الغدير... عيد الإمامة
تصدير:
في الكافي لثقة الاسلام الكليني .. عن أبي عبداللّه (عليه السلام) قال: قلت: جعلت
فداك، للمسلمين عيد غير العيدين؟ قال: نعم ياحسن، أعظمهما وأشرفهما، قلت: وأي يوم
هو؟ قال: يوم نصب أمير المومنين (عليه السلام) علماً للناس. قلت: جعلت فداك وما
ينبغي لنا ان نصنع فيه؟ قال: تصوم يا حسن، وتكثر الصلاة على محمد وآله، وتبرأ الى
اللّه ممن ظلمهم، فإن الأنبياء صلوات اللّه عليهم كانت تأمر الاوصياء باليوم الذي
كان يقام فيه الوصي أن يتخذ عيدا، قال: قلت: فما لمن صامه؟ قال: صيام ستين شهراً.
مدخل:
يقول الشيخ عباس القمي في مفاتيح الجنان : يوم عيد الغدير وهو عيد الله
الاكبر وعيد آل محمّد (عليه السلام)، وهو أعظم الاعياد ما بعث الله تعالى نبيّاً
الّا وهو يعيد هذا اليوم ويحفظ حُرمته، واسم هذا اليوم في السّماء يوم العهد
المعهود، واسمه في الأرض يوم الميثاق المأخوذ والجمع المشهود. قال الراوي: وما
ينبغي لنا أن نفعل في ذلك اليوم؟ قال: الصّيام والعبادة والذّكر لمحمّد وآل محمّد
(عليه السلام) والصّلاة عليهم، وأوصى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) امير
المؤمنين (عليه السلام) أن يتّخذ ذلك اليوم عيداً وكذلك كانت الانبياء تفعل، كانوا
يوصون أوصياءهم بذلك فيتّخذونه عيداً
غدير خم.. الجغرافيا والتاريخ:
في منتصف الطريق بين مكة المكرمة والمدينة المنورة وبالقرب من الجحفة
تقع منطقة ((غدير خم)) على طريق القوافل، مرّ بها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)
في هجرته التاريخية وتوقّف عندها لدى عودته من حجة الوداع في 18 ذي الحجة الحرام
سنة 10هـ.
فاذا أردنا أن ندخل في الجو التاريخي الذي أسفر عن توقّف النبي (صلى الله عليه وآله
وسلم) في الجحفة بالتحديد في ((غديرخم)) فسنجد أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)
قد أدّى مراسم الحج في السنة العاشرة للهجرة ونوّه إلى أنّ هذه الحجة ستكون الأخيرة
وأنه يوشك أن يدعى فيجيب.
وتاريخياً لا توجد حادثة إسلامية ترقى في تواترها إلى واقعة غدير خم بل إنها شغلت
مساحة واسعة من اهتمام علماء الإسلام من كافة الاتجاهات والاختصاصات.
وبالرغم من قساوة الظروف التي عصفت بالأمة الاسلامية بعد رحيل النبي (صلى الله عليه
وآله وسلم) وما واجهه أهل البيت وخاصة الامام علي(عليه السلام) من ابتلاءات وفتن
فقد قدّر اللّه سبحانه لحديث الغدير أن يبقى وينتشر مثل كلمة طيبة أصلها ثابت
وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها.
وفي مكة ألقى (صلى الله عليه وآله وسلم) خطابا ارشادياً وتبليغياً اشار فيه إلى
نقاط غاية في الأهمية تعد في الحقيقة إعلاناً انسانيًا وأخلاقياً كبيراً ختم بتحذير
جاء فيه: (فلا ترجعوا بعدي كفّاراً يضرب بعضكم أعناق بعض). وقوله (صلى الله عليه
وآله وسلم): (إني تارك فيكم الثقلين: كتاب اللّه وعترتي أهل بيتي، وأنهما لن
يفترقا حتى يردا عليّ الحوض، وإنكم لن تضلوا ما اتبعتموهما واستمسكتم بهما).
النداء الإلهي:
وتغادر قوافل الحجيج مكة حتى اذا وصلت منطقة الجحفة حيث مفترق طرق
القوافل هبط جبريل يحمل بلاغ السماء في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ
بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ
رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ
الْكَافِرِينَ)[1].
ومن خلال لهجة الخطاب القرآني الكريم التي اتخذت شكل الإنذار نكتشف خطورة البلاغ
الذي يتوجب على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) اعلانه للامة، هنالك دعا النبي
(صلى الله عليه وآله وسلم) الى رد من تقدّم من القوافل وحبس من تأخّر منها، وخطوة
كهذه لا يمكن تفسيرها بأمر عادي خاصة في ظروف مناخية بالغة القسوة فقد كان يوما
صائفا شديد الحر...
صلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في تلك الظروف ثم قام خطيباً ثم أخذ بيد
الإمام علي (عليه السلام) ليرفعها عالياً ويهتف في تلك الحشود التي ناهزت مئة ألف
أو يزيدون قائلاً: (من كنت مولاه فهذا علي مولاه (قالها أربع مرات) اللهم وال من
والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره واخذل من خذله وادر الحق معه حيث دار..ألا
فليبلغ الشاهد الغائب)
وبعد ادائه هذه الرسالة هبط الوحي بالآية الكريمة في قوله تعالى: (الْيَوْمَ
أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ
الإِسْلاَمَ دِيناً)[2].
بخ بخ لك يا علي:
الذي حدث بعد ذلك أن كبار الصحابة بادروا إلى تقديم التهاني إلى الامام،
وكان في الطليعة منهم أبوبكر وعمر، واشتهرت في المصادر التاريخية كلمات عمر التي
يقول فيها: ((بخ بخ لك يا علي أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة.
الغدير.. عيد إسلامي أصيل:
ان عيد الغدير عيد اسلامي اصيل لا يقل اهمية عن عيدي الفطر والاضحى
المباركين اذا لم يفقهما جلالا، ذلك انه اقترن باكتمال الاسلام واتمام النعمة على
المسلمين، وإنه ليس صلة هذا العيد بالشيعة فحسب، وان كانت لهم به علاقة خاصة،
وإنما اشترك معهم في التعيد به غيرهم من فرق المسلمين فقد عده البيروني في الآثار
الباقية عن القرون الخالية (ص 334) مما استعمله أهل الاسلام من الاعياد، وفي مطالب
السؤول لابن طلحة الشافعي (ص 53): يوم غدير خم ذكره أميرالمومنين (عليه السلام) في
شعره، وصار ذلك اليوم عيداً وموسماً، لكونه كان وقتاً خصّه رسول اللّه (صلى الله
عليه وآله وسلم) بهذه المنزلة العلية، وشرفه بها دون الناس كلهم.
وكل معنى أمكن اثباته مما دل عليه لفظ المولى لرسول اللّه (صلى الله عليه وآله
وسلم) فقد جعله لعلي، وهي مرتبة سامية، ومنزلة سامقة، ودرجة علية، ومكانة رفيعة،
خصّصه بها دون غيره، فلهذا صار ذلك اليوم يوم عيد وموسم سرور لأوليائه.
ولهذا فإن كل المسلمين يوالون أمير المومنين علياً شرع سواء في ذلك من يواليه بما
هو خليفة الرسول بلا فصل، ومن يراه رابع الخلفاء، فلن تجد في المسلمين من ينصب له
العداء، الا شذاذاً من الخوارج مرقوا عن الدين الحنيف.
الغدير يوم الولاية والمسؤولية:
لا شك بأن المعنى الحقيقي للولاية يتجلّى بالطاعة والعمل والالتزام
بالتكليف، فلا مكان لمن عصى الله تعالى وخالف أحكامه بين الموالين لعلي (عليه
السلام)، وإن تظاهروا بذلك أو ردّدوه...
قال الراغب في «المفردات» في مادّة وَلْيّ، اَلْوَلاَءُ والتَّوالي أَنْ
يَحْصُلَ شَيئانِ فَصَاعِداً حُصُولاً لَيْسَ بَيْنَهُمَا مَا لَيْسَ مِنْهُمَا.
أي: لا حجاب، ولا مانع، ولا فصل، ولاافتراق، ولاغيريّة، ولابينونة بينهما
بحيث لو فرضنا وجود شيء بينهما فهو منهما؛ لامن غيرهما... والطالب والمطلوب
حين ينعدم أيّ انفصال بينهما بأيّ وجه من الوجوه: ولاية ..
وقال العلاّمة الطباطبائيّ في رسالة «اَلوِلاَيَة» وفي تفسير «الميزان»:
الْوَلاَية هِيَ الْكَمالُ الاْخيرُ الْحَقِيقِيُّ لِلإنْسَانِ وَإنَّهَا
الْغَرَضُ الاْخِيرُ مِنْ تَشْرِيعِ الشَّرِيعَةِ الْحَقَّةِ الإلَهيَّةِ.
- شيعتنا من أطاع الله: ومن الثابت عندنا أنّ ولاية النبيّ (صلى الله عليه وآله
وسلم) وأهل بيته فريضـة ثابتة من الله تعالى على عباده؛ بمعنى متابعتهم والائتمام
بهم، وأنّها شرط في صحّة الأعمال وقبولها وتصرّح النصوص بأنّ ولاية أهل البيت
(عليه السلام) لا تتحقّق إلاّ بطاعة الله، ولا تُنال إلاّ بالورع عن محارم الله،
وإنّ المطيع لله هو الوليّ لهم، والعاصي لله ليس لهم بوليّ.
ورد عن أبي جعفر(عليه السلام)، قال: (لا تذهب بكم المذاهب، فوالله ما شيعتنا إلاّ
من أطاع الله عزّ وجل)، وعنه في حديث طويل، قال فيه: «يا جابر! والله ما نتقرّب إلى
الله تبارك وتعالى إلاّ بالطاعة، وما معنا براءة من النار، ولا على الله لأحد من
حجّة، من كان لله مطيعاً فهو لنا وليّ، ومن كان لله عاصياً فهو لنا عدوّ، وما تُنال
ولايتنا إلاّ بالعمل والورع».
وعنه (عليه السلام): «والله ما معنا من الله براءة، ولا بيننا وبين الله قرابة، ولا
لنا على الله حجّة، ولا نتقرّب إلى الله إلاّ بالطاعة، فمن كان منكم مطيعاً لله
تنفعه ولايتنا، ومن كان منكم عاصياً لله لم تنفعه ولايتنا، وَيْحَكم لا تغترّوا!
وَيحكم لا تغترّوا!»[3].
وقد أشار الامام الخميني الى أن الغدير لا يمكن ان يحصر فى زمان خاص بل يجب ان
يستمر الغدير فى جميع العصور والازمان . (صحيفة النور ج 20، ص 27 و .28)، وفي هذا
اشارة واضحة الى الجانب العملي الملازم لولاية أمير المؤمنين والذي لا يتحقق الا
بطاعة الله تعالى ،فان احياء عيد الغدير لايتم عن طريق اقامة الاحتفالات و إلقاء
القصائد و المدح و الثناء على على (عليه السلام) فقط، ان هذه الامور حسنة و جيدة و
لكنها ليست هى اساس المسألة ان المهم فى إحياء عيد الغدير هو ان نعرف كيفية
الاقتداء بأمير المؤمنين (عليه السلام). (نفس المصدر)
يناديهم يوم الغدير نبيّهم:
قام حسان بن ثابت يوم الغدير واستأذن من الرسول (صلى الله عليه وآله
وسلم) أن يقول في ما سمع من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في هذا الموقف حول
الإمام علي (عليه السلام)، فقال الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم): "قل على
بركة الله"، فقام حسان وأنشد قائلاً:
ينـاديهـم يـوم الغـديـر نبـيـُّهـم بخـمٍّ وأسـمع بالـرســول
مـنـاديـاً
فقال فـمـن مولاکم ونبيّكم فـقـالوا و لم يبـدوا هـناك التعاميا
إلهك مـولانـا و أنت نبيّنا ولم تلق منا في الولاية عاصياً
فـقـال له قـم يا عــلـي فإنني رضيتك من بعدي إماماً و هادياً
فمن كنت مولاه فهذا وليّه فكونا له أتباع صدق موالياً
هناك دعا اللهم والِ وليّه كن للذي عادى عليّاً معادياً[4]
[1] المائدة، 67.
[2] المائدة،3.
[3] اليقين لابن طاووس: ص 50 و 55 و 88..
[4] الغدير في الكتاب والسنة، العلامة الأميني، ج2، ص65