تصدير:
"لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط
وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب إنّ
الله قوي عزيز".
الأهداف:
بيان الحاجة إلى الحكومة وعلاقتها بمنظومة الولاية وموقع ولاية الفقيه من هذه
المنظومة وبيان آثار وبركات الثورة الإسلامية.
المحاور:
الحاجة إلى الشريعة والقانون
الحاجة إلى الحكومة.
الولاية ضمانة الاستقامة.
الإمام الخميني والقيام بالقسط.
خاتمة: بركات الثورة الإسلامية.
الحاجة إلى الشريعة والقانون:
إن الإنسان مخلوق له بعد اجتماعي ولا يستطيع أن يستغني في حياته عن المجتمع،
لما في ذلك من منافع حيث إن احتياجاته المادية بل حتى المعنوية والعاطفية، وحاجاته
الحيوانية والإنسانية تتوقف على انخراطه في الحياة الاجتماعية، وسواء كان ذلك على
نحو اقتضاء الطبيعة الإنسانية بالمعنى الغرائزي أو من باب الاضطرار إلى الحياة
الاجتماعية لتأمين احتياجاته المادية والمعنوية؛ فإن هذا البعد الاجتماعي ثابت في
الإنسان، ولكن ولأسباب مختلفة قد يوجد تعارض بين مصالح أفراد وأفراد وجماعات
وجماعات فيختلفون في اقتسام الموارد الطبيعية أو غيرها، وبسبب خلل أخلاقي عند البعض
قد يستأثر البعض بها دون غيره، وبأسباب أخرى قد نراها تافهة كالعصبيات المبنية على
اللون، واللغة والعرق والانتماء الجغرافي، أو المهني أو غير ذلك قد تحصل المشاكل
التي ربما تتورط بها جماعات بل أوطان بل أمم وهذا ما التفت بنو آدم إليه فأدركوا
حاجتهم إلى النظام بالمعنى التشريعي ولعل ذلك تولد من الحاجة والضرورة، ولا شك
عندنا نحن الذين نؤمن بالرسالات السماوية أن يد الغيب امتدت لتعين الإنسان على ذلك
فأرسلت الأنبياء ومعهم الشرائع والدساتير، وقد أشار المولى إلى ذلك في سورة الحديد
حيث قال: "ولقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس
بالقسط..."[1].
فكما يقول صاحب الأمثل : "أما الميزان فيعني وسيلة للوزن والقياس، ومصداقها
الحسي هو الميزان الذي يقاس به كل أعمال الإنسان، وهي الأحكام والقوانين الإلهية أو
الأفكار والمفاهيم الربانية"[2].
الحاجة إلى الحكومة:
ولنعرف ذلك فلنكمل الآية الآنفة من حيث انتهت إذ يقول تعالى: "ليقوم الناس
بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله
بالغيب إن الله قوي عزيز"[3].
يقول صاحب الأمثل في ذلك: "وعلى كل حال فإن الهدف من تعبئة هؤلاء الرجال العظام
بهذه الأسلحة (البينات، والكتاب والميزان) هو إقامة القسط والعدل[4] وإشارة المولى
إلى انزال الحديد ووسمه بأن فيه بأساً شديداً اشارة إلى أن القانون والشريعة لا
يملكان بنفسيهما قدرة تجعل الناس ينضبطون، ومعنى ذلك ضرورة وجود جهاز تكون من مهمته
العمل على تنفيذها ورعاية عدم الخروج عن حدهما مع امتلاكها قوة المعاقبة على
المخالفة وعن ذلك جاء عن الإمام الرضا (ع) في حديث: "فإن قال قائل فلم جعل أولي
الأمر وأمر بطاعتهم؟
قيل لعلل كثيرة:
منها أن الخلق لما وقفوا على حد محدود وأمروا أن لا يتعدوا ذلك الحد لما فيه من
فسادهم، لم يكن يثبت ذلك ولا يقوم إلا بأن يجعل عليهم فيه أميناً، يمنعهم من التعدي
والدخول فيما حظر عليهم، لأنه إن لم يكن ذلك كذلك لكان أحد لا يترك لذته ومنفعته
لفساد غيره، فجعل عليهم قيماً يمنعهم من الفساد ويقيم فيهم الحدود والأحكام"[5].
وهذه الرواية عن الإمام الرضا (ع) تصرح بأن وجود النظام والشريعة المعبر عنها
بإيقاف الخلق على حد محدود لا يكفي وحده لمنع التعديات ورفع الفساد فمما لا شك فيه
أن وجود النظام مهما كان تاماً وشاملاً وحتى لو كان اعجازياً لا يمنع من وجود أشخاص
يسلكون طريق الطغيان ويواجهون ويقاومون العدل والانصاف ولذا جاءت تتمة الآية من
سورة الحديد لتقول: "وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من
ينصره ورسله بالغيب إن الله قوي عزيز"[6].
الولاية ضمان الاستقامة:
وبنفس نص سورة الحديد مع ربط ما تقدم بها يتضح أن القيادة لمشروع القسط والعدل
وبسطه ونشره في شتى نواحي الحياة الانسانية هي القيادة الإلهية؛ المعبر عنها
بالولاية المنصوبة من المولى عز وجل والمدلول عليها بالنص الإلهي؛ وقد ألفت الإمام
الرضا (ع) إلى هذه الضمانة بما سلف مما أوردناه من الرواية عنه حيث عبر (ع) عن ذلك
بالقول: "فجعل عليهم قيماً يمنعهم من الفساد، ويقيم فيهم الحدود والأحكام" وعلى
هذا جرت سيرة الإسلام فكانت حادثة الغدير وكان قوله تعالى: "يا أيها الرسول بلغ ما
أنزل من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس[7]".
وجاء النص القرآني ليحدد شخص الولي: "إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين
يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون"[8].
فكان هذا النص بياناً كاشفاً عن القيّم والولي والإمام الذي يقود الناس في حركتهم
نحو إقامة العدل والقسط وكان الولي الإمام علي (ع).
الإمام الخميني (قده) والقيام بالقسط:
ولقد واجه المسلمون وخصوصاً المؤمنين بمنظومة الولاية معضلة إقامة الحكومة
العادلة وفق الدين الاسلامي بعد غيبة الإمام الثاني عشر (عج) وكانت نظرية ولاية
الفقيه التي تعني قيام الفقيه الحائز على شرائط الولاية فقام بالنيابة عن المعصوم
وفي زمن غيبته بإدارة شؤون الأمة؛ إذ إن مبررات وجود الحكومة هي أمور إضافة إلى
شمولية أحكام الاسلام لكافة نواحي الحياة بما فيها شؤون الحكم وإدارته، حاجة البشر
وضرورات الحياة الاجتماعية من أمن، واقتصاد، وعدالة، وتربية وتعليم ومصالح عامة
وبسط النظام ومنع الفوضى أو ما يعبر عنه بالهرج والمرج.
وإن نظرية ولاية الفقيه قائمة على مسألة لا بدية وجود حكومة اسلامية ينتظم فيها
الناس أفراداً وجماعات على وفق الشرع الحنيف وهذه اللابدية لا يفرّق فيها بين زمن
حضور المعصوم أو غيبته، فالبشرية ولا أقل المسلمون واسلامهم يحتاج إلى من يتولى هذه
المهمة.
لقد جاء الإمام الخميني (قده) ليحول ولاية الفقيه من نظرية تُبحث بين جدران الحوزات
العلمية وتسطر على صفحات الكتب الاستدلالية إلى مشروع استنهض على أساسه الأمة؛ فهو
قام بكل شجاعة بالمبادرة إلى التنظير للثورة على ضوء نظرية ولاية الفقيه وعبأ طلبة
العلوم الدينية على أساسها وليقوم مع تلامذته ومريديه باستنهاض الأمة على أساس
ولاية الفقيه؛ لقد دفع الإمام بحركته الفكرية ومن ثم العملية الناس ليتحملوا
مسؤولية القيام بالقسط.
فكانت ثمرة ذلك أن ولدت الجمهورية الاسلامية وعلى رأسها الولي الفقيه.
وكان دليل تولي الفقيه قيادة هذا النظام كونه من توابع منظومة الولاية أدلة عقلية
منها أن الحكومة الاسلامية قانونها الاسلام أي عليها تطبيق الشريعة الاسلامية
وبالتالي فمهمة الحاكم الاسلامي تطبيق احكام الدين الاسلامي وعليه فلا بد للحاكم
الاسلامي من صفتين الأولى العلم الواسع بالإسلام وأحكامه وهذا يعني الفقاهة
والثانية الأمانة في تطبيق هذه الأحكام وهذا يعني من جهة كونه على درجة عالية من
التقى والورع (أي العدالة) وكونه ذا كفاءات قيادية وإدارية.
خاتمة:
من بركات الثورة الاسلامية:
إنّ أول وأعظم بركة من بركات حركة الإمام الخميني (قده) ونظرية ولاية الفقيه هي
الثورة الاسلامية والتي أنتجت الجمهورية الإسلامية؛ بانية صروح عزة ومنعة وبهاء
وهيبة الإسلام والأمة الإسلامية في عصر الجبابرة والمستكبرين الذي نعيشه.
ومن بركاتها أيضاً أنّ
الإسلام ككل أصبح فاعلاً في الحياة ومؤثراً في السياسة والفكر ومطروحاً كحل لمشكلات
العالم وقبلة أنظار بل قلوب المستضعفين في العالم؛ ومن ثمار الثورة كذلك المقاومة
الاسلامية في لبنان بل حتى في فلسطين والتي سطرت الانتصارات انتصاراً بعد انتصار.
ومن ثمراتها تلك الروح التحررية لدى الشعوب الاسلامية وقيامها بوجه الطغاة.
ومن بركاتها إعادة ثقة الأمة باسلامها عقيدة وشريعة ونظاماً.
ومن بركات الثورة كذلك أنها قدمت بعد رحيل الامام نموذجاً آخر من الفقهاء القادة
تمثل بالإمام الخامنئي الذي تسلم دفة قيادة سفينة الأمة في بحور الزمن المتلاطمة
بكل كفاءة وجدارة.
ولئن كانت الثورة الاسلامية استجابة من الأمة لتقوم بالقسط فإن الإمام الخامنئي
يكمل استنهاض الأمة وبناء قوتها ليقوم كل الناس في أوسع دائرة على طول مساحات
الانسانية بالقسط لعل ذلك يستقدم الغائب من غربته، ليتحقق بذلك حلم الأنبياء (ع).
[1] الحديد / 25.
[2] الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، الشيرازي، ج 18، ص 72.
[3] الحديد / 25.
[4] الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، الشيرازي، ج 18، ص 72.
[5] علل الشرائع، الصدوق، ج 1، ص 253.
[6] الحديد / 25.
[7] المائدة / 67.
[8] المائدة/ 55.