الهدف:
التعرّف على فضل إحياء ذكرى الحسين(ع)، وأبعادها العبادية والتربوية.
المحاور:
- محرّم شهر الحزن والمصائب
- كيف نستعد لاستقبال محرّم
- الأبعاد التربوية لإقامة مراسم عاشوراء
- وصايا تربوية للمشاركين في مجالس العزاء
تصدير:
روي عن الإمام الرضا (ع) لريّان بن شبيب في حديث طويل: ((يا ابن شبيب إن
كنت باكياً لشيء فابك للحسين بن علي بن أبي طالب فإنه ذبح كما ذبح الكبش ..))(بحار
الأنوار313:44). وفي حديث آخر : ((... فعلى مثل الحسين عليه السلام فليبك الباكون.
فإن البكاء عليه يحطّ الذنوب العظام)) (بحار الأنوار283:44).
1- محرّم شهر الحزن والمصائب:
محرم اسم الشهر الأول من السنة الهجرية، وسمي هذا الشهر محرّماً لأن أهل
الجاهليّة كانوا يحرمون الحرب فيه أيام الجاهلية، وقد جعل أول يوم منه بداية السنة
الهجرية لكن بني أمية لم يحفظوا لهذا الشهر حرمته فأراقوا دم سيّد الشهداء وأهل
بيته من بني هاشم، وأصحابه الخلّص، وإلى هذا أشار الإمام الرضا (ع)بقوله: >إن
المحرم شهر كان أهل الجاهلية يحرّمون القتال فيه، فاستحلّت فيه دماؤنا وهتكت فيه
حرمتنا، وسبيت فيه ذرارينا ونساؤنا، وأضرمت النيران في مضاربنا، وانتهب ما فيها من
ثقلنا، ولم يترك لرسول الله(ص) حرمة في أمرنا"(المناقب لابن شهر آشوب 86:4).
قال السيد الحميري: في حرام من الشهور أحلّت حرمة الله والحرام حـرام
2- كيف نستعد لاستقبال محرّم:
يستعدّ الموالون والمحبّون في أقطار العالم لاستقبال هذا الشهر الحزين
بمصيبة الحسين وزينب وبقية الأهل والأصحاب، انسجاماً مع الحديث الوارد عن رسول الله
(ص): ((إنّ لقتل الحسين حرارة في قلوب المؤمنين لا تبرد أبدا..))(جامع أحاديث
الشيعة 556:12). ويتجلّى ذلك في العديد من المظاهر مثل:
أ- إقامة المآتم وإظهار الحزن على الحسين (ع):
ورد عن الإمامِ الرضا (ع): "كان أبي عليه السلام إذا دخلَ شهرُ محرَّم
لا يُرى ضاحكاً، وكانت الكآبة تغلبُ عليه حتى تمضي عشرةُ أيامٍ، فإذا كان يومُ
العاشر ِكان ذلك اليومُ يومَ مصيبتِه وحزنهِ وبكائهِ"
وقد ورد بشأن إقامة المآتم على الحسين العديد من الروايات والإشارات، منها ما أورده
العلامة المجلسي في البحار: "وأقيمت عليك المآتم في أعلى عليين"(بحار الأنوار
241:98و323). ولما بلغ أم سلمة نبأ مقتل الحسين ونظرت إلى التراب الذي عندها في
القارورة ووجدته قد تحوّل إلى دم عبيط، جعلت ذلك اليوم يوم مأتم على الحسين عليه
السلام(بحار الأنوار:231).
وروي عن الامام الصادق (ع) أن زوجة الحسين عليه السلام أقامت بعد مقتله مأتماً
عليه، وكانت تأخذ السويق لتتقوى به على البكاء(بحار الأنوار:170، الكافي 266:1).
ب- تهيئة النفوس للبكاء والتباكي على الحسين(ع):
للبكاء على مصيبة أبي عبد الله ثواب كبير، وقد بكى الملائكة والأنبياء،
والأرض، والسماء، والحيوانات، والصحراء، والبحر على تلك المصيبة(بحار
الأنوار220:45و ما بعدها ، سفينة البحار 97:1).
عن الإمام الصادق عليه السلام: ((من ذُكرنا عنده ففاضت عيناه ولو مثل جناح الذباب
غفر الله له ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر))(وسائل الشيعة 391:10).
وعن الإمام الحسين عليه السلام (( أنا قتيل العبرة لا يذكرني مؤمن إلا بكى))(بحار
الأنوار:279)، وبكى الإمام السجاد (ع) على الإمام الحسين عليه السلام عشرين سنة،
ولم يوضع بين يديه طعام إلاّ وبكى(بحار الأنوار108:46).
وعن الإمام الصادق (ع): ((كل الجزع والبكاء مكروه سوى الجزع والبكاء على الحسين))
(بحار الأنوار 313:45).
وقال الإمام الخميني: ((إن البكاء على الشهيد إحياء للثورة، وإحياء لمفهوم أن فئة
قليلة تقف بوجه إمبراطور كبير... إنهم يخشون هذا البكاء، لأن البكاء على المظلوم
صرخة بوجه الظالم)) و«لترتفع راياتُ عاشوراء المدمَّاة أكثرَ فأكثر معلنةً حلول يوم
انتقام المظلوم من الظالم». (صحيفة النور31:10).
ج- تعزية المؤمنين:
فعن الإمام أبي جعفرٍ (ع): ...... ثم ليندبِ الحسين ويبكِهِ، ويأمرُ
مَنْ في دارِهِ ممّن لا يتقيه بالبكاءِ عليه...، وليُعَزِّ بعضُهم بعضاً بمصابِهِم
بالحسينِ عليه السلام، قلتُ: وكيفَ يُعزّي بعضُنا بعضاً؟ قال: تقول: عظَّمَ الله
أجورَنا بمصابِنا بالحسينِ عليه السلام، وجعلنا من الطالبين بثأرِه مع وليِّه
الإمام المهدي (عج) من آلِ محمد "وتعزيةُ المؤمنين بعضُهم البعض بمصابِ الإمام
الحسين (ع) فيها صورةٌ من صورِ التبليغِ عن رسالةِ شهرِ محرَّم الذي عبّر عنه
الإمامُ الخميني (قده) بأنه شهرُ انتصارِ الدمِ على السيفِ، شهرٌ تمّكن فيه الحقُ
من دحضِ الباطلِ ودمغِ جبهةِ الظالمين والحكوماتِ الشيطانية بختمِ البُطلان. شهرٌ
علَّم الأجيالَ ـ على مرِّ التاريخ ـ طريقَ الانتصار على الرماحِ، شهرٌ سُجلتْ فيه
هزيمةُ القوى الكبرى أمامَ كلمة الحق. شهرٌ علَّمنا فيه إمامُ المسلمين طريقَ
مواجهةِ الظالمين على مدى التاريخ».
د- الاستعداد للّطم وإنشاد الشعرِ الحسيني واستماعِهِ:
فعنِ الإمام الصادق(ع) "من أنشدَ في الحسين (ع) بيتاً من الشعرِ فبكى
وأبكى عشرة فلهُ ولهم الجنة" . وجرت العادة أن يكون الإنشاد للشعر الحسيني واستماعه
في مجالس عاشوراء التي دعا الإمام الخميني (قده) إلى تفعيلها بقوله: "فلتقم مجالس
ذكرى سيد المظلومين والأحرار بجلال أكثر وحضور أكثر فهي مجالس غلبة قوى العقل على
الجهل والعدل على الظلم والأمانة على الخيانة، وحكومة الإسلام على حكومة الطاغوت».
3. الأبعاد التربوية لإقامة مراسم عاشوراء
قامت هذه المراسم والمآتم المباركة، منذ القديم، بدورٍ فعّالٍ في تبلور
العقائد الدينيّة والفضائل الخلقيّة والمناقب الإنسانيّة، وساهمت في صيانة المجتمع
وتربية الأفراد، وساهمت ذكرى عاشوراء في تعريف الناس بمقام أئمّة المسلمين، وفضح
جنايات الظالمين وجرائمهم. وفيما يلي نشير إلى جملةٍ من الآثار والفوائد التي
تترتّب على هذه المراسم:
أ. إقامة العزاء الحسينيّ إحياء للشعائر الإلهيّة وتجلٍّ كامل للتولّي والتبرّي:فلم
يكن الهدف الذي أصرّ لأجله أئمّة أهل البيت عليهم السلام كلّ هذا الإصرار على إحياء
المراسم التي يُذكر فيها صمود وتضحيات الإمام الحسين عليه السلام، المحامي عن
الحقّ، سوى إحياء أهدافه السامية، وإيصال صوت مظلوميّة آل عليٍّ عليه السلام إلى
مسامع البشريّة جمعاء، وفي هذا السياق، فإنّ الأمّة التي لا تقف وقفة تبجيلٍ وإجلال
عند تضحيات العظماء من رجالاتها فهي - لا محالة - أمّة محكومة بالزوال والفناء.
ب. وتعدّ إقامة المآتم ومجالس العزاء الحسينيّ
من أفضل الوسائل التي يمكن الاعتماد عليها في تبليغ المعارف الإسلاميّة وأحكام الله
تعالى، وفي صيانة الدّين من الانحراف، وحفظه من هجمات الأعداء وغدرهم، نظراً لما
تتمتّع به هذه المآتم والمجالس من جاذبيّة شكليّة ومضمونيّة. كما تشكّل هذه المراسم
أيضاً حركةً تبليغيّة نافعةً ومفيدة في العديد من المجالات، ولا سيّما في مواجهة
الأفكار الباطلة التي تحاول التيّارات العلمانيّة أن تضخّها أو التي يعدّها
الاستكبار العالميّ وأدواته لتقف في مقابل الإسلام.
ج. الالتفات إلى أنّ كلّ ما لدينا فهو من بركات
وجود الإمام الحسين عليه السلام, لأنّ تضحيته وإيثاره وشهادته المباركة هي التي
حفظت لنا أحكام الإسلام حيّةً باقية إلى يوم القيامة. كما أنّ تذكّر مفردات
ومكوّنات النهضة الحسينيّة يشكّل واحداً من أقوى الدوافع التي تبعث على توسيع
وتفعيل دائرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعلى إشعال فتيل الثورات الدامية
على الظلم والظالمين. وفي ذلك يقول الإمام القائد دام ظله: "إنّ هذه المواكب
الحسينيّة التي تتحرّك وتنشط في الأيّام العشرة الأُولى من شهر محرّم في كلّ عام هي
كماء المطر الذي يجري على الأرض فيطهّرها وينظّفها ويزيل كافّة الأوساخ والأقذار
منها، وهكذا تلك المواكب، فهي تطهّر بيئتنا الاجتماعيّة من كلّ الوساوس والشبهات
والتلقينات الفاسدة التي يبثّها الأعداء، وتضفي عليها روحاً جديدة عابقةً بالعشق
والإيمان الإلهيّ.
د. الالتفات إلى أن الحزن والبكاء عند ذكر المصيبة،
وهما من أفضل أعمال العزاء، فإنّ هذين الحزن والبكاء يتحوّلان إلى حصن منيع يحول
بين الإنسان وبين أهوال يوم القيامة وشدائدها.
ه. مجالس العزاء للتأسي بسيرة الأطهار(ع):
يمكننا ملاحظة وظيفة الاقتداء في المجالس والهيئات الدينية من جهتين: الفردية
والاجتماعية؛ فالفردية تعود إلى اقتداء الأفراد الحاضرين في تلك المجالس بسيرة أهل
البيت الفردية في معاملاتهم وعلاقاتهم مع الآخرين في البيت والمجتمع...
و. خلق روح التوافق والالتحام: إنّ اجتماع
مجموعة من الناس واتحادهم في عملٍ ما بدافع العقيدة سيولّد ـ لا محالة ـ وشائج
وثيقة بين الأفراد ويعزز العلاقات الاجتماعية بينهم، سيما وأنّ العامل المشترك بين
الجميع هو عمل عبادي يبغى من ورائه نيل الثواب، وهذا ما ينطبق تماماً على مجالس
العزاء ونشاط المواكب الحسينية.
8.وصايا تربوية للمشاركين في مجالس العزاء
أ. لا بد لاصحاب المجالس من أن يقصدوا القربة الخالصة لله تعالى ،
بعيدين عن كل صور الشرك الخفي ، ومما لا شك فيه ان البركات التى ذكرت من خلال
النصوص الكثيرة مترتبة على مثل هذه النية الخالصة.
ب. لا بد من الاستعداد النفسي قبل دخول المجلس ، فيستحسن الاستغفار وذكر الله تعالى
كثيرا ، والصلوات على النبي وآله الطاهرين ، والتهيؤ النفسي لنزول النفحات الالهية
في ذلك المكان ، إذ ما من شك ان لله تعالى في أيام دهرنا نفحات ، بحسب الازمنة
والامكنة ، ولا شك ان مجلس ذكر الامام الشهيد من مظان نزول انواع الرحمة الالهية
التي لا يمكن ان نحصل عليها في غير تلك المجالس.
ج. التولي والتبري: إنّ الغاية من المجالس والمواكب غايةٌ دينية تدخل في المعتقد
والقدسية، وهي مصداق بارز لمفهومي: التولّي والتبري، وهما من فروع الدين الواجبة،
وإذا تقدّست الغاية تقدّست وسيلتها بالتبع، أي أن تلك المجالس تتميز عن سائر
اللقاءات والاجتماعات الأخرى بأنّ لها مكانةً وحرمة في النفوس، وتشمل هذه المنزلة
أيضاً زمان إقامة المجلس ومكانه على حدّ سواء، الأمر الذي يستدعي الالتزام بجملة من
القواعد السلوكية أثناء المجلس وفي محلّ إقامته، ومسلّمٌ أنّ نظام الأخلاق الدينية
أحدُ مصادر تلك الأصول والقواعد.
د. ليكن الهدف من استماع الخطب ، هو استخلاص النقاط العملية التي يمكن ان تغير
مسيرة الفرد في الحياة، وعلى المستمع ان يفترض نفسه انه هو المعني بالخطاب الذي
يتوجه للعموم ، ولا ينبغي نسيان هذه الحقيقة المتكررة فى حياتنا وهى أن الله تعالى
قد يجري معلومة ضرورية للفرد على لسان متكلم غير قاصد لما يقول ، ولكن الله تعالى
يجعل في ذلك خطابا لمن يريد ان يوقظه من غفلة من الغفلات القاتلة.
ه. لنستغل ساعة الدعاء بعد انتهاء المجلس ، فإنها من ساعات الاستجابة ، وحاول أن
يكون لك جو من الدعاء الخاص، غير مكتف بما دعا به الخطيب ، فالملاحظ ان الدعاء بعد
المجلس لا روح فيه بشكل عام ، أي بمعنى ان الناس لا ينظرون الى هذه الفقرة نظرة جد
واعتناء ، وكأن الحديث مع الرب المتعال امر هامشي ، لا يعطى له ما يستحقه من
الالتفات والحال انه من الممكن ان يحقق العبد حاجاته الكبرى بعد الدموع التى جرت
على احب الخلق الى الله تعالى فى زمانه.