الهدف:
التعرّف على مفهوم القدوة وأهميتها.
المحاور:
- التأسّي أمر فطريٌّ في الإنسان.
- الأسوة نظريّة وعمليّة.
- أهمية القدوة.
- الآثار التربوية للقدوة الصالحة على الفرد.
- احذروا دعاية الأعداء.
تصدير:
يقول الله تعالى:
﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ
لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرً﴾
(الأحزاب، 21).
التأسّي أمر فطريٌّ في الإنسان:
الأسوة هي القدوة، والتأسّي هو الاقتداء، وهو أمر فطريٌّ يميل إليه الإنسان ويبحث
عنه تلقائياً، فهو يميل إلى أن يكون أمامه نموذج حيّ يقتدي به يُجسّد المفاهيم
ويأخذ المواقف ويتبنّى القرارات ويجري عملياً على طبقها، بحسب ظروفها ومقتضياتها
لفظاً، وعملاً، وموقفاً. فمنذ الصغر تجد الطفل الصغير ينظر إلى أبيه ويحاول تقليده
وكذلك الفتاة تحاول تقليد أمها، وذلك واضح في تصرّفات شتّى تظهر منذ السنوات الأولى
لا تخفى على أحد.
وطبعاً هذه الأسوة قد تكون أسوة حسنة وقد تكون أسوة سيئة، فالإنسان وإن كان يطلب
التأسّي بالشيء الحسن بحسب نظره ورؤيته، إلا أنّه قد يضلّ الطريق ويشتبه عليه
الأمر، فيتوهّم ما هو سيّئ أنّه حسن وما هو شرّ أنّه خير، فتكون الأسوة في الواقع
أسوة سيئة وليست أسوة حسنة.
الأسوة نظريّة وعمليّة:
والأسوة نظريّة وعمليّة، فالنظريّة هي المبادئ والقوانين والسنن الّتي يتعلّمها
الإنسان ويتبنّاها كمعتقدات وقناعات وهذا مهمّ، والأهمّ هو أن يكون هنالك شخص
تتجسَّد فيه تلك المبادئ والقيم وتتحرّك معه في كلّ مواقفه، وهذا هو الأسوة العملية
الّتي يراها الناس أمامهم تُجسّد النظرية عملاً وسلوكاً، وهي أبلغ وأدعى للتأسّي
والاقتداء. فالأسوة العملية الحسنة هي الحقّ متحرّكاً ومتمثّلاً في شخصية متكاملة،
متحرّكة أمامك
﴿لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾ فالنبيّ أسوة عمليّة
حسنة بتزكيةٍ وشهادة ربّانية.
وقد ورد في وصفه (ص) أنّه: "كان خُلُقه القرآن"، أي أنّه جسّد القرآن الكريم عملياً
في عمله وسلوكه حتّى أنّك إذا أردت أن ترى القرآن الكريم في قيمه ومفاهيمه وأخلاقه
متجسّداً ومتحرّكاً أمامك تنظر إليه بعينيك فانظر إلى شخص النبي (ص) في سلوكه وكلّ
حركاته وسكناته، فرسول الله (ص) أسوة عمليّة حسنة في كلّ لفظ أو فعل أو موقف.
فهو (ص) أسوة في الكلام
﴿وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى﴾( النجم، 3) فكلامه معصوم عن
الخطأ والزلل،
﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ
فَانتَهُو﴾( الحشر،7 ).
وهو أسوة (ص) في الموقف والعمل
﴿مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى﴾( النجم، 2).
وهو أسوة وحجّة حتّى في سكوته وتقريره، ولذلك اعتبروا "قول المعصوم وفعله وتقريره
حجّة.
وفي الرواية عن الإمام السجّاد (ع): "نحن الصراط المستقيم" فكلّ أهل البيت (ع) هم
أسوة عملية حسنة للعباد، فإذا بصرتهم رأيت الاستقامة بعينها، فهم الصراط المستقيم"
الذي يقتدى به.
وقد أكّد أهل البيت (ع) على شيعتهم أن يكونوا أسوة وقدوة عملية :
- فعن الإمام عليّ (ع): "... أعينوني بورع واجتهاد وعفّة وسداد"
-وعن الإمام الصادق (ع): "كونوا دعاة لنا بغير ألسنتكم"
-وعن الإمام الرضا (ع): "كونوا زيناً ولا تكونوا شيناً "
أهمية القدوة :
لقد أعطى الإسلام جانب القدوة الحسنة اهتماماً كبيراً حيث لم يقف الأمر عند إنزال
الكتاب على الرسل الكرام والحديث عن قصصهم وعرض سيرتهم، بل أمر باتباعهم والاقتداء
بهم، فقال تعالى :
﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ﴾
الأنعام:90.
وأرسل الله محمداً (ص) قدوة للناس يترجم الشريعة إلى واقع الحياة، فيرى الناس في
سلوكه وتصرفاته أوامر القرآن ونواهيه، وهو بشر مثلهم يأكل الطعام ويمشي في الأسواق
ويتمثل هذه الأخلاق ويعمل بهذه التوصيات، سهّل عليهم الاقتداء والمتابعة له حتى
أصبح يعتقد كل واحد أنه مخاطب بهذا القرآن ومأمور باتباعه .
وتكمن أهمية القدوة الصالحة من خلال الآتي :
- إن القدوة الصالحة تثير في نفوس الآخرين الإعجاب والمحبة التي تتهيج معها دوافع
التنافس المحمود فيتولد لديهم حوافز قوية لأن يتمثلوا أخلاق وأفعال قدوتهم .
- القدوة الصالحة المتحلية بالقيم والمثل العليا الحميدة تعطي للناس قناعة بأن بلوغ
هذا المستوى الرفيع من الأمور الممكنة وأنها في متناول قدرات الإنسان وطاقاته .
- إن واقع الناس اليوم يشكو القصور والانحراف رغم انتشار العلم، ما لم يقم بذلك
العلم علماء وقادة عالمون مخلصون يصنعون من أنفسهم قدوات في مجتمعاتهم، يترجمون ذلك
العلم إلى واقع عملي يفهمه الجميع، وهذا يُسهّل في إيصال المعاني الأخلاقية ويحدث
التغيير المنشود إلى الأفضل .
- إن غياب القدوة الصالحة من المجتمع عامل رئيس في انتشار المنكرات واستفحالها
وإفشاء الجهل بين الناس، ومن هنا تكمن أهمية القدوة الصالحة، فكلما ازدادت القدوات
انتشر العلم واختفت المنكرات، لذلك فنحن نحتاج إلى قدوات يدعون الناس بأفعالهم لا
بأقوالهم، قال تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا
تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ﴾
الصَّف: 2-3.
الآثار التربوية للقدوة الصالحة على الفرد :
وهي تتمثل في الآتي :
- إن القدوة الصالحة يجعل المسلم على اتصال دائم بالخالق؛ لأنه يُذكّره بالطاعة
والإخلاص في النية والعمل، وإذا تمكن الإخلاص من القلب أصبح الإنسان يبتغي مرضاة
الله ورضوانه في كل عمل يقوم به، ويجعل الله رقيباً عليه في حركاته وسكناته، قال
تعالى:
﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ
وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الوَرِيدِ﴾ ق:16.
- القدوة الصالحة تربي الشخصية المسلمة القوية ذات الإرادة الحديدية؛ لأنها تنشئ في
روح الفرد العزة والكرامة ورفض الظلم والاحتلال، فلا تلين له قناة أمام الطغاة
والمتجبرين لأنه يعتز بقدوته التي جاءت بكل ما تملك من أجل تحقيق معاني الخير
للمجتمع، فقدمت النفس والمال والنفيس في سبيل الله .
- التربية بالقدوة تعمل عملها في تكوين الإنسان الصالح الذي يظهر عليه ملامح التقوى
والخشوع والحياء، وهو المؤمن القوي الذي لا يدخل الوهن إلى قلبه، الإنسان الذي يحب
لأخيه كما يحب لنفسه الحب الخالص الذي لا ينتظر جزاءً ولا شكوراً ولا يهدف إلا لكسب
الحب في الله سبحانه.
- إن القدوة الصالحة سببٌ في دخول الإنسان ضمن الذين لا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون
يوم القيامة، وهي ضمانٌ لاستمرار الصحبة، قال تعالى :
﴿الأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ
بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا المُتَّقِينَ * يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ
عَلَيْكُمُ اليَوْمَ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ﴾ {الزُّخرف: 67-68}.
احذروا دعاية الأعداء:
لأهميّة الأسوة في الحياة وشدّة تأثيرها على المجتمع والحياة فإنّ أعداء الإسلام قد
عمدوا إلى استبدال الأسوة الحسنة بالأسوة السيّئة وابتكروا أشياء توافق الأهواء
وروّجوا لها على أنّها نماذج الكمال والجمال، وبذلوا قصارى الجهد ليُقنعوا أمّتنا
بذلك من خلال أساليب الدعاية المختلفة، وهذا طبعاً يجعل فرص الاشتباه في اختيار
الأسوة الحسنة كبيرة، وبالفعل نجد الكثير من شباب أمّتنا الإسلامية تسير نحو الأسوة
السيّئة.
وهذا الاختيار الخاطئ للأسوة تعمل أجهزةٌ منظّمة لتسويقه بين شعوبنا الإسلامية
وبثّه فيهم وخاصة بين شبابهم الّذين يمثّلون عصب الأمّة وقوّتها وطاقتها، وإظهاره
بمظاهر المثل العليا، بعناوين متعدِّدة كالجمال والأناقة، والتجدُّد بإتباع
الموديلات الّتي لا تقف عند حدّ، والبطولات الوهمية، وذلك لإلهاء شعوبنا عن القضايا
الكبرى.
بعض نماذج التأسّي السيّئ:
هذه بعض النماذج لأمور استفحلت في أجوائنا وبين شبابنا وفتياتنا إلى حدٍّ كبير،
وقُلنا بعض النماذج لأنّ التأسّي السيّئ قد يكون مستشرياً في مجتمعاتنا في مناحٍ
متعدِّدة وبأشكال وأساليب متنوّعة إلى درجة قد يصعب استقصاء نماذجها:
أوّلاً: طريقة اللباس والتجديد للمقتنيات بحسب الموديلات:
1- يستلزم الاستهلاك المذهل الّذي يقوّي اقتصاد الغرب المستعمر وشركاتهم المصنّعة
فهم المصمّمون والمنتجون ونحن المستهلكون لمنتجاتهم والمنفقون لبضائعهم.
2- الخروج عن الكثير من عاداتنا ومبادئنا في اللباس وطريقته وشكله ولونه، وتطبيق ما
صمّمه هؤلاء. فالنبيّ (ص) علّمنا الأمور المستحبّة الحميدة فيما يتعلّق باللباس،
والألوان، وطريقة اللّبس، ومقدار ما يُنفق عليه، وكيفيته بأن يكون محتشماً، إلى غير
ذلك، وبالمقابل تجد اللّباس غير المحتشم للفتيات والشباب، بل وغير العقلائيّ كأن
يكون البنطال ممزّقاً من أماكن محدّدة مثلاً، أو قد زال صبغه من بعض الأماكن دون
بعضه الآخر.
ثانياً: التأسّي بالرياضيين وما يُسمّى بالفنّانين:
وهذا لشدّة ما يروّج له إعلامياً يستلب الألباب عند شريحة عظمى من أبنائنا وبناتنا
فترى فلاناً يُقلّد من يتّخذه المثل الأعلى له من الرياضيين أو الفنّانين في لباسه
وفي طريقة مشيه وكلامه وطريقة قصّه لشعره..الخ.
ثالثاً: التأسّي بالمناسبات والأعياد الموجودة عند الآخرين ولا تنسجم مع القيم
الأخلاقية.