الهدف:
التعرّف على أهمية حضور القلب في الصلاة وكيفية تحصيلها.
المحاور:
- الصلاة عمود الدين
- شرطية حضور القلب في الصلاة
- في الجسد مضغة
- قيمة الصلاة بحضور القلب
- كيفية تحصيل الخشوع
تصدير:
عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: "إذا أحرمت في الصلاة فأقبل إليها؛ لأنّك إن
أقبلت أقبل الله إليك، وإن أعرضت أعرض الله عنك، فربما لا يرفع من الصلاة إلا ثلثها
أو ربعها أو سدسها بقدر ما أقبل المصلِّي إليها، وإنّ الله لا يُعطي الغافل
شيئاً"[1].
الصلاة عمود الدين:
احتلّت الصلاة المكانة العالية والرفيعة في دين الله حتى جعلها مولانا رسول الله
(صلى الله عليه وآله وسلم) عمود الإسلام، ومن المعلوم أنّ العمود إذا سَقط سقط ما
بُني عليه، وهذا يدلّ دلالة عظيمة على فضل هذا الركن العظيم وعظم شأنه، روى عن رسول
الله (صلى الله عليه وآله وسلم): " يا أبا ذر إنّ الله جعل قرّة عيني في الصلاة،
وحبّبها إليّ، كما حبب إلى الجائع الطعام، وإلى الظمآن الماء، وإنّ الجائع إذا أكل
الطعام شبع، والظمآن إذا شرب الماء روى، وأنا لا أشبع من الصلاة"[2].
شرطية حضور القلب في الصلاة:
من الأمور التي يُبتلى بها الكثير من المؤمنين عدم حضور القلب في الصلاة على رغم
الأهمية الكبرى لهذا الأمر، وأكّد الإمام الخميني (قدّس سرّه) على أهمّية حضور
القلب في الصلاة، بقوله: "ينبغي للمصلّي إحضار قلبه في تمام الصلاة أقوالها
وأفعالها ، فإنّه لا يُحسب للعبد من صلاته إلا ما أقبل عليه ، ومعناه الالتفات
التام إليها وإلى ما يقول فيها ، والتوجّه نحو حضرة المعبود جلّ جلاله ، واستشعار
عظمته وجلال هيبته ، وتفريغ قلبه عمّا عداه[3]".
في الجسد مضغة:
مقامُ الخشوعِ هو القلب، والقلب ملك الأعضاء، كما في الحديث النبويّ المرويّ عن
رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): " ألا وإنَّ في الجسد مضغة؛ إذا صلحت صلح
الجسد كلّه، وإذا فسدَت فسد الجسد كلّه، ألا وهي القلب"[4]، ولأنّ تحقيق الخشوع لله
يُعدّ من موجبات الفلاح يتوجّب على المصلّي أن يكون حاضر القلب عند أداء الصلاة،
فمقام الخشوع في قلبِ العبد، فإذا كان المصلّي حاضر القلب مقبلاً على الله تعالى في
صلاته، خشَع قلبه وخشعَت لله جوارحه، وذلك لا يكون بالفتور وإنّما بالحضور، والحضور
يحتاج من العبد إلى جدٍّ واجتهاد في العمل على أن يكون قلبه طيّباً طاهراً من
الأدناس، فإنّ الأمر كما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): "إذا طاب قلب
المرء طاب جسده، وإذا خبث القلب خبث الجسد"[5].
قيمة الصلاة بحضور القلب:
من المحقّق أنّ قيمة الصلاة بحضور القلب، وليس للمصلّي من صلاته إلا ما أقبل عليها
بقلبه، روي عن رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم): " أنّه قال: "لا يقبل الله
صلاة عبد لا يَحضُر قلبه مع بدنه"[6].
وعن الإمام الصادق(عليه السلام): "لا تجمع الرغبة والرهبة في قلب إلا وجبت له
الجنّة، فإذا صلّيت فأقبل بقلبك على اللّه عزّ وجلّ، فإنّه ليس من عبد مؤمن يُقبل
بقلبه على الله عزّ وجلّ في صلاته ودعائه إلا أقبل اللّه عزّ وجلّ عليه"[7].
وقد تكون الصلاة فارغة تماماً من ذكر وإقبال على اللّه، وليس فيها من الصلاة إلا
الشكل والمظهر وروى أبو ذر الغفاري عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال:
"يا أبا ذر ركعتان مقتصدتان في تفكّر خير من قيام ليلة والقلب ساه (لاه)."[8].
كيفية تحصيل الخشوع:
من أجل تحصيل الخشوع في العبادات ولا سيّما في الصلاة لا بدّ للعابد من سلوك طريق
العلم والإيمان، فإنْ كان الخشوع ناتجاً عن إدراك عظمة العظيم المطلق وهيمنة هذه
العظمة على قلب الإنسان، فإنّ إدراك هذه العظمة لمن هم أمثالنا يتأتّى عن طريق
العلم بها وإيصال هذا العلم إلى القلب لتحقيق الإيمان بها، والحقّ أنّ العلم بمفرده
لا يوجد خشوعاً في القلب، وكلّ فردٍ يُدرك ذلك، فمع كوننا معتقدين بالمبدأ والمعاد،
ومع اعتقادنا بعظمة الله وجلاله وجماله، فإنّنا لا نتذوّق طعم الخشوع في قلوبنا،
وما ذلك إلا لأنّ ما اعتقد به العقل لم يصل إلى القلب، ولم ينطوِ على الإيمان به.
رغم أنّ الله تعالى يقول في كتابه المجيد مادحاً المؤمنين:
﴿قَدْ أَفْلَحَ
الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾[9]، فجعل الخشوع في
الصلاة من حدود الإيمان وعلائمه.
قال إمامنا الصادق (عليه السلام): "فإذا دخلت في صلاتك فعليك بالتخشّع والإقبال على
صلاتك، فإنّ الله عزّ وجلّ يقول:
﴿الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ
خَاشِعُونَ﴾"[10]. لذلك ينصح المصلّي بعدّة أمور، منها:
- العلم والعقائد الحقّة:
على العابد أن يُحصّل الخشوع بنور العلم أي أن يتعرّف إلى العقائد الحقّة المتعلّقة
بالله تعالى وأسمائه وصفاته، والتي توجب الاعتقاد بكونه صاحب العظمة المطلقة التي
لا تُقارن، وتستوجب بالتّالي الاعتقاد بأنّه الوحيد الذي يستحقّ الخضوع، والذي لا
يُمكننا الحضور في محضره إلا، ونحن مغمورون بحالة الخشوع بشكلٍ حتميٍّ وتلقائيٍّ،
على العابد أن يُذكّر القلب على الدوام بالعقائد الحقّة، وبعظمة الله ويعمل بمقتضى
هذه الاعتقادات حتى يؤمن القلب بهذه الحقائق، ويدخل الخشوع شيئاً فشيئاً إلى قلبه.
- ذكر الله والاهتمام والانتباه:
إنّ الاهتمام من عوامل الانتباه والتركيز، وكلّما يكون اهتمام الإنسان بأمرٍ أكثر
يكون انتباهه له أكثر. وبالعكس القضية التي لا تأخذ من اهتمام الإنسان لا ينتبه
إليها الإنسان. ولمّا كانت الدنيا أكثر اهتمامات الناس فإنّها لا محالة تُشغلهم عن
صلاتهم وتصرفهم عنها، فإذا أقبل الإنسان على صلاته يبقى قلبه مشغولاً بما يهمّه من
أمر دنياه، وهذه قضية واضحة، فإنّ الإنسان إذا واجه أمرين وكان اهتمامه إلى أحدهما
أعظم من الآخر انصرف إليه بقلبه، وإن كان مشغولاً بالآخر.
وإنّما ينصرف الناس عن صلاتهم إلى ما يهمّهم من أمور دنياهم لأنّ اهتمامهم بها أعظم
من اهتمامهم بالصلاة. فإذا وعى الإنسان قيمة الصلاة، وما أودع اللّه تعالى في هذه
الرحلة من مباهج ولذّات للعقل والروح، ومن الثواب في الآخرة، ووعى
﴿وَالْآَخِرَةُ
خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾[11]. انقلب الأمر لا محالة، وانصرف إلى صلاته وذكره. ولم تؤثّر
به موانع حضور القلب، وموانع حضور القلب في العبادات هي كلّ ما يستدعي غفلة القلب
عن محضر العبادة ويُذهله عن معاني حركات وأذكار وطقوس العبادات ويسرح به بعيداً عن
الحضور في موعد لقاء المعبود عزّ وجلّ.
إذن تحضير القلب يتمّ بتحويل الاهتمامات، وإذا تمكّن الإنسان أن يُحوّل اهتمامه من
الدنيا ومتاعها إلى اللّه تعالى، وجعل اهتمامه للدنيا تبعاً لمرضاة اللّه تعالى
وأمره ونهيه كانت صلاته إقبالاً على الله، وذكراً للّه وانصرافاً وانقطاعاً إلى
الله تعالى. قال الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) "إنّ اللّه سبحانه جعل الذّكر
جلاء للقلوب"[12] المراد بالذّكر هنا مطلق الذكر من التسبيح والتهليل والتّحميد
والدّعاء والمناجاة وتلاوة الكتاب الكريم ونحوها، فإنّ المداومة عليها باللّسان مع
حضور القلب وتوجّهه إليها توجب صفاء القلب ونوره وجلائه وطهارته ونقائه من ظلمة
الذّنوب ورين المعاصي والغواشي كالمرآة المجلوّة الّتي ليس عليها شيء من الكدر.
- تفريغ القلب:
لا علاج لإحضار القلب إلا بالابتعاد عن الغفلة، وبصرف الهمّة إلى الصلاة قولاً
وفعلاً، والهمّة لا تنصرف إليها ما لم يتبيّن أنّ الغرض المطلوب منوط بها (أهداف
الصلاة)، وذلك هو الإيمان والتصديق بأنّ الآخرة خير وأبقى، وأنّ الصلاة وسيلة
إليها، فإذا أُضيف هذا إلى حقيقة العلم بحقارة الدنيا ومهمّاتها حصل من مجموعها
حضور القلب في الصلاة، وما دام القلب متعلّقاً، ومنغمساً في حبّ الدنيا فالطريق
لإصلاح القلوب مسدودٌ، والسبب في ذلك أنّ القلب يتوجّه إلى محبوبه بمقدار تمكّن
حبّه منه،فإن كانت الدنيا هي محبوبته وقد استحوذت عليه فإنّها تأخذ بشغافه وعنايته
في كافّة حالاته وهنيهاته، وتُشغله بفتنتها، فسيبقى قلب الإنسان مشغولاً بشواغل
الدنيا، وتبقى هذه الشواغل تُلاحقه، وتُطارده، وهو يستسلم لها في صلاته، فالقلب
معلّق بها، وبالتّالي لا يستطيع أن ينصرف إلى ذكر اللّه تعالى، وهذا من سوء الأدب
وتضييع حرمة الصلاة، وهذه الشواغل التي تتعلّق بها أكثر القلوب على نحوين:
شواغل خارجية، وأخرى داخل النفس، والثانية أشقّ من الأولى، أمّا الشواغل الخارجية
فهي ما تُحيط الإنسان وتُشغل باله، وأهمّ من الشواغل الخارجية الشواغل الداخلية في
النفس، وهي الاهتمامات التي تُشغل المصلّي عن صلاته وذكره، وتُشتّت باله، وتُكدّر
صفاء نفسه، وتُرهقه بالطمع والحسد والجشع وطول الأمل، وكلّ ذلك عوامل تُعيق الإنسان
عن صلاته، وتُشغله عنها الشواغل، "فتأسّ بنبيّك الأطيب الأطهر، فإنّ فيه أسوة لمن
تأسّى، وعزاء لمن تعزّى، وأحبّ العباد إلى اللّه المتأسّي بنبيّه، والمقتصّ لأثره.
هكذا نّصح الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) وقال: "ولقد كان (صل) يأكل على
الأرض، ويجلس جلسة العبد، ويخصف بيده نعله، ويرقع بيده ثوبه، ويركب الحمار العاري،
ويردف خلفه..."[13].
جاء عن الإمام الصادق (عليه السلام): "ما خسر والله قطُّ من أتى بحقيقة السجود ولو
كان في عمره مرّة واحدة، وما أفلح من خلا بربّه في مثل ذلك الحال تشبيهاً بمخادع
نفسه، غافلاً لاهياً عمّا أعدّ الله تعالى للساجدين من البشر العاجل، وراحة الآجل،
ولا بَعُدَ عن الله أبداً من أحسن تقرّبه في السجود، ولا قَرُبَ إليه أبداً من أساء
أدبه، وضيّع حرمته بتعليق قلبه بسواه في حال السجود.."[14]،
- اللغو والإعراض عنه مثالاً:
إنّ الاشتغال باللغو والتكلّم به من العوامل الاختياريّة للوقوع في الغفلة
والنسيان. فاللغو يُضعف إرادة الإنسان في المحافظة على القيم الإنسانيّة
والإسلاميّة، ويسلب منه توفيق الذكر وحضور القلب في الصلاة، في حين أنّ حضور القلب
في الصلاة أساس القيم المذكورة.
إنّ الشخص الّذي يُوفَّق إلى حضور القلب الكامل في الصلاة لا يجتنب الذنب فحسب، بل
يجتنب أعمال اللغو كلّها. ولعلّ تقارُن الإعراض عن اللغو مع الخشوع في الصلاة (في
سورة "المؤمنون") إشارة إلى هذه النقطة، قال الله تعالى:
﴿قَدْ أَفْلَحَ
الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ
اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ﴾[15]، وقال عزّ وجلّ:
﴿وَإِذَا مَرُّواْ بِاللَّغْوِ مَرُّوا
كِرام﴾[16]. أي: إذا سمعوا الكلام القبيح أكرموا أنفسهم عن الدخول فيه، واعلم أنّ
اللغو قد يكون كفراً كقوله تعالى:
﴿لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآَنِ وَالْغَوْا
فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ﴾[17]، وقد يكون كذباً لقوله تعالى:
﴿لاَّ تَسْمَعُ
فِيهَا لاَغِيَةً﴾[18]،وفي الحقيقة تحقيق حالة الخشوع وحضور القلب حال التوجّه إلى
الله تعالى تتضمّن النصيحة بالبعد عن كلّ الأفكار السيّئة وتبنّيها، والرذائل
الأخلاقية الناتجة عن تبنّي هذه الأفكار.
[1] السيد البروجردي،
جامع أحاديث الشيعة، ج5، ص36
[2]- الشيخ الطوسي، الأمالي، ص 528
[3] روح الله الموسوي الخميني(قده)،تحرير الوسيلة، ج1، ص 148.
[4]- العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 58 ص 23،
[5]- الشيخ الصدوق، الخصال، ج 1 ص 31،
[6]- العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 81 ص 242.
[7]- الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، ج 1 ص 209.
[8]- العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 74 ص 82.
[9]- سورة المؤمنون، الآيتان 1 - 2.
[10]- ثقة الإسلام الشيخ الكليني، الكافي، ج 3 ص 300.
[11] سورة الأعلى، الآية 17.
[12]- الآمدي التميمي، غرر الحكم و درر الكلم، ص 235 / 197،
[13]- عز الدين بن أبي الحديد المدائني، شرح نهج البلاغة، ج 9، ص 232،
[14]- مصباح الشريعة، ص 91 باب 41
[15]- سورة المؤمنون، الآيات 1 - 3.
[16]- سورة الفرقان، الآية 72.
[17]- سورة فصلت، الآية 26.
[18]- سورة الغاشية، الآية 11.