الهدف:
التعرّف على أهمية حسن الظن بالله وبالمؤمنين وآثاره على الفرد
والمجتمع.
محاور الموضوع:
حسن الظن بالله وبالمؤمنين
حسن الظن بالله
حسن الظن بالمؤمنين وسوء الظن بهم
في الروايات حرمة سوء الظن
المؤمن ومواطن التهمة
لنقف صفاً واحداً ضد نشر ثقافة سوء الظن
تصدير:
عن الإمام أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قال: «وجدنا في كتاب علي (عليه
السلام) أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال وهو على منبره والذي لا إله
إلا هو ما أعطي مؤمن قط خير الدنيا والآخرة إلا بحسن ظنه بالله ورجائه له وحسن خلقه
والكف عن اغتياب المؤمنين.
والذي لا إله إلا هو لا
يعذب الله مؤمنا بعد التوبة والاستغفار إلا بسوء ظنه بالله وتقصيره من رجائه وسوء
خلقه واغتيابه للمؤمنين.
والذي لا إله إلا هو لا يحسن ظن عبد بالله إلا كان الله عند ظن عبده المؤمن لأن
الله كريم بيده الخيرات يستحيي أن يكون عبده المؤمن قد أحسن به الظن ثم يخلف ظنه
ورجاءه، فأحسنوا بالله الظن وارغبوا إليه.
مدخل:
حسن الظن بالله عبادة قلبية جليلة لا يتم إيمان العبد إلا به؛ لأنه من
صميم التوحيد وواجباته ، وهو ظنّ ما يليق بالله تعالى واعتقاد ما يحق بجلاله وما
تقتضيه أسماؤه الحسنى وصفاته العليا مما يؤثر في حياة المؤمن على الوجه الذي يرضي
الله تعالى، لذلك ينبغي أن يكون سمة لازمة يتجلى في حياة المؤمن وعند احتضاره وقرب
موته.
والحديث الشريف - الوارد في تصدير الموعظة - يلغي مفهوم الفصل الذي يحاول أن يطرحه
المتكاسلون وغير العاملين فيما يرتبط بحسن الظن بالله، فمن يرجو الله يضم إلى رجائه
الأعمال الصالحة من حسن الخلق والكف عن اغتياب المؤمنين، ومن يسوء ظنه بالله فهو
يضم إلى سوء ظنه التقصير وسوء الخلق واغتياب المؤمنين، وهي أعمال طالحة تبعث على
سوء الظن بالله سبحانه وتعالى.
حسن الظن بالله وبالمؤمنين:
ولأهمية هذا الموضوع سنتاوله من خلال الآيات والروايات في محورين:
المحور الأول: حسن الظن بالله:
فيما يرتبط بالمحور الأول فقد وردت الكثير من الروايات الصادرة عن أهل البيت (عليه
السلام) التي تحث على حسن الظن بالله تعالى وتحذّر من سوء الظن به تعالى.
منها: ما عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال:: أحسن الظن بالله فإن الله عز وجل
يقول: أنا عند ظن عبدي المؤمن، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر.
أي إن كان ظنه بي خيراً فجزاؤه خير، وإن كان ظنه بي شراً فجزاؤه شر.
وهذا الحديث يؤكّد على وجود الارتباط بين الظن الذي يختاره العبد بالله مع الجزاء،
وإن الأمر لا يتعدى الاختيار القلبي الذي يظهر أثره على المرء في عمله.
ومنها: ما عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام)، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه
وآله وسلم): قال الله تبارك وتعالى: لا يتّكل العاملون على أعمالهم التي يعملونها
لثوابي فإنهم لو اجتهدوا وأتعبوا أنفسهم وأفنوا أعمارهم في عبادتي كانوا مقصّرين
غير بالغين في عبادتهم كنه عبادتي فيما يطلبون عندي من كرامتي والنعيم في جناتي
ورفيع درجاتي العلى في جواري، ولكن فبرحمتي فليثقوا، وبفضلي فليفرحوا، وإلى حسن
الظن بي فليطمئنوا، فإن رحمتي عند ذلك تدركهم، ومني يبلغهم رضواني، ومغفرتي تلبسهم
عفوي، فإني أنا الله الرحمن الرحيم...»[1].
وهذا الحديث يسلّط الضوء على نقطة مهمة في مسألة حسن الظن بالله، وهي أن حسن الظن
لا يعني ترك العمل بل عدم الاتكال على العمل واعتبار العمل لوحده المنجي للإنسان
والبالغ به عبادة الله ورضوانه، فحاجة الإنسان إلى رحمة الله وحسن ظنه بها أكثر من
حاجته إلى عمله.
ومنها: ما عن بعض أصحاب الإمام الكاظم (عليه السلام) أنه قال: كنت وراء أبي الحسن
موسى (عليه السلام) على الصفا أو على المروة، وهو لا يزيد على حرفين: "اللهم إني
أسألك حسن الظن بك في كل حال، وصدق النية في التوكل عليك»[2].
وفي الحديث تأكيد على أن المؤمن لا يستغني عن حسن الظن بالله تبارك وتعالى في جميع
حالاته، سواء عند نزول النعمة بأن يرجو استمرارها والمزيد منها، أو عند نزول
المصيبة بأن يرجو زوالها وعدم حدوثها ثانية، وسواء عند ارتكاب الطاعة بأن يرجو من
الله قبولها، أو عند ارتكاب المعصية بأن يستغفر الله ويرجو قبول توبته.
المحور الثاني: حسن الظن بالمؤمنين وسوء الظن بهم:
حسن الظن بالمؤمنين خلق فريد وأمر حض عليه الإسلام ، وهو من أبرز أسباب التماسك
الاجتماعي على مستوى الفرد والأسرة والمجتمع ، حسن الظن راحة للفؤاد وطمأنينة للنفس
وسلامة من أذى الخواطر المقلقة التي تفني الجسد ، وتهدم الروح ، وتطرد السعادة ،
وتكدر العيش ، بفقده وتلاشيه تتقطع حبال القربى وتزرع بذور الشر وتلصق التهم
والمفاسد بالمسلمين الأبرياء ، لذلك كان أصلاً من أصول أخلاق الإسلام ، وعليه فلا
يجوز لإنسان أن يسيء الظن بالآخرين لمجرد التهمة أو التحليل لموقف ، فإن هذا عين
الكذب قالى تعالى: ﴿ يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم
﴾(الحجرات / 12)، ولابد من التعرض للآية بشكل موجز بنقل ما قاله العلماء والمفسرون
من الشيعة الإمامية.
قوله تعالى: ﴿ اجتنبوا ﴾أي كونوا على جانب منه، أي ابتعدوا عنه.
وقوله: ﴿ كثيرا من الظن ﴾ والمقصود به: "كل ظن لم يقم على اعتباره دليل معتبر".
وبناء على هذا الرأي فإن سوء الظن يكون أحد أفراد هذا الظن المنهي عنه ﴿ إن بعض
الظن إثم ﴾ فالظن الذي يكون إثما إنما هو ما يفعله صاحبه وله طريق إلى العلم بدلا
منه مما يعمل عليه، فهذا ظن محرم لا يجوز فعله، فأما ما لا سبيل له إلى دفعه بالعلم
بدلا منه فليس بإثم، فلذلك كان بعض الظن إثماً دون جميعه"[3].
والمراد بالاجتناب عن الظن – وكما يقول العلامة الطباطبائي - الاجتناب عن ترتيب
الأثر عليه كأن يظن بأخيه المؤمن سوءً فيرميه به ويذكره لغيره ويرتب عليه سائر
آثاره، وأما نفس الظن بما هو نوع من الإدراك النفساني فهو أمر يفاجئ النفس لا عن
اختيار فلا يتعلق به النهي، اللهم إلا إذا كان بعض مقدماته اختياريا.
وعلى هذا فكون بعض الظن إثما من حيث كون ما يترتب عليه من الأثر إثما كإهانة
المظنون به وقذفه وغير ذلك من الآثار السيئة المحرمة[4].
حرمة سوء الظن في الروايات:
ومضافا إلى دلالة الآية المباركة على حرمة سوء الظن فقد عضدت أحاديث
العترة الطاهرة تلك الحرمة.
ومن جملتها: عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال:إياكم والظن فإن الظن أكذب
الكذب، وكونوا إخوانا في الله كما أمركم، لا تتنافروا ولا تتجسسوا ولا تتفاحشوا،
ولا يغتب بعضكم بعضاً، ولا تتنازعوا ولا تتباغضوا ولا تتدابروا ولا تتحاسدوا فإن
الحسد يأكل الإيمان كما تأكل النار الحطب اليابس»[5].
والظاهر من الحديث بقرينة ضم الأمر بالأخوة والنهي عن التجسس والتنافر والتباغض
والتنازع والتدابر والتفاحش أن الظن المنهي عنه من شاكلته أيضاً أي من الأمور
المرتبطة بعلاقات المؤمنين مع بعضهم، فيحمل على سوء الظن بالمؤمنين، وعلى أقل تقدير
فإن سوء الظن بالمؤمن منهي عنه أيضا لأنه من أفراد الظن بلا شك وريب.
وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): ضع أمر أخيك على أحسنه حتى يأتيك ما يغلبك منه»
أي حتى يأتي اليقين الذي تتحقق به الغلبة والعلم بأمر أخيك سواء كان المنكشف بالعلم
هو المحمود من أمر أخيك أو المذموم منه، ولا تظنن بكلمة خرجت من أخيك سوءا وأنت تجد
لها في الخير محملا»[6].
ولا بد من الالتفات إلى أن حسن الظن بالمؤمن لن تترتب عليه آثار محرمة بخلاف سوء
الظن به، فمن يظن سوءا بمؤمن يهينه أو يهجره أو يسيء إليه في التعامل أو يتجسس عليه
أو يغتابه وغير ذلك من نتائج محرمة على سوء الظن، وكذلك من يظن ظنا غير معتبر
بالحكم الشرعي فإنه يرتكب محرماً كبيراً وهو نسبة حكم إلى الله عز وجل من غير دليل،
أما من يحسن الظن بالمؤمن فإنه لن تترتب آثار محرمة على حسن ظنه بل هو سيستمر فيما
كان عليه سابقاً من الإحسان إليه وحسن الخلق معه وتوقيره، فالفارق أن أحد الظنين
يقود إلى الحرام بخلاف الآخر، ولم يثبت ولم يدع أحد من الفقهاء أن المؤمن إذا عمل
بأي ظن حتى في المباحات وأمور الدنيا فقد ارتكب الحرام كمن ظن أن الكنز في هذا
المكان فحفره أو ظن أنه سيجد السلعة المعينة إذا ذهب إلى هذا المتجر.
المؤمن ومواطن التهمة:
من الآداب التي حث عليها أهل البيت (عليه السلام) أن لايجر المؤمن
بتصرفاته ما يوجب إساءة الآخرين الظن به، بحيث يقطع مادة الظن عن غيره، ولكي يحفظ
نفسه وقيمته في المجتمع كي لا يسترخصه الآخرون وينتقصون:
عن أمير المؤمنين (ع: من عرض نفسه للتهمة فلا يلومن من أساء به الظن»[7].
ولا يراد من هذا الحديث جواز إساءة الظن بالمؤمن الذي وضع نفسه في موطن التهمة، بل
المقصود أن المؤمن ينبغي أن ينأى بنفسه عن موجبات إساءة الظن كالجلوس مع الفساق
والظالمين والجهلة أو التردد على الأماكن التي تكثر فيها المعاصي...
لنقف صفاً واحداً ضد نشر ثقافة سوء الظن:
إن الأثر السيء لترويج ثقافة سوء الظن في أوساط المؤمنين وخاصة عندما
يصدر من المتصدين للشأن الإعلامي الشيعي من فضائيات وإذاعات وصحف ينخر في المجتمع
المؤمن ويفكك أواصره ويقطع أوصاله، وهو عمل محرم وخاصة عندما يكون في حق المراجع أو
العلماء أو المجاهدين، فمن المعلوم أن الذنب يكون إثمه أكبر كلما كان من وقع في حقه
الذنب أعظم حرمة عند الله عز وجل.
[1] الكافي ج2 ص72 ح4
[2] الكافي ج4 ص433 ح9
[3] الطوسي، التبيان ج9 ص249.
[4] الميزان ج18 ص323
[5] وسائل الشيعة ج27 ص59 ح24
[6] الكافي ج2 ص161 ح3
[7] الكافي ج8 ص152 ح137