تصدير الموضوع:
قال الامام الجواد عليه السلام: "ثلاثُ خِصالٍ تجلُبُ فيهنّ المودّة: الإنصاف في
المُعاشرة, والمواساة في الشِدَّة,والانطواء على قلبٍ سليم"[1]
أهميّة التودّد:
انّ من الملاحظ في السيرة الاجتماعية لبني آدم والتي تبدأ معهم منذ اوائل ايام
الطفولة, تلك الرغبة وذلك الحِرص على الحصول على محبةِ ومودّةِ من يُحيطون بهم من
أهلٍ واقاربَ ومن يعاشرون, بل إننا يمكن أن نقول:إنّ من دواعي وبواعث الميل
الاجتماعي,والبُعد الاجتماعي لدى البشر ذلك الميلُ الذي يكاد يكونُ جبليّاً لنيلِ
المحبة من الآخرين, وفعل الانسان لِمَا يُوجب له المودة من الاخرين المسمّى
بالتودّد .
وهو من المفاهيم الاخلاقية التي ركّزت عليها النصوص الشرعية لانها تشكّل مفتاحاً
رئيساً لاستقامة العلاقات داخل المجتمعات واستقرار وأمن هذه المجتمعات ولا ندّعي
غريباً من القول إنْ قلنا انّ للتودد مكانةً مركزيةً في منظومة المفاهيم الاجتماعية
للإسلام, وهو من الأُسُس العمليّة والاخلاقية, التي يرى الاسلام ضرورة بناء
الاجتماع الانساني السليم على أساسه, لانه يُساهم في جَعْل النّاس اقربَ الى بعضهم
وأقدر على معايشة بعضهم البعض وأكثر استعداداً للتعاون, بل أكثر تعاوناً بروحٍ
إيجابيّة, اذ يُؤسّس التوددُ للمواساة والمشاركة والإعانة والإغاثة والتضامن
والتكافل وغيرها من الأخلاق ذات البُعد الإجتماعي, ويكفي في كون هذه الخلّة حسنة
أنْ يكونَ اللهُ جعلَها إسماً له في ما ورد من كتابه الكريم " وهو الغفور الودود"
وما نقله تعالى في القرآن في وصف انبيائه له"إنّ ربّي رحيمٌ ودود".
التودّد في الروايات:
اذا رجعنا الى النصوص نرى أهميّة التودّد فيما يلي:
1 - نصفُ الدين: عن رسول الله(ص) :"التودّد نصفُ الدين"[2]
2- نصفُ العقل بل رأسُهُ عنه(ص): "التودّد نِصفُ العقل"[3]
وفي آخر عنه (ص) : "رأس العقل بعد الايمان التودّد الى الناس"[4]
وفي حديث آخر : رأس العقل بعد الايمان بالله عزّوجلّ التحبّب الى النّاس[5].
المودةُ ميزان القرابة والقُرب:
عن الامام علي (ع): "المودّة إحدىَ القَرابتين"[6]
وعنه(ع): "المودّة نَسَبٌ مُستفاد"[7]
وكذلك عنه: "المودة أشبك الأنساب والعلم أشرف الاحساب"[8]
وعن رسول الله (ص): "القريب من قرَّبته المودّة وإن بَعُدَ نَسَبُهُ ,. والبعيد من
باعدته المودّة وإن قَرُبَ نَسَبُهُ"[9]
وفي وصيّة الامام علي عليه السلام لولده الامام الحسن عليه السلام:"الغريبُ من لم
يكن له حبيب"[10]
مع وصيّة الامام الجواد عليه السلام:
انّ هذه الوصية من الامام الجواد عليه السلام تكمل ما بدأته النصوص عن آبائه
وأجداده بالإفصاح عمّا يَستجلب المودّة على انه لا بدّ من الإشارة الى أمرٍ أكدت
عليه الروايات وهو ان يعمل المؤمن على كسب المودة من الآخرين والحصول على محبة
قلوبهم لِمَا في ذلك من آثارٍ في الدنيا والدين, فإنّ المودّة مفتاح القلوب لتكونَ
جاهزةً للتأثر بمن تُحب وانّ أقصرّ طريقٍ لإصلاج النفوس هو باب القلوب, وهذا ما جاء
في وصيّة رسول الله(ص) فعن أبي بصير عن أبي جعفر (ع) قال:إنّ إعرابيّاً من بني تميم
أتى النبّي(ص) فقال له: أوصني,.فكان مما أوصاه:"تحبّب الى النّاس يُحبوك"[11].
كيف نتودّد الى الناس؟:
ذكرَ الامام الجواد عليه السلام ثلاثةَ أمورٍ للحصول على مودة النّاس إلا انّ
ذلك لا يعني أنّها حَصراً موجبات المودّة والمحبة وهذه الأمور التي أوردتها وصيته
عليه السلام
1 - الإنصاف في المُعاشرة:
لا شكّ انّه اذا ما اراد الانسان ان يُحبّه النّاس فأول وصفة لذلك اجتماعياً هي
حُسن العشرة وحُسن المعاملة بمعنى أن يتعامل مع النّاس بالطرق المناسبة فيراعي
المَقامات والعادات ولا يأتي بالمنفّرات ويراعي كذلك آداب الخِطاب وآداب المجالس,
ومن أهمّ ذلك مراعاة مشاعر النّاس فلا يضحك في مجلسِ حُزنٍ, ولا يَلهو في مجلسِ
جَدّ وأن يكونَ حَريصاً على رضا الآخرين ضمن الحدود التي شرّعها الله تعالى
ولعل الرواية عن الامام الجواد(ع) بقوله:الإنصاف في المعاشرة أي إنصافُ الإنسان في
عِشرته بأن يعطيه حقّه بالخطاب والمناداة والاداب الأخرى, فلا يناديه باسمه ان كان
له كنية, ولا يخاطبه إن كان شيخاً كما يخاطب صغار السنّ والشباب.ومن أهم مصاديق ذلك
عدم التلبس بما ينفر الناس من غريب الفعل والقول والصفة فعن أمير المؤمنين (ع)
:"رحم الله عبداً اجترَّ مودة الناس الى نفسه,حدثوهم بما يعرفون واستروا عنهم ما
ينكرون".[12]
2- المُواساة في الشدّة:
ومعنى ذلك انّه في الظروف التي يعيش فيها النّاس الشدّة سواء كان ذلك على
الصعيد الأمني أو الإقتصادي أو غير ذلك على من يريد مودة الناس ان يبدي حِرصَه على
الآخرين كما يحرص على نفسه وذوي قرابته, فان كانت الشدّة في المال يواسيه بماله,
وان كانت الشدّة في غير المال بذل ما يجعله شريكاً في تحمّل أعباء الأزمات ولذا نرى
أنّ أمير المؤمنين عليه السلام في وصيته لإبنه محمد بن الحنفيه يقول:" ألزم نفسَك
التودّد, وصبِّر على موؤنات النّاس نفَسك, وابذل لصديقك نفسَك ومالكَ, ولمعرفتك
رفدك ومحضرك, وللعامة بشرك و محبتك, ولعدوك عدلك وانصافك, واضنن بدينك وعرضك عن كل
احد فانه اسلم لدينك ودنياك"[13]
3- صدق المحبّة:
وقد عبّر الامام الجواد (ع) عن ذلك بقوله: والإنطواء على قلبٍ سليم" وترجمة ذلك
ان يكون طالب محبّة ومودّة الاخرين صادقاً في محبته ومودته لهم فضلاً عن تنظيف قلبه
من كل ضغينة وحقدٍ فكيف يمكن لمن يرجو محبة الناس ويرغب في خطب ودِّهم ان يكونَ
حاملاً في قلبه ما يثقله من حقدٍ وضغينة, وذلك لان للقلوب لغةً تتخاطب بها وتتناقل
عبرها المشاعر والاحاسيس وهذه اللغة أصدق من أيّ لسان وأنبأُ من أيّ بيان.فإن لا
تستطيع أن تكون نقي القلب من كل ما يلوث العلاقات بين الناس فلا تطمعن في ان يؤثر
عملك او قولك في جلب محبة احد الا المغفلين.
خاتمة:
على كل مؤمن ان لا يزهد بطلب محبة النّاس وايجاب المودة له في نفوسهم ولكن أول
وسيلة واسرع طريقة وأوثقها نتيجة هي أن نحبَّ الناس حتى يسهلَ علينا فعل ما يوجب
محبتهم.وأن نصدقهم الحب ونخلص فيه فإن ذلك اقوى أثراً في النفوس وأرسخ مكاناً في
القلوب.
[1] ميزان الحكمة
[2] مستدرك سفينة النجاة
[3] الوافي
[4] وسائل الشيعة
[5] الخصال
[6] ميزان الحكمة
[7] عيون الحكم والمواعظ
[8] الارشاد
[9]الكافي
[10] في ظلال نهج البلاغة
[11] منهاج الصالحين
[12] القواعد الفقهية
[13] الخصال