الهدف:
التعرف على مفهوم الحياء من الله تعالى وآثاره.
تصدير:
من وصايا الإمام الكاظم(عليه السلام): (يا هشام،
رحمَ اللهُ مَن استحيا من الله حقَّ الحياء، فحفِظَ الرأسَ وما حوى، والبطن وما
وعى، وذكَرَ الموتَ والبِلى، وعلم أنّ الجنّة محفوفةٌ بالمكاره والنارَ محفوفة
بالشهوات)[1].
مدخل:
مدخل تنقل لنا السيرة عن الإمام الكاظم(عليه السلام) بأنَّه كان يتخذ أسلوب
الوصايا التي تتنوّع في موضوعات كثيرة، أو تتخذ موضوعاً واحداً متنوّع الأبعاد،
وهذا ما نراه في ما رُوِي من وصاياه لتلميذه هشام بن الحكم الذي كان تلميذاً لأبيه.
ويتناول (عليه السلام) في هذا المقطع من الوصية النقاط الآتية:
- الحياء من الله تعالى وما يترّتب عليه
- ذكر الموت والابتلاءات.
- الطريق إلى الجنة والطربق إلى النار
مفهوم الحياء:
الحياء: خلق يبعث على فعل كل مليح وترك كل قبيح، فهو من صفات النفس المحمودة
التي تستلزم الأنصراف من القبائح وتركها وهو من أفضل صفات النفس وأجلها وهو من خلق
الكرام وسمة أهل المرؤة والفضل. والحياء من الأخلاق الرفيعة التي أمر بها الإسلام
ورغّب فيها، ورد عن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم): (الإيمان بضع وسبعون شعبه
فأفضلها لا إله إلا اللّه وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من
الإيمان)[2]، وفي حديث آخر لرسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): (الحياء والإيمان
قرنا جميعاً فإذا رفع أحدهما رفع الآخر)
والسر في كون الحياء من الإيمان: لأن كلاً منهما داع إلى الخير مُقرب منه صارف عن
الشر مُبعد عنه، فالإيمان يبعث المؤمن على فعل الطاعات وترك المعاصي والمنكرات.
والحياء يمنع صاحبه من التفريط في حق الرب والتقصير في شكره. ويمنع صاحبه كذلك من
فعل القبيح أو قوله اتقاء الذم والملامة، قال الشاعر:
ورب قبيحة ما حال بيني *** وبين رركوبها إلا الحياء
الحياء من الله وآثاره التربوية:
قال الله تعالى: (أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى)[3].
الحياء من الله يكون بتربية النفس على اتباع الأوامر واجتناب النواهي، عن رسول
الله(استحيوا من الله حق الحياء)[4]، وفي الرواية قال: قلنا يا رسول الله إنا نستحي
والحمد لله قال: (ليس ذلك ولكن من استحيا من الله حق الحياء فليحفظ الرأس وما وعى
وليحفظ البطن وما حوى، وليذكر الموت والبلى ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا فمن
فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء)[5].
فالمقصود أن الحياء من الله يكون باتباع أوامر الله واجتناب نواهيه ومراقبة الله في
السر والعلن. روي عن رسول الله: (استحي من الله تعالى كما تستحي من الرجل الصالح من
قومك)[6]. وهذا الحياء يسمى حياء العبودية الذي يصل بصاحبه إلى أعلى مراتب الدين
وهي مرتبة الأحساس الذي يحس فيها العبد دائماً بنظر الله إليه وأنه يراه في كل
حركاته وسكناته فيتزين لربه بالطاعات. وهذا الحياء يجعله دائماً يشعر بأن عبوديته
قاصرة حقيرة أمام ربه لأنه يعلم أن قدر ربه أعلى وأجل.
ذكر الموت والابتلاءات:
ورد عن الإمام علي (عليه السلام) قوله: (أَكْثِرْ مِنْ ذِكْرِ الْمَوْتِ، وَذِكْرِ
مَا تَهْجُمُ عَلَيْهِ، وَتُفْضِي بَعْدَ الْمَوْتِ إِلَيْهِ، حَتَّى يَأْتِيَكَ
وَقَدْ أَخَذْتَ مِنْهُ حِذْرَكَ، وَشَدَدْتَ لَهُ أَزْرَكَ، وَلاَ يَأْتِيَكَ
بَغْتَةً فَيَبْهَرَكَ)[7].
الموت هذه الحقيقة التي إليها يكون مصير كل إنسان، وهو في الحقيقة انتقال من دار
البلاء والامتحان إلى دار الأجر والجزاء، فمن أحسن عملاً أحب وقت الجزاء، ومن أساء
العمل خاف من ذلك اليوم، وقد ورد في الرواية عن الإمام الباقر عليه السلام: (لا
يبلغ أحدكم حقيقة الإيمان حتى يكون فيه ثلاث خصال: حتى يكون الموت أحب إليه من
الحياة)[8].
ولا شك أن لذكر الموت أثراً على روحية الإنسان ومسلكيته في هذه الدنيا، والناس
بالنسبة لذكر الموت قسمان:
القسم الأول: هم الأشخاص الغافلون عن الآخرة، والذين تشكل أيامهم المعدودة في هذه
الحياة الدنيا كل همّهم، وتتلخص أهدافهم بمتطلبات هذه الأيام المعدودة، وهذا النوع
من الناس يشكل الموت بالنسبة إليهم نهاية كل شيء، نهاية الأمل ونهاية الهدف ونهاية
الوجود، وبالتالي فمن المنطقي أن يكون ذكر الموت بالنسبة لهم يبعث على اليأس
والإحباط، لذلك تجدهم كثيراً ما يتجنبون ذكر الموت وينزعجون من التلفظ باسمه.
والقسم الثاني: هم عرفوا الله تعالى وعرفوا أن هناك يوم حساب ويوم جزاء، وبالتالي
فالدنيا بالنسبة لهم ليست إلا قنطرة وجسراً يعبرونه للوصول إلى تلك الحياة الحقيقية
والأساسية فهدفهم الحقيقي لا يتوقف عند هذه الأيام والأنفاس المعدودة، وطموحاتهم لا
تنحصر بمتطلبات هذه الأيام المحدودة، فهم وإن لم ينسوا نصيبهم من الدنيا إلا أن
هدفهم الأساسي هو الآخرة، يبنون لها ويمهدون لأنفسهم للوصول إلى تلك المرحلة على
أفضل حال، وهذا النوع من الناس سيكون ذكر الموت بالنسبة لهم له فوائد متعددة، فهو:
أ- باعث على الجد والنشاط للاستفادة من فرصة هذه الدنيا على أكمل وجه للتأسيس
للآخرة، فلحظات هذه الفرصة محدودة.
ب- يرسّخ الهدف الحقيقي المتمثل بالآخرة أكثر في النفوس، ويجعل هذا الهدف حاضراً
بشكل أكبر وآكد. وبالتالي يصوّب مسيرة الإنسان بالاتجاه الصحيح.
ج- يساعد الإنسان للسيطرة على ميوله النفسية وشهواته، فيهذّبها ويجعلها ضمن الإطار
الإيجابي والصحيح.
عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (أكثروا ذكر الموت، فإنه يمحص الذنوب
ويزهد في الدنيا، فإن ذكرتموه عند الغنى هدمه، وإن ذكرتموه عند الفقر أرضاكم
بعيشكم)
د. إصلاح النفوس: لتذكر الموت أثر كبير في إصلاح النفوس وتهذيبها وذلك أن النفوس
تؤثر الدنيا وملذاتها وتطمع في البقاء المديد في هذه الحياة الدنيا وقد تهفو إلى
الذنوب والمعاصي وقد تقصر في الطاعات فإذا كان الموت دائماً على بال العبد فإنه
تصغر الدنيا في عينه ويجعله يسعى في إصلاح نفسه وتقويم المعوج من أمره.
ه- ذكر الآخرة وتذكر الموت: قال الله تعالى: (فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ
الْحُلْقُومَ وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ
وَلَكِن لَّا تُبْصِرُونَ)[9].
ونسب إلى الامام علي (عليه السلام) عن الموت قوله:
لا تركِنَنَّ إلى الدنيا وما فيهـا ***فالموت لا شك يُفنينا ويُفنيها
لكل نفس وان كانت على وجــلٍ ***من المَنِيَّةِ آمـــالٌ تقويهـــا
المرء يبسطها والدهر يقبضُهــا ***والنفس تنشرها والموت يطويها[10]
الطريق إلى الجنة والطربق إلى النار:
عن الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) في خطبة له: (... فَإِنَّ
رَسُولَ اللَّهِ ( ص) كَانَ يَقُولُ إِنَّ الْجَنَّةَ حُفَّتْ بِالْمَكَارِهِ وَ
إِنَّ النَّارَ حُفَّتْ بِالشَّهَوَاتِ ، وَ اعْلَمُوا أَنَّهُ مَا مِنْ طَاعَةِ
اللَّهِ شَيْءٌ إِلَّا يَأْتِي فِي كُرْهٍ ، وَ مَا مِنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ
شَيْءٌ إِلَّا يَأْتِي فِي شَهْوَةٍ ، فَرَحِمَ اللَّهُ امْرَأً نَزَعَ عَنْ
شَهْوَتِهِ وَ قَمَعَ هَوَى نَفْسِهِ ، فَإِنَّ هَذِهِ النَّفْسَ أَبْعَدُ شَيْءٍ
مَنْزِعاً ، وَ إِنَّهَا لَا تَزَالُ تَنْزِعُ إِلَى مَعْصِيَةٍ فِي هَوًى)[11].
فيجب أن نعلم أن الطريق إلى الجنة هو أوامر الإسلام ونواهيه وحدوده، أي: الامتثال
للأمر، والاجتناب للنهي، والوقوف عند الحد، وبعد ذلك اذكر ما شئت من الأعمال،
فالمعنى من حيث الجملة أنك تتمثل الأمر، وتجتنب النهي، وتقف عند حدود الله ورسوله
صلى الله عليه وسلم.
(حفت الجنة بالمكاره) يعني: أن الطاعة ثقيلة على النفس، فالجنة محفوفة بالمكاره،
أتصبر على المكاره؟ أتصبر على الطاعة؟ أتصبر عن المعصية؟ أتمتثل الأمر؟ أتجتنب
النهي، وتقف عند حدود الله عز وجل؟ هذه هي المكاره التي تدخلك الجنة.
أما النار فحفت بالشهوات، فهل تصبر عن الشهوات: شهوة الفرج، وشهوة البطن، وشهوة
الجاه، وشهوة المنصب، وشهوات الدنيا كثيرة، وكذلك الشبهات.
فالطريق إلى الجنة -يا إخواننا- محفوف بالمكاره، وهناك ابتلاءات على الطريق تحتاج
منا إلى صبر، فنفسك لها رغبات لابد أن تصبر عنها، وأوامر لله لابد أن تمتثلها.
[1] - بحار الانوار
[2] - ميزان الحكمة
[3] - العلق:14
[4] - تذكرة الفقهاء
[5] - بغية الطلب في تاريخ حلب
[6] - روضة الواعظين
[7] - نهج البلاغة
[8] - معاني الاخبار
[9] - الواقعة
[10] - شرح شواهد الكشاف
[11] - نهج البلاغة