الهدف:
التعرّف على جانب من فلسفة الحج وقيمه على ضوء رواية الإمام الصادق(عليه السلام)
المحاور:
أهمية فريضة الحج.
فلسفة الحجّ وعلل تشريعه في رواية الإمام الصادق(عليه السلام).
كيف نستعد للحجّ.
البرنامج التربوي للحج.
تصدير (ومطلع الموعظة):
أتى ابن أبي العوجاء إلى الإمام الصادق (عليه السلام)، فجلس إليه في جماعة من
نظرائه، ثمّ قال له: يا أبا عبدالله إنّ المجالس أمانات، ولا بدّ بكلّ من كان به
سؤال أن يسأل، فتأذن لي في الكلام؟ فقال الصادق(عليه السلام) تكلّم بما شئت. فقال:
إلى كم تدوسون هذا البيدر، وتلوذون بهذا الحجر، وتعبدون هذا البيت المرفوع بالطوب
والمدر، وتهرولون حوله هرولة البعير إذا نفر؟ مَن فكّر في هذا أو قدّر علم أنّ هذا
فعل أسّسه غير حكيم ولا ذي نظر، فقل فإنّك رأس هذا الأمر وسنامه وأبوك أُسّه
ونظامه. فقال الإمام الصادق(عليه السلام): «إنّ من أضلّه الله وأعمى قلبه استوخم
الحقّ فلم يستعذبه، وصار الشيطان وليّه يورده مناهل الهلكة ثمّ لا يصدره. وهذا بيتٌ
استعبد الله به خلقه ليختبر طاعتهم في إتيانه، فحثّهم على تعظيمه وزيارته، وقد جعله
محلّ الأنبياء وقبلة للمصلّين له، وهو شعبة من رضوانه، وطريق يؤدّي إلى غفرانه،
منصوب على استواء الكمال، ومجتمع العظمة»[1].
أهمية فريضة الحج :
الحج ركن من أركان الإسلام الخمسة، التي ثبتت أصولها في الكتاب والسنّة، وهو
قصد مكة لأداء عبادة الطواف والسعي والوقوف بعرفة، وسائر المناسك استجابة لأمر الله
وابتغاء مرضاته، وقد أشار القرآن الكريم إلى أهداف هذا التشريع الإلهي المهم بصورة
مُجْمَلَة، قال الله عَزَّ وجَلَّ: {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ
رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا
مَنَافِعَ لَهُمْ...} [سورة الحج: الآية27و28]، وهذه الآية صريحة في اشتمال الحج
على منافع للناس، ولا بد أن هذه المنافع والفوائد تُشكِّل جزءً من فلسفة الحج
وأهدافه المنشودة.وهذه المنافع بعضها عبادية وبعضها تربوية، وأخرى اقتصادية وتربوية
وسياسية واجتماعية ووحدوية.
وتواترت الأخبار حول فضله وأهميته فرُوي عَنْ الإمام الصادق (عليه السلام) أنهُ
قَالَ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ (عليه السلام): "حُجُّوا وَاعْتَمِرُوا
تَصِحَّ أَبْدَانُكُمْ، وَتَتَّسِعْ أَرْزَاقُكُمْ، وَتُكْفَوْنَ مَئُونَاتِ
عِيَالِكُمْ، وَقَالَ: الْحَاجُّ مَغْفُورٌ لَهُ وَمَوْجُوبٌ لَهُ الْجَنَّةُ
وَمُسْتَأْنَفٌ لَهُ الْعَمَلُ، وَمَحْفُوظٌ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ" [الكافي : 4 /
252].
وهو بحكم الجهاد بالنسبة إلى الضعفاء من المسلمين، قال أمير المؤمنين (عليه
السَّلام): "... وَالْحَجُّ جِهَادُ كُلِّ ضَعِيفٍ... "
ورَوَى الإمام الصادق (عليه السلام) عَنْ آبَائِهِ (عليه السلام) قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ (ص): " الْحَجَّةُ ثَوَابُهَا الْجَنَّةُ وَالْعُمْرَةُ كَفَّارَةٌ
لِكُلِّ ذَنْبٍ"[الكافي: 4 / 253].
فلسفة الحجّ وعلل تشريعه في رواية الإمام الصادق(عليه السلام):
1. قوله(عليه السلام): وهذا بيتٌ استعبد الله به خلقه ليختبر طاعتهم في
إتيانه...
الحجّ مظهر من مظاهر مجاهدة الفرد لميوله الشخصية... وطموحاته التي قد تتعارض
والمصالح العامة... فالزيّ الذي يرتديه الحاج بصرف النظر عن مركزه الاجتماعي حيث
يدخل في شكله البسيط ولونه الملائكي في عملية عميقة جذورها عميم نفعها ألا وهي
عملية توحيد فصائل المجتمع، واختبار طاعة العباد في مثل هذه الفريضة الجسدية
والمالية الشاقة على الحجيج من حيث السفر الطويل وشروط المناسك وجغرافيتها من
الأهداف المهمة للحج. وهذا ما نفهمه من رواية الإمام عليّ(عليه السلام) حيث خطب
(عليه السلام) قائلاً: «ألا ترون أنّ الله سبحانه اختبر الأوّلين من لدن آدم (عليه
السلام) إلى الآخرين من هذا العالم بأحجار لا تضرّ ولا تنفع، ولا تبصر ولا تسمع،
فجعلها بيته الحرام الّذي جعله للناس قياماً، ثمّ وضعه بأوعر بقاع الأرض حجراً،
وأقلّ نتائق الدنيا مدراً، وأضيق بطون الأودية قطراً، بين جبال خشنة، ورمال دمثة،
وعيون وشلة، وقرى منقطعة، لا يزكو بها خفّ ولا حافر ولا ظلف...
ولو أراد سبحانه أن يضع بيته الحرام ومشاعره العظام، بين جنات وأنهار، وسهل وقرار
جمّ الأشجار، داني الثمار، ملتف البُنى، متّصل القرى، بين برّة سمراء، وروضة خضراء،
وأرياف محدقة، وعراص مغدقة، وزروع ناضرة، وطرق عامرة، لكان قد صغر قدر الجزاء على
حسب ضعف البلاء.
2. قوله(عليه السلام): فحثّهم على تعظيمه وزيارته
الكعبة هي بيت الله الحرام ، وقبلة المسلمين، جعلها الله سبحانه وتعالى مناراً
للتوحيد ، ورمزا للعبادة، يقول الله تعالى: {جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما
للناس} (المائدة97)، وهي أول بيت وضع للناس من أجل عبادة الله جل وعلا، قال تعالى :
{إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين} ( آل عمران96).
وقد ورد الحث على تعظيم بيت الله والحث على زيارته في العديد من الروايات، التي
تذكر تفاصيل الأجر والثواب التي يستحقّها المؤمن حتى عندما ينظر إلى الكعبة، منها:
- ثواب دخول البيت: عن رسول الله (ص) قال: (من دخل البيت دخل في حسنة، وخرج من سيئة
مغفوراً له)، وعنه(ص) عندما سئل عن دخول الكعبة قال: (الدخول فيها دخول في رحمة
الله، والخروج منها خروج من الذنوب...) الكافي/4، 527
- وأن الحجة ثوابها الجنة: فروي عن الصادق (عَ) عَنْ آبَائِهِ (عليهم السلام)
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله): "الْحَجَّةُ ثَوَابُهَا
الْجَنَّةُ وَالْعُمْرَةُ كَفَّارَةٌ لِكُلِّ ذَنْبٍ" [الكافي: 4 / 253].
-وأن الحاج يعود كيوم ولدته أمه: قَالَ أَبُو عَبْدِ الله (عَ) كَانَ أَبِي
يَقُولُ مَنْ أَمَّ هَذَا الْبَيْتَ حَاجّاً أَوْ مُعْتَمِراً مُبَرَّأً مِنَ
الْكِبْرِ رَجَعَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَهَيْئَةِ يَوْمَ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ ثُمَّ
قَرَأَ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ
فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقى قُلْتُ مَا الْكِبْرُ قَالَ قَالَ رَسُولُ
الله (صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِه) إِنَّ أَعْظَمَ الْكِبْرِ غَمْصُ الْخَلْقِ
وَسَفَهُ الْحَقِّ قُلْتُ مَا غَمْصُ الْخَلْقِ وَسَفَهُ الْحَقِّ قَالَ يَجْهَلُ
الْحَقَّ وَيَطْعُنُ عَلَى أَهْلِهِ وَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ نَازَعَ الله رِدَاءَهُ.
3. قوله (عليه السلام): وهو شعبة من رضوانه، وطريق يؤدّي إلى غفرانه
عن الإمام الرضا(عليه السلام): «علّة الحجّ الوفادة إلى الله تعالى، وطلب
الزيادة، والخروج من كلّ ما اقترف، وليكون تائباً ممّا مضى مستأنفاً لما يستقبل،
وما فيه من استخراج الأموال، وتعب الأبدان، وحظرها عن الشهوات واللّذات...، ومنفعة
في شرق الأرض وغربها، ومن في البرّ والبحر، ممّن يحجّ وممّن لا يحجّ، من تاجر وجالب
وبايع ومشتر وكاتب ومسكين، وقضاء حوائج أهل الأطراف والمواضع الممكن لهم الاجتماع
فيها كذلك ليشهدوا منافع لهم».
- رحمة الله: عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام): قَالَ: (إِنَّ لله تَبَارَكَ
وَتَعَالَى حَوْلَ الْكَعْبَةِ عِشْرِينَ وَمِائَةَ رَحْمَةٍ مِنْهَا سِتُّونَ
لِلطَّائِفِينَ وَأَرْبَعُونَ لِلْمُصَلِّينَ وَعِشْرُونَ لِلنَّاظِرِينَ).
كيف نستعد للحجّ:
الآن وقد ذكرت الحجّ وعقدت العزم على تلبية دعوة اللَّه سبحانه إلى بيته، فإنّ
عليك الأمور التالية:
1- طهِّر أموالك من حقوق الناس عليك، وردّ إلى من تعرف منهم أنّ له عليك حقّاً
ما يستحقّه، فإن لم تكن تعرفه فتصدّق عنه بما في ذمّتك له.
2- ثمّ انظر هل في ذمّتك من حقوق اللَّه شيء (زكاة أو خمساً أو نذراً) فأدِّ حقوق
اللَّه لمستحقّيها قبل أن تزور بيته، وتبتغيمرضاته، وترجو توبتك منه.
3- وابحث عن أفضل الرفاق للسفر، فانتخب أحسنهم خلقاً، وأتمّهم فقهاً، وأتقاهم
عملاً.
4- ثمّ تفقّه في أحكام الحجّ، وما ينبغي على الحاجّ من معرفة حكمة هذه الشريعة
وأهدافها السامية، ومن معرفة فضيلة البيتالحرام، والمسجد النبوي الشريف، وآداب
السفر إليهما...
5- ثمّ اكتب وصيّتك التي جاء في الأثر أنّها تطيل العمر، وهي علامة التسليم لأمر
اللَّه، والالتزام بحدود اللَّه سبحانه.
6- وودّع ذوي الأرحام والأصدقاء، طالباً منهم إبراء ذمّتك ممّا قد يكون عليك من
حقوقهم التي تساهلت فيها، فإنّك إن شاء اللَّهسوف تذهب إلى بيت الطهارة والرحمة.
7- واعقد العزم على إصلاح نفسك والتوكلّ على اللَّه في بناء حياة جديدة بعد العود
من الحجّ.. حياة الإيمان والنشاط والسعادة.
البرنامج التربوي للحج:
وقد وضع الإمام الصادق (عليه السلام) برنامجا تربويّاً عملياً لكل من يريد الحج
في حديثه عن فلسفة الحج وقيمه:
حيث قال (عليه السلام):
- إذا أردت الحجّ فجرّد قلبك للَّه عزّ وجلّ من قبل عزمك من كلّ شاغل، وحُجب كلّ
حاجب.
- وفوّض أمورك كُلّها إلى خالقك...
- وودّع الدنيا والراحة والخَلق.
- واخرج من حقوق تلزمك من جهة المخلوقين.
- واستعدّ استعداد من لا يرجو الرجوع.
- وراع أوقات فرائض اللَّه وسنن (ص) وما يجب عليه من الأدب والاحتمال والصبر والشكر
والشفقة والسخاء، وإيثاراً لزاد على دوام الأوقات.
- ثمّ اغتسل بماء التوبة الخالصة من الذنوب، والبس كسوة الصدق والصفاء والخضوع
والخشوع.
- واحرِم عن كلّ شيء يمنعك عن ذكر اللَّه عزّ وجلّ، ويحجبك عن طاعته.
- وطُف بقلبك مع الملائكة حول العرش كطوافك مع المسلمين بنفسك حول البيت.
- واعترف بالخطاء بعرفات، وجدّد عهدك عند اللَّه تعالى بوحدانيّته.
- وارم الشهوات والخساسة والدناءة والأفعال الذميمة عند رمي الجمرات.
- واحلق العيوب الظاهرة والباطنة بحلق شعرك (رأسك).
- واستلم الحجر رضىً بقسمته وخضوعاً لعظمته، وودّع ما سواه بطواف الوداع.
خاتمة:
روي عن الإمام الصادق (عليه السلام): "الْحُجَّاجُ يَصْدُرُونَ عَلَى
ثَلَاثَةِ أَصْنَافٍ: صِنْفٌ يُعْتَقُ مِنَ النَّارِ، وَصِنْفٌ يَخْرُجُ مِنْ
ذُنُوبِهِ كَهَيْئَةِ يَوْمَ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ، وَصِنْفٌ يُحْفَظُ فِي أَهْلِهِ
وَمَالِهِ، فَذَاكَ أَدْنَى مَا يَرْجِعُ بِهِ الْحَاجُّ" [الكافي: 4 / 253].
[1] أمالي الصدوق: 493/4، التوحيد 253/4.