محاور الموضوع الرئيسة:
- أصول العشرة في الكتاب والسنة.
- حقوق العشرة وآدابها وآثارها.
- حسن العشرة كأصل اجتماعي.
الهدف:
التعرّف على أصول العشرة في الكتاب والسنة، والـتأسّي بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته عليهم السلام في لينْ الجانب، وحسن معاشرة العدو والصديق.
تصدير الموضوع:
من وصية أمير المؤمنين عليه السلام لبنيه عند احتضاره: "يا بَنيَّ عاشروا الناس عِشرةً إن غبتم حنّوا إليكم، وإن فُقدتم بكوْا عليكم"1.
مقدمة
العشرة من الأمور التي حثّت عليها الشريعة الإسلامية المقدّسة، واعتبرتها من القضايا التي تحتل مكانة محورية في الحياة الداخلية بين المسلمين وكذلك في حياتهم الخارجية مع أبناء الأديان الأخرى، ولهذا نجد بأن سيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته عليهم السلام مليئة بأخبار الذين اعتنقوا الإسلام تأثراً بسلوكهم وحسن معاملتهم معهم.
1- أصول العشرة في الكتاب العزيز:
لقد وضع القرآن الكريم أصولاً واضحةً للعشرة بين أبناء الأسرة والمجتمع الإسلامي، حيث حثّ على حسن العشرة مع الوالدين والأقرباء واليتامى والمساكين والجيران وأبناء السبيل، وملك اليمين ونحوهم، وقد قرن الله عز وجل الأمر بعبادته وتوحيده بالأمر بالإحسان إلى الناس سواء ما ارتبط بالوالدين أو بالأصحاب قال تعالى: ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً﴾2.
ووضع في مورد آخر قواعد التفاهم والحوار بين أفراد المجتمع، فأكّد على القول الحسن، و الخطاب اللّين، والجدال بالتي هي أحسن، واعتماد أسلوب الموعظة الحسنة... قال الله تعالى: ﴿... وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً...﴾3. وقال تعالى: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾4، وقال تعالى: ﴿ذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى﴾5.
2- أصول العشرة في السنة
أ- الميزان في معاشرة الناس:
حدّد أمير المؤمنين مجموعة من القواعد الهامة تصلح كميزان للعشرة والتعامل بين الناس، فقال عليه السلام: "يَا بُنَيَّ اجْعَلْ نَفْسَكَ مِيزَاناً فِيَما بَيْنَكَ وَبَيْنَ غَيْرِكَ، فَأَحْبِبْ لِغَيْرِكَ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ، وَاكْرَهْ لَهُ مَا تَكْرَهُ لَهَا، وَلاَ تَظْلمِْ كَمَا لاَ تُحِبُّ أَنْ تُظْلَمَ، وَأَحْسِنْ كَمَا تُحِبُّ أَنْ يُحْسَنَ إِلَيْكَ، وَاسْتَقْبِحْ مِنْ نَفْسِكَ مَا تَسْتَقْبِحُهُ مِنْ غَيْرِكَ، وَارْضَ مِنَ النَّاسِ بِمَا تَرْضَاهُ لَهُمْ مِنْ نَفْسِكَ، وَلاَ تَقُلْ مَا لاَ تَعْلَمُ وَإِنْ قَلَّ مَا تعْلَمُ، وَلاَ تَقُلْ مَا لاَ تُحِبُّ أَنْ يُقَالَ لَكَ. وَاعْلَمْ، أَنَّ الْإِعْجَابَ ضِدُّ الصَّوَابِ، وَآفَة ُالْأَلْبَابِ. فَاسْعَ فِي كَدْحِكَ، وَلاَ تَكُنْ خَازِناً لِغَيْرِكَ"6.
ب - الحث على حسن المصاحبة:
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "أحسن مصاحبة من صاحبك تكن مسلماً"7.
عن الإمام الصادق عليه السلام: "إنه ليس منا من لم يحسن صحبة من صحبه ومرافقة من رافقه، وممالحة من مالحه، ومخالقة من خالقه"8.
وعن أمير المؤمنين عليه السلام: "مجاملة الناس ثلث العقل"9.
ج- الحث على التودّد والتحبّب إلى الناس:
اعتبرت الروايات أن التودّد إلى الناس نصف العقل، والتحبّب إليهم رأسه.
عن الإمام الكاظم عليه السلام قال: "التودّد إلى الناس نصف العقل"10.
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "رأس العقل بعد الإيمان بالله عزوجل التحبّب إلى الناس"11
3- حقوق العشرة وآدابها
لقد حدّدت الروايات حقوق العشرة وآدابها وذلك بالتمسّك بلين الجانب والبشر والإحسان وغفران الزلاّت و...:
- يقول أمير المؤمنين عليه السلام: "ابذل لأخيك دمك ومالك، ولعدوّك عدلك وإنصافك، وللعامة بشرك وإحسانك"12.
- و عنه عليه السلام: "ابذل لصديقك نصحك، ولمعارفك معونتك ولكافة الناس بشرك"13
- و عنه عليه السلام: "صاحب الإخوان بالإحسان وتغمّد ذنوبهم بالغفران"14.
4- من آثار حسن العشرة:
فقد ورد عن أهل البيت عليهم السلام العديد من الأخبار التي توضح لنا النتائج الهامة للعشرة الكريمة منها:
- دوام المودة: عن الإمام علي عليه السلام: "بحسن العشرة تدوم المودّة"15.
- دوام الوصلة: عن الإمام علي عليه السلام: "بحسن العشرة تدوم الوصلة"16.
- عمارة القلوب: عن الإمام علي عليه السلام: "عمارة القلوب في معاشرة ذوي العقول"17.
-أنس الرفيق: عن الإمام علي عليه السلام: "بحسن العشرة تأنس الرفاق"18.
5- حسن العشرة كأصل اجتماعي
عندما تتحدّث الشريعة وتحثّ على حسن العشرة فإنها لا تقصد الفرد كفرد إلا كجزء مكوّن للمجتمع، ولهذا فإن الغاية الأساسية من العشرة في الشريعة الإسلامية ترتبط بضمان حفظ المجتمع وتثبيت أركانه، وبناء العلاقات المثلى بين أفراده على اختلاف طبقاتهم ومواقعهم.
- يقول الإمام الصادق عليه السلام: "إن المرء يحتاج في منزله وعياله إلى ثلاث خلال يتكلّفها وإن لم يكن في طبعه ذلك: معاشرة جميلة، وسعة بتقدير، وغيرة بتحصّن"19.
- وعن أمير المؤمنين عليه السلام في وصيته لولده الحسن عليه السلام: "لا يكن أهلك أشقى الخلق بك"20.
- وعن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم: "إن الرجل ليدرك بالحلم درجة الصائم القائم، وإنه ليكتب جبّاراً ولا يملك إلا أهل بيته"21.
- الوالدان: مع أن الحث على العشرة والإلزام بها ورد في الكثير من العناوين كعشرة الزوجين وعشرة الأرحام، والأبوين، والأصدقاء... نكتفي بنموذج حول الوالدين ونظرة الإسلام إلى وجوب معاشرتهم بالمعروف.
أ- اقتران الإحسان إلى الوالدين بالتوحيد
فقد ذكر الإحسان إلى الوالدين بعد التوحيد مباشرة في أربع مواضع، وهذا الاهتمام يدل على مدى الأهمية التي يوليها الإسلام للوالدين
- ﴿لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَ اللهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً﴾22.
- ﴿وَاعْبُدُوا اللهَ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً﴾23.
- ﴿أَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً﴾24.
- ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَ تَعْبُدُوا إِلاَ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً﴾25.
فالملاحظ في هذه الآيات الكريمة أنها تذكر نوعاً التوحيد في العبادة، وحصر العبادة بالله تعالى، إذ العبادة نوع من الخضوع الكلي أمام عظمة المعبود، (معبود واحد، وإله واحد). ولا بدّ في تحقّقها من التحلي بأعلى درجات الصفاء، والتذلل والاحترام والقدسية لله تعالى.
وكذا فهنالك في الآيات الأخرى نهي عن الشرك، ويلازمه التوحيد.
وفي كلا الحالتين فلقد أردف المولى في هذه الآيات الإحسان إليهما بعبادته، ليدلّ على الأهمية والموقع الخاص (وهذه من الحالات الخاصة في القرآن الكريم)، وعلى أن الإحسان إليهما والبرّ بهما واجب كما عبادته.
ب- منزلة شكر الوالدين ومنزلة شكر الله
فقد رفع القرآن الكريم منزلة شكر الوالدين إلى منزلة شكر الله تعالى، قال تعالى: ﴿أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ﴾26، وهذا دليل على عمق وأهمية حقوق الوالدين في منطق الإسلام وشريعته، بالرغم من أن نعم الله التي يشكرها الإنسان لا تعدّ ولا تحصى.
ج- وجوب الإحسان للوالدين حتى المشركين
يؤكّد القرآن الكريم على الإحسان للوالدين حتى لو كانا مشركين.
قال تعالى: ﴿وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً﴾27.
2- التوجيه القرآني التفصيلي في التعامل معهما:
في الآيات (23- 24) من سورة الإسراء يذكر عدّة توجيهات:
1- ﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً﴾.
2- ﴿وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً﴾.
3- ﴿وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ﴾.
4- ﴿فَلاَ تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ﴾.
5- ﴿وَلاَ تَنْهَرْهُمَا﴾.
6- ﴿وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً﴾.
هذه الآيات تعبر عن دستور ونظام اجتماعي شامل ينظّم علاقة من أهم العلاقات الاجتماعية ، وهي علاقة الأولاد بوالديهم..
1- البحار، ج42، ص247.
2- النساء:36.
3- البقرة: 85.
4- النحل: 125.
5- طه: 43،44.
6- نهج البلاغة.
7- أمالي الصدوق،168،13.
8- مستطرفات السرائر، ص61.
9- تحف العقول،366.
10- تحف العقول،403.
11- البحار ج74 ص158.
12- البحار، ج78، ص50.
13- غرر الحكم: 2466.
14- م.ن. 5832.
15- غرر الحكم،4233.
16- غرر الحكم4270.
17- غرر الحكم6313.
18- غرر الحكم.
19- البحار، ج78، ص236.
20- نهج البلاغة، الكتاب 31، والحكمة 257.
21- كنز العمال 5809.
22- البقرة، 83.
23- النساء، 36.
24- الأنعام، 151.
25- الإسراء، 23.
26- لقمان، 14.
27- لقمان، 15.