التنبيه أسلوب مهمّ
وعامل مؤثّر
ممّا لا شكّ فيه أنّ
التنبيه حالة لا مفر منها
في تربية الأطفال فلا
يمكن التخلّي عنها
بالكامل. لذلك أطلقوا على
الترغيب والتشجيع القائد
وعلى التنبيه السائق.
لأنّ كلا العاملين
ضروريّان في تربية
الأطفال، حيث يقوم أحدهما
بإيجاد الدافع والآخر
يمنع التخلّف. ويجب
الإشارة إلى أنّ استعمال
التنبيه في التربية حسّاس
للغاية لا بل صعب حيث يجب
الالتفات إلى الآثار
التربوية المخربة التي قد
تنتج فيما إذا لم يكن
التنبيه خاضعاً للضوابط.
لذلك يجب الدقّة في
استعمال التنبيه، باعتبار
أنّ مجرد اشتباه صغير قد
يزرع الحقد والحسد في
قلوب الأطفال. يقول
الإمام: "الافراط في
الملامة يَشُبُّ نيران
اللجاج"1.
بناء على هذا نفهم أنّ
اللوم والتنبيه والاجبار،
ليست أسلوباً أساسياً
لتربية الأطفال، لا بل
لهذه الأمور ضوابط دقيقة
وظريفة ينبغي الالتفات
إليها.
أنواع التنبيه
التنبيه كالتشجيع إذ
يمتلك دائرة واسعة من
جملة ذلك: النظر بغضب،
عدم الاهتمام، التوبيخ،
اللوم العلني والسري،
الحرمان من
الخروج،
والحرمان من اللعب
واللهو، عدم الاهتمام
بالطلبات، الخشونة
والعصبية، التوسّل
بالقوّة و... كل ذلك يمكن
ذكره تحت عنوان التنبيه.
ولكن يجب الاشارة كما
ذكرنا في التشجيع إلى أنّ
استعمال كل واحد من هذه
الأمور يعود إلى تشخيص
مراحل نموّ الطفل ليصار
إلى اختيار التنبيه
المناسب بحاله.
ماذا نختار، التشجيع أم
التنبيه؟
صحيح أنّ التنبيه عامل
مانع، لكنه في العادة
يغير الدوافع الداخلية
والحاجات الخفية عند
الطفل، لا بل يجبره على
القيام بالعمل المطلوب
وترك غير المطلوب. فإذا
رفعنا ظلال التنبيه، يعود
الطفل إلى العمل القبيح.
لذلك يفضل الاستفادة من
الأساليب الترغيبية
والتشجيعية بدل الاستفادة
من التنبيه، لأنّ الترغيب
يوجد الدوافع الداخلية
ويقويها ويؤدّي إلى تغيير
السلوك.
"جرى أحد
الاختبارات على 160
تلميذاً يمتلكون معلومات
متساوية وهم في عمر واحد،
فتمّ تقسيمهم إلى أربع
مجموعات متساوية. كان
المطلوب من كلّ مجموعة
الاجابة عن 30 سؤالاً في
مدة خمس عشرة دقيقة. بعد
انتهاء العمل في اليوم
الأول تم إحضار المجموعة
الأولى حيث تم توبيخها
ولومها على الأخطاء التي
وقعت بها من دون أن يطلع
الأفراد على أخطائهم.
ولكن جرى التعامل بشكل
مختلف مع المجموعة
الثانية حيث ـ جرى
تشجيعهم وتحفيزهم على
المسائل الجديدة التي
قاموا بحلّها من دون
تصحيح أخطائهم.
أمّا فيما يتعلق
بالمجموعة الثالثة التي
شاهدت اللوم والتشجيع فلم
يجرِ أيّ عمل على
الاطلاق. وأما المجموعة
الرابعة فكانت في غرفة
منفصلة تجيب عن الأسئلة
من دون أن تعلم ما يحصل
مع المجموعات الأخرى. في
النهاية تمّ حساب متوسط
العلامات التي حصلت عليها
كل مجموعة فكان متساوياً
عند الجميع إذ بلغ الاثني
عشر. ولكن بدأ الوضع
يتغير من اليوم الثالث إذ
بدأ متوسط علامات
المجموعة التي تم تحفيزها
وتشجيعها بالازدياد بينما
تناقص متوسّط علامات
المجموعة التي تم توبيخها
ولومها. أما المجموعتان
الثالثة والرابعة فبقي
مستواهما على حاله حيث لم
يحصل أي تغير على مستوى
التقدم أو التراجع"2.
على هذا الأساس فالأفضل
تشجيع وتحفيز الطفل على
العمل الحسن الذي قام به
حتى لو كان صغيراً،
لنهيِّئ الأرضية لتقدّمه
وتطوّره.
التنبيه العاطفي
التنبيه العاطفي واحد من
الأساليب التنبيهية
المؤثرة، إن عدم الاهتمام
بالطفل وعدم الالتفات إلى
احتياجاته وحذف عاطفته
كلّ ذلك قد يكون من
أساليب مبلّغي الدين
ومربي الأطفال. ولكن يجب
الاشارة إلى أن الروح
اللطيفة للطفل لا تمتلك
تلك الطاقة والقدرة
الموجودة لدى الكبار.
لذلك فالأفضل أن لا يكون
التنبيه العاطفي طويلاً.
وقد أوصى الإمام أمير
المؤمنين عليه السلام عدم
ضرب الولد وتأديبه
بالابتعاد عنه شرط أن لا
يكون ذلك طويلاً3.
التنبيه الخطير
هناك بعض أنواع التنبيه
التي لا يجب اللجوء إليها
على الاطلاق مثال ذلك:
التحقير، الإهانة،
استخدام الكلمات النابية،
الكناية والمقارنة و...
إنّ هذه الأنواع تؤدّي
إلى أضرار روحية عند
الطفل وتسحق شخصيته وتوجد
خللاً في تربيته. لأنّ
الطفل يتجه عندئذٍ نحو
اللجاج والجرأة وعدم
المبالاة والفساد. لذلك
من الضروري الحفاظ على
كرامة واحترام الأطفال.
لنطالع سوياً القصة
الآتية:
"كتبت إحدى
الفتيات في مذكراتها:
أذكر أيام الطفولة أنني
تلقيت ضرباً مبرحاً على
أثر اللجاج، كان ذلك أمام
الضيوف، خجلت من الضيوف،
لذلك قررت حينها الصراخ
بصوت عالٍ. حاولت أمي
اسكاتي لأن من المعيب
الصراخ أمام الضيوف إلّا
أنّ محاولاتها باءت
بالفشل لأنّ صراخي كان
يزداد.
لم تجد أمي وسيلة إلّا
الاتيان بثياب لعبتي التي
حكتها بنفسي والتي أحبها
أكثر من أيّ شيء آخر
وأحرقتها أمام عيني. لذلك
أخذت بالبكاء وبقي هذا
التصرف الوحشي يشكل عقدة
عندي لم أتمكن من نسيانها
حتّى الآن"4.
التنبيه البدني
الخطوة الأخيرة في
التربية هي اللجوء إلى
التنبيه البدني. إنّ هذا
النوع يؤدي في الغالب إلى
زوال الصداقة وإلى ازدياد
الكره والتنفر ويصبح
الطفل غير مبالٍ أمام
مسائل الحياة والتعاليم
التي تقدم إليه. هنا
يتحول الطفل إلى موجود
مكسور يائس محطّم من
الناحية المعنوية وهذا
بدوره يمهد الأرضية
لانحراف الطفل وتوجّهه
نحو أنواع المفاسد. من
هنا على الأهل أن يبذلوا
جهوداً كبيرة في سبيل عدم
الوصول إلى هذا النوع من
التنبيه.
يميز الإمام أمير
المؤمنين عليه السلام بين
تربية الإنسان والحيوان
ويقارن بينهما ويقول:
"إنّ العاقل يتعظ بالأدب
والبهائم لا تتَّعظ إلّا
بالضرب"5.
التنبيه لا يؤدي فقط إلى
سقوط شخصية الطفل بل يترك
فيه آثاراً سلبية من
أبرزها:
1-
الاستسلام أمام القوة.
2-
تحطّم شخصيته والشعور
بعدم الأمان.
3-
زوال نشاطه وحياته
الحيويّة.
4-
ظهور صفات سيئة عليه
كالكذب...
5-
فقدان الدافع.
* من كتاب روضة المبلغين (3)، سلسلة روضة المبلغين، نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية.
1- تحف العقول، ص84.
2- دليل الآباء والأمهات، محمد علي السادات، ج2، ص98.
3- بحار الأنوار، ج23، ص114.
4- النماذج التربوية الاجتماعية، ص224.
5- غرر الحكم، ص236؛ دليل الآباء والأمهات، ج2، ص105.