الهدف:
التنبيه على ضرورة تعلم التجار وأصحاب المهن لأحكامهم الشرعية، والإضاءة على بعض
النماذج والامثلة.
المحاور:
- مقدمة
- الفقه ثم المتجر
- الأحكام الشرعية وتنوع المكاسب
- أمثلة على بعض المحظورات في أمور المعاملات والمكاسب
- مستحبات التكسب والتجارة
تصدير:
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (التاجر فاجر، والفاجر في النار إلا من أخذ
الحق وأعطى الحق)1.
مقدمة:
لقد أسكن الله عز وجل الإنسان الأرض، وقال له لا خلود لك فيها. وأرسل له آلاف
الأنبياء والأوصياء مبشرين ومنذرين، ومنبهين على أمر أساسي وهو أن الآخرة هي محل
البقاء، وأن على الإنسان أن يتهيأ ويزرع لها خلال مدة حياته القصيرة والمحدودة في
الدنيا.
فالخطاب الإلهي في غاياته النهائية كله يصب نحو تعليم الإنسان كيفية التجارة
الرابحة معه، يقول تعالى:
﴿إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا
الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ
تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ﴾2. ويقول أيضاً:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ
أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ
بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ
وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾3.
ومع كون التجارة مع الله عز وجل هي المقصد الأساسي الذي يراد من الإنسان أن يحيا
لأجله، ولكنه تعالى لم يهمل تعليم هذا الإنسان ما فيه مصلحته في مكاسبه ومعاملاته
وتجارته الدنيوية. فالإنسان كائن يفتقر في حياته الأرضية إلى السعي والتجارة
والمجاهدة في سبيل رزقه. وإذا لم ينظَّم هذا الجانب في حياته فإن الفساد سيكون مصير
المجتمع الإنساني. وهذا الفساد سيكون أحد موانع نجاح الإنسان في هدفه الأعلى
والأسمى أيضاً، أعني: التجارة مع الله عز وجل وسلوك سبيل الآخرة.
الفقه ثم المتجر:
بناء على ما تقدم، ينبغي على كل من يمارس صنعةً أو مهنة أو تجارة يسترزق منها أن
يتفقه في أمور دينه. فالتفقه في أمور الدين والتعرف على أحكام مباشرة أمور الرزق
والتجارة يحقق للمؤمن الأمور الآتية:
1- يمنعه من الوقوع في المحرمات التي حرمها الله عز وجل، فالوقوع فيها يستلزم
عقاباً في الآخرة.
2- يمنع وقوع الفساد في الأرض، حيث إن بعض المحرمات لها آثار مباشرة على الحياة
الاجتماعية، وبعضها لها انعكاسات تكوينية لا مفر منها.
3- تجعل تجارته الأخرى – أي تجارته مع الله عز وجل – فاعلة ومثمرة.
لقد حث أهل البيت عليهم السلام في العديد من الروايات على التفقه في أمور الرزق
والمعاملات التجارية، ونبهوا بلهجة شديدة من إهمال هذا الجانب.
فعن الأصبغ بن نباتة قال: سمعت أمير المؤمنين عليه السلام يقول على المنبر: (يا
معشر التجار الفقه ثم المتجر، الفقه ثم المتجر، الفقه ثم المتجر، والله للربا في
هذه الأمة أخفى من دبيب النمل على الصفا، شوبوا أيمانكم بالصدق، التاجر فاجر،
والفاجر في النار إلا من أخذ الحق وأعطى الحق)4.
وقال الصادق عليه السلام: (من أراد التجارة فليتفقه في دينه ليعلم بذلك ما يحل له
مما يحرم عليه، ومن لم يتفقه في دينه ثم اتجر تورط الشبهات)5.
الأحكام الشرعية وتنوع المكاسب:
إن الاحكام الشرعية التي نتحدث عنها والتي يجب تعلمها تشمل التجار وكل صاحب صنعة أو
مهنة. فعلى هؤلاء أن يتعلموا أحكام مكاسبهم ومعاملاتهم التجارية ويهتموا بها كما
يتعلمون ويهتمون بأحكام صلاتهم وصومهم.
فالجزار مثلاً عليه أن يتعلم أحكام الذبح والمنهيات الموجودة ضمن إطار مهنته.
والمزارع عليه أن يتعلم أحكام المساقاة والمزارعة. والصراف عليه أن يتعلم أحكام
الصرافة ومنهياتها. والتاجر عليه أن يتعلم أحكام المضاربات وموارد الوقوع في الربا.
والبائع عليه تعلم أحكام النقد والنسيئة.. والذي يتعامل مع سوق البورصة عليه أن
يتعلم أحكامها.. وكذا باقي المهن والحرف.
وينبغي على أصحاب المهن والحرف والتجار أن لا يقحموا أنفسهم في الشبهات، وأن يتحروا
عن المعاملات التي يشمون منها رائحة إشكال أو شبهة. وعليهم المبادرة لتعلم أحكام
معاملات مهنتهم من علماء الدين. وليبادروا إلى سؤال إمام المسجد الذي يرتادونه عن
أي شبهة تعترضم في هذا الخصوص.
أمثلة على بعض المحظورات في أمور المعاملات والمكاسب:
نذكر بعض الأمثلة العامة على أمور حرمها الشارع المقدس في إطار معاملات المؤمن في
تجارته أو صنعته التي يحترفها، وهذه الأمثلة هي جزء بسيط مما هو موجود في شريعتنا
المقدسة والتي يجب على كل صاحب مهنة السعي لتعلمها حتى لا يقع في المحظور:
1- محظورات البيع: ضمن إطار البيع مثلاً هناك جملة من المحرمات المعروفة مثل: حرمة
بيع الخمر والمواد المسكرة والمخدرات، وحرمة بيع لحم الخنزير، وحرمة بيع الميتة
النجسة ومن ضمنها لحوم الحيوانات المذبوحة بطريقة غير شرعية، وحرمة بيع ما لا ينتفع
به إلا بالحرام كآلات القمار وغيرها، وحرمة بيع الأمور المغصوبة، وغير ذلك.
2- حرمة الاحتكار: وهو حبس السلعة والامتناع من بيعها، انتظاراً لزيادة قيمتها مع
حاجة المسلمين ومن يلحق بهم من سائر النفوس المحترمة إليها. والمراد به هنا القوت
الغالب لأهل البلد، وهذا يختلف باختلاف البلدان، ويشمل الحكم أيضاً ما يتوقف عليه
تهيئته كالوقود وآلات الطبخ أو ما يعد من مقوماته كالملح والسمن ونحوهما.
3- حرمة الغش: فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال :(من غش أخاه المسلم نزع
الله بركة رزقه، وسد عليه معيشته ووكله إلى نفسه)6، ويكون الغش بإخفاء الأدنى في
الأعلى، كمزج الجيد بالردئ وبإخفاء غير المراد في المراد، كمزج الماء باللبن،
وبإظهار الصفة الجيدة مع أنها مفقودة واقعا، مثل رش الماء على بعض الخضروات ليتوهم
أنها جديدة وبإظهار الشئ على خلاف جنسه، مثل طلي الحديد بماء الفضة أو الذهب ليتوهم
أنه فضة أو ذهب وقد يكون بترك الاعلام مع ظهور العيب وعدم خفائه، كما إذا أحرز
البائع اعتماد المشتري عليه في عدم إعلامه بالعيب فاعتقد أنه صحيح ولم ينظر في
المبيع ليظهر له عيبه، فإن عدم إعلام البائع بالعيب - مع اعتماد المشتري عليه - غش
له7.
4- حرمة الربا: يقول تعالى:
﴿الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا
كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ.. ﴾8. والربا
قسمان: الأول: ما يكون في المعاملة، والثاني: ما يكون في القرض. أما الأول: فهو أن
يبيع البائع على المشتري شيئا مما يكال أو يوزن بعوض من جنسه مع زيادة في أحد
العوضين على الآخر، سواء كانت الزيادة المذكورة زيادة عينية أم زيادة حكمية9. وأما
الثاني: فهو أن يشترط المقرض على المقترض دفع زيادة على عوض المال الذي اقترضه
منه10.
5- حرمة الرشوة: حيث تحرم الرشوة على القضاء بالحق أو الباطل. نعم، الرشوة على
استنقاذ الحق من الظالم جائزة، وإن حرم على الظالم أخذها11.
وما ذكرناه هو غيض من فيض، فهناك محظورات أخرى تتعلق بالعديد من المهن والمعاملات،
إضافة إلى اقتران هذه المذكورات وغيرها ببعض الضوابط والشروط والاستثناءات. وكل ذلك
يجب ان يرجع فيه إلى الكتب المتخصصة والرسائل العملية المتضمنة ما استنبطه فقهاؤنا
من الشريعة المقدسة الواصلة إلينا من القرآن ومرويات أهل بيت العصمة (ع).
مستحبات التكسب والتجارة:
والشريعة المقدسة لا تحوي المحظورات فقط، بل تتضمن الأمور المستحبة والمرغوبة والتي
يترتب عليها آثار وفوائد فيما إذا التزم بها الإنسان وتمم شروطها. ونذكر لكم ضمن
هذا المجال مجموعة منها:
يستحب ذكر الله تعالى في الأسواق، وطلب الخيرة منه، والدعاء بالمأثور، ومنه
الشهادتان. ويستحب عند الشراء التكبير ثلاثا، والدعاء بالمأثور أيضا، وأن يستدر
الرزق بالدعاء، وأن يرجو في نفسه الرزق من حيث لا يحتسب، ولا يعتمد على حذقه وكده
ولا يطمئن إليهما.
وينبغي للمتكسب أن يقصد بكسبه الاستعفاف عن الناس، والتوسعة على العيال، والقيام
بأعمال الخير والبر، فإن ذلك من طلب الآخرة. ولا ينبغي له أن يكون همه الجمع
والادخار .
ويستحب الاجمال في الطلب، فإنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها، وفي حديث الإمام
الصادق عليه السلام: (ليكن طلبك للمعيشة فوق كسب المضيع ودون طلب الحريص) .
ويستحب التعامل مع من نشأ في الخير. ويكره التعامل مع مستجد النعمة، ومخالطة
السفلة.
ويستحب التوثق بالكتابة عند المعاملة.
ويستحب الاحسان في البيع والتسامح فيه، وأن يعطي زائدا، وأن يبادر للبيع عند حصول
الربح، وأن لا يزهد في الربح والاسترزاق به وإن قل.
ويستحب إقالة النادم، وهي رفع اليد عن البيع وفسخه عند طلب أحد المتبايعين، ففي
الحديث: (أيما عبد أقال مسلما في بيع أقاله الله عثرته يوم القيامة)12.
1- وسائل الشيعة (آل البيت) - الحر العاملي - ج 17 - ص 384
2- فاطر، 29.
3- الصف، 10 و 11.
4- وسائل الشيعة (آل البيت) - الحر العاملي - ج 17 - ص 381
5- وسائل الشيعة (آل البيت) - الحر العاملي - ج 17 - ص 382
6- ميزان الحكمة، الريشهري، ج 3، ص 2259.
7- راجع: منهاج الصالحين، السيد الخزئي، ج 2، ص 8.
8- البقرة، 275.
9- راجع: كلمة التقوى، الشيخ محمد زين الدين، ج 4، ص 132
10- كلمة التقوى، الشيخ محمد زين الدين، ج 6، ص 20.
11- راجع: منهاج الصالحين، السيد الخزئي، ج 2، ص 9.
12- راجع: منهاج الصالحين، السيد محمد سعيد الحكيم، ج 2، ص 28.