الهدف:
التعرّف على معنى وكيفية إحياء أمر أهل البيت (عليه السلام) من خلال
الروايات.
المحاور:
- معنى الرحمة
- كيف نحي أمرهم (عليه السلام)؟
- الإحياء بنشر علوم أهل البيت(عليه السلام).
- الإحياء باتباع أهل البيت(عليه السلام).
- آثار إحياء أمر أهل البيت(عليه السلام).
تصدير:
روي عن الإمام جعفر بن محمد الصادق(عليه السلام) أنه قال للفضيل بن
يسار: يا فضيل « أتجلسون وتتحدثون؟» قال: نعم جعلت فداك. قال الإمام الصادق(عليه
السلام): «إن تلك المجالس أحبها. فأحيوا أمرنا، رحم الله من أحيا أمرنا»[1] .
مدخل:
إنّ إحياء ذكر أهل البيت(عليه السلام)، وإحياء مناسباتهم ليست عادة
بشرية أو تقليداً اجتماعياً ابتكره الناس، وإنما هي مستنبطة ومأخوذة ومستوحاة من
كلام أهل البيت عليهم السلام. فإحياء ذكر أهل البيت ومناسباتهم يعتبر بالنسبة لنا
عملاً شرعياً نقوم به بدافع تعبّدي.
لقد ثبت عندنا أن أقوالهم وأفعالهم (عليه السلام) حجة من الناحية الشرعية، ولذا نحن
ملزمون بالأخذ بأقوالهم، وهم أمرونا بهذا الشيء. ونحن نأتمر بأمرهم تعبداً لله
سبحانه وتعالى.
والروايات كثيرة عن أهل البيت (عليه السلام) تأمر بإحياء ذكرهم كهذا الحديث الذى
تبركنا بذكره، وهو مروي عن الفضيل بن يسار، وهو عالم من العلماء الثقات من مدرسة
أهل البيت، عاصر الإمام الباقر(عليه السلام) وتتلمذ على يديه، وعاصر الإمام
الصادق(عليه السلام) وتتلمذ على يديه، وكان الإمام الصادق (عليه السلام) إذا رأى
الفضيل قد أقبل يقول:«بخ بخ بشر المخبتين أن الأرض لتأنس بفضيل بن يسار» وكان(عليه
السلام) يقول «من أراد أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا» إلى فضيل بن
يسار وحينما توفي رحمه الله وأُخبر الامام الصادق(عليه السلام) بوفاته وتغسيله
قال: «رحم الله فضيلاً لقد كان من أهل البيت» فلاحظ مكانته، وشاهد موقعية هذا
الرجل.
معنى الرحمة:
الرَّحْمة في اللغة الرِّقَّةُ والتَّعَطُّفُ والمغفرة وقوله تعالى: في
وصف القرآن هُدىً ورَحْمةً لقوم يؤمنون أَي فَصَّلْناه هادياً وذا رَحْمَةٍ، وقوله
تعالى ورَحْمةٌ للذين آمنوا منكم أَي هو رَحْمةٌ لأَنه كان سبب إِيمانهم، وإِنما
قيل بسم الله الرَّحْمن الرحيم فجيء بالرحيم بعد استغراق الرَّحْمنِ معنى الرحْمَة
لتخصيص المؤمنين به في قوله تعالى وكان بالمؤمنين رَحِيماً. وقال ابن عباس هما
اسمان رقيقان أَحدهما أَرق من الآخر فالرَّحْمن الرقيق والرَّحيمُ العاطف على خلقه
بالرزق.
كيف نحي أمرهم (عليه السلام)؟
أمر أهل البيت (عليه السلام) الذي أوصت الروايات المأثورة عنهم بإحيائه
هو معالم الدين الاسلامي الذي يُعرف من طريقهم في مقابل ما يتداوله الناس من غير
طريقهم, ذلك لانَّ طريقهم هو وحده الذي لم يشبْه انحراف أو تجاوز عما جاء به القرآن
الكريم وسنة النبي (ص).
وعليه فكلُّ ما ثبت عنهم من تفسيرٍ للقرآن أو بيانٍ لاصول العقيدة وتفاصيل الاحكام
الشرعية الفقهية وما أُثر عنهم من إيضاح لقيم الدين وتوصياته ومواعظه كلُّ ذلك يكون
تناوله وتأصيله وترويجه داخل في سياق الإحياء لأمر أهل البيت (عليه السلام).
وكذلك فإنَّ عقد المجالس التى يُستعرض فيها مآثر أهل البيت (عليه السلام) وسِيَرهم
ومكارم أخلاقهم، والمجالس التى تعقد ليستعرض فيها البراهين والحجج المقتضية لتعُّين
أخذ الدين عنهم والتى هي تعبير آخر عن امامتهم, والمجالس التى تُعقد ليسُتعرض فيها
ما يُنتج التوثيق للعلاقة والصلة بهم ليكون ذلك طريقًا لأخذ الدين عنهم والتمثُّل
بسجاياهم ومكارم أخلاقهم, كُّل ذلك يقع في سياق الاحياء لأمرهم.
وكذلك فإن استحضار ذكريات مواليدهم ووفياتهم وعقد المجالس لذلك واستثمارها لأجل
تأصيل الولاء لهم وتوثيق الصلة بهم من خلال استعراض مآثرهم ومناقبهم والظلامات التى
وقعت عليهم, واستثمارها كذلك لنشر أُصول العقيدة وقيم الدين ومبادئه التي ناضلوا من
أجل ترسيخها في وجدان الأُمه, كُّل ذلك يقع في سياق الإحياء لأمر أهل البيت (عليه
السلام).
والذي يؤكد ما استظهرناه من أنَّ الإحياء لأمر أهل البيت (عليه السلام) يشمل
الاستحضار لمآثرهم ومناقبهم والظلامات التى وقعت عليهم هو ما رواه في قرب الاسناد
بسنده عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال لفضيل: تجلسون وتُحدِّثون؟ قال: نعم جُعلت
فداك قال: انَّ تلك المجالس اُحبُّها فأحيوا أمرنا, يافضيل من ذَكرنا أو ذُكرنا
عنده فخرج من عينه مثل جناح الذباب غُفر الله ذنوبه ولو كانت أكثر من زبد البحر.
وورد عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: اجتمعوا وتذاكروا تحفُّ بكم الملائكة رحم
الله من أحي أمرنا"[2].
وورد كذلك عن شعيب العقرقوفي قال سمعتُ أبا عبد الله (عليه السلام) يقول لأصحابة
اتقوا الله وكونوا اخوةً متحابِّين بررة في الله متواصلين متراحمين تزاوروا وتلاقوا
وتذاكروا أمرنا وأحيوه"[3].
وروى الشيخ الكلينى بسنده عن ابن مسكان عن خيثمة قال: دخلت على ابي جعفر(عليه
السلام) اودِّعه فقال: يا خيثمة أبلغ من ترى من موالينا السلام وأوصهم بتقوى الله
العظيم وان يعود غنيُّهم على فقيرهم وقويُّهم على ضعيفهم وان يشهد حيُّهم جنازة
ميّتهم وان يتلاقوا في بيوتهم فإنَ لقيا بعضهم بعضاً حياةٌ لأمرنا رحم الله من أحى
أمرنا"[4]، فإنَّ الظاهر من هذه الروايات الثلاث ان المراد من إحياء أمر أهل البيت
(عليه السلام) هو الاستحضار لمآثرهم وما أُثر عنهم من شؤون الدين, فكلا الامرين
يُعدُّ من الإحياء لأمر اهل البيت (عليه السلام).
الإحياء بنشر علوم أهل البيت(عليه السلام):
فالاحياء لأمر أهل البيت(عليه السلام) هو الإسلام والرسالة الإسلامية،
وكانوا يريدون إيصال رسالة الإسلام إلى الناس، هذه الرسالة التي جاءت على يد جدهم
الاعظم محمد(ص)، وهم كانوا يتحملون مسؤولية توضيحها وتبيينها؛ لأن الفترة التي
عاشها الرسول (ص) لم تكن كافية لكي تتضح كل التفاصيل وكل المعالم، بالإضافة إلى
الأشياء التي تستجد في حياة الأمة، وقد استجدت في حياة المسلمين أمور كانوا يحتاجون
من يعلمهم ويوضح لهم رؤية الإسلام وموقفه تجاهها، وكانت وظيفة أهل البيت (عليه
السلام) تبيين وتوضيح رؤية الإسلام ورسالته على حقيقتها.
صارت هناك انحرافات وتشويهات بسبب أناس لم يكونوا مؤهلين لفهم أحكام الدين ولمعرفة
مفاهيمه ممن تصدوا لتبيين الأحكام والإفتاء، وبعضهم كانوا مغرضين، إضافة إلى أن
السلطات الأموية والعباسية أرادت أن تكيف الدين حسب أغراضها ومصالحها، نتج عن كل
ذلك تشويه وتحريف في الدين. وكانت مسؤولية أهل البيت عليهم السلام إزالة التزوير
والتزييف والتحريف، وتبيين الإسلام على حقيقته وواقعة.
إذن أمر أهل البيت هو الرسالة الإسلامية الخالصة النقية السليمة دون تحريف أو تزييف
أو تزوير.
وأهل البيت يريدون من أتباعهم وشيعتهم إحياء أمرهم «أحيوا أمرنا رحم الله من أحيا
أمرنا» وهو كما يقول الإمام: «يتعلم علومنا ويعلمها الناس»، وخاصة إذا علمنا أن
هناك عوامل وأسباباً عديدة ترمي إلى التعتيم والكتمان، وتريد إماتة أمر أهل البيت
وذكرهم. فإن السلطات المناوئة لأهل البيت من الأمويين والعباسيين قد بذلوا كل
جهودهم من أجل أن يمنعوا الناس ويفصلوهم عن أهل البيت، ويمنعوا وصول كلام أهل البيت
إلى الناس.
الإحياء باتباع أهل البيت(عليه السلام):
يحيا أمرهم بتوضيح تعاليمهم والدفع والتشجيع للاقتداء والأخذ بتعاليمهم؛
حتى لا يكون الاتباع مجرد اسم وانتماء اجتماعي. بل ليكون المشايع لأهل البيت
والموالي لهم ملتزماً بما التزم به أهل البيت عليهم السلام سائراً في طريقهم. وهذا
هو التشيع الحقيقي. فإنه لا يكفي من يعتقد بإمامة أهل البيت مجرد الاعتقاد القلبي
فقط، وإنما لابد أن يتبعه التزام سلوكي.
يقول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام): «ألا وإن لكل مأموم إمام يقتدي
به ويستضيء بنور علمه»[5].
المطلوب هو الاقتداء. وشيعة أهل البيت حينما يحضرون مجالس أهل البيت ويحيون أمر أهل
البيت في وسطهم هذا يعني أنهم يتشجعون ويتعهدون بالسير في طريق أهل البيت عليهم
السلام وبالأخذ بتعاليم أهل البيت.
ويقول الإمام الصادق(عليه السلام) : «ما شيعتنا إلاّ من اتقى الله وأطاعه»[6].
ويقول أيضاً: «إنما أنا إمام من أطاعني»[7]، وعندنا روايات كثيرة تؤكد أن التشيع
ليس مجرّد الاعتقاد أو المحبة القلبية، وإنما هو الالتزام السلوكي أيضاّ.
يقول الإمام الصادق(عليه السلام): «ليس من شيعتنا من يكون في مصر وفيه آلاف ويكون
في المصر أورع منه»[8]، وهذا يعني: كما أن أهل البيت كانوا هم النموذج الأسمى
والأعلى كذلك شيعتهم بالنسبة إلى سائر الناس ينبغي أن يكونوا هم الأتقى والأورع
والأفضل التزاماً وسلوكاً.
آثار إحياء أمر أهل البيت(عليه السلام):
إنطلاقاً من قول الإمام جعفر الصادق(عليه السلام) للفضيل بن يسار
((تجلسون وتتحدّثون ...، فقال الإمام الصادق(عليه السلام) إنّ تلك المجالسُ أحُبّها
أحيوا أمرنا فرحم ألله من أحيا أمرنا فإنّ من جلس مجلسا يُحيى فيه أمرنا لم يمُت
قلبه يوم تموت القلوب))[9].
فيكون مفهوم ومعنى إحياء أمر أهل البيت(عليه السلام) هو التحرك الواعي والمُمنهج في
دائرة المنظومة الفكرية والقيمية للمعصومين (عليه السلام) ولأنّ إحياء أمر
الحسين(عليه السلام) هيمن بقدسيته الربانية على أذهان المؤمنين على مرّ التأريخ.
ولكن يجب الألتفات إلى أمر إمامنا المهدي (عليه السلام) والذي هو صاحب الأمر حقيقة
والبقية الخاتمة لرسالة ألله تعالى فلا يمكن التفكيك العقدي بين الأمرين أمر الحسين
(عليه السلام) وأمر المهدي (عليه السلام).
وحتى نكون من المُحيين الحقيقيين لأمر إمامنا الصادق (عليه السلام) والحسين (عليه
السلام) ينبغي أن نُحي أمر إمامنا المهدي (عليه السلام) ويمكن تحقيق ذلك من خلال
عقد مجالس علمية وحوارية واعية تتوفر على موضوعات عقدية وفكرية نافعة في مجتمعنا
اليوم، والذي هو بأمس الحاجة إلى الجديد من إستيحاء القيم الأسلامية الأصيلة لا أن
نبقى في هامش الدائرة القيمية لديننا ونسمح للجهال أن يكونوا في بؤرة الصورة .
ومن آثار إحياء أمرهم (عليه السلام) ما ورد في الحديث عن الإمام علي بن موسى
الرضا(عليه السلام) قال: «من جلس مجلساً يحيي فيه أمرنا لم يمت قلبه يوم تموت
القلوب»[10]، يعني يوم القيامة.
[1] بحار الأنوار،
ج44، ص282، الحديث رقم 14
[2] وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج 12 ص 22
[3] وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج 12 ص 215
[4] الكافي - الشيخ الكليني - ج 2 ص 175
[5] ينابيع المودة لذوي القربى، القندوزي الحنفي، ج 1، ص 439.
[6] بحار الأنوار، ج67، ص97، الحديث رقم 4
[7] بحار الأنوار، ج2، ص80، الحديث رقم 76
[8] بحار الأنوار، ج65، ص164، الحديث رقم 13
[9] وسائل الشيعة، للشيخ الحر العاملي، ج10،باب 66.
[10] بحار الأنوار، ج1، ص199، الحديث رقم 3