الهدف: التعرف على سيرة السيدة زينب (عليها السلام) ونشأتها
المحاور:
- ولادة السيدة زينب (عليها السلام)
- وجوم النبي وبكاؤه
- تسميتها وكنيتها وزواجها
- الوعي والبصيرة عند السيدة زينب الكبرى(عليها السلام)
تصدير: قال الشاعر
هي زينب بنت النبي المؤتمن***هي زينب أم المصائب والمحن
هي بنت حيدرة الوصي وفاطمة***وهي الشقيقة للحسين وللحسن
ولادة السيدة زينب (عليها السلام):
وضعت الصدّيقة الطاهرة فاطمة الزهراء (عليها السّلام) وليدتها المباركة، وقد
استقبلها أهل البيت بمزيدٍ من الابتهاج والفرح والسرور، وأجرى الإمام أمير المؤمنين
(ع) على وليدته المراسيم الشرعية، فأذّن في أُذنها اليمنى، وأقام في اليسرى. لقد
كان أوّل صوت قرع سمعها هو: (الله أكبر، لا إله إلاّ الله). وقد اختلف المؤرخون في
سنة ولادتها بين قائل بأنها في السنة الخامسة من الهجرة في شهر جمادى الأولى، وقائل
في السنة السادسة من الهجرة. استقبل البيت العلوي الطفل الثالث من أطفالهم، وهي
البنت الأولى للإمام أمير المؤمنين والسيدة فاطمة الزهراء (ع)، ففي اليوم الخامس من
شهر جمادى الأولى ولدت السيدة زينب،[1] هذا هو القول المشهور بين الشيعة ـ
وجوم النبي وبكاؤه:
لما ولدت السيدة زينب (عليها السلام) أخبر النبي الكريم(ص) بذلك، فأتى منزل ابنته
فاطمة، وقال: يا بنية إيتيني بابنتك المولودة، فلما أحضرتها أخذها النبي وضمها إلى
صدره الشريف، ووضع خده على خدها فبكى بكاءً شديداً عالياً، وسالت دموعه على خديه،
فقالت فاطمة: مم بكاؤك، لا أبكى الله عينك يا أبتاه؟ فقال: يا بنتاه يا فاطمة، إن
هذه البنت ستبلى ببلايا وترد عليها مصائب شتى، ورزايا أدهى، يا بضعتي وقرة عيني، إن
من بكى عليها، وعلى مصائبها يكون ثوابه كثواب من بكى على أخويها، ثم سماها زينب.
تسميتها زينب(عليها السلام):
حملت السيدة الزهراء(عليها السلام) وليدتها المباركة إلى الإمام فأخذها وجعل
يقبّلها، والتفتت إليه فقالت له: سمّ هذه المولودة.
فأجابها الإمام بأدبٍ وتواضعٍ: ما كنت لأسبق رسول الله.
وعرض الإمام على النبي (ص) أن يسمّيها، فقال: (ما كنت لأسبق ربّي).
وهبط رسول السماء على النبي، فقال له: سمّ هذه المولودة (زينب)، فقد اختار الله لها
هذا الاسم.
وأخبره بما تعانيه حفيدته من أهوال الخطوب والكوارث فأغرق هو وأهل البيت في البكاء.
كنيتها:
كنيتها (أم كلثوم) و(أم الحسن)[2]. وقد جاء التعبير عن السيدة زينب الكبرى ـ
في بعض الأقوال التاريخية ب (العقيلة)، وهذا وصـف للسيـدة زينب وليس اسماً. وقد قطع
بغض المحقّقين بأن المقصود من (أم كلثوم) في كثير من كتب الحديث والتاريخ هي
السيدة زينب الكبرى.
أشهر ألقابها:
أما ألقابها فإنّها تنمّ عن صفاتها الكريمة، ونزعاتها الشريفة وهي:
عقيلة بني هاشم: (العقيلة) هي: المرأة الكريمة على قومها، والعزيزة في بيتها،
والسيّدة زينب أفضل امرأة، وأشرف سيّدة في دنيا العرب والإسلام، وكان هذا اللقب
وساماً لذرّيتها فكانوا يلقّبون بـ(بني العقيلة). وفي اللغة معاني عديدة لكلمة (العقيلة)،
فمنها: المرأة الكريمة، النفيسة، المخدرة، ومعنى الكريمة: المحترمة.
العالمة: وحفيدة الرسول (ص) من السيّدات العالمات في الأسرة النبوية، فكانت فيما
يقول بعض المؤرخين: مرجعاً للسيّدات من نساء المسلمين يرجعن إليها في شؤونهن
الدينية.
نشأتها:
عاشت السيدة زينب (عليها السلام) خمس سنوات مع جدها رسول الله(ص). ويؤسفنا أنه
لم تصل إلينا تفاصيل أو عينات تاريخية تنفعنا حول السنوات الخمس التي عاشتها السيدة
تحت ظل الرسول (ص). ولكن يكفي أن نشير إلى أن رسـول الله صلى الله عليه وآله وسلم ـ
قرأ قوله تعالى: ﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ
يُسَبّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوّ وَالآصَالِ﴾[3]) فقام إليه رجل فقال: يا رسول
الله أي بيوت هذه؟
فقال: بيوت الأنبياء.
فقام إليه أبو بكر فقال: يا رسول الله هذا البيت منها؟ وأشار إلى بيت علي وفاطمة.
فقال النبي: (نعم، من أفضله)[4].
زواجها المبارك:
لمّا بَلَغت السيدة زينب الكبرى (عليها السلام) مَبلَغ النساء، انبرى الأشراف
والوجوه إلى خطبتها، والتشرّف بالاقتران بها، فامتنع الإمام أمير المؤمنين(عليه
السّلام) من إجابتهم، حتى خطَبَها فيمَن خطَبَها ابنُ عمّها: عبد الله بن جعفر بن
أبي طالب.
وكان الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) يَرغَبُ أن يتزوّج بناته من أبناء
عُمومتهنّ: أولاد عقيل وأولاد جعفر، ولعلّ السبب في ذلك هو كلام رسول الله (ص) حينَ
نظر إلى أولاد الإمام علي وأولاد جعفر بن أبي طالب ـ فقال: ـ (بَناتُنا لبَنينا،
وبَنونا لبَناتن).
وحصلت الموافقة على الزواج من عبد الله بن جعفر، وتمّ العقد المبارك في جوّ عائلي
يَغمره الودّ والمحبّة، وزُفّت السيدة زينب (عليها السلام) إلى دار زوجها عبد الله
بن جعفر بكلّ إجلال واحترام. وعبدالله فتىً من أنبل فتيان بني هاشم وأحبّهم إلى
الإمام وأقربهم إليه، وهو من أعلام النبلاء والكرماء في دنيا العرب والإسلام.
وسيّداً من سادات بني هاشم، يقول فيه معاوية: هو أهلٌ لكلّ شرفٍ، والله ما سبقه أحدٌ
إلى شرف إلاّ وسبقه[5].
أولاد السيدة زينب (عليها السلام):
لقد اختلف المؤرّخون في عدد أولاد السيدة زينب (عليها السلام) وأسمائهم.
ففي كتاب (إعلام الورى) للطبرسي[6]: وقيل: علي، وعون الأكبر، ومحمد، وعباس، وأمّ
كلثوم[7].
أما محمد وعون فقد استُشهدا في نُصرة خالهما: الإمام الحسين (عليه السلام) في يوم
عاشوراء بكربلاء.
وأمّا أم كلثوم فقد تزوّج بها ابن عمّها القاسم بن محمد بن جعفر، وقد استُشهد في
فاجعة كربلاء.
والمعروف بأن عون كان من
أبرز فتيان بني هاشم في فضله وكماله، صحب خاله الإمام الحسين عليه السّلام، حينما
هاجر من يثرب إلى العراق، ولازمه في رحلته، فلما كان يوم العاشر من المحرم، اليوم
الخالد في دنيا الأحزان، تقدم إلى الشهادة بين يدي خاله، فبرز إلى حومة الحرب وهو
يرتجز:
إن تـــــنكروني فــــــأنا ابــن جعفر***شهـــــيد صـــدق في الجنان أزهر
يطيـــــر فـــــيها بــــــجـناح أخضر***كفــــى بــــــهذا شــرفـاً من محشر[8]
الإيمان الوثيق:
إنّ الإيمان الوثيق بالله تعالى والانقطاع الكامل إليه كانا من ذاتيات الأسرة
النبوية ومن أبرز خصائصهم، وكانت حفيدة الرسول زينب سلام الله عليها كأبيها وأخيها
في عظيم إيمانها وانقطاعها إلى الله، فقد وقفت على جثمان شقيقها الذي مزّقته سيوف
الشرك، هو جثة هامدة بلا رأس، فرمقت السماء بطرفها، وقالت كلمتها الخالدة التي دارت
مع الفلك وارتسمت فيه: (اللّهمّ تقبّل منّا هذا القربان)[9].
ومن عظيم إيمانها الذي يبهر العقول، ويحيّر الألباب أنّها أدّت صلاة الشكر إلى الله
تعالى ليلة الحادي عشر من المحرّم على ما وفّق أخاها ووفّقها لخدمة الإسلام ورفع
كلمة الله.
الوعي والبصيرة عند السيدة زينب الكبرى (عليها السلام):
يقول الإمام الخامنئي (حفظه الله): (إنّ زينب الكبرى عليها السلام امرأةٌ عظيمة.
فما هي عظمة هذه المرأة الكبرى في نظر الشعوب الإسلامية؟ لا يصحّ أن يُقال لأنّها
كانت ابنة عليّ بن أبي طالب عليه السلام، أو أخت الحسين بن عليّ والحسن بن عليّ
عليهما السلام، فالنسب لا يمكن أن يكون سبباً لمثل هذه العظمة. فلقد كان لجميع
أئمّتنا بناتٌ وأمّهاتٌ وأخوات ولكن من منهنّ كانت كزينب الكبرى عليها السلام؟ إنّ
قيمة وعظمة زينب الكبرى هي لموقفها وحركتها الإنسانيّة والإسلاميّة العظيمة على
أساس التكليف الإلهيّ. فعملها وقرارها ونوعيّة حركتها، كلّ ذلك منحها هذه العظمة.
وكلّ من تقوم بمثل هذا العمل، ولو لم تكن بنت أمير المؤمنين، ستحصل على هذه العظمة.
فالجانب الأساس لهذه العظمة نابعٌ من هنا، حيث إنّها بدايةً شخّصت الموقف سواءٌ قبل
تحرّك الإمام الحسين إلى كربلاء، أم في لحظات المحنة في يوم عاشوراء أم في الأحداث
القاصمة التي تلت شهادة الإمام الحسين. وثانياً، اتخاذها الموقف المناسب بحسب كل
حادثة، وهذه المواقف هي الّتي صنعت زينب)[10] .
[1] المصدر: زينب
الكبرى، للعلامة الشيخ جعفر النقدي ـ رضوان الله عليه، المتوفى سنة 1370 هـ ـ ص 17،
باب إسمها وتاريخ ولادتها،
[2] كتاب (تحفة العالم في شرح خطبته المعالم) للسيد جعفر بحر العلوم، المتوفى سنة
1377 هـ،
[3] سورة النور، الآية 36.
[4] البرهان في تفسير القرآن، للسيد هاشم البحراني، عند تفسير الآية الكريمة.
[5] تهذيب التهذيب، ج 5، ص 171.
[6] كتاب (إعلام الورى بأعلام الهدى) للطبرسي، ص 204.
[7] تذكرة الخواص، لسبط ابن الجوزي، طبع لبنان، سنة 1401 هـ، ص 175.
[8] حياة الإمام الحسين(عليه السّلام)، ج 3، ص 258 نقلاً عن الفتوح.
[9] المصدر السابق، ج 3، ص 304.
[10] الإمام الخامنئي، من كلمة له بتاريخ (22/08/1370ه.ش)، نقلاً عن كتاب: إنسان
بعمر 250سنة،