الهدف
التعرّف على جوانب من فضل العبادة وآثارها وآدابها المعنوية.
محاور الموضوع
- ما هي العبادة؟
- فضل العبادة وأثرها.
- كيف أكون عبداً؟
- إخلاص النية بوابة العبادة.
- الطمأنينة روح العبادة
تصدير الموضوع
روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قوله: (أفضل الناس من عَشِقَ العبادة
فعانقها، وأحبّها بقلبه، وباشَرها بجسده، وتفرّغ لها، فهو لا يبالي على ما أصبح من
الدنيا، على عسر أم يسر).*
ما هي العبادة؟
أصل معنى العبادة مأخوذ من الذلّ، يُقال: طريق معبّدٌ، إذا كان مذلّلاً قد وطئته
الأقدام. غير أنّ العبادة في الشرع لا تقتصر على معنى الذلّ فقط، بل تشمل معنى الحبّ
أيضاً؛ فهي تتضمّن غاية الذلّ لله وغاية المحبّة له، فيجب أن يكون الله أحبَّ إلى
العبد من كلّ شيء، وأن يكون الله عنده أعظم من كلّ شيء، عن الإمام علي عليه السلام
قال: "إذا أحبّ الله عبداً، ألهمه حسَن العبادة"(1)
فضل العبادة وأثرها
يكفي في فضلها ما ورد في الحديث القدسي: "… وإنه (العبد) ليتقرّب إليّ بالنوافل
حتى أُحبّه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ولسانه الذي
ينطق به، ويده التي يبطش بها، إن دعاني أجبته، وإن سألني أعطيته"(2).
ويمكن أن نحصي لعبادة الله سبحانه آثاراً عديدة أخرى على الإنسان، نذكر منها:
- غنى القلب: عن الإمام الصادق عليه السلام قال: "في التّوراة مكتوب يا ابن
آدم تفرّغ لعبادتي أَمْلأْ قَلبكَ غِنىً، وَلا أَكِلَكَ إلى طلبك، وعليّ أن أسدّ
فاقتك وأملأ قلبكَ خوفاً منّي وإن لا تَفَرَّغ لعبادتي أملأْ قلبكَ شغلاً بالدنيا
ثم لا أسدّ فاقتك وأكلك إلى طلبك"(3)
- يباهي الله به الملائكة: عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أنه
قال: "إنّ الله تعالى يُباهي بالشابّ العابد الملائكة، يقول: انظروا إلى عبدي ترك
شهوته من أجلي" (4)
- ينصره الله على الشيطان: عن الإمام الصادق عن آبائه عليه السلام قال: "قال
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأصحابه: ألا أُخبركم بشيء إن أنتم فعلتموه
تباعد الشيطان عنكم كما تباعد المشرق من المغرب؟ قالوا: بلى، قال: الصوم يسوّد وجهه،
والصدقة تكسر ظهره، والحبّ في الله والموازرة على العمل الصالح يقطعان دابره،
والاستغفار يقطع وتينه ولكلّ شيء زكاة وزكاة الأبدان الصّيام"(5)
كيف أكون عبداً؟
"العبد" هو الإنسان المملوك لمولاه، الذي لا يملك لنفسه شيئاً، والذي تكون
إرادته تابعةً لإرادة مالكه، فلا يطلب شيئاً إلّا تبعاً لطلبه ومشيئته، ولا يعصي له
أمراً ولا يتمرّد على حكمه.
و"العبوديّة" هي إظهار منتهى الخضوع للمعبود، والتسليم له، وامتثال الطاعة
والانقياد له، بلا قيدٍ ولا شرط. والمعبود الوحيد الّذي له حقّ العبادة على الآخرين؛
هو الّذي بذل منتهى الإنعام والإكرام؛ وليس ذلك سوى الله سبحانه.
فمعنى أن أكون عبداً؛ أن لا أقوم بأيّ فعل حتّى أعلم حكم الله فيه فأعمل وفقه، وأن
لا تكون لي إرادة في مقابل إرادة الخالق، وأن لا أريد إلّا ما أراده، ولا أرى لنفسي
حولاً ولا قوّةً على شيءٍ إلّا بتوفيقه تعالى ومنّه.
رُوي عن الإمام الصادق عليه السلام لمّا سُئِل عن حقيقة العبوديّة: "ثلاثة أشياء؛
أن لا يرى العبد لنفسه فيما خوَّلهُ الله مِلْكاً، لأنّ العبيد لا يكون لهم مِلْكٌ
يرون المال مال الله يضعونه حيث أمرهم الله به، ولا يُدَبِّرُ العبد لنفسه تدبيراً
وجُملَة اشتغاله فيما أمره تعالى به ونهاه عنه، فإذا لم ير العبد لنفسه فيما
خوَّلَه الله تعالى مِلْكاً هان عليه الإنفاق فيما أمره الله تعالى أن يُنفِق فيه،
وإذا فوَّضَ العبد تدبير نفسه على مُدَبِّره هان عليه مصائب الدّنيا، وإذا اشتغل
العبد بما أمره الله تعالى ونهاه لا يتفرّغ منهما إلى المِرَاءِ والمباهاة مع الناس"(6)
إخلاص النية بوابة العبادة:
روي عن النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم قوله: "إنّما الأعمال بالنيات، ولكل
امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت
هجرته إلى دنيا يصيبها، أو امرأة يتزوجها، فهجرته إلى ما هاجر إليه"(7)
وقد جاء في حديث الإمام جعفر الصادق عليه السلام قوله: "صاحب النية الصادقة، صاحب القلب السليم"(8). وسئل الإمام جعفر الصادق عليه السلام عن العبادة وحدّها التي إذا فعلها فاعلها كان مؤدّياً فقال: "حسن النية بالطاعة من الوجوه التي يطاع الله منه"(9)
فالنية إذاً هي مصدر قيمة الفعل، وعليها يتوقّف مدى قبوله عند الله، ونيل ثوابه. ولذا كان المؤمن الحق بعيداً عن التناقض والنفاق، وانقسام الشخصية، وهو يعبّر بممارسته عن ذاته حقاً، ويرسم صورة توجّهاته الذاتية الباطنة، من غير نفاق ولا رياء. قال تعالى: (قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَىٰ شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَىٰ سَبِيلًا)(10)
فلذلك كلّه فإن الهيكل الشكلي
الظاهري للفعل العبادي لا يعبّر عن إيمان صاحبه، حتى وإن توافق مع الشروط الفقهية
والمظهر الخارجي للعبادات، إلاّ إذا كان صادراً عن نيّة صادقة مخلصة.
الطمأنينة روح العبادة
من الآداب المعنوية الهامّة للعبادات - ولا سيّما التي يطغى فيها طابع الذِّكر
كالصلاة- أدب الطمأنينة. وأداء الصلاة أو أي عبادة أخرى بحال الطمأنينة يعني أن
يؤدّيها العابد وهو في حالٍ من سكينة القلب واطمئنان البال.وهذا يعني أن يكون قلب
الإنسان هادئاً مطمئناً غير مضطربٍ لأي سببٍ من الأسباب، وساكناً غير متزلزلٍ بأي
عاملٍ من العوامل. أمّا لماذا يعتبر هذا الأدب في غاية الأهمية وما هي فائدته
بالنسبة للعبادة؟
عن أمير المؤمنين علي عليه السلام قال: "...إنّ الله تعالى ما فرض الإيمان على
جارحة من جوارح الإنسان إلا وقد وُكِلَتْ بغير ما وُكِلَتْ به الأخرى فمنها قلبه
الذي يعقل به ويفقه ويفهم ويحلّ ويعقد ويريد وهو أمير البدن وإمام الجسد الّذي لا
تُورَدُ الجوارح ولا تصدر إلّا عن رأيه وأمره ونهيه..."(11)
وعلى ضوء هذه الحقيقة يمكن لنا أن نفهم إحدى علل تكرار العبادات كالصلاة اليومية
مثلاً، حيث إن تكرارها وترديد أذكارها وإعادة أورادها يهدف إلى زيادة أثرها في قلب
الإنسان وتعميقه فينفعل بها ويتّحد بروح العبادة ويسري هذا الأثر إلى كلّ باطنه ثم
إلى أعضائه الخارجية، وإلى هذا المعنى أشار الإمام الصادق عليه السلام: (فاجعل قلبك
قبلةً للسانك لا تحرّكه إلا بإشارة القلب وموافقة العقل ورضا الإيمان)(12)
فإذا كان هذا هو الواقع فيمكن لنا أن نستنتج أهمّية كون القلب في حالٍ من الطمأنينة
عند العبادة، لأن القلب المتزلزل المضطرب لا يمكن له أن ينفعل بالعبادة مهما بلغت
وعظمت. ويمكننا لتوضيح الصورة أن نشبّه القلب المتزلزل بالأرض المهتزّة والمتزلزلة
التي نريد أن نشيد فيها بنياناً، فهل يمكننا ذلك في هذه الحال من الاضطراب
والاهتزاز؟ أم أن جميع جهود البناء وكلّ الموارد والمواد التي سنستثمرها سوف تذهب
سدىً وكأنها هباءٌ منثور؟ والأمر سيّان بالنسبة للقلب فلكي ينفعل ويتأثّر بالعبادة
وتؤتي فيه العبادة أكلها لا بد من أن يكون ساكناً، هادئاً ومطمئناً فينتقل هذا
الأثر بالتدريج وعلى أثر تكرار العبادة من القلب إلى الجوارح ويظهر عليها.
طمأنينة الزهراء عليها السلام
ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في رواية ذكر فيها مقام ومنزلة وعبادة
السيدة الزهراء عليها السلام متى قامت في محرابها بين يديّ ربّها: "...وأمّا ابنتي
فاطمة فإنّها سيّدة نساء العالمين من الأوّلين... متى قامت في محرابها بين يدي
ربّها جلّ جلاله زَهَرَ نورها لملائكة السّماء كما يَزهَر نور الكواكب لأهل الأرض،
ويقول الله عزَ وجلّ لملائكته يا ملائكتي انظروا إلى أمتي فاطمة سيّدة إمائي قائمة
بين يديّ ترتعد فرائصها من خيفتي وقد أقبلت بقلبها على عبادتي أشهدكم أنّي قد آمنت
شيعتها من النّار"(13)
* الشيخ الكليني، محمّد بن يعقوب:
الكافي، ج 2، ص 83،
(1) الريشهري، محمّد: ميزان الحكمة، ج 1، ص 508
(2) الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص352.
(3) الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص83.
(4) المتقي الهندي، كنز العمال، ج15، ص776.
(5) الشيخ الكليني،الكافي، ج4، ص62.
(6) العلّامة المجلسي، بحار الأنوار، ج1، ص224.
(7) الميرزا النوري، مستدرك الوسائل، ج1، ص90
(8) العلّامة المجلسي، بحار الأنوار، ج67، ص210.
(9) الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص83.
(10) سورة الإسراء، الآية 84.
(11) العلّامة المجلسي، بجار الأنوار، ج66، ص74.
(12) الميرزا النوري، مستدرك الوسائل،ج5،ص397.
(13) م. ن، ج28، ص37.