الهدف:
التعرّف على آثار الذنوب وكيف تذهب الحسنةُ السيئة.
المحاور:
- آثار الذنوب.
- طرق زوال الآثار.
- القنوط من الكبائر.
- العفو مشروط بالتوبة الحقيقية.
- الحسنات يذهبن السيئات
تصدير:
روي عن الإمام الرِّضا(عليه السلام): (كُلما أحدث العباد من الذُّنوب ما لم يكونوا
يعملون، أحدث الله لهم من البلاء ما لم يكونوا يعرفون).
آثار الذنوب:
الذنوب أفعال إنسانية خارجية يترتّب عليها كثير من الآثار الباطنية الَّتي تعزُّ
على المعرفة, كما الآثار والتبعات الظاهرة التي تترتب عليها من حيث هي مفسدة
واقعية, وقد دلَّنا الشرع على أُمور عديدة نذكر منها:
أ- استحقاق النقمة والغضب الإلهي ووقوع العذاب في الآخرة, وهو أثر يترتّب على جميع
الذُّنُوب والمعاصي, ولا مُنجي منه إلا التوبة وعفو الله تعالى ورحمته. قال الله
تعالى:
﴿بَلَى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُوْلَئِكَ
أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾[1].
وعن النبي(صلى الله عليه وآله): "إن الرجل ليجلس على باب الجنة مقدار عام بذنب واحد
وإنه لينظر إلى أكوابه وأزواجه"[2].
ب- قسوة القلب واسوداده, وهو كناية عن تحكم الميل فيه إلى مزيد من الحرام الَّذي هو
نتاج موت الوازع الداخلي تدريجاً والأنس بالمعاصي واستلطافها. قال الله تعالى:
﴿كَلاَ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾[3].
وعن الإمام علي(عليه السلام): "ما جفت الدموع إلا لقسوة القلوب، وما قست القلوب إلا
لكثرة الذنوب"[4].
ج- انسداد باب العون والتسديد الإلهي وإيكال العبد إلى نفسه, وهو نتيجة الغضب
الإلهي وتعاظم الحاجز بين العبد وبارئه, فينسدّ باب اللطف وتحبس إجابة الدُّعاء.
د- قلّة الرزق, ونقصان الأجل ومنع الأرض خيراتها, وضياع المال وخسارته, وهي الأمور
الّتي يوجبها ترك الحجّ ومنع الزكاة وقطيعة الأرحام, والظلم, بناءً لما ذكر في بعض
الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة. والظاهر أنَّ المراد بـ (نقصان الأجل) هو أنَّ
العاصي يخلق ناقص العمر, بسبب ما يعلمه الله تعالى عنه من فعله للمعاصي الموجبة
لذلك.
عن الإمام الصادق(عليه السلام): (الذُّنوب التي تغيّر النعم البغي، والذُّنوب التي
تورث الندم القتل، والتي تنزل النقم الظلم، والتي تهتك الستور شرب الخمر، والتي
تحبس الرزق الزنا، والتي تجلب الفناء قطيعة الرحم، والتي تردُّ الدُّعاء عقوق
الوالدين).
طرق زوال الآثار:
- لا تزول آثار هذه الذُّنُوب إلاَّ بالتوبة النصوح ومداومة الطاعة والرقي في
معارج التقوى.
رسول الله (صلى الله عليه وآله): "لكل داء دواء ، ودواء الذنوب الاستغفار "[5].
التوبة الحقيقية:
- التوبة تعني الإقلاع عن الذَّنب والرجوع إلى الطاعة بعد الندم على ما وقع من
العبد من جرأة على الله تعالى.
- ليست التوبة لقلقة لسان ولا مجرد ترك للمعصية ولو بسبب العجز عنها، بل هي انتباه
واعٍ من الغفلة يترتب عليه تأنيب النَّفس والعزم على عدم الارتكاس في الرذيلة مرَّة
ثانية، وأَكْرِم به من موقف. قال الله تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحً﴾[6].
- وإذا كانت المعصية تعني انحرافاً عن طريق الله وجرأة عليه، فإنَّ التوبة
الحقيقيَّة تؤكّد أنَّ تلك المعصية قد كانت عابرة، وأنَّ معدن النفس أصيل وأقطار
القلب منيرة، ولذلك تكون التوبة قيمة ومقبولة.
- التوبة رحمة من الله تعالى إذ أتاح بها الفرصة لعبده المذنب كي يرجع إليه
نادماً، ومظهر حب وتكريم منه تعالى لعبده العاصي اللئيم، إذ قَبِله ورحَّب به
وقرَّبه إليه، لا سيَّما وأنَّه مستغن عن عباده لا تضرُّه معصية من عصاه ولا تنفعه
طاعة من أطاعه.
عن الإمام الصادق(عليه السلام): (إنَّ الله عزَّ وجلَّ يفرح بتوبة عبده المؤمن إذا
تاب كما يفرح أحدكم بضالته إذا وجدها).
العفو مشروط بالتوبة الحقيقية:
- ثمَّ إنَّه من أجل أن يُقبل الاعتذار والاستغفار لا بُدَّ أن تكون التوبة
حقيقية، وهي لا تكون كذلك إلاّ بالندم، والعزم على عدم العود، وترك الذنب، وطلب
المغفرة، وأداء ما يترتب على الذنب من تبعات، من كفّارة وضمان وقضاء ونحوها.
- التوبة الكاذبة فهي مجرد الترك خوفاً أو عجزاً، دون أن يستشعر القلبُ خوف الله
وخشيته، ودون أن يتجلَّى فيها الحرص على الإنابة إلى الله تعالى وإصلاح أمره
والتحرّر من ظلمة القلب التي قد يرتكس معها في الذنب مرَّة بعد مرَّة.
عن الإمام الكاظم (عليه السلام) - في قول الله عز وجل:
﴿تُوبُوا إِلَى اللَّهِ
تَوْبَةً نَّصُوحً﴾: "يتوب العبد ثم لا يرجع فيه"[7].
قال الله تعالى:
﴿وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً
ثُمَّ اهْتَدَى﴾[8].
القنوط من الكبائر:
- مهما عظم الذنب لا يجوز اليأس من العفو حيث اليأس رديفُ الكفر.
قال الله تعالى:
﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا
تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا
إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾[9].
وعن الإمام الصادق(عليه السلام): "إن الله عز وجل بعث نبيًّا من أنبيائه إلى قومه،
وأوحى إليه أن قل لقومك: ...، وقل لهم : إن رحمتي سبقت غضبي ، فلا تقنطوا من رحمتي
فإنه لا يتعاظم عندي ذنب عبد أغفره ..."[10].
الحسنات يذهبن السيئات:
وردت الأحاديث الكثيرة وبعض الآيات الكريمة بسقوط الذُّنوب عن العبد المؤمن بأسباب
عديدة، إضافة إلى سقوطها بالتوبة، وهي جميعها تجلٍّ لكرم الله تعالى ولطفه بعبده
وحرصه على أن يلقاه طاهراً من الذُّنوب، وسوف نذكر هذه الأسباب على النحور التالي:
الأول: فعل الطاعات والاستزادة من الحسنات
فقد قال الله تعالى:
﴿وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ
اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى
لِلذَّاكِرِينَ﴾[11]، وقد ذكرت بعض الروايات أموراً منها بخصوصها، وهي: الحج
والعمرة، وكثرة السجود، والإكثار من الصلاة على محمد وآله.
قال الله تعالى:
﴿ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَن يَتَّقِ
اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرً﴾[12].
عن النبي(صلى الله عليه وآله): "العمرة إلى العمرة كفارة ما بينهما، والحجة
المتقبلة ثوابها الجنة، ومن الذنوب ذنوب لا تغفر إلا بعرفات".
وعن النبي(صلى الله عليه وآله): "إذا عملت سيئة فاعمل حسنة تمحوها"[13].
عن الإمام الصادق(عليه السلام): جاء رجل إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله) فقال:
يا رسول الله(صلى الله عليه وآله) كثرت ذنوبي وضعف عملي، فقال رسول الله(صلى الله
عليه وآله): "أكثر السجود؛ فإنه يحط الذنوب كما تحط الريح ورق الشجر"[14].
الإمام الرضا(عليه السلام): "من لم يقدر على ما يكفر به ذنوبه فليكثر من الصلوات
على محمد وآله فإنها تهدم الذنوب هدما"[15].
الثاني: حسن الخلق وكريم السجايا والخصال.
روي عن الإمام الصادق(عليه السلام) أنَّه قال: (إنَّ حسن الخلق يذيب الخطيئة كما
تذيب الشمس الجليد، وإنَّ سوء الخلق ليفسد العمل كما يفسد الخل العسل)، وقد ذكر
منها في بعض الروايات: الصدق والحياء وإغاثة الملهوف والتنفيس عن المكروب.
الثالث: الهموم والأحزان، وقد ذكرتها الروايات كما يلي:
أ- الابتلاء بنقص المال والفقر، وبالخوف من السلطان، وبفقد الولد، وبالأمراض.
عن النبي(صلى الله عليه وآله): (لا يزال البلاء في المؤمن والمؤمنة في جسده وماله
وولده حتّى يلقى الله وما عليه من خطيئة)
عن النبي(صلى الله عليه وآله) أنَّه قال: (إنَّ العبد إذا قارف الذُّنوب ابتليَ بها
بالفقر، فإن كان في ذلك كفارة لذنوبه وإلاَّ ابتليَ بالمرض، فإن كان في ذلك كفارة
لذنوبه وإلاّ ابتلي بالخوف من السلطان يطلبه، فإن كان ذلك كفّارة لذنوبه وإلاَّ ضيق
عليه عند خروج نفسه، حتَّى يلقى الله حين يلقاه وماله من ذنب يدّعيه عليه، فيأمر به
إلى الجنَّة).
ب- المرض: وقد وردت فيه روايات كثيرة:
عن النبيّ(صلى الله عليه وآله) أنَّه قال: (عجبت من المؤمن وجزعه من السقم، ولو
يعلم ما له في السقم من الثواب لأحبَّ أن لا يزال سقيماً حتَّى يلقى ربه عزَّ
وجلَّ).
ج- الأحزان.
عن النبي(صلى الله عليه وآله) أنَّه قال: (إذا كثرت ذنوب المؤمن ولم يكن له من
العمل ما يكفرها ابتلاه الله بالحزن ليكفرها عنه إن داود(عليه السلام) قال: "إلهي
أمرتني أن أطهر وجهي وبدني ورجلي بالماء، فبماذا أطهر لك قلبي؟ قال: بالهموم
والغموم"[16].
الرابع: الحرص على أن يبدأ المؤمن حياته ويختمها بفعل الطاعات، فقد ورد في الحديث
عن الإمام زين العابدين(عليه السلام) أنَّه قال: (إنَّ الملك الموكل على العبد
يكتبُ في صحيفة أعماله، فامْلُو بأولها وآخرها خيراً يُغفر لكم ما بين ذلك).
[1] البقرة، 81.
[2] المجلسي، بحار الأنوار، ج70، ص362.
[3] المطففين، 14.
[4] الحرّ العاملي، وسائل الشيعة (أهل البيت)، ج16، ص46.
[5] الحرّ العاملي، وسائل الشيعة (أهل البيت)، ج16، ص68.
[6] التحريم، 8.
[7] المجلسي، بحار الأنوار، ج6، ص20.
[8] طه، 82.
[9] النساء، 17-18.
[10] المجلسي، بحار الأنوار، ج70، ص340.
[11] هود، 114.
[12] الطلاق، 5.
[13] الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج16، ص104.
[14] م.ن.، ج4، ص103.
[15] م.ن، ج7، ص194.
[16] المجلسي، بحار الأنوار، ج70، ص157.