الهدف:
التعرّف على طريقة وأسلوب مواجهة الطغاة من أسلوب السيدة زينب في مواجهة الطغاة.
محاور الموضوع
- بداية المواجهة من أرض الشهادة
- الصبر الزينبي
- مواجهة طغاة أهل الكوفة
- مواجهة الطاغية ابن زياد
- مواجهة رأس الظلم الطاغية يزيد
تصدير:
قالت السيدة زينب(عليها السلام) في خطبتها في الشام: (أَلاَ فَالعَجَبُ كُلُّ
الْعَجَبِ لِقَتْلِ حِزْبِ اللهِ النُّجبَاءِ بِحِزْبِ الشَّيْطَانِ الطُّلَقَاء).
مقدمة
تعتبر واقعة كربلاء من أهم الأحداث التي عصفت بالأمة الإسلامية بعد رسول الله(صلى
الله عليه وآله وسلم)، وكان للسيدة زينب(عليها السلام) دور أساسي ورئيسي في هذه
الثورة العظيمة، فهي الشخصية الثانية على مسرح الثورة بعد أخيها الحسين(عليه السلام)،
كما أنها قادت مسيرة الثورة بعد استشهاد أخيها الحسين(عليه السلام) وأكملت ذلك
الدور بكل حكمة وجدارة.
بداية المواجهة من أرض الشهادة
حينما حدثت الفاجعة الكبرى بمقتل أخيها الحسين(عليه السلام) بعد قتل كل رجالات
بيتها وأنصارهم خرجت السيدة زينب تعدو نحو ساحة المعركة، تبحث عن جسد أخيها الحسين
بين القتلى غير عابئة بالأعداء المدجّجين بالسلاح، فلما وقفت على جثمان أخيها
الحسين (عليه السلام)، فالكل كان يتصور أنها سوف تموت أو تنهار وتبكي وتصرخ أو يغمى
عليها، لكن ما حدث هزّ أعماق الناظرين، فوضعت يدها تحت جسده الطاهر المقطع وترفعه
نحو السماء وهي تقول (اللهم تقبل منا هذا القربان)1.
الصبر الزينبي
الحادي عشر من المحرّم 61 هـ مرحلة صعبة وقاسية ومثقلة بالأحزان في حياة السيدة
زينب(ع). حيث حمل جيش عمر بن سعد النساء والأطفال على أحلاس أقتاب الجمال بغير وطاء
ولا غطاء، وساقوهم كما تساق السبايا، وتتقدّمهم الرؤوس على الرماح، وقد اقتسمت
القبائل الرؤوس لتأتي بها إلى ابن زياد: فكانت رؤوس أهل بيت الحسين (عليه السلام)
وأصحابه ثمانية وسبعين رأساً، فاقتسمتها القبائل لتتقرّب بذلك إلى عبيد الله بن
زياد وإلى يزيد بن معاوية.
ومن المعلوم تاريخياً أن موكب أسرى كربلاء ومعهم السيدة زينب والنساء والأطفال،
وموكب الرؤوس كان واحداً، أي أنّ السيدة زينب قدر رأت رأس الحسين والعباس ورؤوس
الشهداء مرفوعة على رؤوس الرماح. ولكنّها كما نفهم من مواقفها المتعدّدة في مواجهة
الطغاة لم تظهر الضعف أو الذلة أو الانكسار، بل كانت تعبّر دائماً خلال تلك الفترة
عن مواقف العزة والبطولة في مواجهة أعتى طغاة الأرض، وفي الحقيقة لا يمكن لإنسان
أن يتحمّل كل هذه القسوة والشدة والمصائب دون أن يتحلى بأقوى ملكات الصبر.
مواجهة طغاة أهل الكوفة:
لما دخل موكب السبايا الكوفة، توجّه موكب السبايا نحو قصر الإمارة، مُخترقاً جموع
أهل الكوفة المحتشدين في الشوارع، وهم يبكون لما حلَّ بالبيت النبوي الكريم، قال
بشير بن خزيم الأسدي: ونظرت إلى زينب بنت علي يومئذ، ولم أر خفرة والله أنطق منها،
كأنّها تفرع من لسان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(ع)، وقد أومأت إلى الناس أن
اسكتوا، فارتدّت الأنفاس، وسكنت الأجراس، ثمّ قالت: (الْحَمْدُ للهِ، وَالصَّلاَةُ
عَلىَ جَدِّي مُحَمَّدٍ وَآلِهِ الطَّيِّبِينَ الأَخْيَارِ، أما بَعْدُ: يَا أَهْلَ
الْكُوفَةِ، يَا أَهْلَ الْخَتْلِ والْغَدْرِ، أَتَبْكُونَ؟! فَلَا رَقَأَتِ
الدَّمْعَةُ، ولَا هَدَأَتِ الرَّنَّةُ، إِنَّمَا مَثَلُكُمْ كَمَثَلِ الَّتِي
نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثاً، تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ
دَخَلاً بَيْنَكُمْ...َأتَبْكُونَ وَتَنْتَحِبُونَ؟! إِيْ وَاللهِ فَابْكُوا
كَثِيراً، واضْحَكُوا قَلِيلاً، فَلَقَدْ ذَهَبْتُمْ بِعَارِهَا وَشَناَرِهَا ...وَيْلَكُمْ
يَا أَهلَ الْكُوفَةِ، أَتَدْرُونَ أَيَّ كَبِدٍ لِرَسُولِ اللهِ فَرَيْتُم؟! وَأيَّ
كَرِيمَةٍ لَهُ أبْرَرْتُمْ؟! وَأَيَّ دَمٍ لَهُ سَفَكْتُمْ؟! وَأّيَّ حُرْمَةٍ لَهُ
انتَهَكْتُمْ؟! لَقَدْ جِئْتُمْ بِهَا صَلعَاءَ عَنْقَاءَ سَوْدَاءَ فَقُمَاءَ...
أَفَعَجِبْتُمْ أَنْ مَطَرَتِ السَّمَاءُ دَماً، وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَخْزىَ
وَأَنْتُمْ لاَ تُنْصَرُونَ..)
ونستفيد من مواقفها (عليها السلام) العديد من العبر، منها:
- إيضاح الصورة للرأي العام وإثارتهم على الأمويين، وإظهار المصيبة الكبرى التي
داهمت العالم الإسلامي بقتل ريحانة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
- تحميل الكوفيّين مسؤولية هذه الجريمة النكراء.
- تقريع الكوفيين: فلقد قرّعتهم عقيلة الرسول بخطابها البليغ، وعرّفتهم زيف إسلامهم،
وكذب دموعهم، وأنّهم من أحطّ المجرمين، فقد اقترفوا أفضع جريمة وقعت في الأرض، فقد
قتلوا سيد شباب أهل الجنة، وفروا بقتله كبد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)
وانتهكوا حرمته، فأي جريمة أبشع من هذه الجريمة.
مواجهة الطاغية ابن زياد:
- الموقف الأول: يذكر المؤرّخون أن ابن مرجانة قال: مَن هذه التي انحازت
ناحية ومعها نساؤها؟ فأعرضت عنه احتقاراً واستهانة به، وكرّر السؤال فلم تجبه،
فأجابته إحدى السيّدات: هذه زينب بنت فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)،
فقال لها: الحمد لله الذي فضحكم وقتلكم، وأبطل أحدوثتكم.
فأجابته(عليها السلام) بشجاعة أبيها محتقرة له قائلة: الحمْدُ للهِ الَّذي
أَكْرَمَنَا بِنَبِيِّهِ، وَطَهَّرَنــــَا مِنَ الرِّجْسِ تَطْهِيراً، إِنَّمَا
يَفْتَضِحُ الْفَاسِقُ وَيَكْذِبُ الْفَـــاجِرُ، وَهُوَ غَيْـــرُنَا يَا بْنَ
مَرْجَانَة.
- الموقف الثاني: وكذالك عندما خاطبها مستهزئاً: كيف رأيت صنع الله بأخيك؟
فأجابته بكلمات الظفر والنصر لها ولأخيها قائلة: ما رَأَيْتُ إِلاّ جَمِيلاً،
هؤُلاَءَ قَوْمُ كَتَبَ اللهُ عَلَيْهِمُ الْقَتَلَ، فَبَرَزُوا إِلى مَضَاجِعِهِمْ،
وَسَيَجْمعُ اللهُ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُمْ، فَتُحَاجُّ وَتُخَاصَمُ، فَانْظُرْ لِمَنِ
الْفَلَجُ يَومَئِذٍ، ثَكَلَتْكَ أُمُّكَ يا بْنَ مَرْجَانَةَ...
مواجهة رأس الظلم الطاغية يزيد
لما وصلت قافلة الأسرى إلى
مجلس الطاغية يزيد بن معاوية في الشام...، وأظهر الطاغية فرحته الكبرى بإبادته
لعترة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأخذ يهزّ أعطافه جذلاناً وراح يترنّم
هذه الأبيات التي مطلعها:
لَيْــــتَ أَشـــــْيَاخِي بِبَدرٍ شَـهِدُو***جَزَعَ الْخَزْرَجِ مِـنْ وَقْعِ
الأَسَـلْ
ولمّا سمعت العقيلة هذه الأبيات ألقت خطبتها الشهيرة بفصاحة وشجاعة أبيها علي (عليهما
السلام) وقد ضمّنتها أعنّف المواقف لفرعون عصره يزيد ومما قالته (عليها السلام):
أَلْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَصَلَّى اللهُ عَلىَ مُحَمّدَ وآلِهِ
أَجْمَعِيَن، صَدَقَ اللهُ كَذَلكَ يَقُولُ: (ثم كان عاقبة الذين أساؤوا السؤى أن
كذبوا بأيات الله وكانوا بها يَسْتَهْزِؤُونَ)..
- وَلَئِنْ جَرَّتْ عَلَيَّ الدَّوَاهِي مُخَاطَبَتَكَ، إِنِّي لأَسْتَصْغِرُ
قَدْرَكَ، وَأَسْتَعْظِمُ تَقْرِيعَكَ، وَأَسْتَكْثِرُ تَوْبِيخَكَ، لَكِنِ
الْعُيُونُ عَبْرىَ، وَالصُّدَورُ حَرّىَ. أَلاَ فَالعَجَبُ كُلُّ الْعَجَبِ
لِقَتْلِ حِزْبِ اللهِ النُّجبَاءِ بِحِزْبِ الشَّيْطَانِ الطُّلَقَاء.
- أَمِنَ الْعَدْلِ يَا بْنَ الطُّلَقَاءِ تَخْدِيرُكَ حَرَائِرَكَ وَإمَاءَكَ
وَسُوقَكَ بَنَاتِ رَسُولِ اللهِ سَبَايَا؟! قدْ هَتَكْتَ سُتورَهُنَّ، وَأَبْدَيْتَ
وُجُوهَهُنَّ، تَحْدُو بِهِنَّ الأَعْدَاءُ مِنْ بَلَدِ إلى بلدٍ، .. وَيَتَصَفَّحُ
وُجُوهَهُنَّ الْقَرِيبُ وَالبَعِيدُ..
- أَللَّهُمَّ خُذْ بِحَقِّنَا، وَانتَقِمْ مِمَّنْ ظَلَمَنَا، وَاحْلُلْ غَضَبَكَ
بِمَنْ سَفَكَ دِمَاءَنَا وَقَتَلَ حُمَاتَنَا. فَوَاللهِ مَا فَرَيْتَ إِلاَّ
جِلْدَكَ، وَلا حَزَزْتَ إِلاَّ لَحْمَكَ، وَلَتَرِدَنَّ عَلى رَسُولِ اللهِ (صلى
الله عليه وآله وسلم) بِمَا تَحَمَّلْتَ مِنْ سَفْكِ دِمَاءِ ذُرّيَّتِهِ،
وَانْتَهكْتَ مِنْ حُرْمَتِهِ فِي عِتْرَتِهِ وَلُحْمَتِهِ..
- فَكِدْ كَيْدَكَ، وَاسْعَ سَعْيَكَ، ونَاصِبْ جَهْدَكَ، فَوَاللهِ لاَ تَمْحُوَنَّ
ذِكْرَنَا، ولاَ تُمِيتُ وَحْيَنَا، وَلاَ تُدْركُ أَمَدَنَا، وَلاَ تَرْحَضُ عَنْكَ
عَارَهَا.
فقد تمكّنت السيدة زينب بمواقفها هذه من مواجهة رأس الظلم آنذاك بشكل مباشر
يتّضح في مختلف فقر خطبتها الشهيرة، ولكن يمكن إجمال أهمها بالآتي:
- تأنيب المجرم مهما علا شأنه، وقوي سلطانه، وكثر ظلمه وسفكه للدماء، وأهم من
ذلك أن توبيخه حصل في قصر إمارته وأمام أعوانه.
- اللجوء إلى الله والدعوة على الظالمين، وبأخذ الحق منهم، وإنزال الغضب عليهم،
وهذا غاية الإيمان والتسليم.
- استصغار قدر الطاغية في محضر قوته وغطرسته، وأن الحق هو الذي اضطرها (عليها
السلام) لمخاطبته.
- التأكيد على ثبات الدين والوحي ونهج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل
بيته (ع) واستمراره، وعدم تمكّن أحد من محوه أو القضاء عليه، حيث أقسمت بعبارة
حاسمة نابعة من يقين والإيمان "فوالله لا تمحو ذكرنا".
1- العقيلة والفواطم،61، الشاكري