الهدف:
التعرّف على الحياة الزوجية النموذجية لأمير المؤمنين عليه السلام والسيدة الزهراء
عليها السلام ، والاقتداء بهما.
محاور الموضوع:
فاطمة كمال القدوة والأسوة.
قصة زواج النورين
مهر الزهراء عليها السلام وزفافها
الحياة الزوجية تعاون وإيثار
هكذا تكون الزوجة.
تصدير الموضوع:
... روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : "أبشرّك يا عليّ فإنّ الله ـ
عزوجل ـ قد زوّجكها في السماء من قبل أن أزوّجكها في الأرض..."1.
1بحار الأنوار : 43 / 127.
فاطمة كمال القدوة والأسوة:
تضافرت الروايات وأخبار السير بذكر جوانب الكمال والقدوة في شخصية سيدة نساء
العالمين فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، وقد لخّصها الإمام الخميني قدس
سره بقوله:
"إنّ جميع خصال النبيين والأولياء والصديقين عليه السلام ومقاماتهم التي بلغوها بما
اشتملت عليه من مضامين مجتمعة في سيدة نساء العالمين عليه السلام ، بل إن لها من
الحالات في مقام القرب من الله تعالى ما لا يسعها ملك مقرب ولا نبي مرسل..."
قال صلى الله عليه وآله وسلم : "يا فاطمة!ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء العالمين و
سيدة نساء هذه الأمة و سيدة نساء المؤمنين"1.
قصة زواج النورين
- تاريخ زواجهما عليه السلام ومكانه ذو الحجّة 2ﻫ، المدينة المنوّرة.
- مجيء الإمام علي عليه السلام للخطبة: جاء الإمام علي عليه السلام إلى رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم وهو في منزل أُمّ سلمة، فسلّم عليه وجلس بين يديه، فقال له
النبي صلى الله عليه وآله وسلم : "أتَيْتَ لِحاجَة"؟ فقال الإمام عليه السلام : "نَعَمْ،
أتَيتُ خاطباً ابنتك فاطمة، فهلْ أنتَ مُزوِّجُني"؟
قالت أُمّ سلمة: فرأيت وجه النبي صلى الله عليه وآله وسلم يَتَهلّلُ فرحاً وسروراً،
ثمّ ابتسم في وجه الإمام علي عليه السلام ، ودخل على فاطمة عليها السلام وقال لها:
"إنّ عَليّاً قد ذكر عن أمرك شيئاً، وإنّي سألتُ ربِّي أن يزوِّجكِ خير خَلقه، فما
تَرَين"؟.
فسكتت عليه السلام ، فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو يقول: "اللهُ
أكبَرُ، سُكوتُها إِقرارُها"، فأتاه جبرائيل عليه السلام فقال: يا محمّد، زوّجها
علي بن أبي طالب، فإنّ الله قد رضيها له ورضيه لها.
- إخبار الصحابة: أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنس بن مالك أن يجمع
الصحابة ليُعلِن عليهم نبأ تزويج فاطمة للإمام علي عليه السلام . فلمّا اجتمعوا قال
صلى الله عليه وآله وسلم لهم: "إنّ الله تعالى أمَرَني أن أزوِّجَ فاطمة بنت خديجة
من علي بن أبي طالب"2.
خطبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم عند تزويجهما عليهما السلام
قال:"الحمد لله المحمود بنعمته، المعبود بقدرته، المطاع بسلطانه، المرهوب من عذابه،
المرغوب إليه فيما عنده، النافذ أمره في أرضه وسمائه، الذي خلق الخلق بقدرته،
وميّزهم بأحكامه، وأعزّهم بدينه، وأكرمهم بنبيّه محمّد.
ثمّ إنّ الله جعل المصاهرة نسباً لاحقاً، وأمراً مفترضاً، وشجّ بها الأرحام،
وألزمها الأنام، فقال تبارك اسمه، وتعالى جده: وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ
الْمَاء بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا 3.
"ثمّ إنّ الله أمرني أن أزوّج فاطمة من علي، وإنّي أشهد أنّي قد زوّجتها إيّاه على
أربعمائة مثقال فضّة، أرضيتَ"؟
قال عليه السلام : "قد رضيت يا رسول الله"، ثمّ خرّ ساجداً، فقال رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم : "بارك الله عليكما، وبارك فيكما، واسعد جدّكما، وجمع بينكما،
وأخرج منكما الكثير الطيّب"4.
روي عن الإمام الصادق عليه السلام : "لولا أنّ الله خلق أمير المؤمنين لفاطمة ما
كان لها كفؤ على الأرض"5.
مهر الزهراء عليها السلام وزفافها
اختلفت الروايات في قدر مهر الزهراء عليها السلام ، والمشهور أنّه كان خمسمائة درهم
من الفضّة؛ لأنّه مهر السنّة، كما ثبت ذلك من طريق أئمّة أهل البيت عليهم السلام ،
والخمسمائة درهم تساوي 250 مثقالاً من الفضّة تقريباً.
ولمّا كانت ليلة الزفاف، أتى صلى الله عليه وآله وسلم ... وأخذ علياً عليه السلام
بيمينه وفاطمة عليه السلام بشماله، وضمّهما إلى صدره، فقبّل بين أعينهما، وأخذ بيد
فاطمة فوضعها في يد علي، وقال: "بارك الله لكَ في ابنة رسول الله".
وقال صلى الله عليه وآله وسلم : "يا علي، نعم الزوجة زوجتك"، وقال: "يا فاطمة، نعم
البعل بعلك"، ثمّ قال لهما: "اذهبا إلى بيتكما، جمع الله بينكما وأصلح بالكما"،
وقام يمشي بينهما حتّى أدخلهما بيتهما6.
- بيتهما: جهّز علي عليه السلام داره، وفرش عليه السلام بيته بالرمل الليّن ونصب
خشبة من حائط إلى الحائط لتعليق الثياب عليها وبسط على الأرض إهاب كبش ومخدَّة ليف
.
الحياة الزوجية تعاون وإيثار:
- علي وفاطمة يتقاسمان أعمال المنزل: في ذات يوم دخل رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم على عليّ عليه السلام فوجده هو وفاطمة عليها السلام يطحنان في الجاروش، فقال
النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم : "أيّكما أعيى؟" فقال عليّ عليه السلام : "فاطمة
يا رسول الله" فقال صلى الله عليه وآله وسلم : "قومي يا بنية"، فقامت وجلس النبي
صلى الله عليه وآله وسلم موضعها مع علي عليه السلام فواساه في طحن الحبّ7.
وعن أبي عبدالله الصادق عليه السلام قال: "كان أمير المؤمنين عليه السلام يحتطب
ويستقي ويكنس، وكانت فاطمة عليه السلام تطحن وتعجن وتخبز8.
وجاء في تفسير العياشي بسنده عن أبي جعفر عليه السلام قال: "إنّ فاطمة ضمنت لعلي
عليه السلام عمل البيت والعجين والخبز وقمّ البيت وضمن لها عليٌ ما كان خلف الباب:
نقل الحطب وان يجيء بالطعام فقال لها يوماً: يا فاطمة هل عندك شيء؟ قالت: والذي عظم
حقك ما كان عندنا منذ ثلاثة أيام شيء نقريك به قال: أفلا أخبرتني؟ قالت: كان رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم نهاني أن أسألك شيئاً فقال : لا تسألين ابن عمك شيئاً
أن جاءك بشيء (عفو) وإلا فلا تسأليه".
- تضحيات فاطمة أمام أسرتها: لقد كانت بنت النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم
تبذل قصارى جهدها لإسعاد أسرتها، ولم تستثقل أداء مهام البيت رغم كلّ الصعوبات
والمشاق، حتى أنّ عليّاً أمير المؤمنين عليه السلام رقّ لحالها وامتدح صنعها، وقال
لرجل من بني سعد:" ألا أحدثك عنّي وعن فاطمة ؟ إنّها كانت عندي وكانت من أحبّ أهله
صلى الله عليه وآله وسلم إليه ، وإنّها استقت بالقربة حتى أثّر في صدرها، وطحنت
بالرحى حتى مجلت يداها، وكسحت البيت حتى اغبرّت ثيابها، وأوقدت النار تحت القدر حتى
دكنت ثيابها، فأصابها من ذلك ضرر شديد فقلت لها: لو أتيت أباكِ فسألتيه خادماً
يكفيكِ ضرّ ما أنتِ فيه من هذا العمل، فأتت النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم فوجدت
عنده حدّاثاً، فاستحت فانصرفت... قال علي عليه السلام :" فَعلم النبيّ صلى الله
عليه وآله وسلم أنّها جاءت لحاجة، قال عليه السلام : فغدا علينا رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم ... فقال صلى الله عليه وآله وسلم : أفلا أعلمكما ما هو خير لكما من
الخادم؟ إذا أخذتما منامكما فسبّحا ثلاثاً وثلاثين واحمدا ثلاثاً وثلاثين وكبّرا
أربعاً وثلاثين9 .
هكذا تكون الزوجة:
لقد كانت الزهراء عليها السلام تشجّع زوجها، وتمتدح شجاعته وتضحيته، وتشدّ على يده
للمعارك المقبلة، وتسكّن جراحه حتى قال الإمام عليّ عليه السلام :" ولقد كنت أنظر
اليها فتنجلي عنّي الغموم والأحزان بنظرتي إليها"10
ولقد كانت حريصة كلّ الحرص في القيام بمهام الزوجية، وما خرجت فاطمة عليها السلام ،
وما أسخطته يوماً وما عصت له أمراً، وقابلها الإمام عليّ عليه السلام بنفس الاحترام
والودّ وهو يعلم مقامها ومنزلتها الرفيعة، حتى قال: "فوالله ما أغضبتها ولا أكربتها
من بعد ذلك حتى قبضها الله إليه، ولا أغضبتني ولا عصت لي أمراً.
وعن أبي سعيد الخدري قال: أصبح عليّ بن أبي طالب عليه السلام ذات يوم ساغباً فقال:
"يا فاطمة هل عندك شيء تغذينيه ؟" قالت: "لا، والذي أكرم أبي بالنبوّة وأكرمك
بالوصيّة ما أصبح الغداة عندي شيء وما كان شيء أطعمناه مذ يومين إلاّ شيء كنت أؤثرك
به على نفسي وعلى ابنيّ هذين (الحسن والحسين) فقال عليّ عليه السلام : "يا فاطمة
ألا كنت أعلمتني فأبغيكم شيئاً؟" فقالت: "يا أبا الحسن إنّي لأستحي من إلهي أن
أكلّف نفسك ما لا تقدر عليه"11.
1مستدرك الصحيحين/ج 3/ص 156.
2الأمالي للطوسي: 39.
3 (الفرقان: 54)
4مناقب آل أبي طالب 3/128.
5الأمالي للطوسي: 43.
6بحار الأنوار 43/142.
7المصدر السابق : 43 / 50
8م.ن. 151.
9بحار الأنوار : 43 / 85
10المناقب للخوارزمي : 353.
11بحار الأنوار : 43 / 59