الهدف:
التعرّف على الشخصية العبادية للإمام السجاد(عليه السلام).
المحاور:
- قبس من سيرة الإمام السجّاد (عليه السلام)
- التدبير الإلهي في حياة الإمام السجاد (عليه السلام)
- قدوة العابدين والساجدين
التصدير:
روى علي بن أبي حمزة عن أبيه، قال: (سألت مولاة لعلي بن الحسين (عليه السلام) بعد
موته، فقلت: صفي لي أمور علي بن الحسين (عليه السلام) فقالت: أطنب أو أختصر؟ فقلت:
اختصري، قالت: ما أتيته بطعام نهاراً قط، ولا فرشت له فرشاً بليل قط)[1].
قبس من سيرة الإمام السجّاد(عليه السلام):
هو الإمام عليّ بن الحسين (عليه السلام) رابع أئمة أهل البيت (عليه السلام) جدّه
الإمام علي بن أبي طالب(عليه السلام)، وجدّته السيدة فاطمة الزهراء(عليها السلام)،
وأبوه الإمام الحسين(عليه السلام) أحد سيِّدَيْ شباب أهل الجنّة، وهو أحد الأئمّة
الاثني عشر(عليه السلام).
ولد الإمام عليّ بن الحسين (عليه السلام) في سنة ثمان وثلاثين للهجرة، وقيل قبل
ذلك بسنة أو سنتين، وعاش سبعة وخمسين سنة تقريباً، قضى ما يقارب سنتين أو أربع منها
في كنف جدّه الإمام علي(عليه السلام)، ثمّ ترعرع في مدرسة عمّه الإمام الحسن(عليه
السلام) وأبيه الإمام الحسين(عليه السلام). من أشهر ألقابه : زين العابدين،
والسجاد، وذو الثفنات، والبكّاء، والعابد، وأشهرها الاَول...
وجاء في تسميته بذي الثفنات، أنّ الإمام الباقر (عليه السلام) قال: « كان لأبي في
موضع سجوده آثار ثابتة وكان يقطعها في كلِّ سنة من طول سجوده وكثرته...»[2].
وكان لعلي بن الحسين(عليه السلام) جلالة عجيبة وحقّ له والله ذلك، فقد كان أهلاً
للإمامة العظمى لشرفه وسؤدده وعلمه وتألّهه وكمال عقله)[3]. ويتفق المؤرّخون على أن
الإمام (عليه السلام) (انكبَّ على الشؤون الدينية، ورواية الحديث، والتعليم، وأنه
انصرف إلى بث العلوم، وتعليم الناس، وتربية المخلصين، وتخريج العلماء والفقهاء،
والإشراف على بناء الكتلة الشيعية)[4].
التدبير الإلهي في حياة الإمام السجاد(عليه السلام):
إنّ التدبير من الأفعال التي نسبها الله تعالى إلى نفسه، إذ وصف ذاته المقدّسة
بالمدبّر، كما ألهم عباده هذه الخصلة الحميدة, وحثّهم على التحلّي بها، والسعي
الجاد لاكتسابها, بوصفها فضيلة من أسمى الفضائل. والتدبير الإلهي لحياة إمامنا
السجاد أمر ملفت جداً.. حيث إن هؤلاء القوم الذين ما رحموا الطفل الصغير، وما رحموا
الهاشميات.. فقد أبقوا هذا الشاب العليل، الذي هو بلا شك مصدر فضح لجريِمتهم
النكراء، وهو البقية من الحسين !.. إن البعض هذه الأيام ينتابه اليأس عندما يرى قوة
الكفر وتكالب الضلالة، فينادي بالاستسلام، ورفع الرايات البيضاء!.. ولكن أين تدبير
رب العالمين الذي نجَّا الإمام علي بن الحسين من أيدي الظالمين، ومن قبل نجّا موسى
من فرعون!.. هذا الطاغوت الذي كان يقتل الرضّع، وإذا به يحتضن موسى!.. وبالتالي،
فإذا كان هذا هو التصرف في قلب الكافر، فكيف بالتصرّف الرباني في قلب المؤمن؟!..
فإذن، مع كون التدبير الإلهي لحفظ حياة المؤمن سببا كافيا لتحقّقه وتنجّزه، إلا
أنّه هنالك واجب يجب أن يعيشه ويمارسه الطرف الآخر تجاه ربّه المدبّر والحافظ،
ويتجلّى هذا العمل في تسليم إمامنا السجاد (عليه السلام) وتوكله المطلق على الله
تعالى مهما اشتدت المحن وقست الأحوال. لهذا فإن التسليم هو من الدروس المهمة في
حياة الإمام السجاد(عليه السلام) فإن البعض يشتكي من مشكلات بسيطة، ويصفها بأنها
قاصمة للظهر..، والحال أن إمامنا زين العابدين (عليه السلام) وهو يحمل الاسم
الأعظم، ويحمل تلك العلوم المذهلة للعقول، وكان محاطاً بملائكة النصر والتأييد،
وإذا به يقاد من بلد إلى بلد، والأغلال في عنقه الشريف.. وبدنه العليل، والمسافة
الطويلة على هذه الدواب بغير وطاء، وتحت حرارة الشمس، ومع ثقل الحديد، الذي أكل من
بدنه الشريف.. مع كل ذلك تراه في تسليم محض، يلهج بذكر الله يناجيه، ولو شاء الله
تعالى لأبره..
قدوة العابدين والساجدين:
لقد سطعت عبادة الإمام علي بن الحسين(عليه السلام) في حياته لتبرز في ألقابه التي
منها "السجّاد" لكثرة سجوده و"ذو الثفنات" التي برزت على جبهته الشريفة و"زين
العابدين"لعبادته لله و"سيّد العابدين" وهو اللقب الذي اختاره له جده النبي (ص) كما
روي عن جابر بن عبد الله الأنصاري: " كنتُ جالساً عند رسول الله (ص) والحسين (عليه
السلام) في حجره وهو يداعبه فقال (ص): يا جابر يولد له مولود اسمه علي إذا كان يوم
القيامة نادى منادٍ ليقم سيّد العابدين[5]".
- خوف الله: وعلّمنا الإمام السجّاد (عليه السلام) كيف نخاف الله في حواره مع طاووس
اليماني الذي رآه يطوف من وقت العشاءإلى السحر، ونظر طاووس إلى الإمام (عليه
السلام) فرآه يرمق السماء بطرفه ويقول: " إلهي غارت نجوم سماواتك، وهجعت عيون
أنامك، وأبوابك مفتحات للسائلين، جئتك لتغفر لي وترحمني وتريني وجه جدي محمد صلى
الله عليه وآله وسلم في عرصات القيامة"، ثمّ بكى وأطال الدعاء والبكاء، فدنا منه
طاووس وقال له: " ما هذا الجزع والفزع؟! ونحن يلزمنا أن نفعل مثل هذا، ونحن عاصون
جانون، أبوك الحسين بن علي عليه السلام وأمك فاطمة الزهراء (عليه السلام)، وجدك
رسول الله (ص)، فالتفت إليه الإمام (عليه السلام) وقال: " هيهات يا طاووس! دع عنّي
حديث أبي وأمي وجدي، خلق الله الجنّة لمن أطاعه وأحسن، ولو كان عبداً حبشياً وخلق
النار لمن عصاه، ولو كان ولداً قرشياً، أما سمعت قوله تعالى:﴿فَإِذَا نُفِخَ فِي
الصُّورِ فَلَا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءلُونَ﴾[6]، " والله
لا ينفعك غداً إلاّ تقدمة تقدّمها من عمل صالح"[7].
- الصحيفة السجّاديّة: جاء في سيرة الإمام السجّاد عليه السلام أنّه كان يخطب الناس
في كلّ جمعة ويعظهم ويدعوهم إلى طاعة الله ناشراً بينهم ألوان الدعاء والحمد
والثناء التي تمثّل العبوديّة المخلصة لله تعالى فكانت الصحيفة السجّاديّة التي
سمّيت بإنجيل أهل البيت عليه السلام وزبور آل محمّد (ص) والتي سجّل فيها الإمام
القيم الخُلُقيّة والحقوق والواجبات معالجاً فيها مشاكل الفرد والمجتمع ناشراً فيها
أجواء روحيّة تثبت المسلم عندما تعصف به المغريات وتشدّه إلى ربّه حينما تجرّه
الأرض إليها.
ولقيمة هذه الصحيفة كانت محلّ افتخار كبير في وصيّة الإمام الخميني قدس سره الراحل
الذي قال فيها: " نحن فخورون بأنّ الأدعية التي تهب الحياة والتي تسمّى بالقرآن
الصاعد هي من أئمتنا المعصومين، نحن نفخر أنّ منّا مناجاة الأئمّة الشعبانيّة ودعاء
عرفة للحسين بن علي عليهما السلام، والصحيفة السجّاديّة زبور آل محمد..".
- حاله عند التهيّؤ للصلاة: جاء في مصادر عدة أنه (عليه السلام) كان إذا توضأ
للصلاة يصفر لونه، وكيف لا تبرز معالم العبادة في ألقابه وهو الذي كان إذا أراد
الوضوء اصفرّ لونه فيقال له: ما هذا الذي يعتريك عند الوضوء؟ فيجيب عليه السلام: "
أتدرون بين يدي من أقوم![8]"
وكان (عليه السلام) إذا قام في الصلاة غشي لونه لوناً آخر وأخذته رعدة بين يدي الله
تعالى لم يعد عندها يلتفت إلى ما حوله، لذا حينما وقع حريق في بيته وهو ساجد فرَّ
كلّ مَن في البيت بينما بقي الإمام (عليه السلام) ساجداً ولمّا سُئَل في ذلك كان
جوابه (عليه السلام): " ألهتني عنها النار الكبرى[9]".
وقد أجمع الرواة على كثرة عبادته وصلاته فروى الكليني قال: كان يصلي في اليوم
والليلة ألف ركعة حتى مات ولقب بزين العابدين لكثرة عبادته وحسنها[10]..
- خشوعه: وعن خشوعه وتقاه. قال أبو عبد الله (عليه السلام): (كان أبي يقول: كان علي
بن الحسين صلوات الله عليهما إذا قام في الصلاة كأنه ساق شجرة لا يتحرك منه شيء إلا
ما حرك الريح منه).
ومن نظر إليه وهو يصلي يخاله شبيهاً بأبيه الإمام الحسين (عليه السلام) وبجديه علي
بن أبي طالب والنبي محمد الرسول الأكرم (ص). قال أبو حمزة الثمالي: (رأيت علي بن
الحسين (عليه السلام) يصلي فسقط رداؤه عن أحد منكبه، قال: فلم يسوِّه حتى فرغ من
صلاته قال: فسألته عن ذلك. فقال: ويحك أتدري بين يدي من كنت؟ إن العبد لا يقبل من
صلاته إلا ما أقبل عليه منها بقلبه)[11].
وعن الإمام الباقر (عليه السلام):كان علي بن الحسين(عليه السلام) يصلي في اليوم
والليلة ألف ركعة وكانت الريح تميله بمنزلة السنبلة، وكانت له خمسمائة نخلة وكان
يصلي عند كل نخلة ركعتين، وكان إذا قام في صلاته غشي لونه لونا آخر، وقيامه في
صلاته قيام عبد ذليل بين يدي الملك الجليل، كانت أعضاؤه ترتعد من خشية الله، وكان
يصلي صلاة مودع يرى أنه لا يصلي بعدها أبداً)[12]..
وقال الزهري: (كان علي بن الحسين (عليه السلام) إذا قرأ (ملك يوم الدين) يكررها حتى
يكاد يموت)[13].
- صومه (عليه السلام): روي عن الإمام الصادق (عليه السلام): (كان علي بن الحسين
شديد الاجتهاد في العبادة، نهاره صائم وليله قائم، فأضر ذلك بجسمه فقلت له: يا أبه
كم هذا الدؤوب! فقال: أتحبب إلى ربي لعله يزلفني[14]). وأثناء صيامه كان كريماً
جداً كثير الصدقات.
- حجه (عليه السلام): قال سعيد بن المسيب: (كان الناس لا يخرجون من مكة حتى يخرج
علي بن الحسين فخرج وخرجت معه فنزل في بعض المنازل فصلى ركعتين سبَّح في سجوده فلم
يبق شجر ولا مدر إلا سبحوا معه ففزعت منه فرفع رأسه فقال: يا سعيد فزعت؟ قلت: نعم
يا بن رسول الله، قال: هذا التسبيح الأعظم).
وجاء في حياة الحيوان للدميري قال: (إنه لما حج وأراد أن يلبي أرعد واصفرّ وخرّ
مغشياً عليه، فلما أفاق سئل عن ذلك، فقال: إني لأخشى أن أقول: لبيك، اللهم لبيك
فيقول لي: لا لبيك ولا سعديك، فشجعوه، وقالوا: لا بد من التلبية، فلما لبى غشي عليه
حتى سقط عن راحلته وكان يصلي في كل يوم وليلة ألف ركعة، كان كثير الصدقات وكان أكثر
صدقته بالليل، وكان يقول: صدقة الليل تطفئ غضب الرب)[15].
[1] علل الشرائع
للشيخ الصدوق، ص232.
[2] المناقب 4 : 180 181.
[3] شمس الدين الذهبي / سيرة أعلام النبلاء: ج4، ص398
[4] محمد رضا الحكيمي الجلالي، ص79، نقلاً عن معتزلة اليمن ص17- 18.
[5] السبحاني، الشيخ جعفر،الأئمة الاثني عشر، ص 104.
[6] المؤمنون: 101.
[7] الامام زين العابدين، الصحيفة السجادية (البطحى)، ص 176.
[8] الحائري، جعفر عباس،بلاغة الامام علي بن الحسين، ص 199.
[9] العلامة المجلسي، بحار الانوار، ج 46، ص 80.
[10] الكافي، باب الخشوع في الصلاة، ص300
[11] علل الشرائع للشيخ الصدوق، ج1، ص231.
[12] المناقب لابن شهر آشوب، ج4، ص150.
[13] وسائل الشيعة، ج4، ص814، باب تكرار الآية.
[14] المناقب، ج4، ص155
[15] حياة الحيوان، ج1، ص139.