بسم الله الرحمن الرحيم
الهدف: التعرف على القيم الحقيقية للعيد بحسب تعاليم أهل البيت (ع).
المحاور:
- مقدمة
- العيد وفطرة الإنسان ومنظومة المصالح والمفاسد
- كيف نلبي نداء الفطرة وننسجم مع منظومة المصالح الإلهية
- أهل البيت (ع) وقيم العيد
- خاتمة
تصدير:
عن سويد بن غفلة: دخلت عليه - يعني أمير المؤمنين (ع) - يوم عيد، فإذا عنده فاثور -أي
خوان- عليه خبز السمراء -أي الحنطة- وصفحة فيها خطيفة وملبنة، فقلت: يا أمير
المؤمنين يوم عيد وخطيفة؟! فقال: إنما هذا عيد من غفر له)[1].
مقدمة:
لا توجد ملة أو جماعة، ولا يوجد دين أو اتجاه عقائدي إلا ويمارس نشاطاً أو شعيرة أو
طقساً تحت مسمى "العيد". ولذلك فإن الأعياد موجودة منذ القدم في حياة الإنسان. وهي
إما أن تكون أعياداً فردية أو جماعية. ولكن الغالب على المجتمعات البشرية هو
الأعياد ذات البعد الجماعي.
ولكون الأعياد جزء من تركيبة الإنسان النفسية والاجتماعية فالأديان السماوية لم
تهمل مسألة العيد في منظومتها التشريعية، فمن دونها يقع الخلل وينخرم التوازن، ولذا
كان لابد لوحي السماء من التعامل معها وتنظيمها.
العيد وفطرة الإنسان ومنظومة المصالح والمفاسد:
إذا كانت الدساتير الإلهية لم تهمل مسألة العيد وجعلت لها حيزاً في ضمن منظومتها
التشريعية والقانونية، فهذا يعني أن تشريع الأعياد هو تشريع:
1_ مناسب لفطرة الإنسان.
2_ ومتوافق مع المصالح التي يريدها المولى للمجتمع الإنساني.
فالفطرة الإنسانية تطلب من وقت لآخر نوعاً من الحاجات بحيث لا يلبيها إلا نوع معين
من النشاط الإجتماعي والتفاعل الإنساني المسمى والمعروف باسم "العيد".
وكذلك المجتمع الإنساني الذي يمارس هذا النوع من النشاط يحتاج إلى من يهديه ويوجهه
في التعامل مع هذا الأمر ذي البعد الاجتماعي حتى تتحقق المصالح الحقيقة التي تنفعه.
وإذا لم تتدخل الشريعة الإلهية في تلبية الفطرة وتنظيم نشاط الإنسان الاجتماعي
فيما يتعلق بالأعياد فهذا يعني وقوع البشرية في المحاذير العديدة التي نراها اليوم
ونشهدها في أعياد بعض المجتمعات في شرق الأرض وغربها، حيث يخرج الإنسان عن توازنه
ويجنح المجتمع نحو الرذيلة والترف ومعصية الله وغير ذلك.
كيف نلبي نداء الفطرة وننسجم مع منظومة المصالح الإلهية:
على الإنسان أن يمارس طقوس العيد ونشاطاته بما يناسب فطرته ومصالحه الواقعية
والحقيقية، وأي ممارسة خارج هذا الإطار لن تعطي أي ثمرة، بل ستنعكس سلباً على حياة
الإنسان.
انطلاقاً من هذه الفكرة نعلم أنه إذا أردنا أن نعيّد بما يناسب فطرتنا ومصالحنا
الواقعية فعلينا أن نرجع إلى من له علم بفطرتنا، وإلى من عنده إحاطة كاملة بالمصالح
والمفاسد ويعلم ما يناسبنا. ومن غير الله عز وجل، خالق الإنسان وبارئه، له هذه
المعرفة والإحاطة وله هذه القدرة!!
يقول تعالى: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ
النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ
وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ)[2].
وحول احاطته تعالى بكل شيئ يقول: (قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ
وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ بِكُلِّ
شَيْءٍ عَلِيمٌ)[3].
فينبغي على الإنسان إذن أن يؤدي مراسم العيد بحسب ما يريده الله عز وجل حتى يكون ما
يقوم به منسجماً مع فطرته، ومتوافقاً مع المصالح الإلهية.
أهل البيت (ع) وقيم العيد:
إن أهل البيت (ع) هم الحبل الممدود بين السماء والأرض، فمن خلالهم نتعرف على ما
يريده الله عز وجل، وبواسطة تعاليمهم نروي عطش فطرتنا ونحقق التوازن في حاجاتنا.
العيد في المفهوم الإسلامي ومفهوم أهل البيت (ع) لا يعني معانقة العبادة والطاعة
على حساب الفرح والسرور والاستفادة من نعم الله عز وجل. بل هو فرح وسرور مقرون
بالطاعة ومعجون باليقظة ومحفوف بالعبادة.
فعيد الفطر الذي يفرح فيه المؤمنون ويتواصلون، مسبوق بالصيام ومقرون بإحياء ليلة
عيد الفطر، والصلاة جماعة في نهاره.
وعيد الأضحى كذلك هو عيد فرح وسرور ولكنه محفوف بشعيرة الحج التي يبذل فيها الحاج
جهداً استثنائياً لأداء المناسك ومراعاة الشروط الإلهية.
وعيد الغدير مقترن بامتحان الولاية في جنبتيها الاعتقادية والعملية، ولذلك لا يشعر
بلذة وفرحة هذا العيد إلا الموالي الحقيقي لأمير المؤمنين (ع).
ونستطيع أن نلخص قيم العيد في الإسلام وبالاستفادة من كلمات أهل البيت (ع) في
المعاني الآتية:
1- قيمة الفرح والسرور: ولكنه السرور المحمود والفرح المباح الذي يتشكل من
خلال التفاعل مع المنح والعطايا والجوائز الإلهية، كما وصف الله عز وجل الشهداء
بالفرحين في قوله تعالى: (فَرِحِينَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ)[4].
فالعيد يأتي بعدما يمر المسلم بدورة من الطاعة والاجتهاد في امتثال الأوامر الإلهية،
فيكون هذا اليوم بمثابة الجائزة له على ما أنجزه، وهو احتفاء إلهي بعبده على طاعته
وعبادته. فيفرح العبد بذلك وتغمره السعادة، وليس هناك شعور أجمل للإنسان من تلقيه
جائزة بعد جهد وجهاد قام بهما على أتم وجه. ولذلك كان العيد بحسب مفهوم اهل البيت
(ع) هو عيد وفرح يلي طاعةً وقبولاً إلهيا، قال أمير المؤمنين (ع): (إنما هو عيد لمن
قَبِل الله صيامه وشكر قيامه)[5].
2- قيمة النجاح والمكافئة: وبحسب كلمات أهل البيت فإن المقصود بالمكافئة هي
المكافئة المعنوية، فرغم أن الله عز وجل يمنح عبده من وقت لآخر جوائز مادية كون ذلك
من مقتضيات حياته في هذه الدنيا، ولكن الله عز وجل يخص عباده في الأعياد بالجوائز
المعنوية، كون القيمة الأكبر لها، وكونها هي التي من شأنها ان تكون في مقابل عمل
الإنسان وطاعته. قال الإمام الباقر (ع): (حتى إذا طلع هلال شوال نودي المؤمنون أن
اغدوا إلى جوائزكم فهو يوم الجايزة، ثم قال أبو جعفر (ع): أما والذي نفسي بيده ما
هي بجائزة الدنانير والدراهم)[6].
3- قيمة الطاعة: وهي من أهم المعاني التي يحملها العيد في الإسلام بحسب
كلمات أهل البيت (ع)، قال أمير المؤمنين (ع): (..وكل يوم لا تعصي الله فيه فهو يوم
عيد)[7].
4- قيمة الشكر: فالعبد يشكر ربه في العيد على ما وفّقه إليه في هذه السنة
بأن بقي حياً إلى شهر رمضان الذي صامه ووفق فيه للطاعة والعبادة. قال الإمام الرضا
(ع) حول عيد الفطر: (ويبرزون لله عزّ وجلّ فيُمجدونه على ما من عليهم، فيكون يومَ
عيد)[8].
5- قيمة الاجتماع والألفة: قال الإمام الرضا (ع): (إنما جُعل يومُ الفطر
العيد ليكون للمسلمين مجتمعا يجتمعون فيه)[9].
6- قيمة الانتباه واليقظة: فبعد أن قضى العبد أيام شهر رمضان المليئة
بالذكر والتوجه نحو المولى، فعليه في عيد الفطر أن يعلن استحكام صفة اليقظة والتوجه
الدائم نحو الحق في نفسه، لا أن يتراجع ويعود إلى حالة الغفلة السابقة. ففي رواية
عن الإمام الصادق (ع): خطب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) يوم الفطر فقال: (أيها
الناس! إن يومكم هذا يوم يثاب فيه المحسنون ويخسر فيه المبطلون، وهو أشبه بيوم
قيامكم، فاذكروا بخروجكم من منازلكم إلى مصلاكم خروجكم من الأجداث إلى ربكم،
واذكروا بوقوفكم في مصلاكم وقوفكم بين يدي ربكم، واذكروا برجوعكم إلى منازلكم
رجوعكم إلى منازلكم في الجنة!)[10].
7- قيمة العطاء والبذل: وذلك من خلال زكاة المال، قال الإمام الكاظم (ع) :
(إن الله عز وجل وضع الزكاة قوتا للفقراء وتوفيرا لأموالكم)، وعن فاطمة الزهراء (ع)
حول أثر الزكاة: (والزكاة تزكية للنفس، ونماء في الرزق)[11].
خاتمة:
لقد ترك لنا أهل البيت (ع) كنوزا من الوصايا والكلمات التي تكشف عن القيم
الحقيقية للعيد وكيف ينبغي للإنسان ان يتفاعل معه. وفي الأخذ بهذه الوصايا مصلحة
الإنسان، وبها يصل إلى الكمال الإلهي المنشود. وعليه، ينبغي أن لا نُؤخَذ بما تقوم
به الثقافات الأخرى من مراسم ونشاطات في أعيادها التي للأسف كثيراً ما يملؤها
الخروج عن التعاليم التي جاء بها الوحي. فتلك الطقوس وإن كانت ممزوجة ببعض الزخارف
التي تزين للإنسان الانخراط فيها.. ولكنها شبيهة بزينة الحياة الدنيا التي حذرنا
المولى تعالى من الوقوع في فخها. فعلينا إذن أن نتمسك بالقيم الحقيقية والأصيلة
والتي تنتمي للباقيات الصالحات والتي تتناسب مع فطرة الإنسان وتتوافق مع مصالحه
الواقعية.
[1] - ميزان الحكمة -
محمد الريشهري - ج 3 - ص 2196
[2] - الروم 30.
[3] - الحجرات 16.
[4] - آل عمران 170.
[5] - وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج15، ص308.
[6] - وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج 7، ص 224.
[7] - وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج15، ص308.
[8] - وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج 7، ص 481.
[9] - وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج 7، ص 481.
[10] - ميزان الحكمة - محمد الريشهري - ج 3 - ص 2196 - 2197
[11] - بحار الأنوار، المجلسي، ج 29، ص 223.