الهدف
التعرّف على جانب من سِّمات الشيعة في كلام أمير المؤمنين عليه السلام
محاور الموضوع
الشيعة في كلام أمير المؤمنين
السِّمات العامة للشيعة
ثلاثة شروط لحفظ الشيعة
تصدير
روي عن الامام الباقر عليه السلام: إنّما شيعة علي الشاحبون الناحلون
الذابلون، ذابلة شفاههم، مصفّرة وجوههم، متغيّرة ألوانهم، خميصة بطونهم، إذا جنّهم
الليل اتخذوا الأرض فراشاً، وترابها بساطاً، وماءها طيباً، والقرآن شعاراً، والدعاء
دثار، كثيرٌ سجودهم، غزيرة دموعهم، كثير دعاؤهم، كثير بكاؤهم، يفرح الناس وهم
محزونون"[1].
السِّمات العامة للشيعة
ذكر الإمام علي عليه السلام عدة سمات للشيعة منها:
1- سمات الشخصية المؤمنة العقلية والفكرية: أورد الإمام علي عليه السلام في
خطبته المشار إليها السمات العقلية والفكرية التالية للمؤمن: الْفَطِنُ،
مَغْمُومٌ بِفِكْرِه، اسْتِفْهَامُه تَعَلُّمٌ، ومُرَاجَعَتُه تَفَهُّمٌ، كَثِيرٌ
عِلْمُه، يُحِبُّ فِي اللَّه بِفِقْه وعِلْمٍ، مُذَكِّرٌ لِلْعَالِمِ، مُعَلِّمٌ
لِلْجَاهِلِ، دَقِيقُ النَّظَرِ،لَا يَنْطِقُ بِغَيْرِ صَوَابٍ وكَلَامُه حِكْمَةٌ،
يَمْزُجُ الْحِلْمَ بِالْعِلْمِ، والْعَقْلَ بِالصَّبْرِ، مُحْكَماً أَمْرُه،
يُخَالِطُ النَّاسَ لِيَعْلَمَ، يَسْأَلُ لِيَفْهَمَ.
2- سِّمات الشخصية المؤمنة الانفعالية والوجدانية والمزاجية: أورد الإمام
علي عليه السلام عدداً من السِّمات الانفعالية والمزاجية للشخصية المؤمنة بلغ
عددها (۲۰) سمة، " بِشْرُه فِي وَجْهِه، وحُزْنُه فِي قَلْبِه، لَا حَقُودٌ،
ولَا حَسُودٌ، ولَا سَبَّابٌ، طَوِيلُ الْغَمِّ، بَعِيدُ الْهَمِّ، كَثِيرُ
الصَّمْتِ، إِنْ ضَحِكَ لَمْ يَخْرَقْ، وإِنْ غَضِبَ لَمْ يَنْزَقْ، مَسْرُورٌ
بِفَقْرِه، ضِحْكُه تَبَسُّمٌ، لَا يَخْرَقُ بِه فَرَحٌ، ولَا يَطِيشُ بِه مَرَحٌ،
هَشَّاشٌ بَشَّاشٌ، لَا بِعَبَّاسٍ، ولَا بِجَسَّاسٍ، بَسَّامٌ، كَظُوماً غَيْظَه.
3- سِّمات الشخصية المؤمنة الأخلاقية والعبادية: شخّص الإمام علي عليه
السلام السِّمات الأخلاقية للشخصية المؤمنة، وجعلها (۲۰) سمة تتمثّل ب "زَاجِرٌ
عَنْ كُلِّ فَانٍ، رَاضٍ عَنِ اللَّه عَزَّ وجَلَّ، مُخَالِفٌ لِهَوَاه، نَاصِرٌ
لِلدِّينِ، ولَا يَصْرِفُ اللَّعِبُ حُكْمَه، لَا بِفَحَّاشٍ، ولَا بِطَيَّاشٍ،
تَقِيٌّ، ويَقْطَعُ فِي اللَّه بِحَزْمٍ وعَزْمٍ، كُلُّ سَعْيٍ أَخْلَصُ عِنْدَه
مِنْ سَعْيِه، وكُلُّ نَفْسٍ أَصْلَحُ عِنْدَه مِنْ نَفْسِه، يُحِبُّ فِي اللَّه،
ولَا يَنْتَقِمُ لِنَفْسِه بِنَفْسِه، ولَا يُوَالِي فِي سَخَطِ رَبِّه، خَاضِعٌ
لِرَبِّه بِطَاعَتِه، رَاضٍ عَنْه فِي كُلِّ حَالاتِه، نِيَّتُه خَالِصَةٌ، نَاصِحٌ
فِي السِّرِّ والْعَلَانِيَةِ، خَاشِعاً قَلْبُه، ذَاكِراً رَبَّه.
4- السِّمات الاقتصادية للشخصية المؤمنة: لقد وضع الإمام علي عليه السلام خصالاً
للمؤمن العملي المدّبر في شؤونه الاقتصادية، منها: "لَا يَبْخَلُ، ولَا يَبْطَرُ،
لَا جَشِعٌ ولَا هَلِعٌ، عَالِمٌ، رَصِينٌ، لَا يَلْبَسُ إِلَّا الِاقْتِصَادِ،
أَعْمَالُه لَيْسَ فِيهَا غِشٌّ ولَا خَدِيعَةٌ، مُتَبَاذِلاً، لَا يَبْطَرُ فِي
الرَّخَاءِ، قَانِعاً بِالَّذِي قُدِّرَ لَه.
الشيعة في كلام أمير المؤمنين عليه السلام
روي أن أمير المؤمنين عليه السلام خرج ذات ليلة من المسجد، وكانت ليلة قمراء
فأم الجبانة، ولحقه جماعة يقفون أثره، فوقف عليهم ثم قال: من أنتم ؟ قالوا: شيعتك
يا أمير المؤمنين؟ فتفرس في وجوههم ثم قال: فما لي لا أرى عليكم سيِّماء الشيعة؟
قالوا: وما سّيماء الشيعة يا أمير المؤمنين؟ فقال: صُفْرُ الوجوه من السّهر، عُمْشُ
العيون من البكاء، حُدْبُ الظهور من القيام، خُمْصُ البطون من الصيام، ذُبُل ُالشّفاه
من الدعاء، عليهم غبرة الخاشعين"[2].
وهذه الأوصاف يطلع عليها النّاظرون لهم نهارا، وهو قريب من قوله في خطبة المتقين (وأمّا
النّهار فحلماء علماء أبرار أتقياء) يعني أنّهم متّصفون بالحلم والعلم والبرّ
والتّقوى.
وقريب من هذه الرواية ما عن علي أنه قال:... مالي لا أرى سيماء الشيعة، عليكم،
فقلنا وما سيماء الشيعة، فقال ( ع) صُفْرُ الوجوه من صلاه الليل، عُمْشُ العيون من
مخافة الله، ذُبُلُ الشفاه من الصيام، عليهم غبرة الخاشعين"[3].وما ورد في نهج
البلاغة عنه عليه السلام:"أَيْنَ الْقَوْمُ الَّذِينَ دُعُوا إِلَى الإِسْلَامِ
فَقَبِلُوه-وقَرَءُوا الْقُرْآنَ فَأَحْكَمُوه-وهِيجُوا إِلَى الْجِهَادِ
فَوَلِهُوا-وَلَه اللِّقَاحِ إِلَى أَوْلَادِهَا-وسَلَبُوا السُّيُوفَ
أَغْمَادَهَا-وأَخَذُوا بِأَطْرَافِ الأَرْضِ زَحْفاً زَحْفاً-وصَفّاً صَفّاً بَعْضٌ
هَلَكَ وبَعْضٌ نَجَا-لَا يُبَشَّرُونَ بِالأَحْيَاءِ-ولَا يُعَزَّوْنَ عَنِ
الْمَوْتَى-مُرْه الْعُيُونِ مِنَ الْبُكَاءِ-خُمْصُ الْبُطُونِ مِنَ
الصِّيَامِ-ذُبُلُ الشِّفَاه مِنَ الدُّعَاءِ-صُفْرُ الأَلْوَانِ مِنَ
السَّهَرِ-عَلَى وُجُوهِهِمْ غَبَرَةُ الْخَاشِعِينَ-أُولَئِكَ إِخْوَانِي
الذَّاهِبُونَ-فَحَقَّ لَنَا أَنْ نَظْمَأَ إِلَيْهِمْ-ونَعَضَّ الأَيْدِي عَلَى
فِرَاقِهِمْ" [4].
ثلاثة شروط لحفظ الشيعة
دخل سَدِيرُ الصيرفي على أبي عبد الله وعنده جماعة من أصحابه فقال: يَا
سَدِيرُ لَا تَزَالُ شِيعَتُنَا مَرْعِيِّينَ، مَحْفُوظِينَ، مَسْتُورِينَ،
مَعْصُومِينَ، مَا أَحْسَنُوا النَّظَرَ لِأَنْفُسِهِمْ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَ بَيْنَ
خَالِقِهِمْ، صَحَّتْ نِيَّاتُهُمْ لِأَئِمَّتِهِمْ، وَبَرُّوا إِخْوَانَهُمْ
فَعَطَفُوا عَلَى ضَعِيفِهِمْ وَتَصَدَّقُوا عَلَى ذَوِي الْفَاقَةِ مِنْهُمْ،
إِنَّا لَا نَأْمُرُ بِظُلْمٍ وَلَكِنَّا نَأْمُرُكُمْ بِالْوَرَعِ الْوَرَعِ
الْوَرَعِ، وَالْمُوَاسَاةِ الْمُوَاسَاةِ لِإِخْوَانِكُمْ، فَإِنَّ أَوْلِيَاءَ
اللَّهِ لَمْ يَزَالُوا مُسْتَضْعَفِينَ قَلِيلِينَ مُنْذُ خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ"
[5].
الرواية تبين أن الشيعة
حتى يكونوا مرعيين محفوظين مستورين معصومين عليهم أن يقوموا بثلاثة أمور:
- تصحيح العلاقة مع الله تعالى: "مَا أَحْسَنُوا النَّظَرَ لِأَنْفُسِهِمْ
فِيمَا بَيْنَهُمْ وَ بَيْنَ خَالِقِهِمْ" فعليهم أن يفكروا جيدا في كيفية
علاقتهم مع الله تعالى فهل العلاقة بيننا وبين الله هي علاقة العبد بمعبوده
المتجلية بحقيقة العبودية فعلينا أن ندقق النظر دائما في طبيعة هذه العلاقة.
- تصحيح العلاقة مع الأئمة: "صَحَّتْ نِيَّاتُهُمْ لِأَئِمَّتِهِمْ" أن تكون
نوايهم سليمة وصحيحة تجاه الإمام المعصوم وبالأخص تجاه إمام العصر ولا تكون هذه
العلاقة مبنية على الغش والخداع وان يربي الإنسان نفسه على الالتزام والطاعة
المطلقة للإمام.
- تصحيح العلاقة مع الآخرين: "وَبَرُّوا إِخْوَانَهُمْ فَعَطَفُوا عَلَى
ضَعِيفِهِمْ وَتَصَدَّقُوا عَلَى ذَوِي الْفَاقَةِ مِنْهُمْ" وعليهم أن يعزوزوا
العلاقة بأخوانهم المؤمنين وأن يبروهم بتقديم الإحسان لهم وان يتوجهوا بعين العطف
إلى الضعفاء منهم وان يتصدقوا على ذوي الفاقة.
وقريب من هذا ما روي عن الإمام الصادق: "عنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ
والْمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ قَالا قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّه: مَيَاسِيرُ شِيعَتِنَا
أُمَنَاؤُنَا عَلَى مَحَاوِيجِهِمْ فَاحْفَظُونَا فِيهِمْ يَحْفَظْكُمُ اللَّه "[6].
ثم ختم الإمام بأننا لا نأمر شيعتنا بالظلم مطلقاً، وإنما نطلب منهم الورع. ولعل
تكرار الإمام لكلمة الورع ليكون ذلك ادعى في الابتعاد عن المعصية أو إشارة إلى
مراتب الورع المختلفة التي تقدم ذكرها.
[1] أعلام الدين في
صفات المؤمنين، الديلمي، ص 142.
[2] بحار الأنوار،ج65، ح4، ص 151.
[3] صفات الشيعة،الصدوق، ص 17.
[4] نهج البلاغة، ( تحقيق صالح )، 121، ص 178.
[5] بحار الأنوار، ج 65، ص 154.
[6] الكافي، ج2، ح21، ص 265.