الهدف:
التعرّف على جوانب من شخصية الإمام الكاظم (عليه السلام) التربوية والاجتماعية
والإقتداء بها.
المحاور:
- قبس من سيرته الطاهرة.
- نظرة في وصية الإمام الكاظم(عليه السلام) لهشام.
- الوصية الأولى: من صدق لسانه زكى عمله.
- الوصية الثانية: ومن حسنت نيته زيد في رزقه:
- الوصية الثالثة: ومن حسن بره بإخوانه وأهله مد في عمره.
تصدير:
جاء في وصية الإمام الكاظم(عليه السلام) لهشام، يا هشام: من صدق لسانه
زكى عمله، ومن حسنت نيته زيد في رزقه، ومن حسن بره بإخوانه وأهله مد في عمره.
قبس من سيرة الإمام الكاظم (عليه السلام):
وُلِد الإمام الكاظم (عليه السلام)
بالمدينة المنورة، في موضعٍ يُسمَّى: (الأبواء)، وكان ذلك في السابع من صفر 128 هـ،
وبمناسبة ولادته قام أبوه الإمام الصادق (عليه السلام) بدعوة الناس إلى وَليمَةٍ
أَطعمَ الناسَ فيها مُدَّة ثَلاثة أيَّام. والده: الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه
السلام). والدتـــه: حميدة البربرية التي ربما كانت من الأندلس أو من المغرب، وكانت
تلقب بـ (حميدة المصفـــاة). عن ابن سنان، عن سابق بن الوليد، عن المعلّى بن خنيس
أن أبا عبد اللـه (عليه السلام) قال: حميدة مصفّاة من الأدناس، كسبيكة الذهب، ما
زالت الأملاك تحرسها حتى أُدِّيت إليَّ كرامةً من اللـه لي والحجة من بعدي.
كان (عليه السلام) يكنّى بعدة أسماء أشهرها: أبو الحسن، قال الشيخ المفيد: كان
يكنّى أبا إبراهيم، وأبا الحسن، وأبا علي، ويعرف بالعبد الصالح. قال ابن الصبّاغ
المالكي: أمّا كنيته فأبو الحسن، وألقابه كثيرة أشهرها: الكاظم، ثمّ الصابر،
والصالح، والأمين.
وألقابه تدل على مظاهر شخصيته، قال ابن شهر آشوب عند ذكره
لألقابه:
والكاظم: لقّب بذلك لما كظمه عمّا فعل به الظالمون من التنكيل
والإرهاق... ويقول ابن الأثير: إنّه عرف بهذا اللقب لصبره ودماثة خلقه، ومقابلته
الشرّ بالإحسان،
والصابر: لأنّه صبر على الخطوب والآلام التي تلقّاها من حكّام الجور والطغاة، الذين
قابلوه بجميع ألوان الإساءة والمكروه،
والسيّد: لأنّه من سادات المسلمين، وإمّام من أئمّتهم،
والوفي: لأنّه أوفى الإنسان في عصره، فقد كان وفيّاً بارّاً بإخوانه وشيعته،
وبارّاً حتّى بأعدائه والحاقدين عليه.
وذو النفس الزكية: لقّب بهذا اللقب اللطيف لصفاء ذاته، ونقاوة سريرته، البعيدة كل
البعد عن سفاسف المادّة، ومآثم الحياة، نفس أبيّة زكيّة، طاهرة، كريمة، سمت وعلت
حتّى قلّ نظيرها.
وباب الحوائج: هذا اللقب كان من أشهر ألقابه ذكراً، وأكثره شيوعاً، انتشر بين العام
والخاص، حتّى أنّه ما أصاب أحدهم مكروه إلاّ فرّج الله عنه بذكره، وما استجار
بضريحه أحد إلاّ قضيت حوائجه، يقول أبو علي الخلاّل ـ شيخ الحنابلة وعميدهم الروحي:
ما همّني أمر فقصدت قبر موسى بن جعفر إلاّ سهّل الله تعالى لي ما أحب.
وقال الإمام الشافعي: قبر موسى الكاظم الترياق المجرّب.
نظرة في وصية الإمام الكاظم(عليه السلام) لهشام:
هي وصية طويلة ومفصّلة ذكرها الإمام
(عليه السلام) لهشام تدور بأغلبها حول جنود العقل والجهل، وقال الإمام(عليه السلام)
في آخرها: يا هشام: لا تجمع هذه الخصال إلا لنبي أو وصي أو مؤمن امتحن الله قلبه
للإيمان...، ومراعاة للمقال اقتصرنا على المقطع الذي صدّرنا به الموعظة؛ الذي
يتألّف من ثلاث وصايا، وهي:
الأول: من صدق لسانه زكى عمله.
الثاني: ومن حسنت نيته زيد في رزقه.
الثالث: ومن حسن بره بإخوانه وأهله مد في عمره.
تفصيل الوصايا الثلاث:
الوصية الأولى: من صدق لسانه زكى عمله:
الصدق من المفردات التربوية التي لها صلة وثيقة بإيمان الإنسان وعلاقته
بالله، وبسلوكه الاجتماعي في علاقته بالناس والمجتمع. والصدق ضد الكذب وغالباً ما
يكون في القول، ولا بدّ لتحققه في القول وغيره من مطابقة ظاهر الإنسان من قول وفعل
لباطنه. وقد ورد في الأحاديث عن النبي(ص) والأئمة(عليه السلام) أن الصدق: رأس
الإيمان، ودعامة الإيمان، ولباس الدين، وروح الكلام، وفيه صلاح كل شيء. ومن صدق
لسانه زكى عمله...
ويستعمل لفظ الصدق في عدّة معاني منها: صدق في القول، صدق في النية والإرادة، صدق
في العزم والوفاء به، صدق في مقامات الدين.
وعندما نتأمّل في فضل الصدق وآثاره على إيمان الإنسان وسلوكه الفردي والاجتماعي،
ندرك كيف يزكو العمل وينمو؛ لأن الصادق يجعل الإنسان سوياً في سلوكه وأعماله كافة،
وهذا يعني أنه يسير في مسيرة التقوى التي تجعله قريباً من ربه تعالى، فهو لا يحابي
ولا يرائي ولا ينافق بل يطابق كل أقواله وأفعاله وفق ميزان العقل والشرع، ولهذ لن
يتركه الله تعالى بل سيزكي عمله ويزيده خيراً وبركة، فالجزاء عند الله تعالى من جنس
العمل.
ويكفينا أن نشير إلى الصدق في مقامات الدين: وذلك بأن نهذّب أنفسنا ونربيها على
العلاقة الصادقة مع الله تعالى، كالصدق في الخوف والخشية من الله، والتعظيم، والحب
والتوكل، والرضا بقضاء الله وقدره..
لأن الصدق في هذه الموارد وغيرها يؤدي إلى إيجاد أكمل العلاقة بالله تعالى، هذه
العلاقة الصادقة تجعل الإنسان في كل مقامات الدين التي تعبر غن العلاقة المتينة
بالله تعالى، ورد عن الإمام علي(عليه السلام): (الإيمان أن تؤثر الصدق حيث يضرّك
على الكذب حيث ينفعك) (نهج البلاغة)
ولهذا ورد عن رسول الله(ص) قوله: لا تنظروا إلى كثرة صلاتهم وصومهم وكثرة الحج
والمعروف وطنطنتهم بالليل، ولكن انظروا إلى صدق الحديث وأداء الأمانة. (بحار
الأنوار).
الوصية الثانية: ومن حسنت نيته زيد في رزقه:
النية: هي القصد والإرادة المحرّكة للإنسان نحو الفعل ولها تأثيرها في
أعمال العباد وأنفسهم في الدنيا ويوم القيامة، وهي شرط واجب لجميع العبادات ولا
يمكن لأحد أن يؤدّي عبادة بدون نية القربة إلى الله تعالى، بل يمكن تحصيل الثواب في
جميع الأعمال والمعاملات المختلفة - التي لا تشترط النية فيها أصلاً - إذا نُوي
فيها القربة لله تعالى، فقد ورد عن رسول الله (ص) قوله:(يا أبا ذر ليكن لك في كل
شيء نيّة صالحة حتى في النوم والأكل)، وورد عن الصادق (عليه السلام) قوله: (لابد
للعبد من خالص النية في كل حركة وسكون..)
ولا عمل إلا بنيّة فقد ورد: أنه لا قول ولا عمل إلا بنية، ولا نية إلا بإصابة
السنة، أي: لا صحة ولا ثواب لأي قول أو فعل يصدر من المكلّف إلا إذا قصد كونه لله
ورجاء وجهه ورضاه، أو طلب ثوابه، أو الخلاص من عقابه وهذا معنى إصابة السنة، فورد
عن رسول الله: إحسان النية يوجب المثوبة.
وعن رسول الله:... وإن الله عزوجل ليعطي العبد عل نيّته ما لا يعطيه على عمله، وذلك
أن النية لا رياء فيها والعمل يخالطه الرياء.
إضافة إلى كون النية شرط لقبول العبادات وما يترتّب على ذلك من آثار أخروية، ورد في
الأخبار العديد من الآثار الأخرى: منها أن الناس يحشرون على نيّاتهم يوم القيامة،
عن رسول الله (ص): (إن الله يحشر الناس على نيّاتهم يوم القيامة) وفي رواية (يبعث
الناس على نياتهم) والمراد بها هنا: العقائد الأصولية فيحشرن مؤمنين أو كفاراً أو
منافقين كيفما كانت النيات، أو يحشرون في اتصافهم بجزاء الأعمال على وفق نياتهم في
تلك الأعمال.
الوصية الثالثة: ومن حسن بره بإخوانه وأهله مد في عمره:
نكتفي بذكر بعض الروايات التي تثبت بلا أدنى شك أن البر بالأرحام يزيد
في العمر، فلصلة الأرحام آثار ايجابية في الحياة الإنسانية بجميع مقوماتها الروحية
والخلقية والمادية، عن الإمام محمد الباقر (عليه السلام): «صلة الأرحام تزكي
الأعمال، وتنمي الأموال، وتدفع البلوى، وتيسّر الحساب، وتنسئ في الأجل» (الكافي 2:
150.).
وصلة الرحم تزيد في العمر، وقد دلّت الروايات على ذلك، وأثبتت التجارب الاجتماعية
ذلك من خلال دراسة الواقع، فقد ورد عن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) أنّه قال:
«ما نعلم شيئاً يزيد في العمر إلاّ صلة الرحم، حتى أن الرجل يكون أجله ثلاث سنين
فيكون وصولاً للرحم فيزيده الله في عمره ثلاثين سنة فيجعلها ثلاثاً وثلاثين سنة،
ويكون أجله ثلاثاً وثلاثين سنة، فيكون قاطعاً للرحم فينقصه الله ثلاثين سنة ويجعل
أجله إلى ثلاث سنين» (الكافي 2: 150.)
والواصل لأرحامه يكون محل احترام وتقدير من قبلهم ومن قبل المجتمع، وهو أقدر من
غيره على التعايش مع سائر الناس، لقدرته على إقامة العلاقات الحسنة، ويمكنه أن يؤدي
دوره الاجتماعي على أحسن وجه في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبعكسه القاطع
لرحمه، فإنّه يفقد تأثيره في المجتمع، لعدم الوثوق بنواياه وممارساته العملية.