الهدف:
التعرفّ على أهمية الصلاة وأنها أول ما يسأل عنه يوم القيامة
تصدير:
قال تعالى: ﴿ مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ* قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ﴾.
المحاور
الصلاة عمود الدين
أول الأسئلة في مواقف القيامة
يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ
علة تشريع الصلاة
الصلاة عمود الدين:
لقد أشير في المصادر الإسلامية إلى نحو من الأولوية في ترتيب النظر في صحائف
أعمال الناس وكتبهم يوم الحساب، فكانت الصلاة أول ما يحاسب عليه العبد، ووجدنا أن
القرآن الكريم يصور حال أهل النار عندما يُسْأَلُون عن سبب ما هم فيه من عذاب
فيقولون: لم نكن من المصلين. قال تعالى: ﴿مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ* قَالُوا لَمْ
نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ﴾[1]، فالصلاة من أول الأعمال التي كفر بها أولئك المكذبون،
وأول ما يندمون على تضييعه يوم القيامة.
جاء في الحديث الوارد عن رسول الله (ص): "إنّ عمود الدين الصّلاة، وهي أوَل ما
يُنظَر فيه من عمل ابن آدم، فإن صحّت نُظِرَ في عمله، وإن لم تَصِحَّ لم يُنظَر في
بقيّة عمله"[2]، وفي نفس المعنى جاء حديث آخر عن النبي الأكرم (ص) أنه قال: "أول ما
ينظر في عمل العبد في يوم القيامة في صلاته، فإن قبلت نظر في غيرها، وإن لم تقبل لم
ينظر في عمله بشيء"[3]، و قال مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) مرشداً وموجهاً:
"واعلم أن كل شيء من عملك تبع لصلاتك، فمن ضَيع الصلاة، فإنه لغيرها أضيع"[4].
أول الأسئلة في مواقف القيامة:
تبين لنا مما نطق به النبي المصطفى وأخاه علي المرتضى (ص) أن الصلاة لا تعتبر
أول ما يحاسب المرء عليه ذلك اليوم فحسب، بل إن سلامة صحيفة صلاة المرء شرطاً في
النظر في سائر أعماله أيضاً، قال مولانا الإمام أبو جعفر الباقر (عليه السلام): "إن
أول ما يحاسب به العبد الصلاة، فإن قبلت قبل ما سواها"[5]، وقال إمامنا الصادق جعفر
بن محمد (عليه السلام): "..وفي إقامة الصلاة بحدودها وركوعها وسجودها وتسليمها
سلامة للعبد من النار، وفي قبول صلاة العبد يوم القيامة قبول سائر أعماله، فإذا
سلمت له صلاته سلمت جميع أعماله، وإن لم تسلم صلاته وردّت عليه، ردّ ما سواها من
الأعمال الصالحة"[6]، وفي حديث آخر قال (عليه السلام): "إنّ أوّل ما يسأل عنه العبد
إذا وقف بين يدي الله عزّ وجلّ الصلوات المفروضات"[7].
إن قبلت قبل ما سواها:
وفي ذلك يقول الإمام الخامنئي دام ظله:
حين يتفضّل المعصوم بالقول: إنّ الصلاة لله، إذا قُبِلت قُبِل ما سواها من الخدمات
والجهود، وإذا ردّت ردّ ما سواها، فهذا كلامٌ يعرض أمامنا حقيقة كبيرة، وتلك
الحقيقة هي أنّ الصلاة إذا وضعت في موضعها المناسب في المجتمع الإسلاميّ فسوف تفتح
كلّ الجهود المادّية والمعنوية البنّاءة طريقها نحو الأهداف والمبادئ، وتوصل
المجتمع إلى المحطة المثاليّة المطلوبة في الإسلام. وإذا كانت هناك غفلة عن أهمّيّة
الصلاة، وجرى عدم الاكتراث لها فسوف لن يطوى هذا الطريق بشكل صحيح، ولن تترك الجهود
والمساعي تأثيرها اللّازم في الإيصال إلى القمّة التي رسمها الإسلام للمجتمع
الإنسانيّ[8].
يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ:
عن الإمام الصادق عليه السلام قال: "من صلّى الصلوات المفروضات في أول وقتها
وأقام حدودها رفعها الملك إلى السماء بيضاء نقيّة، تقول: حفظك الله كما حفظتني
استودعتني ملكاً كريماً. ومن صلاّها بعد وقتها من غير علّةٍ ولم يقم حدودها رفعها
الملك سوداء مظلمة، وهي تهتف به: ضيّعك الله كما ضيّعتني، ولا رعاك الله كما لم
ترعني"[9]. من هنا يتبيّن أن للصلاة حقيقة، وهي تدعو للمصلي إذا أتى بها في أول
وقتها ولاحظ آدابها، وإذا لم يصلّ الصلاة لوقتها ترتفع سوداء وهي تدعو عليه. وهذا
ما استفدناه من حديث آخر نطق به إمامنا الصادق (عليه السلام): "إن الصلاة إذا
ارتفعت في أول وقتها رجعت إلى صاحبها وهي بيضاء مشرقة تقول: حفظتني حفظك الله وإذا
ارتفعت في غير وقتها بغير حدودها رجعت إلى صاحبها، وهي سوداء مظلمة تقول: ضيعتني
ضيعك الله"[10].
كما أن من أوائل الوجوه التي تَسوَد يوم القيامة وتُسلط عليها النيران هي وجوه
تاركي الصلاة كونهم من المتكبرين عن عبادة الله تعالى، وتأمل معي أيها القارئ
الكريم دعاء المولود الذي ولد في قبلة الصلاة واستشهد في محرابها أمير المؤمنين علي
(عليه السلام) حيث يقول في الدعاء الذي رواه عنه كميل بن زياد: "وليت شعري يا سيدي
وإلهي ومولاي، أتسلط النار على وجوه خرت لعظمتك ساجدة، وعلى ألسن نطقت بتوحيدك
صادقة، وبشكرك مادحة، وعلى قلوب اعترفت بإلهيتك محققة، وعلى ضمائر حوت من العلم بك
حتى صارت خاشعة، وعلى جوارح سعت إلى أوطان تعبدك طائعة، وأشارت باستغفارك مذعنة، ما
هكذا الظن بك ولا أخبرنا بفضلك عنك يا كريم"، ومن محراب حفيده السجاد زين العابدين
(عليه السلام) كانت تنطلق مناجاة الخائفين، فيُسمع صوته بأبي هو وأمي قائلاً: "إلهي
هل تسود وجوهاً خرت ساجدة لعظمتك؟"[11].
حاشا لله تعالى العادل أن يسود وجوهاً وضعت على الصعيد تذللاً لعظمته، وتقرباً اليه
جل شأنه، وعلى العكس تماماً، فمن تكبر عن عبادة هذا الرب العظيم بعد أن جاءته
البينات، فإن الاثر الأخروي سوف يكون بحشره يوم القيامة أسود الوجه، وقد سلب منه
نور الايمان ﴿ وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ
هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * تِلْكَ آَيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ
وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعَالَمِينَ ﴾[12].
علة تشريع الصلاة:
وللوقوف على ذلك يتوجب علينا التوجه إلى بيت شارعها المقدس (ص) ليطالعنا حفيده
الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام) بحديث جامع يبين حكمة الصلاة وفلسفتها
وأسرارها إذ سئل عنها، فأجاب بما يلي: "أنّ علّة الصلاة أنّها إقرار بالربوبيّة
للّه عزّ وجلّ، وخلع الأنداد، وقيام بين يدي الجبّار جلّ جلاله بالذلّ والمسكنة،
والخضوع والاعتراف، والطلب للإقالة من سالف الذنوب، ووضع الوجه على الأرض كلّ يوم
إعظاماً للّه عزّ وجلّ، وأن يكون ذاكراً غير ناسٍ ولا بطرٍ، ويكون خاشعاً متذلّلاً
راغباً، طالباً للزيادة في الدين والدنيا، مع ما فيه من الإِيجاب والمداومة على ذكر
الله عزّ وجلّ باللّيل والنهار لئلاّ ينسى العبد سيّده ومدبّره وخالقه، فيبطر ويطغى،
ويكون في ذكره لربّه، وقيامه بين يديه، زجراً له عن المعاصي، ومانعاً له عن أنواع
الفساد"[13].
[1] - سورة المدثر،
الآيتان 42 - 43.
[2] - الحُر العاملي، وسائل الشيعة، ج 4، ص 31.
[3] - بحار الأنوار، ج 82، ص 227.
[4] - الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان، الأمالي، ج 1، ص 267.
[5] - بحار الأنوار، ج 83، ص 25.
[6] - الشيخ الصدوق، علل الشرائع، ج 2، ص 359، 77 ـ باب علة التسليم في الصلاة.
[7] - الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج 4، ص 118، 3 - باب استحباب الصلاة في أول
الوقت.
[8] - رسالة الإمام الخامنئي إلى المؤتمر السنوي الحادي والعشرين للصلاة / 1434 ه /
ـ
[9] - الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج 4، ص 118..
[10] - من لا يحضره الفقيه، ج 1، ص 207.
[11] - الامام زين العابدين، الصحيفة السجادية الكاملة.
[12] - سورة آل عمران، الآيتان 107 - 108.
[13] - الشيخ الصدوق، علل الشرائع، ج2، ص 317.