حقيقة القرب من الله تعالى
الهدف:
توجيه وتصويب حياة الإنسان، حتى لا تخرج عن إطارها التكاملي الذي وضعه الله تعالى.
محاور الموضوع الرئيسية:
- القرب من الله أساس التكامل.
- معنى القرب والبعد.
- القرب من الله طريق العبودية.
- الشريعة الإلهية هي الطريق لضمان القرب من الله.
تصدير الدرس:
قال الله تعالى في سورة الواقعة: ﴿وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَئِكَ
الْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ﴾
القرب من الله سبحانه أساس التكامل:
كما أن التقرب له عز وجل روح الدين وثمرة حياة الإنسان الذي يتكامل به في حركته
التكاملية الصاعدة إلى الله، فقيمة الإنسان وعمله في مقدار قربه من الله. فكلما كان
الإنسان حاضر القلب في صلاته، كان قريـباً من الله تعالى، لأن حضور القلب الذي هو
جوهر الصلاة، هو الذي يكسب المصلي حالة التقرب إلى الله عز وجل. وعلى أي حال
تـتحدّث هذه الآيات عن صنف من أصناف الناس في يوم القيامة وهم السابقون، كما تحدّثت
الآيات عن أنهم مقربون من الله سبحانه وتعالى.
هذا وقد يكون القرب من الله سبحانه بالنسبة إلى خلقه، ويصح أن يعبّر عنه باللطف،
والعناية والرعاية والقدرة، وغير ذلك. وقد يكون من المخلوق بالنسبة إلى الله عز وجل،
وهو حالة انقطاع إلى الله تبارك وتعالى، بحيث لا يعلم حقيقتها إلا المتقرّب إليه
جلّت عظمته. لكن التقرّب من العبد إلى الله، ليس من قبيل القرب المكاني أو القرب
الزماني، لأن الله تعالى يحيط بالمكان والزمان، ولا يحويه مكان ولا زمان حتى يمكن
أن يتقرّب الإنسان منه على فاصل مكاني أو زماني خاص.
ذلك أنّ القرب المكاني أو الزماني يحوي دائما تقارناً بين النقطتين المتقاربتين،
فإذا كان زيد قريـباً من عمرو كذلك قريـباً من زيد، ومن غير الممكن أن يكون زيد
قريـباً من عمرو، مع كون عمرو بعيداً منه. فهذا التقارن الدائم، إنما يجري في القرب
المكاني والزماني، وهو قرب مادي.
أما القرب من الله سبحانه، فلا يكون كذلك لكونه قرباً معنوياً، والأمر فيه يختلف
فقد يكون أمر قريـباً من أمر آخر، مع أن الآخر بعيد عنه، وليس بالضرورة أن يكون
بينهما تقارن. وقرب الإنسان من الله سبحانه وبعده عنه من هذا القبيل، فإنّ الله
قريب من عباده بلا شك، لكنهم قد يكونوا بعيدين عنه.
معنى القرب والبعد:
فقد يكون القرب بمعنى العلم والمعرفة والإحاطة، بينما البعد يعني الجهالة، ولا ريب
في أنّ الله تعالى قريب من عباده، عالم بهم مطلع على سرائرهم، محيط بهم، والعبد
بعيد عن الله غير عارف به. وقد يكون القرب بمعنى الذكر، والبعد بمعنى الغفلة أو
النسيان، والله تعالى ذاكر لعباده بينما عباده ينسونه ولا يذكرونه. وقد يكون القرب
بمعنى الحب والرأفة والشفقة، فالله تعالى يحب عباده ويرأف بهم، ويشفق عليهم، بينما
عباده يعرضون عنه ويصدّون عن ذكره، والله تعالى قريب من عباده لا يحجبه عنهم شيء،
بينما عباده تحجبهم عنه سيئاتهم، وذنوبهم، فتبعدهم عنه. وإذا وصلنا إلى معرفة معنى
القرب من الله تعالى، نتساءل عن كيفية الحصول عليه؟ وعند الجواب عن ذلك نقول: إنّ
القرب من الله هو طريق العبودية.
القرب من الله طريق العبودية
إنّ الأنبياء والأوصياء جاؤوا ليعلّموا الناس أدب الحضور في محضر الله تعالى،
ولينذروهم بعاقبة ترك طاعته وعبوديته: ﴿قالَ يا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذيرٌ مُبينٌ
أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطيعُونِ﴾1. فهذا المحضر لا يدخله من كان
ملوّثاً بالذنوب والمعاصي: ﴿وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ
نُوحي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾2. لقد جاؤوا ليعلموا
الناس العبودية لله عزّ وجلّ. وإنّ لهذه العبودية ثلاثة شروط أساسية هي:
1- الالتزام التامّ بأوامر الله ونواهيه: فالعبد الحقيقي هو المطيع لسيده في
كلّ ما يأمر به أو ينهى عنه، إلى الحدّ الذي تصبح فيه شريعة المولى هي الآمر الناهي
في كلّ مملكة وجود هذا العبد. فإذا أراد الإنسان أن يكون عبداً شكوراً لله عليه أن
يلتزم بكل ما يأمر به مولاه، فلا يقّدم ولا يؤخّر شيئاً إلَّا طبق إرادة الله.
2- التسليم التام لإرادة الله: فلا يكفي مجرد الالتزام والعمل، بل ينبغي
لسالك طريق العبودية أن يسلّم أمره بالكامل إلى سيّده ومولاه، بمعنى ترك الاعتراض
على الله مطلقاً. قال الله تعالى مخاطباً رسوله الكريم: ﴿فَلا وَرَبِّكَ لا
يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا في
أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْليم﴾3.
3- الإخلاص: يقول الله تعالى في كتابه العزيز: ﴿فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ
رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَد﴾4.
تبيّن الآية الكريمة بشكلٍ واضحٍ شرطين أساسيين للقاء الحقّ تعالى: الأوَّل العمل
الصالح وهو الذي يظهر من خلال إتباع الشريعة والعمل بأحكامها. والشرط الثاني هو عدم
الشرك بالله تعالى أي الإخلاص، لأنّ الشرك يضادّه الإخلاص، فمن لم يكن مخلصاً فهو
مشرك. فالله عزّ وجل أمر النّاس بالعبادة ﴿وَقَضى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ
إِيَّاه﴾5، ولكنّه لم يأمر بأيّ عبادة بل أمر بالعبادة الخالصة له التي لا يشاركه
فيها أحدٌ سواه: ﴿وَما أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصينَ لَهُ
الدِّين﴾، وفي مكانٍ آخر يخاطب الرسول الأكرم (ص) فيقول: ﴿قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ
أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ﴾6.
الشريعة الإلهية هي الطريق لضمان القرب من الله
لقد أرسل الله تعالى إلى الناس شريعةً كاملة وشاملة تحتوي على كلّ احتياجاتهم
ومتطلّباتهم، وهي تتضمّن أوامر الله تعالى ونواهيه في كل شأنٍ من شؤون هذه الحياة،
ما ظهر منها وما بطن. وإنّ المبدأ الأساس الذي قامت عليه هذه الشريعة هو مصلحة
الإنسان وسعادته. فكل ما جاء فيها إنَّما كان لمصلحة الإنسان وسعادته. وهي الدستور
والقانون الذي ينبغي أن يطاع الله به. فإذا أراد الإنسان أن يكون عبداً صالحاً
سالكاً نحو الله ورضوانه، ما عليه إلَّا أن يجتهد في إتباع هذه الشريعة بكل
تفاصيلها بعد التعرّف إليها وتعلّم أحكامها، حلالها وحرامها، فيسعى بجدٍّ ونشاطٍ
لتطبيق هذه الأحكام حتّى تسري في كلّ تفاصيل حياته، فتصبح أحكام الله تعالى هي
الحاكمة في مملكة وجود الإنسان لا الأهواء النفسية الباطلة.
فطريق الجنّة هو طريق الطاعة والتقوى لله، وهذه الطاعة إنّما تتجلّى من خلال
الالتزام بشريعة الله: ﴿تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتي نُورِثُ مِنْ عِبادِنا مَنْ كانَ
تَقِيًّ﴾7. أما لو استكبر الإنسان وعصى فترك عبادة الله، فإنّ جهنم هي المثوى:
﴿إِنَّ الَّذينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ
داخِرينَ﴾8. فالعبد الحقيقي هو الذي يرجع إلى الشريعة قبل اتّخاذ أي موقف، علماً
منه بأنَّها تمثّل إرادة الله، ومن لا يسلك طريق العبودية، فإنّه يسرع إلى اتّخاذ
الموقف والقيام بالعمل من نفسه. وهذا هو السبب الأساسي في هلاك الإنسان، أي رجوعه
إلى نفسه بدل الرجوع إلى ربه لمعرفة الحلال والحرام منه وما فيه مصلحته وخيره.
فالعبد الحقيقي لا يبيح لنفسه شيئاً إلَّا بعد عرضه على الأحكام الشرعية الأربعة،
فإنّ لم يجده محرّماً أو واجباً أو مستحباً أو مكروهاً يحكم بأنّه مباحٌ ويتصرّف
وفقه، وعليه لكي يصبح الإنسان من السالكين لدرب الحق عليه:
أولاً: التعرّف إلى شريعة الله من خلال تعلّم الأحكام الشرعية.
ثانياً: العمل على تطبيق هذه الأحكام في حياته.
1- نوح: 2 – 3.
2- الأنبياء: 25.
3- النساء: 65.
4- الكهف: 110.
5- الإسراء: 23.
6- الزمر: 11.
7- مريم: 63.
8- غافر: 60.