تصدير:
عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "السَّلام عليكَ يا رسولَ اللَّه عني, والسَّلام
عليكَ عن ابنتِكَ وزائرتِكَ والبائتةِ في الثَّرى ببُقعتِكَ, والمختارِ اللَّه لها
سرعةَ اللِّحاقِ بكَ, قَلَّ يا رسولَ اللَّه عن صَفيَّتِكَ صَبري.."[1]
الأهداف:
بيان شيء من فضائل الزهراء (عليها السلام) والحثّ على معرفتها والاقتداء
بها.
المحاور:
- الزهراء (عليها السلام) فوق الوصف.
- بعض من ظواهر الفضائل الفاطمية:
1- شبيهة رسول الله (صلى الله عليه وآله).
2- الوجود النوراني.
3- مقامها عند المعصومين.
- خاتمة: قدوة المهدي (عجل الله فرجه الشريف).
مقدمة: الزهراء (عليها السلام) فوق الوصف:
عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سمعته يقول في حديث منه: "...
وإنا لا نوصف وكيف يوصف قوم رفع الله عنهم الرجس وهو الشك..."[2].
يقول الإمام الخامنئي (دام ظله): "لا تنحصر فيوضات السيّدة فاطمة الزهراء (عليها
السلام)، بمجموعة صغيرة تُحسب كمجموعة محدودة في مقابل مجموعة الإنسانيّة. لو أنّنا
نظرنا بنظرة واقعيّة ومنطقيّة، فإنّ البشريّة مرهونة لفاطمة الزهراء (عليها
السلام)، وليس هذا جزافاً، إنّها حقيقة، كما أنّ البشريّة مرهونة للإسلام والقرآن
ولتعاليم الأنبياء (عليهم السلام)، والنبيّ الخاتم (صلّى الله عليه وآله وسلّم).
وقد كان هذا الأمر دوماً على مرّ التاريخ وهو اليوم كذلك، وسوف يزداد تألّق نور
فاطمة الزهراء (عليها السلام)، وسوف تتلمّس البشريّة ذلك.
إنّ هذا الخير الكثير الّذي أعطاه الله تعالى، في سورة الكوثر المباركة كبشارة
للنبيّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وقال: ﴿إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ
الْكَوْثَرَ﴾، حيث إنّ تأويله هو فاطمة الزهراء (عليها السلام)" .
وكفى بشهادة الولي الفقيه لنستفيد منها أنه مهما كان القول بليغاً والبيان جميلاً
والعبارات رائعة ومهما كانت المعاني متسامية فإن البيان يشهد بعجزه عن تعريف هذا
الشخص النوراني والوجود الملكوتي، ولذا عبرت الأحاديث عن هذه الحقيقة إذ ورد فيها
أنها "إنما سُمِّيَت فاطمة لأنّ الخلقَ فُطموا عن معرفتها"[3] فإن كان الخلق
مفطومين عن المعرفة فهل تكون لهم القدرة على بيان ووصف حقيقتها.
ولكن لماّ كانت المعرفة التامة متعذرة والبيان أخرسَ عن ذلك، لكن لا شك أنه ثمة ما
يمكن معرفته وبيانه من عظمةٍ ومقامٍ ووجودٍ بحسب المتيسر لأفهامنا وذلك من خلال ما
منّ الله به علينا من حقيقتها (عليها السلام) عبر ألسنة الصدق أعني محمداً والأئمة
عليهم أفضل الصلاة والسلام.
بعض من ظواهر الفضائل الفاطمية:
لقد كان النبي الأكرم خاتم الأنبياء والرسل, لذا مقتضى ذلك أنه رأس هرم
البشرية من حيث الكمالات والصفات، وهو متربع على عرش وقمة المقامات، ودينه قمة
الأديان، ولذا كان كذلك وصيه علي (عليه السلام) سيد الأوصياء والأئمة سادة الخلق
دنياً وآخرة، وبقي أن نموذج المرأة الذي قدمه الإسلام للبشرية هو الزهراء (عليها
السلام) التي بالنص النبوي سيدة نساء العالمين قاطبة، فيما مريم سيدة نساء عالمها.
ومن فضائلها الكاشفة عن شيء من سمو مقامها ما يلي:
1- شبيهة رسول الله (صلى الله عليه وآله) في الخَلق
والخُلُق:
هناك أحاديث كثيرة في كتب المسلمين عامة مروية في فاطمة الزهراء (عليها
السلام) وفضائلها ومنها ما روي عن عائشة أم المؤمنين إذ تقول: " أقبلت فاطمة تمشي
كأن مشيتها مشية رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) "[4]
ومما قالته كذلك: " ما رأيت أحدا أشبه سَمْتاً وَدَلّاً وَهَدْياً برسول الله في
قيامها وقعودها من فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله "[5].
وصحيح أن المشي أمر تكويني لكن الزهراء (عليها السلام) كانت تامة الشبه به من حيث
التكوين وكذلك من حيث الخُلُق ومن حيث الجوانب المعنوية والعملية.
ومنها حديثها حيث تقول: "ما رأيت من الناس أحداً أشبه كلاماً وحديثاً برسول الله
(صلى الله عليه وآله) من فاطمة...".[6]
ويكفي للدلالة على تمام الشبه والمسانخة ما جاء عنه (صلى الله عليه وآله): "فاطمة
أم أبيها".[7]
فمن جملة معاني هذه الرواية المستفادة بالتأمل أو من معنى الأم أنها الأصل والمآل،
أن درجة المسانخة بين النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) وابنته وصلت إلى درجة يخال
المرء أو فقل يصح أنه يحسب المرء أنها هي الأصل والمجمع لتلك الصفات، ولو جاز لنا
التعبير لقلنا أن فاطمة (عليها السلام) هي التجلي المحمدي في عالم النساء. وهذا ما
يناسب أن تكون النموذج الذي قدمه الله ليباهي به نصارى نجران، فعبر عنها بـ
"نساءنا" مع انها امرأة واحدة. ولئن كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) أعبد الخلق
ولقد قام يصلي حتى تورمت قدماه، فكذلك السيدة الزهراء (ع) التي يشهد لها بأنها لم
يُر أعبد منها، فقد كانت كأبيها تقف في محرابها حتى تتورم قدماها.
وقد جاء في ما يكشف شيئاً من حقيقة عبادتها أنها عندما تدخل الجنة يوحي الله عز وجل
إليها: "يا فاطمة! سليني أعطك وتمني علي أرضك فتقول: إلهي أنت المنى وفوق
المنى...".[8]
2- الوجود النوراني:
ويتجلى ذلك في ما جاء به التفسير لآية النور أن المقصود من المشكاة التي
تحمل المصباح هو فاطمة (عليها السلام).
ويؤيد ذلك ما جاء به الملك من السماء بأمر تزويجها من الإمام علي بن أبي طالب (عليه
السلام): "يا محمد بعثني الله عز وجل أن أزوج النور من النور"[9].
فلا عزو أن تكون وجوداً نورانياً بعد أن كان أبوها وجوداً نورانياً بنص الكتاب:
﴿وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا﴾[10].
وكانت كذلك حاملة لأنوار الأئمة الذين منهم الحسين (عليه السلام) الذي علمنا أئمتنا
أن نقول فيه في متون بعض الزيارات: " ...كُنْتَ نُوراً فِي الأصلاب الشّامِخَةِ،
والأرحام الْمُطَهَّرَةِ...".[11]
وهذا النور الملكوتي لفاطمة (عليها السلام) كان له انعكاسان في عالم الملك - عالم
الدنيا - شهد به بعض من عايشها ومنهم زوج أبيها عائشة إذ تقول: "كنّا نخيط، ونغزل،
وننظم الإبرة باللّيل في ضوء وجه فاطمة (عليها السلام)".[12] نعم لقد كان النور
الفاطمي نفاذاً تجاوز الأبعاد والعوالم المعنوية ليتجلى في عالم المادة في عالم
الظاهر.
ولذا فإن نورها كان أكثر ما يتجلى عندما كانت تقف مصلية لربها يزهر نورها لأهل
السماوات كما يزهر الكوكب الدري لأهل الأرض... كما جاء في بعض الروايات عن سر
تسميتها بالزهراء.
3- مقامها عند المعصومين (عليهم السلام):
وهذا مما يكشف عن شيء من عظمة الزهراء وفضائلها. فهذا رسول الله (صلى
الله عليه وآله) يقول: "فاطِمَة بَضْعَةٌ مِنّي مَنْ آْذاهَا فَقَدْ آذانِي، ومن
آذانِي فقد آذى الله".[13] وأشد من ذلك كونها في ما نصت عليه بعض النصوص: "يرضى
الله لرضاها ويغضب لغضبها".[14] وهذا يكشف ارتفاع الحجب بين فاطمة (عليها السلام)
وربها لتصبح مشاعرها تجلياً لإرادة المولى، ولا يكون ذلك إلا إذا كانت عواطفها
ومشاعرها وحركاتها وسكناتها لله، وهو كذلك يكشف عن حقيقة مقامها منه (صلى الله عليه
وآله) إذ يقول: "فاطِمَة بَضْعَةٌ مِنّي وَهِيَ قَلْبِيْ وَهِيَ روُحِي التي بَيْنَ
جَنْبِيّ".[15] فإذا كانت بنصه (صلى الله عليه وآله) روحه التي بين جنبيه فهذا كاشف
عن شدة إلتصاق ذينك الوجودين لدرجة أنها لم تطق البقاء بعده إلا برهة بسيطة من
الزمن فكان أن التحقت روحه به (ص) بعد معاناة لا أبالغ إن قلت إن أصعبها إطلاقاً
كان البقاء على قيد الحياة بعد إرتحال الرسول الأكرم عن الدنيا.
ولنعد لنرى ماذا بقول علي (عليه السلام) عن فاطمة زوجه، ويكفي في ذلك ما جاء عن
لسانه مخاطباً رسول الله (صلى الله عليه وآله) عند شهادة الصديقة الكبرى: " قل يا
رسول اللَّه عن صفيتك صبري..".[16]
فيا عجباً على من يتحمل كل مصائب الدنيا ويتجلد ويتصبر لما نزل به من شدائد ولكن
صبره يقل عند مصابه بالزهراء (عليها السلام).
ومما جاء على لسان الأئمة ما يكشف عن مقامها ما روي عن الإمام الحسن العسكري (عليه
السلام): "نحن حجج الله على خلقه، وجدتنا فاطمة حجة الله علينا". التي لها معاني
عميقة ومحامل مختلفة منها أن فاطمة الزهراء (عليها السلام) إحدى الروافد التي جعلها
الله تعالى لإيصال العلم إلى الأئمة (عليهم السلام) كما كان القرآن والسنة والعلم
اللدني... وأبرز ذلك الصحيفة الموسومة بإسمها والتي هي من الإرث العلمي الذي
يتوارثه الأئمة عن بعضهم.
خاتمة: الزهراء (عليها السلام) أسوة المهدي (عجل الله
فرجه الشريف):
في أحد توقيعات الإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف) نجده يكتب بأن له
بأمه فاطمة أسوة وقدوة...
فالمهدي محقق الوعد الإلهي، وخلاصة النبوات وصفوة الأولياء وبقية الله في أرضه وعين
الله في خلقه ونور الله الذي يهتدي به المهتدون ويفرَّج به عن المؤمنين, يقول إن
الزهراء (عليها السلام) أسوته وقدوته... فهي بالنسبة إليه في عالم غربته ودنيا
غيبته أنيس يساعده تذكرها على تحمل كل ذلك ويشحنه بالقوة ليقوم بأعباء ما كلفه به
الله تعالى.
ولعل ذلك فيه إلفات إلى المنتظرين والمنتظرات أن يتخذوا من الزهراء (عليها السلام)
أسوة وقدوة ليستطيعوا تحمل آلام الغيبة لولي الأمر وما يكابدونه من مَشَاق في تلك
الفترة الطويلة.
نعم إخوتي وأخواتي لنتخذَ الزهراء عليها السلام قدوة وليكون الإقتداء مصباحنا الذي
ينير فيطردَ الظُلمةَ في ليل الانتظار الحالك.
[1] الوافي، الفيض
الكاشاني، ج 3، ص 748.
[2] أصول الكافي، الشيخ الكليني ج 2، ص182.
[3] بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج43، ص65.
[4] بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج 43، ص 51.
[5] بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج 37، ص 71.
[6]بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج43، ص25.
[7] المعجم الكبير، الطبراني، ج 22، ص 397.
[8] بيت الأحزان، الشيخ عباس القمي، ص43.
[9] الكافي، الشيخ الكليني، ج 1، ص 461
[10] سورة الأحزاب ، الآية : 46.
[11] إقبال الأعمال، السيد ابن طاووس، ج3.
[12] شرح إحقاق الحق، السيد المرعشي، ج10، ص244.
[13] مرآة العقول في شرح أخبار الرسول، العلامة المجلسي، ج26، ص193.
[14] الاحتجاج، الشيخ الطبرسي، ج2، ص103.
[15] بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج43، ص54.
[16] الوافي، الفيض الكاشاني، ج 3، ص 748.