النبي محمد (ص) القدوة
الأعظم
الهدف:
التعرف على جانب من سيرة الرسول الأكرم(ص) والتأسي به.
المحاور:
النبي محمد رحمة للبشر
عبادة رسول الله (ص)
سيرة النبي(ص) الأخلاقية
أحبكم إلى الله أحسنكم أخلاقاً
زهد النبي (ص)
آداب رسول الله (ص)
عطوف رحيم
تصدير:
قال الله تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ
اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ
وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا)[1].
مقدمة:
إذا كان لكل أمّة رسول تقتدي به في جميع شؤونها، ولكل فرد شخصية تكون مثله الأعلى
وقدوته في هذه الحياة، فنحن المسلمين نملك أفضل وأعظم قدوة، إنه سيِّد ولد آدم،
وأفضل الأنبياء المرسلين، وهو القدوة العملية والأُسوة الحسنة للمؤمنين، قال الله
تعالى:
﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ
يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرً﴾[2].
فمَنْ أراد خيرَ الآخرة، وحكمة الدنيا، وعدل السيرة، والاحتواء على محاسن الأخلاق
كلها، واستحقاق الفضائل بأسرها، فليقتدِ بمحمد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم،
وليستعمل أخلاقه، وسيره ما أمكنه.
النبي محمد رحمة للبشر:
عن النبي (ص): (جعل الله الرحمة مائة جزءٍ، فأمسك تسعة وتسعين، وأنزل في الأرض
جزءًا واحدًا، فمن ذلك الجزء تتراحم الخلائق؛ حتى ترفع الدابة حافرها عن ولدها خشية
أن تصيبه) .
- عن الرسول(ص): (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم؛ مثل الجسد؛ إذا اشتكى
منه عضو، تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)
وقد حذَّر النبي (ص) من الغلظة والقسوة، وقال (ص): (لا يرحم اللهُ من لا يرحم
الناس). وقال تعالى:
﴿فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظًا غليظ القلب لانفضوا
من حولك﴾.
عبادة رسول الله (ص):
وردت أحاديثُ كثيرةٌ، ومواقفُ عديدةٌ فَسَّرت وأبانت حقيقة عبادة رسول الله لربِّه
جلَّ وعلا؛ فروي أنَّ نبي الله كان يقوم من الليل حتى تتفطَّر قدماه، عن أبي
جعفر(ع) قال: (وكان رسول الله(ص) يقوم على أطراف أصابع رجله فأنزل الله سبحانه
وتعالى
﴿طه مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى﴾[3])[4].
وعن أبي عبد الله(ع) قال: (ما كان شيء أحب إلى رسول الله من أن يظلّ خائفاً جائعاً
في الله عزّ وجلّ)[5]. وقد تجلّت عبوديته في قوله وسلوكه حتى قال: (قرّة عيني في
الصلاة)، وكان ينتظر وقت الصلاة ويشتدُّ شوقه للوقوف بين يدي الله تعالى، وكان كثير
الدعاء، حتى قال (الدعاء مخ العبادة)[6]. وعن أبي جعفر(ع): (كان رسول الله (ص) عند
عائشة ليلتها، فقالت: يا رسول الله، لِمَ تتعب نفسك وقد غفر الله لك ما تقدّم من
ذنبك وما تأخّر؟ فقال: يا عائشة ألا أكون عبداً شكوراً)[7].
وقد أبان هذا الردُّ الجميل رؤية رسول الله لمسألة العبادة، فهو لا يراها تكليفًا
ربَّانيًّا فقط، بل إنه يقوم بها عن حُبٍّ وإرادة، كنوع من الشكر العميق للإله
القدير الذي أعطى ومنح، وهذا يُفَسِّر أيضًا طول عبادته وشِدَّة إرهاقه لنفسه فيها
وهذا الحُبُّ العميق لعبادة الله -خاصَّة الصلاة- يُفَسِّر أيضًا قول رسول الله
لبلال بن رباح: "قُمْ يَا بِلالُ فَأَرِحْنَا بِالصَّلاةِ". ويقول رسول الله في
حديث آخر: "وَجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلاةِ".
سيرة النبي(ص) الأخلاقية:
لقد ورد في كتب التفسير والتاريخ قصص كثيرة حول حسن خلق الرسول الكريم (صلى الله
عليه وآله وسلم) في عفوه وتجاوزه وعطفه ورأفته، وتضحيته وإيثاره ، روي عن الإمام
الحسين بن علي (عليهما السلام) أنه قال: سألت أبي أمير المؤمنين عن رسول الله كيف
كان سيرته في جلسائه؟
فقال: كان دائم البشر، سهل الخلق، لين الجانب، ليس بفظ، ولا غليظ ولا صخاب، ولا
فحاش، ولا عياب، ولا مداح، يتغافل عما لا يشتهي، فلا يؤيس منه ولا يخيب فيه مؤمليه،
قد ترك نفسه من ثلاث: المراء والإكثار وما لا يعنيه، وترك الناس من ثلاث كان لا يذم
أحداً ولا يعيره، ولا يطلب عثراته ولا عورته ولا يتكلم إلا في ما رجا ثوابه، إذا
تكلم أطرق جلساؤه كإنما على رؤوسهم الطير، فإذا سكت تكلموا، ولا يتنازعون عنده
الحديث[8].
أحبكم إلى الله أحسنكم أخلاقاً:
جاء في حديث عنه (صلى الله عليه وآله): "إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة قائم الليل
وصائم النهار "..ونقل عنه (صلى الله عليه وآله) أنه قال: "أحبكم إلى الله أحسنكم
أخلاقاً، الموطئون أكنافاً، الذين يألفون ويؤلفون. وأبغضكم إلى الله المشاءون
بالنميمة، المفرقون بين الإخوان، الملتمسون للبراء العثرات" ونقرأ في حديث عن رسول
الله (صلى الله عليه وآله): " أكثر ما يدخل الناس الجنة تقوى الله وحسن الخلق".
وورد حديث عن الإمام علي بن موسى الرضا (عليهما السلام) أن الرسول (صلى الله عليه
وآله) قال عليكم بحسن الخلق، فإن حسن الخلق في الجنة لا محالة، وإياكم وسوء الخلق،
فإن سوء الخلق في النار لا محالة "
إن ما يستفاد من مجموع الأخبار المتقدمة بشكل واضح وجلي أن حسن الخلق مفتاح الجنة،
ووسيلة لتحقيق مرضاة الله -عزوجل-، ومؤشر على عمق الإيمان، ومرآة للتقوى
والعبادة...[9]
زهد النبي (ص):
عن النبي(ص) قال: (عرض عليّ ربي ليجعل لي بطحاء مكة ذهباً، قلت: لا يا ربّ ولكن
أشبع يوماً وأجوع يوماً، فإذا جعت تضرّعت إليك وذكرتك وإذا شبعت شكرتك وحمدتك)[10].
آداب رسول الله (ص):
قال ابن شهر آشوب في المناقب: أما آدابه فقد جمعها بعض العلماء و التقطها من
الأخبار، كان النبي (صلى الله عليه وآله):
- أحكم الناس و أحلمهم و أشجعهم و أعدلهم و أعطفهم و أسخاهم لا يثبت عنده دينار و
لا درهم لا يأخذ مما آتاه الله إلا قوت عامه فقط من يسير ما يجد من التمر و الشعير
و يضع سائر ذلك في سبيل الله ثم يعود إلى قوت عامه فيؤثر منه حتى ربما احتاج قبل
انقضاء العام إن لم يأته شيء.
- وكان يجلس على الأرض وينام عليها ويخصف النعل ويرقع الثوب ويفتح الباب ويحلب
الشاة ويعقل البعير ويطحن مع الخادم إذا أعيا ويضع طهوره بالليل بيده ولا يجلس
متكئا ويخدم في مهنة أهله ويقطع اللحم ولم يتجشأ قط ويقبل الهدية ولو أنها جرعة لبن
ويأكلها.
- ويشيع الجنائز و يعود المرضى في أقصى المدينة يجالس الفقراء و يؤاكل المساكين
ويناولهم بيده و يكرم أهل الفضل في أخلاقهم و يتألف أهل الشر بالبر لهم - يصل ذوي
رحمه من غير أن يؤثرهم على غيرهم إلا بما أمر الله و لا يجفو على أحد يقبل معذرة
المعتذر إليه و كان أكثر الناس تبسما.
- لا يجزي بالسيئة السيئة و لكن يغفر و يصفح يبدأ من لقيه بالسلام و إذا لقي مسلما
بدأه بالمصافحة و كان لا يقوم و لا يجلس إلا على ذكر الله و كان يجلس حيث ينتهي به
المجلس و يأمر بذلك و كان أكثر ما يجلس مستقبل القبلة و كان يكرم من يدخل عليه حتى
ربما بسط له ثوبه و يؤثر الداخل بالوسادة التي تحته
-ومما جاء في صفته صلى الله عليه وآله أنه كان يسأل عن أصحابه فان كان أحدهم غائبا
دعا له و إن كان شاهدا زاره وإن كان مريضا عاده و إذا لقيه الرجل فصافحه لم ينزع
يده من يده حتى يكون الرجل هو الذي ينزعها ولا يصرف وجهه عن وجهه حتى يكون الرجل هو
الذي يصرفه و إذا لقيه أحد فقام معه أو جالسه أحد لم ينصرف حتى يكون الرجل هو الذي
ينصرف عنه.
عطوف رحيم:
وكان رسول الله صلى الله عليه واله يواجه صور الأذى والألم، الذي يكيله جهلة قريش
ومشركوها، فكان يواجهه بشعاره الإنساني المعروف (اللهم اغفر لقومي إنهم لا يعلمون)،
فإنه ينطلق بهذه المناجاة إلى الله عزّ وجل من منطلقين:
1- من منطلق رحمته ورأفته بالأمّة، فإنه يحب أن يراها مغفورا لها، ولا يحب لها
العنت والعذاب والأذى كما عرفنا من رقة طبعه وسعة صدره.
2- من منطلق علمه بأنّ شرك هؤلاء ليس من خلال علمهم المضاد، بل من خلال الجهل الذي
يفتقد عنصر العلم والوعي.
[1] الأحزاب: 21
[2] الأحزاب: 21
[3] طه 1-2
[4] أصول الكافي، ج2، ح6
[5] روضة الكافي، ح171
[6] المحجّة البيضاء، 2/ 282
[7] أصول الكافي، ج2، ح6
[8] معاني الأخبار، ص 83
[9] مجمع البيان، ج 1، ص 333
[10] سنن الترمذي، 4/ 518، حديث 2377