القدس مِحَكّ المجاهدين
الهدف:
التعرف على سمات الجهاد الحقيقي الذي يخدم مشروع الأمة الأسلامية الأساسي في الوقت
الراهن والمتمثل بتحرير فلسطين والقدس من براثن الصهيونية والاستعمار الغربي.
المحاور:
- المقدمة: مكانة القدس عند المسلمين
- الإمام الخميني (قدسره) ويوم القدس العالمي.
- مؤامرات أعداء الأمة لبقاء فلسطين تحت الاحتلال
- سمات الجهاد الحقيقي
- خاتمة
تصدير:
"انه اليوم - أي يوم القدس - الذي سيكون مميِّزاً بين المنافقين والمؤمنين،
فالملتزمون يعتبرون هذا اليوم يوماً للقدس ويعملون ما ينبغي عليهم، أما المنافقون
فإنهم في هذا اليوم غير آبهين أو انهم يمنعون الشعوب من إقامة التظاهرات" الإمام
الخميني (قدس سره).
المقدمة: مكانة القدس عند المسلمين:
للقدس ولبيت المقدس مكانة خاصة ومميزة في الإسلام وفي وجدان المسلمين. ونستطيع
أن نجمل هذا التميز في الأمور الآتية:
1- قبلة المسلمين الأولى: يعتبر بيت المقدس أول قبلة كان يتوجه إليها المسلمون في
صلاتهم. وتوجههم إليه دام لسنوات عديدة، إلى أن أتى الإذن الإلهي للرسول الكريم (ص)
بالتوجه إلى البيت الحرام، ففي حديث: صلى رسول الله (ص) إلى بيت المقدس بعد النبوة
ثلاثة عشر سنة بمكة، وتسعة عشر شهرا بالمدينة، ثم عيرته اليهود فقالوا له: إنك تابع
لقبلتنا فاغتم لذلك غما شديدا، فلما كان في بعض الليل خرج (ص) يقلب وجهه في آفاق
السماء فلما أصبح صلى الغداة، فلما صلى من الظهر ركعتين جاء جبرئيل (ع) فقال له: "قد
نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضيها فول وجهك شطر المسجد الحرام")[1].
2- محط إسراء النبي (ص): يقول تعالى: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ
لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي
بَارَكْنَا حَوْلَهُ..)[2]. وفي رواية عن الصادق (ع)، قال: (لما أسري برسول الله
(ص) إلى بيت المقدس حمله جبرئيل على البراق، فأتيا بيت المقدس، وعرض عليه محاريب
الأنبياء..)[3].
3- موضع صلاته (ص) بالأنبياء (ع): ففي روايات المعراج أنه: (أم رسول الله
(ص) في مسجد بيت المقدس بسبعين نبياً)[4].
4- الصلاة فيه مضاعفة: ففي طرق العامة، عن ميمونة، مولاة النبي (ص)، قالت:
قلت: يا رسول الله! أفتنا في بيت المقدس، قال "أرض المحشر والمنشر، ائتوه فصلوا فيه،
فإن صلاة فيه كألف صلاة في غيره"[5].
5- من قصر الجنة: فعن أمير المؤمنين (ع) قال: أربعة من قصر الجنة في الدنيا:
المسجد الحرام، ومسجد الرسول (ص)، ومسجد بيت المقدس، ومسجد الكوفة)[6].
6- موضع اختيار واصطفاء الله عز وجل: فعن أبي الحسن موسى بن جعفر، عن أبيه،
عن آبائه عليه السلام قال: قال رسول الله (ص) إن الله اختار من البلدان أربعة، فقال:
عز وجل (والتين والزيتون * وطور سينين * وهذا البلد الأمين) التين : المدينة،
والزيتون بيت المقدس، وطور سينين: الكوفة، وهذا البلد الأمين مكة)[7].
7- من مواضع نزول صاحب الأمر (عج): فعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وآله: يخرج رجل من أهل بيتي ويعمل بسنتي وينزل الله له البركة من
السماء وتخرج الأرض بركتها وتملا به الأرض عدلا كما ملئت ظلما وجورا، ويعمل على هذه
الأمة سبع سنين وينزل بيت المقدس)[8].
الإمام الخميني (قدسره) ويوم القدس العالمي:
ومن خلال ما تقدم نفهم سر ربط الإمام الخميني (قدسره) يوم القدس بأهم مناسبتين
للمسلمين أعني: شهر رمضان ويوم الجمعة منه. فالإمام اراد أن يبرز التجذر التاريخي
والحضاري المصبوغ بالصبغة الإسلامية للقدس في وجدان الأمة الإسلامية. فالقدس وكل
فلسطين ليست عبارة عن أرض عادية تم احتلالها من قبل الصهاينة، بل هي أرض للمسلمين
وتحمل في الوقت عينه قداسة خاصة ثابتة من خلال النقاط التي قدمناها.
كذلك نستطيع أن نستشف أبعاداً أخرى في إعلان الإمام الخميني (قدسره) لآخر جمعة من
شهر رمضان يوماً للقدس، فهو قد اختار هذا اليوم:
1- لأن شهر رمضان شهر جامع، حيث يصوم فيه جميع المسلمين بكل مذاهبهم وتوجهاتهم،
وبعد مرور أكثر من أسبوعين على الصوم يكون المسلمون قد اغترفوا من فيوضاته وذاقوا
الجوع والعطش الذي يجعلهم مستعدين للتضحية والعطاء لإنقاذ المظلومين والمستضعفين..
ولإنقاذ المسلمين المقهورين في فلسطين.
2- لأن يوم الجمعة هو اليوم الذي اختاره الله عز وجل ليجتمع فيه المسلمون للصلاة له،
وقال لهم في كتابه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ
مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ
ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ)[9]. فما يكون خيراً للمسلمين هو
ترك كل ما يفرقهم وكل ما يشدهم إلى حطام الدنيا والتوجه إلى الله وذلك بالذود عن
المقدسات الإلهية واسترجاع أول قبلة للمسلمين، بحيث تكون الكعبة هي قبلة المصلين،
والقدس تصير حينئذ قبلة المجاهدين لتحريرها وإنقاذها من الصهاينة وحلفائهم.
مؤامرات أعداء الأمة لبقاء فلسطين تحت الاحتلال:
لقد دأب أعداء الأمة على تكريس الاحتلال الصهيوني للقدس ولفلسطين. وهم لم
يتركوا مؤامرة أو وسيلة إلا وسخروها في سبيل إفشال كل الجهود الإسلامية الرامية
لتحرير فلسطين والقدس من الصهاينة. فأعداء الأمة وقوى الاستكبار قاموا بالأمور
الآتية:
1- زرع الأنظمة العميلة: فهذه الأنظمة المنتشرة في العديد من الأقطار العربية كانت
خير معين للأعداء وللصهاينة على مشروعهم. وكانت كالخنجر المغروس في جسد الأمة وجسد
فلسطين السليبة. وكتب التاريخ المعاصر مليئة بفضائح هؤلاء لمن أراد الاطلاع. وقد لا
نحتاج للرجوع إليها لأن هذه الانظمة العميلة ما زالت حتى يومنا هذا تقدم أثمن
الخدمات للأعداء لتبقى فلسطين تحت الاحتلال.
2- بث روح اليأس في الأمة: من خلال وسائل الإعلام العالمية ومن خلال الأبواق
الداخلية، وتجربة المقاومة في لبنان خير شاهد على ما فعله هؤلاء في سبيل إبراز أن
تحرير الجنوب اللبناني من الاحتلال الصهيوني مستحيل بسبب قوة وصلابة الجيس
الإسرائيلي. وتحرير المقاومة للأرض أثبت لهم العكس، وكرس بقاء الأمل بالغاية الأعظم
والأكبر وهي تحرير كامل الأراضي الإسلامية من الصهاينة.
3- إفشال مشاريع النهوض والاستقلال السياسي والاقتصادي: فأعداء الأمة يعلمون أن
الاستقلال من مؤشرات القوة التي يجب أن لا تمتلكها الأمة وإلا لحررت فلسطين، ومن
هنا نفهم هذا التكالب على الجمهورية الإسلامية لسلبها قرارها ولإبقائها تحت الحصار
الاقتصادي، وتطبيق مجموعة من العقوبات الدولية الظالمة عليها.
4- زرع الحركات التكفيرية والجماعات المتزمتة: وهذا السلاح هو الذي يتقدم واجهة
الأدوات الغربية في أيامنا هذه، وهو سلاح أثبت فعاليته لدى الغرب لما له من قدرة
على إثارة الفتن وإشغال البلاد الإسلامية بحروب قد لا تنتهي لعقود من الزمن، وهذه
أفضل خدمة يمكن أن تقدم للكيان الصهيوني.
5- الغزو والحروب المباشرة وتدمير مقدرات البلاد الإسلامية وتهديم كياناتها
السياسية والاجتماعية وتشويه حضارتها وثقافتها، كما حصل مع العراق وأفغانستان.
سمات الجهاد الحقيقي:
في زماننا هذا الذي صار مليئاً بالفتن والنزاعات ودعوات الجهاد المشبوهة صار
لزاماً على الأمة أن تميز بين الجهاد الحقيقي والنقي والطاهر وبين الجهاد المزيف
الذي يتلحف بلحاف الدين ليصل إلى مئاربه الخبيثة. فالحركات التكفيرية وجهادها
المشبوه صار أفضل أداة للصهاينة وللغرب لتشويه صورة الجهاد في بعده الإسلامي، ولحرف
أنظار المسلمين عن وجهة الجهاد الحقيقية والصحيحة لديهم، أعني فلسطين والقدس.
ولذلك من أراد أن يميز المجاهدين الحقيقيين عن المشبوهين والضالين فعليه أن يبحث عن
مشروع تحرير فلسطين والقدس في سلم أولوياتهم وفي وجدانهم وفي سعيهم الجهادي اليومي.
فإذا لم تكن فلسطين هي مشروعهم الأول، وإذا لم يكن مجهودهم الحربي وتدريبهم
وتسليحهم يصب بالدرجة الأولى في خانة تحرير القدس والمسجد الأقصى، فهؤلاء جهادهم
مشبوه ويجب التنبه منهم ومن مشروعهم المضل للأمة.
ومن هنا سنجد المجاهدين الحقيقيين يتميزون بالأمور الآتية:
1- امتلاكهم للوعي والبصيرة: فلا يحرفهم شئ من الشبهات والإشاعات عن مشروعهم
الحقيقي، أي تحرير فلسطين والقدس.
2- أولويتهم هي فلسطين وتحريرها من الصهاينة بالكامل.
3- دعاة وحدة: فخطابهم السياسي والإعلامي يركز على دواعي الوحدة بين
المسلمين ونبذ الفرقة والاختلاف، وفلسطين والقدس الحاضران الدائمان والقويان في
مناسباتهم وخطبهم وكلماتهم ومنشوراتهم.
4- الصبر وعدم اليأس: فمهما طُعنوا بالظهر ومهما ضاقت أحوالهم، ومهما افتري
عليهم حتى من القريب، كل ذلك لا يغير من وجهتهم التي اقتنعوا بها وكرسوا كل حياتهم
من أجلها، أعني تحرير القدس وفلسطين من الاحتلال.
خاتمة:
مما تقدم يتبين لكل ذي لب ولكل من لم يُصب بعمى القلب أن القدس هي مِحَكُّ
المجاهدين، وهي الفيصل بين الجهاد الحقيقي والجهاد المزيف، فبقدر اقتراب أي مشروع
من فلسطين ومن آلامها ومعاناتها بقدر ما يكون هذا المشروع هو مشروع تحرري وجهادي
حقيقي ونقي.. وأي مشروع آخر مهما ارتفعت رايته وخفقت، ومهما صدح صوته وعلى، فإذا لم
تكن القدس وفلسطين همه الأول ومشروعه الأكبر فرايته راية صهيونية وصوته صوت شيطاني.
[1] - وسائل الشيعة (
آل البيت ) - الحر العاملي - ج 4 - ص 301
[2] - الإسراء 1
[3] - الأمالي - الشيخ الصدوق - ص 533
[4] - الأمالي - الشيخ الصدوق - ص 535
[5] - سنن ابن ماجة - محمد بن يزيد القزويني - ج 1 - ص 451
[6] - وسائل الشيعة ( آل البيت ) - الحر العاملي - ج 5 - ص 283
[7] - وسائل الشيعة ( آل البيت ) - الحر العاملي - ج 14 - ص 361
[8] - بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 51 - ص 82
[9] - الجمعة 9.