الهدف:
التعرف على هجرة النبي(ص) وأبعادها، والطاعة العلوية للرسول القائد(ص)
المحاور:
- الله تعالى يصف النبي محمد ونبوّته(ص)
- هجرة النبي(ص) في ربيع الأول
- ظروف ومراحل الهجرة النبوية المباركة
- الولاء العلوي للرسول(ص) القائد
تصدير:
عن أبي عبد الله(ع) قال: لما عُرج برسول الله(ص) انتهى به جبرائيل إلى
مكان فخلى عنه، فقال له: يا جبرائيل تخلّيني على هذه الحالة؟ فقال: امض، فوالله لقد
وطئت مكاناً ما وطئه بشرٌ، وما مشى فيه بشر قبلك (أصول الكافي، ج1، ح12).
الله تعالى يصف النبي محمد ونبوّته(ص):
يمكن الإشارة إلى بعض ما ورد في القرآن الكريم حول شخصية رسول الله،
وعظمة نبوّته ورسالته، وموقع محمد في السماء والأرض:
- هدف بعثته ورسالته: الرحمة بالبشر والتزكية والتربية لهم، قال تعالى: {هُوَ
الَّذِي بَعَثَ فِي الأمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ
وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ...} (الجمعة،2) وقال
تعالى: { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} (الأنبياء، 107}.
- الأسوة الحسنة وصاحب الخلق العظيم: قال الله تعالى: { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي
رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} (الأحزاب، 21). { وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ
عَظِيمٍ} (القلم، 4).
- سيد الرسل وأعظمهم وخاتمهم: قال تعالى: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ
رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللهُ بِكُلِّ
شَيْءٍ عَلِيماً} (الأحزاب، 40) وقال النبي(ص) لعلي(ع) (أنت مني بمنزلة هارون من
موسى إلا أنه لا نبي بعدي).
- تخصيصه بالإسراء والمعراج: { سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ
الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأقْصَى...} (الإسراء، 1).
- الأمر الإلهي بوجوب طاعته واحترامه، قال تعالى: { وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ
وَلاَ تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ....} (الأنفال، 46). وراجع
النساء، 59 – الأنفال، 1/ 20- التغابن، 12- والحجرات، 2) وغيرها.
هجرة النبي(ص) في ربيع الأول:
لقد تعدّدت وسائل وطرق ضبط التواريخ والتقويم عند العرب ومن سبقهم إلى
أن استقرّ الرأي على اعتماد الهجرة النبوية كمنطلق للتقويم، ولتوضيح هذا الأمر نشير
إلى ما يلي:
* إنّ التاريخ الهجري قد وضع في زمن النبي(ص) وقد أرَّخ به النبي أكثر من مرة، وفي
أكثر من مناسبة.
* إنّ بداية التاريخ الهجري كانت من هجرة النبي(ص) في شهر ربيع الأول إلى المدينة
المنورة، فإن أوّل السنة الإسلامية الهجرية في ربيع الأول لأنه الشهر الذي هاجر فيه
رسول الله(ص) .
فقد ورد أنّ النبي(ص) دخل المدينة لإثني عشر خلت من ربيع الأول، وكان التاريخ من
ذلك ثم رُدّ إلى المحرم.
وقد أمر النبي(ص) بالتاريخ فكتب من حين الهجرة ، فلما قدم رسول الله(ص) المدينة
مهاجراً أمر بالتاريخ فكتب في ربيع الأول ، وعليه فالتاريخ من يوم قدوم النبي (ص)
مهاجراً إلى المدينة في شهر ربيع الأول.
* إن جعل مبدأ السنة الهجرية شهر محرم بدلاً من ربيع الأول كما ورد في أكثر من مصدر
إنما حصل في فترة متأخرة عن النبي وبعد وفاته (ص)، وأن عمر بن الخطاب هو أوّل من
أرّخ من محرّم بإشارة من عثمان وآخرين، وكان ذلك من محرّم السنة الثانية للهجرة.
ظروف ومراحل الهجرة النبوية المباركة:
لقد مرّ تبليغ الرسالة الإسلامية على يد النبي العظيم محمد بن عبد الله’
بعد البعثة النبوية بالمراحل التالية:
المواجهة الأولى وإنذار الأقربين: وحين شاع خير الإسلام في الجزيرة العربية، وبلغت
الفئة المؤمنة المستوى الروحي الذي يؤهّلها لخوض الصراع كان لا بدّ من الانتقال إلى
مرحلة الإعلان العام حيث كانت أولى خطواته إنذار الأقربين، لتبدأ المواجهة الشاملة
بعد ذلك مع صناديد قريش وطواغيتها.
المواجهة الشاملة: كان لدعوة بني هاشم إلى الدين الجديد الأثر البالغ في أوساط
القبائل العربية، فقد تبيّن لهم جديّة نبوّة محمد (ص) وخطورة الدين الذي يدعو الناس
إليه، وهنا تهيّأت الظروف والبيئة المناسبة ليصدع محمد بالرسالة {فاصدع بما تؤمر
وأعرض عن المشركين} الحجر، 15.، وعندها شعرت قريش بالتهديد العلني المباشر لكل
معتقداتها ومقاماتها ومشاريعها وكيانها. وهذا ما جعلهم يوجّهون سهام التشكيك
والاستهزاء والسخرية بالنبي (ص) وما يدعو إليه، والتضييق والقتل والتعذيب والمقاطعة
وغيرها من الأساليب.. على كل من آمن واتبع محمد (ص)، وهنا كانت فكرة البحث عن ساحات
أخرى لتبليغ ونشر الرسالة.
- بداية التفكير بالهجرة (نحو الحبشة):
بعد عامين من الاعلان العام بالرسالة شعر النبي(ص) بصعوبة تأمين الحماية لكل
المسلمين من طغاة قريش، لهذا حثّهم على الهجرة إلى خارج مكة، وتحديداً إلى الحبشة
لوجود ملك فيها لا يُظلم عنده أحد.
- الهجرة الثانية (نحو الطائف):
تسارعت الأحداث بعد هجرة المسلمين إلى الحبشة، وقرّر القرشيون المقاطعة الشاملة
للنبي(ص) وبني هاشم ومحاصرتهم حتى القضاء عليهم، ليفجع النبي بعد ذلك بوفاة أبو
طالب(رض) المدافع القوي عن الرسول والرسالة، ووفاة أم المؤمنين خديجة(رض) ثاني سندي
الرسول(ص). في خضمّ هذه الأحداث الأليمة قرّر النبي(ص) الخروج إلى الطائف حيث تقطن
ثقيف أكبر القبائل العربية بعد قريش، ولكن ضاق أهلها بالنبي(ص) فانصرف(ص) راجعاً
إلى مكة.
- الهجرة الكبرى (نحو يثرب):
بعد اكتمال الاستعداد الداخلي عند النبي(ص) والمسلمين في مكة المكرمة، وحصول نوع من
التواصل بين النبي(ص) وشخصيات وقبائل من يثرب تطوّرت فيما بعد إلى حد البيعة فكانت
بيعة العقبة الأولى وبيعة العقبة الثانية حيث إستطاع النبي(ص) تهيئة الأرضية
المناسبة في يثرب كساحة مناسبة لبناء الدولة. وبنفس الوقت، اكتملت استعدادات قريش
للتخلّص من النبي(ص) بعد اجتماع دار الندوة الذي قرّر قتل النبي(ص) وتفريق دمه بين
القبائل.
عندها جاء الأمر الإلهي يأمر رسول الله(ص) بالتحرّك والهجرة إلى يثرب لبناء دولة
الإسلام ويمكن إيجاز الخطوات التي قام بها النبي(ص) بالتالي:
- المؤاخات بين المهاجرين كنقطة إنطلاق نحو المجتمع الإسلامي المتماسك.
- مبيت علي على فراش النبي(ص) فداءً له بنفسه بعد مؤامرة قريش لقتله(ص)..
وانطلق النبي بعد ذلك بخطوات واثقة نحو يثرب وبدأ بالعمل على عدّة محاور أهمها:
- بناء المسجد ليكون مركزاً للعبادة والعمل وإدارة المجتمع وشؤون الناس.
- المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار بهدف تأسيس روابط جديدة بين الناس على أساس
رابطة العقيدة والدين متجاوزاً عُلقة الدم والعصبية و القبلية، فقال: (تآخوا في
الله أخوين أخوين).
- معاهدة المدينة مع القوى الأخرى: بهدف إنهاء حالات الصراع والقتال مع الآخرين لا
سيما اليهود، والتفرّغ لبناء المجتمع الداخلي وأسس الدولة توجّه النبي(ص) نحو عقد
معاهدة تعاون بين المسلمين وغيرهم من القوى، ويمكن القول أن هذه الصحيفة كانت
بمثابة أوّل مشروع دستوري لبناء دولة إسلامية متحضِّرة في مجتمع المدينة.
الولاء العلوي للرسول(ص) القائد:
اجتمع أركان قريش في دار الندوة للبحث في الخطر الناشىء من الدعوة
النبوية إلى دين التوحيد، وقد كثرت الآراء بينهم، حتى استقرّ الرأي على أن ينتدبوا
من كلّ قبيلة فتىً شابّاً معروفاً في قبيلته، ويقتلونه ضربة رجل واحد، واتّفقوا على
ليلة تنفيذ الخطة، فأتى جبرائيل إلى النبيّ (ص) وأخبره بذلك، وأذن له بالهجرة، فعند
ذلك أخبر عليّاً بأمورهم وأمره أن ينام في مضجعه على فراشه الذي كان ينام فيه،...
فاستقبل أمر الرسول (ص) بنفس مؤمنة صابرة مطمئنّة، فرسم لنا أكمل صورة للطاعة
المطلقة في أداء المهمّات استسلاماً واعياً للقائد وتضحية عظيمة من أجل العقيدة
والمبدأ، فما كان جوابه (عليه السلام) إلاّ أن قال للرسول(صلى الله عليه وآله):
«أوتسلم يا رسول الله إن فديتك نفسي؟». فقال (صلى الله عليه وآله): «نعم بذلك وعدني
ربّي»; فتبسّم علي (عليه السلام) ضاحكاً، وأهوى إلى الأرض ساجداً ، شكراً لما أنبأه
به رسول الله (صلى الله عليه وآله) من سلامته. ثمّ ضمّه النبيّ (صلى الله عليه
وآله) إلى صدره وبكى وَجْداً به، فبكى عليّ (عليه السلام) لفراق رسول الله (صلى
الله عليه وآله).
وعندما جاء الليل اتّشح عليّ (عليه السلام) ببرد رسول الله (صلى الله عليه وآله)
الذي اعتاد أن يتّشح به، واضطجع في فراش النبيّ مطمئن النفس رابط الجأش ثابت الجنان
مبتهجاً بما أوكل اليه فرحاً بنجاة النبيّ (ص)، وجاء فتيان قريش والشرّ يملأ نفوسهم
ويعلو سيوفهم، وأحاطوا بالبيت وجعلوا ينظرون من فرجة الباب فرأوا رجلاً ينام على
فراشه، فأيقنوا بوجود النبيّ (ص)، ولمّا حانت ساعة تنفيذ خطّتهم; هجموا على الدار،
وكان في مقدّمتهم خالد ابن الوليد، فوثب عليّ (عليه السلام) من فراشه فأخذ منه
السيف وشدّ عليهم فأجفلوا أمامه وفرّوا إلى الخارج...فنزلت في حقّه الآية المباركة:
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاةِ اللهِ وَاللهُ رَءُوفٌ
بِالْعِبَادِ. سورة البقرة : 207