محاور الموضوع الرئيسة:
الكذب من أخطر الأمراض.
دوافع الكذب.
استثناءات الكذب.
قيمة الصدق.
الهدف:
التعرّف على الآثار السلبية للكذب على الفرد والمجتمع، وقيمة الصدق وأهميته.
تصدير الموضوع:
عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم عندما سُئل: "يا رَسُولَ اللهِ المُؤمِنُ يَزني؟ قال: بلى، قالوا: المُؤمِنُ يَسرُقُ؟ قال: بلى، قالوا: المُؤمِنُ يَكذِبُ؟ قال: لا،.." 1.
مقدمة
تؤكّد الشريعة الإسلامية كثيراً على مسألة محاربة الكذب والدجل كمرض خطير وصفة أخلاقية ذميمة، إلى درجة أنّ الكاذبين في النصوص الدينية في عداد الكفّار والملحدين، وأنّ الكذب هو مفتاح جميع الذنوب، بل إنّ الإنسان ما لم يترك الكذب بشتى أنواعه وأقسامه لن يذوق طعم الإيمان أبداً، قال تعالى: ﴿إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللهِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَاذِبُونَ﴾ 2 و ﴿إِنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ﴾ 3.
وأن الكذب يبعد ملائكة الرحمة عن هذا الإنسان الكاذب ففي حديث عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "إِذا كَذِبَ العَبدُ تَباعَدَ المَلَكُ مِنهُ مَسيرَةَ مِيل مِنْ نَتِنِ ما جاءَ بِهِ" 4.
1- الكذب من أخطر الأمراض
نقرأ في الروايات الإسلامية تعابير مثيرة ومدهشة تتحدث عن قبح الكذب وفيما يلى نماذج منها:
ا- الكذب مفتاح الذنوب: ورد عن الإمام الباقر عليه السلام قوله: "إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ جَعَلَ لِلشّرَّ أقفالا وَجَعَلَ مَفاتِيحَ تِلْكَ الأَقْفالِ الشَّرابَ، وَالْكِذْبُ شَرٌّ مِنَ الشَّرابِ" 5.
وعن الإمام الحسن العسكري عليه السلام قوله: "جُعِلَتِ الْخَبائِثُ كُلُّها فِي بَيْت وَجُعِلَ مِفْتاحُهُ الْكِذْبَ" 6.
والعلّة في ذلك جليّة: لأن الكذب يبيح له ارتكاب أنواع الذنوب من دون أن يخاف الفضيحة، في حين أنّ الإنسان الصادق سيجد نفسه مضطراً إلى ترك سائر الذنوب لأنّ الصدق لا يسوغ له ارتكاب الذنب، والخوف من الفضيحة بسبب الصدق يدعوه إلى ترك الذنوب.
ب- الكذب لا ينسجم مع الإيمان:"سُئِلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم يَكُونُ الْمُؤمِنُ جُبانَاً؟ قالَ: نَعَمُ ; قَيلَ وَيَكُونُ بَخِيلا؟ قالَ نَعم، قِيلَ يَكُونُ كَذاباً قالَ: لاَ" 7.وعن أمير المؤمنين عليه السلام حيث يقول: "لا يَجِدُ الْعَبْدُ طَعْمَ الإِيِمانِ حَتّى يَتْرُكَ الْكِذْبَ هَزْلَهُ وَجِدَّهُ"8.
ج- الكذب شر القول وأعظم الخطايا: عن أمير المؤمنين عليه السلام قوله: "وَشَرُّ الْقُولِ الْكِذبُ"، وذلك لأنّ آثاره السلبية والمدّمرة أشد من كل ذنب آخر. ويقول عليه السلام: "أَعْظَمُ الْخِطايا عِنْدَ اللهِ الْلَسَّانُ الْكَذُوبِ وَشَرُّ النَّدامَةِ نَدامَةُ يَوْمِ القِيامَةِ"9.
د- الكذب مصدر الفجور: عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "إِيَّاكُم وَالكَذبَ فإنَّ الكَذبَ يَهدِي إِلَى الفُجُورِ وَإنَّ الفُجُورَ يَهدِيَ إِلَى النّارِ" 10.
ه- الكذب يُفقد ثقة الناس: إن الكاذب يخسر اعتماد الناس وثقتهم به، عن أمير المؤمنين عليه السلام: "مَنْ عُرِفَ بِالكِذبِ قَلَّتْ الثِّقَةُ بِهِ" 11.
2- دوافع الكذب
إنّ الكذب كما هو في سائر الصفات الرذيلة له أسباب ودوافع مختلفة وأهمّها
أ- ضعف الإيمان والعقيدة: لأنّه لو كان الكاذب عالماً بأنّ الله تعالى قادر رحيم وعالم بأمره فإنّه لا يجد في نفسه حاجة إلى الكذب في سبيل تحصيل المال أو نيل الجاه والمقام؟، عن الإمام الباقر عليه السلام قوله: "جانِبُوا الكِذْبَ فإنَّ الكِذْبَ مُجانِبُ الإيمانَ" 12.
ب- ضعف الشخصية: فالأشخاص الذين يعيشون هذه الحالة من ضعف الشخصية يضطرون إلى التستر على ضعفهم من خلال استخدام الكذب، وقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "لا يَكذِبُ الكَاذِبُ إِلاّ مِنْ مَهانَةِ نَفسِهِ عَلَيهِ" 13.
ج- الحسد والبخل والتكبّر والغرور: فالكذب يدفع صاحبه إلى اتهام الآخرين بما ليس فيهم أو التحدّث عنهم من موقع الكذب، وما دامت هذه الحالات السلبية تعتلج في ذات الإنسان وباطنه فإنّه سوف لا يجد خلاصاً من الكذب.
د- العلاقة الشديدة بالدنيا وحفظ المقامات الاجتماعية: وحتّى أنّه قد يتوسل إلى ذلك بالكذب على الله ورسوله.عن قول أمير المؤمنين عليه السلام: "وإِنّه سَيأتِي عَلَيكُم بَعدِي زَمانٌ لَيسَ فِيهِ شَيءٌ أَخفَى وَلا أَظهَرَ مِنَ الباطِلِ وَلا أَكثَرَ مِنَ الكِذبِ عَلَى اللهِ وَرَسُولِهِ" 14.
3- استثناءات الكذب
وبالرغم من أنّ الكذب من أهمّ الذنوب وأخطرها بحال الإنسان على المستوى المادي والمعنوي، والفردي والاجتماعي، ولكن مع ذلك هناك موارد عديدة وردت في الروايات الإسلامية وكلمات الفقهاء وعلماء الأخلاق على شكل استثناء من قبح الكذب، فقد ورد عن الإمام الصادق عليه السلام قوله: "لَيسَ شَيءٌ مِمّا حَرَّمَ الله إلاّ وَقَد أَحَلَّهُ لِمَنِ اضطُرَّ إلَيهِ"15.
وهذه الموارد عبارة عن:
الكذب لإصلاح ذات البين. عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أيضاً أنّه قال: "كُلُّ الِكذبِ يَكتُبُ عَلَى إبنِ آدَمِ إلاّ رَجُلٌ كَذَبَ بَينَ رَجُلَينِ يُصلِحُ بَينَهُما" 16.
الكذب لخداع العدو وفي ميادين القتال. عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "كُلُّ الكِذْبِ مَكتُوبٌ كِذباً لا مَحالَةَ إلاّ أَنْ يَكذِبَ الرَّجُلُ فِي الحَربِ فَإِنَّ الحَربَ خُدعَةٌ أَو يَكُونَ بَينَ رَجُلَينِ شَحناءَ فَيُصلِحُ بَينَهُما أَو يُحَدِّثُ إِمرأَتَهُ يِرضِيها" 17.
لدفع الظالمين. عن الإمام علي عليه السلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أيضاً أنّه قال: "إحلِفْ بِاللهِ كاذِباً ونَجِّ أَخاكَ مِنَ القَتلِ" 18.
الكذب في جميع الموارد التي يجد الإنسان نفسه وناموسه في خطر محدق ولا نجاة له إلاّ بالتوسل بالكذب.
4- قيمة الصدق وأهميته: مفهوم الصدق
قال الله تعالى: ﴿يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين﴾ 19.
الصدق ضد الكذب وغالباً ما يكون في القول، ولا بدّ لتحققه في القول وغيره من مطابقة ظاهر الإنسان من قول وفعل لباطنه، والصدق من المفردات التربوية التي لها صلة وثيقة بإيمان الإنسان وعلاقته بالله، وبسلوكه الاجتماعي في علاقته بالناس والمجتمع، وقد ورد في الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة أن الصدق: "رأس الإيمان، ودعامة الإيمان، ولباس الدين"، و "روح الكلام"، و "فيه صلاح كل شيء". قال الإمام علي عليه السلام: "الصدق خير القول" 20، وقال الإمام الصادق عليه السلام: "زينة الحديث الصدق"، "ومن صدق لسانه زكى عمله" 21.
وينبغي السعي للحصول على ملكة الصدق وسيطرتها على النفس قبل الدخول في الحديث قال الإمام الباقر عليه السلام: "تعلموا الصدق قبل الحديث" 22.
و الصدق كقيمة وسلوك مقدّم على الكذب، قال الإمام علي عليه السلام: "الإيمان أن تؤثر الصدق حيث يضرّك على الكذب حيث ينفعك" 23.
خاتمة:
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم "لا تنظروا إلى كثرة صلاتهم وصومهم وكثرة الحج والمعروف وطنطنتهم بالليل، ولكن انظروا إلى صدق الحديث وأداء الأمانة".
1-الطبرسي، مجمع البيان.
2-النحل:105.
3-الزمر: 3.
4-شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، ج6، ص357
5-أصول الكافي، ج3، ص339.
6-بحار الأنوار، ج 69، ص 263.
7-جامع السعادات، ج 2، ص 322.
8-أصول الكافي، ج 2، ص 34، ح 11
9-المحجة البيضاء، ج 5، ص 243.
10-كنز العمال، ح8219.
11-غرر الحكم.
12-بحار الأنوار، ج66، ص386.
13-كنز العمال، ح8231، ج3، ص625.
14-نهج البلاغة، الخطبة 147.
15-بحار الأنوار، ج101، ص284.
16-المحجة البيضاء، ج5، ص245.
17-المحجة البيضاء، ج5، ص245.
18-وسائل الشيعة، ج16، ص134، ح4، الباب 12 من أبواب كتاب الإيمان.
19-التوبة: 119.
20-غرر الحكم.أصول الكافي، ج2.
21-الكافي، ج2.
22-نهج البلاغة.
23-بحار الأنوار.