تصدير:
قال الإمام السجاد (عليه السلام) لعمته زينب (عليها السلام): "..وأنت بحمد الله
عالمة غير معلمة...".[1]
مقدمة: قيمة زينب أنها زينب(عليها السلام):
قديماً كان ينظر إلى المرأة على أنها مخلوق ضعيف ولا زلنا نتخيلها في أذهاننا ذلك
المخلوق الضعيف الطيب الرقيق المملوء بالعواطف، ولذا فقد لا يخطر ببالنا أن نتوقع
القيام بوظائف وأدوار لا تنسجم مع تلك الأوصاف وتتلاءم مع ذلك الحنان، فقلما نتوقع
منها المواقف الجريئة القوية الجازمة والحاسمة التي فيها مواجهات ذات طابع حاد
وقوي.
لكن السيدة زينب الكبرى بنت علي بن أبي طالب(عليهما السلام) في ما جسدته من مواقف
قبل وأثناء وبعد عاشوراء وكربلاء أثبتت أن الرقة والحنان وغيرها من الصفات ليست
موانع في طريق الكمال وبلوغ أرقى درجاته وتجسيد ذلك بالسلوك العملي والمواقف
الثابتة.
إن زينب (عليها السلام) أدركت أن أساس التفاضل بين بني الإنسان ذكوراً وإناثاً هو
التقوى
﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾.[2]
فأساس اعتزاز الإنسان بما فيهم المرأة هو الهدف الذي تعمل من أجله وتسعى لتحقيقه
فكلما سمت الأهداف وصحت الوسائل كان عائدها وناتجها العزة والتقدير من الله تعالى
ومن الصالحين.
فزينب الكبرى(عليها السلام) على هذا الأساس تكون امرأة عظيمة لا لنسبها على شرفه بل
لأنها منذ البدايات فهمت الواقع وشخصت المواقف واتبعت إمامها الحسين (عليه السلام)
ولذلك فإننا نستطيع أن نقول لأخواتنا في هذا العصر أنه ونحن في زمن الجهاد والشهادة
والمحن عليهن أن يتمثلن زينب (عليها السلام) في حياتهن وما قامت به من وظائف في
المواجهة وبعدها وذلك على ضوء ما قامت به (عليها السلام) في حفظ أمانة سيد الشهداء.
حفظ أمانة الشهداء:
إن ظرفنا الحالي يشابه كثيراً في بعض تفاصيله ما كان يحصل قبل وأثناء وبعد نهضة
عاشوراء، وبناء على ما سبق فإن النجاح، نجاح نسائنا في تكليفهن في هذا العصر يكون
بالاقتداء بزينب (عليها السلام) ليكن زينبيات بحق وصدق، على أننا يمكن اقتباس بعض
من هذه الأدوار والوظائف كما يلي:
1- الدعم المعنوي للمجاهدين:
ومن شواهد المواقف الزينبية في ذلك أنها ليلة العاشر عندما كانت عند ابن أخيها
الإمام السجاد (عليه السلام) تمرضه في خيمته التي كانت تجاور خيمة الإمام الحسين
(عليه السلام) سمعته (عليه السلام) يردد قول الشاعر:
يا دهر أف لك من خليل ***** كم لك بالإشراق والأصيل
من صاحب وطالب قتيل ***** والدهر لا يقنع بالبديل
وإنما الأمر إلى الجليل ***** وكل حي سالك السبيل
نهضت وذهبت إلى خيمة الإمام الحسين(عليه السلام) لتقول له: "أخي أراك تنعى
نفسك..."، ملمحة أنه كأنه يغتصب نفسه اغتصابا، فقالت له إن ذلك أقرح قلبها... مشيرة
إلى أن إقدامه على الشهادة بطيب نفس أهون عليها من كون ذلك غصباً عنه ودون إرادته
ليكون هذا الكلام بمثابة شد لعزيمته ولعزيمة المجاهدين وتثبيتاً لهم.
2- المشاركة في ضريبة الجهاد:
إذ إن زينب (عليها السلام) لم تقتصر مشاركتها في ثورة عاشوراء على نفسها، وإنما ضحت
بأسرتها فأحضرت معها أبناءها فقاتل إبناها مع الإمام الحسين حتى استشهدا.
3- الوعي والبصيرة:
إن من أهم ما يشوش الرؤية في الأزمات تحير كبار القوم وعدم قدرتهم على التشخيص
الصحيح للواقع والتحديد الدقيق للموقف إلا أن التاريخ يذكر لنا أنه في الوقت الذي
كانت شخصيات معروفة من أهل المدينة ومنهم ابن عباس وغيره من أهل الرأي والفقاهة قد
أخذتهم الحيرة فلم يعرفوا ماذا يفعلون، في ذلك الوقت كانت بصيرة زينب (ع) ووعيها
لتدفع عنها الحيرة وحددت الطريق الذي عليها سلوكه فلم تترك إمامها وحيداً بل رافقته
من أولى خطوات نهضته إلى ما بعد أواخرها.
4- الصبر واحتساب المصائب عند الله:
وهذا أجلى ما برز من مواقفها عندما جعلت شهيد الأمة قرباناً رفعته إلى الله قائلة:
"اللهم تقبل منا هذا القربان".[3]
5- المحافظة على ودائع الشهداء:
ويتجلى ذلك في أمرين الأول محافظتها على النساء والأطفال عندما هجمت خيل الأعداء
على المخيم وأحرقت الخيم وفي أثناء رحلة السبي فكانت تبحث عن الضائع وتسكت الباكي
من الأطفال وحتى من النساء وتداوي الجريح وتمرض العليل بل كانت تؤثر غيرها لا سيما
الأطفال على نفسها بزادها، كما كانت تقوم بالحراسة ليلاً؛
والأمر الثاني حفاظها على اثنين من المعصومين هما الإمام السجاد وابنه الإمام
الباقر (عليهما السلام). فلقد أنقذت الإمام السجاد (عليه السلام) في مجلس ابن زياد
حينما أمر اللعين بقتله فتعلقت بالإمام السجاد قائلة لابن زياد: "يابن زياد حسبك ما
سفكت من دمائنا... فإن كنت قد عزمت على قتله فاقتلني قبله...".
6- حل رسالة الثورة ومواصلة المواجهة:
يصح في هذا المجال أن يقال أن كربلاء دون زينب (عليها السلام) ما كانت لتكون كربلاء
وعاشوراء التي عرفناها، فكأن الحسين واصل حياته بعد شهادته عندما تمثلته زينب (عليه
السلام) في كلامها ومواقفها؛ فنداءات الحسين (عليه السلام) ما كانت لتصل إلى أي أحد
بعد واقعة الطف وكان ليتم التعتيم عليها بل تشويهها.
ونلاحظ في هذا السياق عملين لزينب (عليها السلام):
1) إحياء ذكر الشهيد بإقامة العزاء: فلقد أقامت (عليها السلام) مآتم لأبي عبد الله
الحسين (عليه السلام) في الكوفة والشام وعندما عادت إلى المدينة فضحت من خلاله
الطاغية وجلاوزته. وبذلك أوصلت النهضة إلى الأجيال التي أتت بعد ذلك الزمان.
2) المواجهة: وكان ذلك في مواطن أهمها في قصر ابن زياد، والأكثر أهمية هو ما كان
منها من فضح يزيد في قصره وأمام خدمه وزواره وضيوفه وبينت أثناءها كذلك مظلومية
الإمام الحسين (ع) وأهدافه من خلال خطبتها البليغة التي حولت لحظة انتشاء يزيد
بالنصر إلى غصة وغم وفضيحة.
خاتمة:
في هذا الزمن الذي طغت فيه على المرأة بل على العالم المادة، وأصبحت المرأة خصوصاً
مثالاً للمهانة والإبتذال، حيث فقدت المرأة كل ما تعتز به ولم يبق لها إلا عناصر
الإثارة من أنوثتها لتعتز وتفتخر بها، فبها تحصل على العمل والمال والتقدير، وغدا
هذا البعد من وجودها دون غيره أساس تعاملها مع العالم لاسيما مع الرجل، فغدت
الأنوثة والجمال والفتنة كل ما تملك وغدا الإغواء كل ما تحترفه، فها هي المرأة في
عالم اليوم لا نجدها تهتم إلا بما يبرز معالم فتنتها ويزيد من أنوثتها، من الأزياء،
ومساحيق وتجميل وغير ذلك، لكن ويا للأسف كل ذلك يذوي ويذبل.
فعلى المرأة بدل ذلك أن يكون مركز عزتها دينها وعقيدتها ووعيها وأخلاقها وعفتها
متأثرة بزينب (عليها السلام) وأخوات زينب إذ حينها لا يستطيع هرم ولا شيخوخة ولا
غير ذلك أن يسلبها جمالها وجلالها.
[1] بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج45 ،ص 164 .
[2] الحجرات - الآية - 13
[3] حياة الإمام الحسين(عليه السلام)، الشيخ باقر شريف القرشي-ج2.