرّر الإمام الخميني قدس سره وفي مناسبات مختلفة ضرورة الدفاع ضد أعداء الإسلام
والمسلمين، ففي عام 1987 وفي كلمة بجمع من أعضاء شورى حزب الله - لبنان- قال:
"لقد اجتمع الشياطين برمّتهم يريدون وقف تنامي الإسلام، وعلينا أن نعي بأنّ من
الضروري أن نبقى على استعداد تام بكلّ قوانا وحتى آخر شخص منّا، ونجاهد في سبيل
الله، إن الدفاع عن أعراض المسلمين وبلادهم أمر لازم، وعلينا أن نجّهز أنفسنا
للأهداف الإلهية والدفاع عن المسلمين، ولا سيما في هذه الأوضاع التي هبّ فيها أبناء
فلسطين الإسلامية ولبنان- يعني حزب الله- والبلاد المغتصبة يقدّمون أرواحهم ودماءهم
صارخين (يا للمسلمين) ويبدون شهامة عظيمة في وجه السفّاكين، إن علينا أن نُعين
هؤلاء ونبيّن للناس أمرهم"3.
وقد وضع في تحرير الوسيلة في كتاب الأمر بالمعروف فصلاً تحت عنوان "الدفاع"، ذكر
فيه ما يمكن أن يتعرّض له المسلمون والبلاد الإسلامية من أشكال الهجوم العسكري،
والاقتصادي، والسياسي، والثقافي، وحدّد كيفية مواجهتها بمختلف أنواع المواجهة
والمقاومة والتصدّي.
وأهم هذه الأحكام كما وردت في تحرير الوسيلة هي:
- الدفاع عن بلاد المسلمين: لو غشي بلاد المسلمين أو ثغورها عدوّ يخشى منه على بيضة
الإسلام ومجتمعهم يجب عليهم الدفاع عنها بأيّة وسيلة ممكنة من بذل الأموال
والنفوس.و لا يشترط ذلك بحضور الإمام عليه السلام وإذنه ولا إذن نائبه الخاص أو
العام، فيجب الدفاع على كل مكلف بأيّة وسيلة بلا قيد وشرط.
- الدفاع عند الخوف من الاستيلاء السياسي والاقتصادي: فلو خيف على زيادة الاستيلاء
على بلاد المسلمين وتوسعة ذلك وأخذ بلادهم أو أسرهم وجب الدفاع بأيّة وسيلة ممكنة.
وكذا لو خيف على حوزة الإسلام من الاستيلاء السياسي والاقتصادي المنجر إلى أسرهم
السياسي والاقتصادي ووهن الإسلام والمسلمين وضعفهم يجب الدفاع بالوسائل المشابهة
والمقاومات المنفية، كترك شراء أمتعتهم، وترك استعمالها، وترك المراودة والمعاملة
معهم مطلقاً.
- الدفاع خوفاً من الاستعمار: لو كان في المراودات التجارية وغيرها مخافة على حوزة
الإسلام وبلاد المسلمين من استيلاء الأجانب عليها سياسياً أو غيرها الموجب
لاستعمارهم أو استعمار بلادهم ولو معنوياً يجب على كافة المسلمين التجنّب عنها،
وتحرم تلك المراودات.
ما هو واجب المسلمين تجاه مقدّساتهم:
تشترك الشرائع السماوية في أصولها ومبانيها، وتتفق على قداسة هذه الأصول وحرمتها
ووجوب الدفاع عنها، وقد أجمع فقهاء الإسلام بالإجمال على وجوب الدفاع عن بيضة
الإسلام، بل إن فلسفة تشريع الجهاد في الشريعة الإسلامية قائمة على مبدأ الدفاع عن
الشريعة وحفظ مقدّساتها وكيانها من كل ما يهدّده بالخطر أو التشويه ونحوه، ولهذا:
- يجب على المسلمين أنفسهم المحافظة على كل مقدّساتهم بالقول والعمل الدؤوب والدائم،
وعدم الإساءة إليها من خلال احترام مقدّسات الآخرين وخصوصياتهم.
- يجب مواجهة كل من يمس المقدّسات الإسلامية أياً كان موقعه أو الجهة التي ينتمي
إليها ضمن الضوابط الشرعية.
- يجب تنويع وسائل المواجهة والردع، من ثقافية، إعلامية، سياسية، قانونية، إدارية،
اقتصادية، إلى حد الجهاد والشهادة.
- يجب تربية مجتمعاتنا على احترام المقدّسات، والسعي الدائم لنقل هذه الثقافة إلى
الآخرين.
القوة المعنوية لحضور القادة في سوح الجهاد:
إنّ أهل الإيمان الكامل هم أشجع الناس وأكملهم شجاعة هو نبيهم محمد صلى الله عليه
وآله وسلم، وأئمتهم عليهم السلام. وقد عبّر الإمام علي عليه السلام عن شجاعة رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم وإقدامه بقوله: "لقد رأيتنا يوم بدر ونحن نلوذ برسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو أقربنا إلى العدو، وكان من أشد الناس يومئذ
بأسًا"4. وقال عليه السلام: "كنا إذا حمي البأس ولقي القوم القومٍ اتّقينا برسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم فلا يكون أحد أدنى إلى القوم منه"5.
ولذا يجب أن لا يغيب عن بال أحد ما لحضور القادة في الميدان مع المجاهدين من الأثر
الكبير على المعركة والمجاهدين معاً، ومجريات الأحداث ونتائج المعركة شهادة كانت أو
انتصاراً، وما للقيادة الشخصية لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للمعارك،
ولوجوده الشخصي في ميدان الحرب من دلالات تشريعية وتربوية وروحية عميقة، رسّخت عبر
التاريخ في قلوب المجاهدين والمقاومين، وأصبحت عنصراً فاعلاً في كل الانتصارات، ومن
هذه المدرسة تخرّج القادة الشهداء والمجاهدون في المقاومة الإسلامية في لبنان،
فكانت قوة المقاومة وثباتها، وأصبح دم الشهداء عنصراً حاسماً في النصر.
وهذا ما شاهدناه في مجاهدي المقاومة الإسلامية في لبنان حيث جسّدت أقدس المعارك من
خلال مواجهتها للعدوان الإسرائيلي والحرب التكفيرية على المقاومة، و كان السلاح
الأقوى في هذه الحرب الإيمان والإرادة والثبات والتوكّل على الله تعالى والطاعة له
سبحانه، فالمجاهدون بحق كانوا رجال الله، وقد تولاهم الله بعنايته ورحمته وتوفيقه
وتسديده، وقائدهم السيد الملهم أعاد إلى الأذهان صوت محمد صلى الله عليه وآله وسلم
بقيادته الإلهية الحكيمة، وشجاعة علي عليه السلام في خيبر، ولهذا أعلن باطمئنان
ووثوق انتهاء زمن الهزائم وولادة زمن الانتصارات. قال الله تعالى:
﴿الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ
إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ
بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ
يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ
اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾6.
1 وسائل الشيعة، 11/
5/ الباب الأول من أبواب جهاد العدو، حديث2.
2 الحج، 39-40.
3 صحيفة نور، 20 و 487.
4 كنز العمال ج10،ص397 ومسند أحمد ج1 ص86
5 السيرة النبوية، ابن كثير ج2،ص425
6 سورة الحج، الآية 40.