الهدف:
التعرّف على جانب من عناصر القدوة في شخصية الزهراء(عليها السلام).
أهم المحاور:
- الزهراء(عليها السلام) قدوة وأسوة
- كمال العفة والعفاف
- الحياة الزوجية تعاون وإيثار
- وطاعتنا نظاماً للملّة وإمامتنا أماناً من الفرقة
تصدير:
قيل للنبي(صلى الله عليه وآله) عن فاطمة(عليها السلام): يا رسول الله أهي سيدة
نساء عالمها فقال(صلى الله عليه وآله) : ذاك لمريم بنت عمران، أما ابنتي فاطمة فهي
سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين.
مقدمة:
تضافرت الروايات وأخبار السير بذكر جوانب الكمال والقدوة في شخصية السيدة
فاطمة الزهراء (صلى الله عليه وآله)، وقد لخّصها الإمام الخميني (قده) بقوله: إن
جميع خصال النبيين والأولياء والصديقين (عليهم السلام) ومقاماتهم التي بلغوها بما
اشتملت عليه من مضامين مجتمعة في سيدة نساء العالمين (عليها السلام)، بل إن لها من
الحالات في مقام القرب من الله تعالى ما لا يسعها ملك مقرب ولا نبي مرسل حيث قد
وصلت إلى ما لم يصلوا إليه وهو الثابت للنبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة الأطهار
(عليهم السلام) دون غيرهم كما في روايات المعراج، "لو دنوت أنملة لاحترقت[1]".
الزهراء(عليها السلام) قدوة وأسوة:
تتعدّد جوانب القدوة والأسوة في شخصية وسيرة الزهراء(عليها السلام)، نذكر منها:
1- نور العبادة:
أكدّت الروايات أن فاطمة(عليها السلام) عندما كانت تصلي في محرابها كان يسطع
النور من محرابها، وكان يزهر نور وجهها وهي تصلي صلاة الغداة... بحار الأنوار،43.
وروى الإمام الصادق( عليه السلام ) بسنده إلى الإمام الحسن بن علي( عليه السلام )
انه قال: رأيت أمي فاطمة(عليها السلام) قامت في محرابها ليلة جمعة فلم تزل راكعة
وساجدة حتى انفجر عمود الصبح، وسمعتها تدعو للمؤمنين والمؤمنات وتسمّيهم وتكثر
الدعاء لهم ولا تدعوا لنفسها بشيء فقلت لها: يا أماه لم لا تدعين لنفسك كما تدعين
لغيرك؟ فقالت يا بني الجار ثم الدار[2].
2- كمال العفة والعفاف:
روي عن السيدة فاطمة(عليها السلام)، حين سُئلت ( عليها السلام) : أي شيء خير
للنساء؟ أجابت: وَخَير لَهُنَّ أن لا يَرَيْنَ الرجالَ، وَلا يَرَاهُنَّ الرجالُ.
وعن الإمام علي ( عليه السلام ) قال: استأذن أعمى على فاطمة(عليها السلام)
فَحَجَبَتْهُ، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لها: لِمَ حَجَبْتِيه وهو
لايراك؟ فقالت(عليها السلام): إن لم يكن يراني فإني أراه، وهو يشم الريح، فقال رسول
الله (صلى الله عليه وآله): أشهد أنك بضعة منّي[3].
3- العلاقة بالأب: علاقة الحب والحنان:
كانت الزهراء( عليها السلام) أحب الناس الى رسول الله (صلى الله عليه وآله) (المعجم
الكبير 22 : 397 | 986)، وهي بهجة قلبه وبضعة منه، يغضب لغضبها، ويرضى لرضاها،
ويغضبه ما يغضبها، ويؤذيه ما يؤذيها، ويسرّه ما يسرّها (راجع: صحيح مسلم 4: 1903 |
94).
وكانت إذا دخلت على النبي (صلى الله عليه وآله) قام إليها فقبّلها وأجلسها في مجلس
، وكان النبي (صلى الله عليه وآله) إذا دخل عليها قامت من مجلسها فقبلته وأجلسته في
مجلسها (ومستدرك الحاكم 4 : 272). وإذا أراد سفراً أو غزاة كان (صلى الله عليه وآله)
آخر الناس عهداً بفاطمة(عليها السلام)، وإذا قدم كان (صلى الله عليه وآله) أوّل
الناس عهداً بفاطمة(عليها السلام) ليها (مستدرك الحاكم 1 : 489)، وكان (صلى الله
عليه وآله) لا ينام حتى يقبّل عرض وجهها،... ويدعو لها (مناقب ابن شهرآشوب 3 :
334). وكان (صلى الله عليه وآله) يكثر من زيارتها وتعهدها ويقول لها: «فداك أبي
وأُمّي» (مقتل الحسين عليه السلام | الخوارزمي 1 : 66) ويقبّل رأسها فيقول: «فداك
أبوك» (وذخائر العقبى: 130) وكان (صلى الله عليه وآله) يعينها على الجاروش والرحى (بحار
الأنوار ، المجلسي 43 : 50) .
وحينما استشهد حمزة بن عبدالمطلب ( عليه السلام ) في أُحد بكت فاطمة الزهراء (عليها
السلام) فانهالت دموع المصطفى (صلى الله عليه وآله) لبكائها (شرح ابن أبي الحديد 15
: 17)، وحينما ماتت رقية قعدت على شفير قبرها إلى جنب النبي (صلى الله عليه وآله)
وهي تبكي، فجعل النبي (صلى الله عليه وآله) يمسح الدموع عن عينيها بطرف ثوبه رحمةً
لها (مسند أحمد1: 335).
4- الحياة الزوجية تعاون وإيثار:
- علي وفاطمة يتقاسمان أعمال المنزل: في ذات يوم دخل رسول الله (صلى الله عليه
وآله) على عليّ ( عليه السلام ) فوجده هو وفاطمة(عليها السلام) يطحنان في الجاروش،
فقال النبيّ (صلى الله عليه وآله): «أيّكما أعيى ؟» فقال عليّ ( عليه السلام ): «فاطمة
يا رسول الله» فقال (صلى الله عليه وآله): «قومي يا بنية»، فقامت وجلس النبي (صلى
الله عليه وآله) موضعها مع علي ( عليه السلام ) فواساه في طحن الحبّ.
وعن أبي عبدالله الصادق ( عليه السلام ) قال: « كان أمير المؤمنين ( عليه السلام )
يحتطب ويستقي ويكنس، وكانت فاطمة (عليها السلام) تطحن وتعجن وتخبز.
وجاء في تفسير العياشي بسنده عن أبي جعفر( عليه السلام ) قال: (إن فاطمة ضمنت لعلي(
عليه السلام ) عمل البيت والعجين والخبز وقمّ البيت وضمن لها عليٌ ما كان خلف الباب:
نقل الحطب وان يجيء بالطعام فقال لها يوماً: يا فاطمة هل عندك شيء؟ قالت: والذي عظم
حقك ما كان عندنا منذ ثلاثة أيام شيء نقريك به قال: أفلا أخبرتني؟ قالت: كان رسول
الله(صلى الله عليه وآله) نهاني أن أسألك شيئاً فقال: لا تسألين ابن عمك شيئاً أن
جاءك بشيء (عفو) وإلا فلا تسأليه.
- تضحيات فاطمة أمام أسرتها: لقد كانت بنت النبيّ الأكرم تبذل قصارى جهدها
لإسعاد أسرتها، ولم تستثقل أداء مهام البيت رغم كلّ الصعوبات والمشاق، حتى أنّ
عليّاً ( عليه السلام ) رقّ لحالها وامتدح صنعها، وقال لرجل من بني سعد: «ألا أحدثك
عنّي وعن فاطمة؟ إنّها كانت عندي وكانت من أحبّ أهله (صلى الله عليه وآله) إليه،
وإنّها استقت بالقربة حتى أثّر في صدرها، وطحنت بالرحى حتى مجلت يداها، وكسحت البيت
حتى اغبرّت ثيابها، وأوقدت النار تحت القدر حتى دكنت ثيابها، فأصابها من ذلك ضرر
شديد فقلت لها: لو أتيت أباكِ فسألتيه خادماً يكفيكِ ضرّ ما أنتِ فيه من هذا العمل،
فأتت النبيّ (صلى الله عليه وآله) فوجدت عنده حدّاثاً[3] فاستحت فانصرفت ... قال
علي ( عليه السلام ): «فَعلم النبيّ (صلى الله عليه وآله) أنّها جاءت لحاجة، قال (
عليه السلام ): فغدا علينا رسول الله (صلى الله عليه وآله) ... فقال (صلى الله عليه
وآله): أفلا أعلمكما ما هو خير لكما من الخادم؟ إذا أخذتما منامكما فسبّحا ثلاثاً
وثلاثين واحمدا ثلاثاً وثلاثين وكبّرا أربعاً وثلاثين[4] .
هكذا تكون الزوجة: لقد كانت الزهراء ( عليه السلام ) تشجّع زوجها، وتمتدح
شجاعته وتضحيته، وتشدّ على يده للمعارك المقبلة، وتسكّن جراحه وتمتص آلامه، وتسرّي
عنه أتعابه، حتى قال الإمام عليّ ( عليه السلام ): «ولقد كنت أنظر اليها فتنجلي
عنّي الغموم والأحزان بنظرتي اليها »(المناقب للخوارزمي : 353)
ولقد كانت حريصة كلّ الحرص في القيام بمهام الزوجية، وما خرجت فاطمة(عليها السلام)،
وما أسخطته يوماً وما عصت له أمراً، وقابلها الإمام عليّ ( عليه السلام ) بنفس
الاحترام والودّ وهو يعلم مقامها ومنزلتها الرفيعة، حتى قال: «فوالله ما أغضبتها
ولا أكربتها من بعد ذلك حتى قبضها الله إليه، ولا أغضبتني ولا عصت لي أمراً» (م.ن)
وطاعتنا نظاماً للملّة وإمامتنا أماناً من الفرقة:
يبرز جهاد السيدة الزهراء(عليها السلام) في العديد من المواقف من أهمها ما
ذكرته في خطبتها الفدكية، حيث سلّطت الضوء على مفهوم إسلامي، ما اختلفت الاُمّة
الإسلامية في شيء كاختلافها فيه، ذلك: وهو المفهوم السياسيّ الإسلاميُّ الذي يبتني
على أساسه كيان هذه الأمّة.. حيث أعلنت: أنّ طاعة أهل البيت ( عليه السلام ) سيحفظ
الشّرع المقدس من كلّ اختلاف أو تصدُّع، وسيسير على نسقٍ واحد، بعيداً عن الآراء
والظنون المرتجلة التي تبعد الشرع عن حقيقته.
وهنا تبرز عظمة الزهراء ( عليه السلام ) حيث تقول: «وطاعتنا نظاماً للملّة». فهي لم
تقل: محبّتنا أو مودّتنا أو حبُّنا، وإنّما أعطت هذا المفهوم جانبه الثابت غير
الخاضع للجدل والتأويل، إذ أنّها لو استعملت لفظة : الموّدة أو المحبّة، لأمكن صرف
اللفظ هذا إلى غير معناه، لقيل - مثلاً - محبة أهل البيت واجبة ولكن لا يعني عدم
جواز اتّباع غيرهم والخضوع له سياسياً أو إداريّاً. والزهراء حين تعلن أنّ طاعة أهل
البيت على الصّعيد التّشريعيّ أمر فرضه الله سبحانه كما فرض الإيمان والصلاة ـ
إنّما تقرّر بذلك حقيقة منطقيّة ثابتة نطق الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) بها
وأكدّتها عشرات المواقف بشهادة كبّار الصحابة والتابعين.
[1] الغدير، الأميني،
ج 11، ص 172.
[2] بحار الأنوار،43
[3] بحار الأنوار،43
[4] بحار الأنوار : 43 / 85