الهدف:
التعرف على جانب من شخصية الإمام السجاد الجهادية والسياسية.
المحاور:
إحياء مصيبة الحسين
تقديم العلوم والمعارف في الدعاء
الجوانب السياسية للصحيفة السجادية
الوعي والحكمة في الدعاء للمجاهدين
تصدير:
ورد في دعاء أهل الثغور للإمام السجاد قوله: اللهمّ صلّ على محمّد
وآله، وحصّن ثغور المسلمين بعزّتك، وأيّد حماتها بقوّتك، وأسبغ عطاياهم من
جِدَتك...
مقدمة:
لقد اعتمد الإمام السجاد أسلوباً غير مباشر في مواجهة الظلم والظالمين،
والمحافظة على أصالة خط أهل البيت(عليه السلام) وانتمائه إلى النبي محمّد(ص)، دون
أن يثير حفيظة الجهاز الحاكم، وقد قام بنشاطات وفعاليات يمكن تلخيص أهمها بالآتي:
أ. إحياء مصيبة الحسين
لقد عمل الإمام السجاد على إحياء مصيبة كربلاء، والتذكير بتلك المأساة
باستمرار، بهدف أن لا تمسح جرائم الحكم الأموي من الذاكرة، فكان الإمام كلما أراد
أن يشرب الماء وتقع عينه عليه تفيض عيناه بالدموع، ولماّ سئل عن ذلك، فقال: «كيف لا
أبكي وقد منع أبي من الماء الذي كان مطلقاً للسباع والوحوش». وكان يقول: «إنّي لم
أذكر مصرع بني فاطمة إلاّ خنقتني العبرة».
وقال له خادمه مرةً: أما آن لحزنك أن ينقضي؟ فقال (عليه السلام) له: «ويحك إن يعقوب
النبي ـ عليه السَّلام ـ كان له اثنا عشر ابناً، فغيّب اللّه واحداً منهم، فابيضّت
عيناه من كثرة بكائه عليه، واحدودب ظهره من الغم و كان ابنه حياً في الدنيا، وأنا
نظرت إلى أبي وأخي وعمي وسبعة عشر من أهل بيتي مقتولين حولي، فكيف ينقضي حزني؟»
(1).
ب. تقديم العلوم والمعارف في الدعاء
ومن أساليب الإمام السجاد (عليه السلام) النضالية والإعلامية الأُخرى هو
عرض المعارف الإسلامية في إطار الدعاء ونعلم بأنّ الدعاء اتّصال معنوي بين الإنسان
وربه، وذو أثر تربوي هام، ومن هنا كان الدعاء من وجهة نظر الإسلام ذا مكانة خاصة،
وإذا جمعت الأدعية التي وصلتنا من نبي الإسلام والأئمّة المعصومين معاً لكان لدينا
مجموعة كبيرة منها.
ونظراً لجو الاضطهاد الذي كان سائداً زمن الإمام السجاد(عليه السلام) أخذ الإمام
يطرح ويقدم أهدافه ومبادئه في إطار الدعاء والمناجاة، و قد عرفت أدعية الإمام
السجاد (عليه السلام) باسم الصحيفة السجادية، وتعد بعد القرآن ونهج البلاغة من أعظم
وأهمّ كنوز المعارف الإلهية القيّمة، بحيث لقبت ومنذ زمن بعيد من قبل العلماء
البارزين بأُخت القرآن، وإنجيل أهل البيت وزبور آل محمّد.
وليست الصحيفة السجادية تقتصر على التضرع للّه والدعاء والخشوع وبيان الحاجة في
ساحة قدسه، بل هي بحر بلا شاطئ من العلوم والمعارف الإسلامية قدم فيها القضايا
العقائدية والثقافية والاجتماعية والسياسية وقسماً من القوانين الطبيعية والأحكام
الشرعية في إطار الدعاء.
وقد أرسل المرجع الديني الراحل المرحوم آية اللّه العظمى النجفي المرعشي قدَّس
سرَّه عام 1353 هجرية نسخة من الصحيفة السجادية إلى العلاّمة المعاصر مؤلف تفسير
الطنطاوي ـ مفتى الإسكندرية ـ فكتب إليه بعد أن شكره على هذه الهدية القيمة: ولسوء
حظنا هو أنّنا لم نحصل على هذا العمل القيم والخالد الذي هو تراث النبوة، وكنت
كلّما أنظر فيها أراها فوق كلام المخلوق ودون كلام الخالق.
الجوانب السياسية للصحيفة السجادية:
وكما أشرنا لا تحوي الصحيفة السجادية أدعية المناجاة والتضرّع وبيان
الحاجة والسؤال والخضوع فقط، بل تتمتع بجوانب سياسية واجتماعية وثقافية وعقائدية
أيضاً.
فقد تعرّض الإمام السجاد في أدعيته مرات عديدة للقضايا السياسية خصوصاً قضية
الإمامة وقيادة المجتمع الإسلامي، نورد قسماً منها على سبيل المثال:
أ. قال السجاد (عليه السلام) في دعائه العشرين (دعاؤه في
مكارم الأخلاق):
«...اللّهمّ صلّ على محمّد وآله واجعل لي يداً على من ظلمني، ولساناً
على من خاصمني، وظفراً بمن عاندني، وهب لي مكراً على من كايدني، وقدرة على من
اضطهدني، وتكذيباً لمن قصبني، وسلامة ممن توعّدني...».
يا ترى من أُولئك الذين يظلمون الإمام ويضطهدونه ويكايدونه ويكذبونه غير عمّال عبد
الملك من مثل هشام بن إسماعيل المخزومي؟!
الواقع إن دعاء الإمام هذا شكاية ممّا يتلقّاه من ظلم واضطهاد من حكام عصره، ولهذا
كان لهذا الدعاء طابع سياسي.
ب. وفي دعاء كان الإمام يدعو به يوم عيد الأضحى والجمعة:
«...اللّهمّ إن هذا المقام ـ مقام الإمامة والقيادة وزعامة الأُمة
الإسلامية التي من شؤونها ولوازمها هو إقامة الصلاة يوم الجمعة وعيد الأضحى وإيراد
الخطبة ـ لخلفائك وأصفيائك ومواضع أُمنائك في الدرجة الرفيعة التي اختصصتهم بها قد
ابتزوها وأنت المقدر لذلك لا يغالب أمرك... حتى عاد صفوتك وخلفاؤك مغلوبين مقهورين
مبتزين، يرون حكمك مبدلاً، وكتابك منبوذاً، وفرائضك محرّفة عن جهات أشراعك، وسنن
نبيك متروكة، اللّهم العن أعداءهم من الأوّلين والآخرين ومن رضي بفعالهم وأشياعهم
وأتباعهم...».
يصرح الإمام في هذا الدعاء بالإمامة وقيادة الأُمّة التي تختص بأهل بيت النبي،
ويذكر اغتصابها على يد الظالمين، وبالتالي يرفض شرعية الحكم الأموي.
ج. وقال الإمام في دعاء عرفة:
«ربّ صلّ على أطائب أهل بيته الذين اخترتهم لأمرك، وجعلتهم خزنة علمك
وحفظة دينك، وخلفائك في أرضك، وحججك على عبادك، وطهّرتهم من الرجس والدنس تطهيراً
بإرادتك، وجعلتهم الوسيلة إليك والمسلك إلى جنتك...».
يتحدّث الإمام هنا في هذا الدعاء عن دور الأئمّة والقادة الإلهيّين من بيت النبوة
ومكانتهم الخاصة ومميّزاتهم، وهذا يعني بالدقة رفض شرعية الحكم الموجود آنذاك.
الوعي والحكمة في الدعاء للمجاهدين:
يتّضح من وقوف الإمام زين العابدين (عليه السلام) للدعاء لأهل الثغور
بغض النظر عن الدولة القائمة على الظلم، أنه ينظر إلى ثغور المسلمين التي يشكّل
حفظها حفظاً للمسلمين وحماية لأنفسهم وأعراضهم، وأموالهم التي يعتقد الإمام أنّها
تدخل ضمن واجبات الإمامة ومسؤوليات الإمام(عليه السلام).
والإمام(عليه السلام) وإن كان معارضاً للنظام الأموي، ويجدّ في فضحه وتزييف عمله
والكشف عن سوء إدارته، ويحكم على القائمين به بالخروج عن الحق والعدل، وهو لا يزال
ينظر إلى مصارع شهداء كر بلاء بعيون تملؤها العَبْرة، لكنه يدعو بصوت تخنقه
العَبْرة كذلك لأهل الثغور الإسلامية، وباللهجة القوية القاطعة لكلّ عذر. وبالنبرة
الحادة ذاتها التي يدعو بها لزوال حكم الظالمين.
فنراه يفتتح هذا الدعاء العظيم بقوله: (اللهمّ صلّ على محمّد وآله، وحصّن ثغور
المسلمين بعزّتك، وأيّد حماتها بقوّتك، وأسبغ عطاياهم من جِدَتك). ثم يدعُ الله أن
يمنحهم القوة بزيادة العدد والعدة ما يؤدّي إلى نصرهم، بقوله (عليه السلام):
(اللهمّ صلّ على محمّد وآله، وكثّر عدّتهم، واشحذ أسلحتهم، واحرس حوزتهم، وامنع
حومتهم، وألّف جمعهم، . .. و اعضدهم بالنصر، و أعنهم بالصبر)
لينتقل بعد ذلك إلى الدعاء لهم بالمعرفة والبصيرة كأهم عنصرين يحتاجهما المجاهدون،
فيقول: (اللهمّ صلّ على محمّد وآله، وعرّفهم ما يجهلون، وعلّمهم ما لا يعلمون،
وبصّرهم ما لا يبصرون).
ثم إنّ ترك التعلّق بالدنيا وزخارفها هو الآخر ثمرة جميلة لذكر الله في الحرب، حيث
يؤدّي التعلّق بها إلى ضعف المقاتلين. ولذا، يطلب الإمام السجّاد من الله في دعائه
أن يُنسي حماةَ الثغورِ هذه الزينة الدنيوية، وربطها بالزينة الأخروية، فيقول:
(اللهم صلّ على محمد وآله وأَنسِهم عند لقائهم العدوَّ ذكر دنياهم الخدّاعة الغرور،
وامحُ عن قلوبهم خطراتِ المال الفَتُون، واجعلِ الجنَّةَ نُصبَ أعينِهِم ولوِّحْ
منها لأبصارهمْ ما أعدَدتَ فيها من مساكنِ الخُلدِ ومنازلِ الكرامةِ والحورِ
الحسانِ...)[1].
ونجد الإمام السجّاد (عليه السلام) يطلب في دعائه الوحدة للمجاهدين من الله، حيث
يقول: (...وألّف جمعهم ودبِّر أمرهم).
ثم ينتقل وبعبارات جامعة إلى الدعاء على عدوّهم، لتتحقّق الغاية القصوى من الجهاد
بإضعاف العدو، وتحقيق النصر عليه. فيقول(عليه السلام): (اللهمّ افلل بذلك عدوّهم،
واقلم عنهم أظفارهم، وفرّق بينهم وبين أسلحتهم، واخلع وثائق أفئدتهم، وباعد بينهم
وبين أزودتهم، وحيّرهم في سبلهم، وضلّلهم عن وجههم، واقطع عنهم المدد، وانقص منهم
العدد، واملأ أفئدتهم الرعب...)، هذا إضافة إلى الدعاء بأن يشغل المشركين بعضهم
ببعض، فيقول(عليه السلام): اللهمّ أشغل المشركين بالمشركين عن تناول أطراف
المسلمين. ..).
لينتقل بعد ذلك إلى تحفيز كل أفراد المجتمع على مساعدة المجاهدين وتقديم العون لهم
كون عدم قدرة الجميع على الحضور في الثغور لا يعفيهم من واجباتهم في الدعم والعون
والنصرة من بعيد بالمال والعتاد ومختلف أنواع المساعدة، حتى الدعاء. فقال (عليه
السلام): (اللّهمّ وأيّما مسلم خَلَفَ غازياً، أو مرابطاً، في داره، أو تعهّد
خالفيه في غيبته، أو أعانه بطائفة من ماله أو أمدّه بعتاد، أو شحذه على جهاد، أو
أتبعه في وجهه دعوةً، أو رعى له من ورائه حرمةً، فأجْرِ له مثل أجره، وزناً بوزن،
ومثلاً بمثل، وعوّضه من فعله عوضاً حاضراً يتعجّل به نفع ما قدّم، وسرور ما أتى
به...).
[1] الصحيفة السجادية، دعاء أهل الثغور.