محاور الموضوع:
- الجذور التاريخية لظاهرة السبي
- موقف الإسلام من السبي
- أهداف الأمويين من أسر نساء الرسالة
- السيدة زينب عليها السلام في مواجهة الطغاة
الهدف:
التعرّف على معنى السبي وتاريخه وموقف الإسلام منه، ومواجهة السيدة زينب عليها
السلام للطغاة.
تصدير:
قالت زينب عليها السلام في خطبتها الشهيرة في مجلس الطاغية يزيد "... فكد كيدك واسع
سعيك وناصب جهدك فوالله لا تمحو ذكرنا ولا تميت وحينا..."
الافتتاح:
يَروي سهل بن سعد الساعدي: أقبلتُ على عليّ بن الحسين عليه السلام وقلت له: مولاي
هل لك من حاجة؟ فقال لي: هل عندك من الدراهم شيء؟ فقلت: ألف دينار وألف وَرقة. فقال:
خذ منها شيئاً وادفعه إلى حامل الرأس وأمره أن يبعده عن النساء، قال سهل، ففعلت ذلك
ورجعت إليه وقلت له: مولاي فعلت الذي أمرتني، هل من حاجة أخرى؟ قال: يا سهل هل عندك
ثوب عتيق؟ قلت: سيدي ما تصنع به، (أنتم تهدون إلى الناس الثياب الثمينة وتسألني
ثوباً بالياً)؟ قال: يا سهل لأَضَعَه تحت الجامعة فإنها أكلت عنقي. قال سهل:
فناولته الثوب، فلما رفعَ الجامعة سالت الدماء من تحتها.
الجذور التاريخية لظاهرة السبي
لقد كان السبي ظاهرة موجودة عند الأمم السابقة، ففي شريعة حمورابي كانوا لا يعدّون
أولاد الرجل من جاريته أولاداً شرعيين، إلا إذا نسبهم إليه، فإذا نسبهم إليه كان
لهم حق الإرث، وإلا فلا ميراث، لكنهم يعتقون. والرومان كانوا يعدون أولاد السبايا
عبيداً كأمهاتهم. وكان (اليهود) لا ينسبون ابن الجارية إلى أبيه وإن تهوّد، وجرى (الآشوريون)
على حرمان أبناء السبايا من الميراث إلا إذا لم يكن للأب أولاد من زوجة حرة. وكذلك
(البابليون) لم يورثوا ابن الأمة إلا إذا اعترف به أبوه أمام شهود. ولم تسمّ أمة
بأبناء الإماء كما سمت مصر، لأن (المصريين) كانوا يسمونهم بأبناء الزوجات الشرعيات،
حتى في التربية والميراث.
السبي عند العرب القدماء
أما العرب قبل الإسلام فكانوا لا يلحقون أبناءهم من الإماء بنسبهم، فلا يرثون إلا
إذا ادعوهم، وأشهدوا على أنّهم ألصقوا بهم نسبهم، فإن لم يلحق الرجل ابنه بنسبه
استعبده...(1).
فهذا الرصيد التاريخي للسبايا والسبي والرق قد ضرب في الجزيرة العربية بكل قوة
ونشأت حالة طبقية كبيرة في المجتمع العربي تعتمد على الغزو والأسر والسبي كي تروي
ظمأ شهوات الرجال، وتطفئ نيران غرائزهم.وإن الوقوف على جذور السبي في الجزيرة
العربية يدل على أنّه، أي: السبي، كان منذ مدة ليست بالقصيرة قبل ظهور الإسلام، إذ
يروي اليعقوبي في تاريخه قائلاً: (أول من سبى السبايا من العرب: سبا بن يعرب بن
قحطان، وكان اسم (سبا) عبد شمس، وهو أول ملك ملوك العرب وسار في الأرض وسبا السبايا)(2).
موقف الإسلام من السبي
كل هذه المعاناة والآلام حاربها الإسلام ووضع لها قانوناً جديداً يرتكز على حفظ
كرامة الإنسان، ولاسيما المرأة مع تقنين عملية الرق القائم على حفظ الحقوق
الإنسانية أولاً وكسب الخدمة من الرق المملوك وحفظ حق المالك.
إلا أنّ هذا الجهد الكبير لم يكن موازياً لتلك الترسبات التاريخية التي ضربت في
المجتمع الإنساني سواء كان في أرض الرافدين أو عند ارض النيل أو الرومان وغيرهم.
فقد تعامل الإسلام مع تلك الظاهرة التي وجدها قائمة بين أمم الأرض في تلك المرحلة
من تاريخ الإنسانية، لأنه دين واقعي يعطي لكل مشكلة حلاً، فضيّق الإسلام هذا الباب،
وشدّد في حرمة بيع الحر واسترقاقه، وحصر دائرة الرق فيما أخذ من طريق الجهاد
المشروع، ثم سعى لتحرير الأرقاء بكل ممكن مشروع، ورغّب في ذلك ترغيباً ظاهراً بفتحه
وتكثيره لمجالات العتق، ككفارة اليمين والظهار والقتل، مع حثّه وتأكيده على الإحسان
إلى الرقيق وتعلميهم وتأديبهم وإكرامهم وإعانتهم.. ونهج في القضاء على هذه الظاهرة
طرقاً كثيرة ولو استقام المسلمون على المنهج التام للإسلام لاختفى الرق وقضي عليه
في البشرية كلها.
أهداف الأمويين من أسر نساء الرسالة
يقع هدف أسر النساء والأطفال بعد معركة كربلاء ضمن السياسات الأموية البغيضة عبر
التاريخ، والقاضية بالثأر من بني هاشم، والقضاء المعنوي والمادي على سلالة رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم، وعدم تمكينهم من الحكم، أو حتى من العيش بأمان وراحة
بين أصحابهم وأهلهم، ولهذا فإن ما حصل من جرائم في كربلاء، وبعد كربلاء يقع في هذا
السياق. فإنّ العمل الذي قام به عبيد الله بن زياد بعد يوم كربلاء كان أمراً له
مقاصده السياسية، ولم يكن المطلوب منه أو المقصود منه أن تكون النساء مملوكات. لذلك
يُتحفّظ على لفظ السبايا، فلقد كان هناك عمل سياسي ومقاصده السياسية واضحة.
الأماكن التي مرّ ووقف فيها موكب الأسرى: ويتضح هذا الهدف أكثر عندما نتأمّل في
مسير أسارى أهل البيت عليهم السلام، فلم يكتفوا بأخذهم إلى الشام، فطافوا بهم في
البلدان إلى أن يصلوا بهن إلى عاصمتهم الشام، ليراهم كل إنسان مكشفات الوجوه وفي
أيديهم الأغلال والسلاسل. فكان مسير بنات الرسالة التفصيلي من كربلاء إلى الكوفة
جنوباً من ثم القادسية بعدها شمالاً إلى تكريت و الموصل، ثم غرباً عبر جبل سنجار،
ثم منطقة الجزيرة في الشمال السوري، و بعدها إلى حلب، حماة، بعلبك في لبنان وصولاً
إلى دمشق في سوريا.
ويروي المؤرّخون: لما أدخلوا الرؤوس والسبايا في دمشق الشام، أمر يزيد فزيّنت داره
بأنواع الزينة، وأوصلوا الرؤوس والنساء وقت الزوال إلى باب يزيد، فأوقفوهم ثلاث
ساعات ليأذن لهم يزيد بالدخول، بعد ذلك أدخلوا بنات رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم وحريمه عليه.
السيدة زينب عليها السلام في مواجهة الطغاة:
- لما قال ابن مرجانة سائلاً عنها، فقال: مَن هذه التي انحازت ناحية ومعها نساؤها؟
فأعرضت عنه احتقاراً واستهانة به، وكرّر السؤال فلم تجبه، فأجابته إحدى السيّدات:
هذه زينب بنت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. فقال لها: الحمد لله
الذي فضحكم وقتلكم، وأبطل أحدوثتكم. فأجابته عليها السلام بشجاعة أبيها محتقرة له
قائلة: "الحمْدُ للهِ الَّذي أَكْرَمَنَا بِنَبِيِّهِ، وَطَهَّرَنــــَا مِنَ
الرِّجْسِ تَطْهِيراً، إِنَّمَا يَفْتَضِحُ الْفَاسِقُ وَيَكْذِبُ الْفَـــاجِرُ،
وَهُوَ غَيْـــرُنَا يَا بْنَ مَرْجَانَة"
المواجهة مع رأس الظلم: لما وصلت قافلة الأسرى إلى مجلس الطاغية يزيد بن
معاوية في الشام...، وأظهر الطاغية فرحته الكبرى بإبادته لعترة رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم وأخذ يهزّ أعطافه جذلاناً وراح يترنّم هذه الأبيات التي مطلعها:
لَيْــــتَ أَشـــــْيَاخِي بِبَدرٍ شَـهِدُو جَزَعَ الْخَزْرَجِ مِـنْ وَقْعِ
الأَسَـلْ
ولمّا سمعت العقيلة هذه الأبيات ألقت خطبتها الشهيرة بفصاحة وشجاعة أبيها علي عليه
السلام وقد ضمّنتها أعنّف المواقف لفرعون عصره يزيد ومما قالته عليها السلام:
- (أَلْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَصَلَّى اللهُ عَلىَ مُحَمّدَ وآلِهِ
أَجْمَعِيَن، صَدَقَ اللهُ كَذَلكَ يَقُولُ: "ثم كان عاقبة الذين أساؤوا السؤى أن
كذبوا بأيات الله وكانوا بها يَسْتَهْزِؤُونَ)"..
- وَلَئِنْ جَرَّتْ عَلَيَّ الدَّوَاهِي مُخَاطَبَتَكَ، إِنِّي لأَسْتَصْغِرُ
قَدْرَكَ، وَأَسْتَعْظِمُ تَقْرِيعَكَ، وَأَسْتَكْثِرُ تَوْبِيخَكَ، لَكِنِ
الْعُيُونُ عَبْرىَ، وَالصُّدَورُ حَرّىَ.أَلاَ فَالعَجَبُ كُلُّ الْعَجَبِ لِقَتْلِ
حِزْبِ اللهِ النُّجبَاءِ بِحِزْبِ الشَّيْطَانِ الطُّلَقَاء.
- أَمِنَ الْعَدْلِ يَا بْنَ الطُّلَقَاءِ تَخْدِيرُكَ حَرَائِرَكَ وَإمَاءَكَ
وَسُوقَكَ بَنَاتِ رَسُولِ اللهِ سَبَايَا؟! قدْ هَتَكْتَ سُتورَهُنَّ، وَأَبْدَيْتَ
وُجُوهَهُنَّ، تَحْدُو بِهِنَّ الأَعْدَاءُ مِنْ بَلَدِ إلى بلدٍ،.. وَيَتَصَفَّحُ
وُجُوهَهُنَّ الْقَرِيبُ وَالبَعِيدُ..
- أَللَّهُمَّ خُذْ بِحَقِّنَا، وَانتَقِمْ مِمَّنْ ظَلَمَنَا، وَاحْلُلْ غَضَبَكَ
بِمَنْ سَفَكَ دِمَاءَنَا وَقَتَلَ حُمَاتَنَا.فَوَاللهِ مَا فَرَيْتَ إِلاَّ
جِلْدَكَ، وَلا حَزَزْتَ إِلاَّ لَحْمَكَ، وَلَتَرِدَنَّ عَلى رَسُولِ اللهِ صلى
الله عليه وآله وسلم بِمَا تَحَمَّلْتَ مِنْ سَفْكِ دِمَاءِ ذُرّيَّتِهِ،
وَانْتَهكْتَ مِنْ حُرْمَتِهِ فِي عِتْرَتِهِ وَلُحْمَتِهِ..
- توبيخ الطاغية أمام أعوانه: ومما قالته العقيلة في توبيخ يزيد: "..
فَكِدْ كَيْدَكَ، وَاسْعَ سَعْيَكَ، ونَاصِبْ جَهْدَكَ، فَوَاللهِ لاَ تَمْحُوَنَّ
ذِكْرَنَا، ولاَ تُمِيتُ وَحْيَنَا، وَلاَ تُدْركُ أَمَدَنَا، وَلاَ تَرْحَضُ عَنْكَ
عَارَهَا...".
(1) شرح رسالة الحقوق للإمام
زين العابدين للسيد علي القبانجي: ص455
(2) تاريخ اليعقوبي: ج1، ص195