بسم الله الرحمن الرحيم
موجبات بقاء النعم
الإلهية
الهدف:
التعرف على موقع النعمة في حياة الإنسان، والتنبيه إلى كيفية المحافظة
عليها من خلال الإشارة إلى موجبات ذلك في كلمات أهل بيت العصمة عليهم السلام.
المحاور:
- مقدمة
- لماذا ينعم الله عز وجل علينا؟
- ما هي أعظم النعم الإلهية؟
- ما هي موجبات بقاء النعم الإلهية؟
- خاتمة
تصدير:
قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في وصيته لكميل: (يا كميل! إنه لا تخلو من
نعمة الله عز وجل عندك وعافيته، فلا تخل من تحميده وتمجيده وتسبيحه وتقديسه وشكره
وذكره على كل حال)1.
مقدمة:
تعتمد حياة الإنسان بكل جوانبها وأبعادها على النعم الإلهية. فالإنسان من
انعقاد نطفته إلى أن يرحل عن هذه الدنيا محاطٌ ومغمورٌ بالنعم الإلهية. والنعم
الإلهية تتجلى أيضاً في الآخرة، وتجليها هناك يكون بشكل أوضح وأنصع وأعظم، وتكون
لها مظاهر مختلفة عن تلك التي في عالم الدنيا.
والنعم الإلهية منها ما هو ظاهر ومنها ما هو باطن: (وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ
ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً..)2. وهي أيضاً غير قابلة للعد والإحصاء: (وَآَتَاكُمْ مِنْ
كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ
الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ)3. والنعم الإلهية مهما اختلفت، وسواء أكانت مادية
أو معنوية هي من الله عز وجل: (وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ...)4.
ولذلك لا يجب أن نقع في شبهة كون غير الله عز وجل يمكن ان يتصف بالإنعام حقيقة. نعم،
الله عز وجل له وسائطه ووسائله المختلفة في إيصال النعم والخير إلى العباد: (وَلِلَّهِ
جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا)5.
لماذا ينعم الله عز وجل علينا؟
إن الله عز وجل متصف بكل صفات الكمال والجمال، وكماله تعالى لا متناهي. فليس فيه
تعالى شائبة نقص أو تحديد. فهو القادر المطلق، والعالم المطلق والقوي المطلق
والجواد المطلق.. إلخ.
ومن كان هذا شأنه فمن المستحيل أن يبخل أو يمنع الخير والعطاء عن القوابل والأوعية
التي تطلب الكمال بلسان فقرها الذاتي. فالمخلوقات التي تحتاج إلى البصر والسمع،
ينعم الله عز وجل عليها بالبصر والسمع. والمخلوقات التي تحتاج إلى العلم أو الهداية
ينعم الله عز وجل عليها بالعلم والهداية. والمخلوقات التي تطلب الطعام والغذاء
والهواء والماء ينعم الله عز وجل عليها بكل ذلك.. وهكذا.
وكل ذلك يحصل بحسب موازين العلم والحكمة والتقدير والعدل الإلهي. فالله عز وجل وإن
كان جوادا وكريما ولا حد لجوده وكرمه، ولكنه تعالى يعطي بحكمة ودراية. ولذلك يقول:
(إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ
بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا)6. وبذلك يكون التقدير الإلهي بحد ذاته نعمة إلهية،
لأن الله عز وجل لا يقدر إلا لمصلحة وخير لعباده.
لقد سخر الله عز وجل العوالم بما فيها لبني آدم، وأسبغ نعمه عليهم إسباغاً.
والإسباغ في الإنعام بمعنى العطاء الواسع والجزيل. ولكن الإنسان هو الذي ينكر نعم
الله عز وجل بسبب جحوده وضيق رؤيته ومرض قلبه. قال تعالى: (وَسَخَّرَ لَكُمُ
الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ *
وَآَتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا
تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ)7.
ما هي أعظم النعم الإلهية؟
بعدما تبين معنا أن نعم الله عز وجل لا حد لها وأنها غير قابلة للعد والإحصاء.
وبعدما كشفت لنا الآيات عن أن نعمه تعالى الكثيرة منها ما هو ظاهر ومنها ما هو باطن
نأتي لسؤال مهم ينبغي أن يحظى الإنسان بإجابته: ما هي أعظم النعم الإلهية على
الإنسان؟
فمعرفة أعظم النعم تدفع الإنسان لأن يعطيها عنايته الأكبر والأشد للحفاظ عليها
وصونها. وطريق معرفة أعظم النعم على الإنسان محصور بالله عز وجل وبوسائط الوحي
المبارك التي لا تنطق عن الهوى. وسر ذلك يعود لما ذكرناه سابقا من كون المنعم
الحقيقي هو الله عز وجل الذي هو خالق الإنسان أيضاً ويعرف ما يصلح له أكثر وما يكون
فيه الخير العظيم له. فمنه تعالى ومن خلفائه المعصومين نستطيع أن نكتشف أعظم النعم
الإلهية على الإنسان.
إن أعظم النعم الإلهية على الإنسان هو أن يرزقه قلباً عامراً بذكره وتوحيده بحيث لا
يكون في هذا القلب غير الله عز وجل: قال الإمام الصادق (عليه السلام): (ما أنعم
الله على عبد أجل من أن لا يكون في قلبه مع الله عز وجل غيره)8.
والولاية لأهل البيت (عليه السلام) لا تنفك عن التوحيد والإخلاص لله عز وجل. بل لا
سبيل إلى التوحيد والمعرفة الحقيقية بالله إلا من خلال معرفة أهل البيت (عليه
السلام) وولايتهم. فهم نعمة الله العظمى التي من خلالها ننعم بالظلال الوارفة لشجرة
التوحيد. ورواية السلسلة الذهبية الواردة عن الإمام الرضا (عليه السلام) حول شرطية
الولاية لدخول حصن التوحيد من أبرز المشيرات إلى ذلك. وفي تفسير علي بن إبراهيم: (يعرفون
نعمة الله ثم ينكرونها) قال: نعمة الله هم الأئمة عليهم السلام والدليل على أن
الأئمة نعمة الله قول الله: (ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا) قال الصادق (عليه
السلام): "نحن والله نعمة الله التي أنعم بها على عباده، وبنا فاز من فاز"9
ما هي موجبات بقاء النعم الإلهية؟
قبل أن نعدد موجبات بقاء النعم الإلهية نورد ما علّمنا إياه أئمتنا (عليه السلام)
حول أحد أسرار وخصوصيات النعم التي تصاحب الإنسان في حياته. وهذا النوع من المعارف
والوصايا لن نجده إلا عند أهل البيت (عليه السلام): (فليذهب الحسن (البصري) يمينا
وشمالا فو الله ما يوجد العلم إلا هاهنا)10.
يقول الإمام الرضا (عليه السلام) حول أحد أسرار النعم وكيفية التعامل معها: (أحسنوا
جوار النعم، فإنها وحشية ما نأت عن قوم فعادت إليهم)11.
ويقول الإمام الصادق (عليه السلام): (أحسنوا جوار النعم، واحذروا أن تنتقل عنكم إلى
غيركم، أما إنها لم تنتقل عن أحد قط فكادت أن ترجع إليه)12.
أما موجبات بقاء النعم الإلهية فهي:
1- الولاية لأهل البيت (عليه السلام): عن الإمام جعفر بن محمد (عليه السلام)
في قوله تعالى (ثم لتسئلن يومئذ عن النعيم) قال: نحن النعيم13.
2- الشكر: فعن أمير المؤمنين (عليه السلام): (أحسن الناس حالا في النعم من
استدام حاضرها بالشكر، وارتجع فائتها بالصبر)14. وعنه (عليه السلام): (إذا وصلت
إليكم أطراف النعم فلا تنفروا أقصاها بقلة الشكر)15.
3- العدل والإحسان: قال الإمام الرضا (عليه السلام): (استعمال العدل
والإحسان مؤذن بدوام النعمة)16.
4- الجد والاجتهاد والكد والعمل: فمن أنعم الله عليه بالرزق مثلاً، فعليه أن
يجتهد ويتعب للحفاظ على مصدر رزقه. والذي أنعم الله عليه بالصحة فعليه أن يحافظ على
صحته بممارسة الرياضة مثلاً وتناول الطعام الصحي.. إلخ، ومن أنعم الله عليه
بالأولاد فعليه أن يجتهد ويتعب ليحافظ عليهم بالتربية الصالحة.. وهكذا في باقي
الأمور. قال الإمام الصادق (عليه السلام): (لا تدوم النعم إلا بعد ثلاث: معرفة بما
يلزم لله سبحانه فيها، وأداء شكرها، والتعب فيها)17.
5- الاقتصاد وعدم الاسراف: قال الإمام الكاظم (عليه السلام): (من اقتصد وقنع
بقيت عليه النعمة، ومن بذر وأسرف زالت عنه النعمة)18.
6- العطاء والبذل: قال رسول الله (ص): (إن لله عبادا اختصهم بالنعم، يقرها
فيهم ما بذلوها للناس، فإذا منعوها حولها منهم إلى غيرهم)19، وقال أمير المؤمنين (عليه
السلام): (من بسط يده بالإنعام حصن نعمته من الإنصرام)20.
7- عدم اجتراح الذنوب: عن أمير المؤمنين (عليه السلام): (وأيم الله، ما كان
قوم قط في غض نعمة من عيش فزال عنهم إلا بذنوب اجترحوها، لأن الله ليس بظلام
للعبيد)21.
8- حفظ اللسان: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (رب كلمة سلبت نعمة، وجلبت
نقمة)22.
خاتمة:
على الإنسان أن يعرف قيمة النعم الإلهية وأن يتأمل دائماً في الخير والعطاء
الإلهيين الذيْن غمر الله بهما حياة الإنسان. فالتأمل موجب للبصيرة والاعتبار
والتنبه. وعليه أن لا يقارن نفسه بغيره فيما يتعلق بالرزق والعطاء الدنيوي، لأن
الله عز وجل هو مقسم الأرزاق. فلعل الرزق الواسع الذي رزقه الله لفلان يكون وبالاً
ونقمة عليه بحال صرفه الله عز وجل إليه.
وإذا سُلب الإنسان نعمة من النعم لسبب من الأسباب، فعليه بالأمور الآتية:
1- البحث عن السبب الموجب لزوال هذه النعمة ومعالجته.
2- التحلي بالصبر: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (أحسن الناس حالاً في النعم
من استدام حاضرها بالشكر، وارتجع فائتها بالصبر)23.
3- التضرع ومناجاة الله عز وجل ليعيد إليه النعمة التي نزعها عنه: فإنه تعالى رحيم
كريم وسميع مجيب، قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (... ولو أن الناس حين تنزل بهم
النقم، وتزول عنهم النعم، فزعوا إلى ربهم بصدق من نياتهم، ووله من قلوبهم، لرد
عليهم كل شارد، وأصلح لهم كل فاسد)24.
1- بشارة المصطفى:
28.
2- لقمان، 20.
3- إبراهيم، 34.
4- النحل، 53.
5- الفتح، 7.
6- الإسراء، 30.
7- إبراهيم 44.
8- تنبيه الخواطر: 2 / 108.
9- بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 24 - ص 51
10- الوافي، الفيض الكاشاني، ج 1، ص 224. والرواية عن الإمام الباقر (عليه السلام).
11- البحار: 78 / 341 / 41.
12- أمالي الطوسي: 246 / 431.
13- بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 24 - ص 56
14- غرر الحكم: 3282.
15- نهج البلاغة: الحكمة 13
16- ميزان الحكمة، الريشهري، ج 4، ص 3313.
17- تحف العقول: 318.
18- البحار: 78 / 327 / 4.
19- البحار: 75 / 353 / 62.
20- غرر الحكم: 8559.
21- نهج البلاغة: الخطبة 178
22- نهج البلاغة: الحكمة 381
23- غرر الحكم: 3282.
24- نهج البلاغة: الخطبة 178