تصدير:
في دعاء الإمام الهادي (عليه السلام): "اللهم فصلِّ على محمد وآله
ولا تقطع بيني وبينهم في الدنيا والآخرة واجعل عملي بهم متقبلاً".[1]
الأهداف:
بيان الأوضاع التي عاصرها الإمام الهادي (عليه السلام) وأساليبه في
مواجهتها والإضاءة على ثقافة الزيارة بالخصوص.
المحاور:
1- بطاقة هوية.
2- الأوضاع التي عايشها الإمام الهادي (عليه السلام)
3- في مواجهة الأوضاع
4- ثقافة الزيارة
5- خاتمة: لماذا الزيارة؟
المقدمة: بطاقة هوية الإمام الهادي (عليه السلام):
الإمام علي بن محمد الهادي أحد العسكريين وأولهما، هو الإمام العاشر من
أئمة أهل البيت (عليهم السلام) أبوه الإمام محمد بن علي الجواد (عليه السلام) وأمه
أم ولد يقال لها: سمانة المغربية وعرفت بأم الفضل، وكانت ولادته (عليه السلام) في
قرية ضريا التي تبعد عن المدينة المنورة ثلاثة أميال أما زمان تلك الولادة فثمة
روايات مختلفة منها رواية أن مولده الشريف كان في الثاني من رجب سنة 212 هـ أو 214
هـ، وأم إمامته فكانت سنة 220 هـ وبالتالي لم يكن عمره حينها يزيد على ثماني سنوات،
وكانت إمامته تشكل المصداق الثاني للإمامة المبكرة بعد إمامة أبيه الإمام الجواد
(عليه السلام).
وأما شهادته فكانت بالسم الذي دسته له السلطة العباسية في زمن المعتز العباسي سنة
254 هـ؛ وعليه فإن مجموع عمره الشريف يتراوح ما بين أربعين إلى اثنتين وأربعين سنة
ومدة إمامته تبلغ أربعاً وثلاثين سنة.
عاشها بمجملها تحت مراقبة السلطة
الحاكمة بعد أن أشخصه المتوكل إلى سامراء وكانت مدة بقائه في سامراء حوالي عشرين
سنة انتهت كما ذكرنا بشهادته مسموماً.
الأوضاع الي عايشها الإمام الهادي (عليه السلام):
لقد واجه الإمام علي الهادي (عليه السلام) عصراً شهد بداية ضعف الدولة
العباسية وسيطرة الترك على مقاليد الأمور حتى أن الولاة كانوا يشترون وظائفهم من
الوزراء وانتشرت الفوضى وفقد الأمن وساد السلب والنهب فيما انشغل السلاطين باقتناء
القصور. وأشد من عاصر الإمام الهادي من الخلفاء كان المتوكل العباسي الذي كان شديد
الحقد على آل البيت وخصوصاً الإمام علي (عليه السلام) وأخذ يضطهد العلويين وينكل
بهم حتى فرض عليهم الحصار الإقتصادي ومنع البر بهم وعاقب على الإحسان إليهم فأضر
بهم أضراراً بليغة حتى انتهى بهم الحال أن القميص الواحد بين جماعة من العلويات
تصلي فيه واحدة بعد واحدة وكنَّ يرقعنه ويجلسن على مغازلهن عواري حواسر.[2]
وعمد المتوكل كما أسلافه ومن خلفه من حكام بني العباس إلى عزل الإمام عن قواعده
تمهيداً لشرذمتها وضربها وإيجاد اليأس في قلوبها واستفرادها بعيداً عن قائدها. وهو
الذي أشخص الإمام الهادي إلى سامراء ليجعله تحت إقامة جبرية يعزله بذلك عن الناس
ويجعله تحت رقابته الدائمة إما لاستقطابه إلى جانب العباسيين أو للإيقاع به أو
محاولة الحط من مقامه من خلال مواجهته بأسئلة علماء البلاط العباسي التي تهدف إلى
إحراجه وإسقاطه (عليه السلام). ولكن كل ذلك لم يفلح ومن جملة ما قام به هذا الطاغية
أنه واصل ممارسة أعماله العدائية ضد أهل البيت وخطهم "حتى أنه هدم قبر الحسين (عليه
السلام) وعفى آثاره".[3]
أضف إلى ما أثارته بعض القوى الحاقدة على الإسلام من شكوك كثيرة على العقيدة
الإسلامية، وزاد الأمر سوءاً بروز مجموعات أثارت البدع من خلال الغلو بأهل البيت من
جانب ومن جانب آخر مارست التهتك بترك الفرائض والسنن وإسقاطها والتشجيع على إقتراف
المآثم حيث عمدت إلى تأويل الفرائض بتفسيرات بعيدة عن منهج الإسلام.
في مواجهة الأوضاع:
لقد عمل الإمام الهادي على مواجهة الظروف والأوضاع بجملة من الأفعال
والإجراءات فهو عمد إلى ما يلي:
1- محاولة التكيف مع الظروف الصعبة: لكن دون الوقوف مكتوف الأيدي أي ممارسة
العمل مع الحذر الأمني وبه كان يوصي أنصاره وشيعته قائلاً: "إن تارك التقية كتارك
الصلاة".[4]
2- المواجهة العلمية: برد
الشبهات والإجابة على الأسئلة ومنها لما طلب المتوكل من ابن السكيت أن يسأل الإمام
مسألة عوصاء بحضرته فخرج الإمام منها ظفراً ومن ذلك ما قال يحيى بن أكثم للمتوكل:
"ما أحب أن تسأل هذا الرجل عن شيء بعد مسائلي هذه، وأنه لا يرد عليه بشيء بعدها إلا
دونها وفي ظهور علمه تقوية للرافضة".[5]
3- الرعاية الإقتصادية والإجتماعية للمؤمنين: مما جاء في ذلك: "وكان الهادي
يستلم الأموال الطائلة، بالطرق السرية والعلنية الممكنة من مواليه كالزكاة والخمس
والخراج، ويصرفها في المصالح الإسلامية العامة لحركته بعيداً عن أعين الحكام
والعاصمة العباسية".[6]
4- اعتماد نظام الوكلاء: لأجل التواصل مع أنصاره وإدارة وتدبير شؤونهم
وإيصال رسائله وتوجيهاته لهم.
5- التحصين الثقافي والعقائدي والتربوي: من خلال جملة من الأمور منها تربية
العلماء وتبجيلهم، وكان من جملة ذلك موضوع ثقافة الدعاء والزيارة.
ثقافة الزيارة:
من أهم وأخطر ما واجهه التشيع هو محاولة العباسيين وعلى رأس هؤلاء كان
المتوكل العباسي محاولة توهين مقام أهل البيت (عليهم السلام) والنيل منهم ومن عقيدة
الناس فيهم ولقد كان من ما فعله خلفاء بني العباس إغداقهم الأموال للشعراء والعلماء
الذين ينالون من التشيع والأئمة (عليهم السلام)؛ وقد روى التاريخ الكثير مما فعله
المتوكل للنيل من الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) في مجالس لههو وسكره، وكذلك
محاولته منع الزيارة عن مقام الإمام الحسين (عليه السلام) بأساليب شتى منها فرض
الغرامات الكثيرة والباهظة إلى ما روى من إجراءات فظيعة تقضي ببتر بعض أطراف الزوار
بل قتل بعضهم، إلى محاولة طمس معالم القبر الشريف لسيد الشهداء بحرثه وهدمه.
وكان من أبرز أساليب مواجهة الإمام الهادي عليه السلام لذلك كله إعتماد ثقافة
الدعاء والزيارة ولذا فقد روي عنه زيارات متعددة للأئمة (عليهم السلام) ويأتي في
رأسها الزيارة الجامعة، وزيارة أمير المؤمنين (عليه السلام) في يوم الغدير.
فبالنظرة الإجمالية إلى مضامين تلك الزيارات نجد ذلك التأصيل للمعارف الحقة والبناء
لأسس ذلك الدين القيم لا سيما مسألة الإمامة والولاية، والتأكيد على حقانية مذهب
أهل البيت وأحقية أئمة أهل البيت (عليهم السلام) في كونهم ولاة الأمر ويمكن إجمال
ما جاء في هذه الزيارات بذكر شيء من ما ركزت عليه ومنها:
1- التأكيد على مكانة أهل البيت (عليهم السلام): فقد ورد في وصفهم في
الزيارة الجامعة بالقول: "مَعْدِنَ الرَّحْمَةِ، وَخُزّانَ الْعِلْمِ،
وَمُنْتَهَى الْحِلْمِ، وَاُصُولَ الْكَرَمِ، وَقادَةَ الاْمَمِ، وَساسَةَ
الْعِبادِ، وَاُمَناءَ الرَّحْمنِ، وَاَئِمَّةِ الْهُدى، وَوَرَثَةِ الاْنْبِياءِ،
وَحُجَجِ اللهِ عَلى اَهْلِ الدُّنْيا وَالاْخِرَةِ وَالاْولى".[7]
2- ضرورة الإعتقاد بخصائصهم: ومما ورد في ذلك: " اَشْهَدُ اَنَّكُمُ
الاَئِمَّةُ الرّاشِدُونَ الْـمَهْدِيُّونَ الْمَعْصُومُونَ الْمُكَرَّمُونَ
الْمُقَرَّبُونَ الْمُتَّقُونَ الصّادِقُونَ الْمُصْطَفَوْنَ الْمُطيعُونَ
للهِ...".[8]
3- الإعتراف بفضلهم وأياديهم على الدين وأهله: وفي ذلك ورد أيضاً: "
وَجاهَدْتُمْ فِى اللهِ حَقَّ جِهادِهِ حَتّى اَعْلَنْتُمْ دَعْوَتَهُ،
وَبَيَّنْتُمْ فَرائِضَهُ، وَاَقَمْتُمْ حُدُودَهُ، وَنَشَرْتُمْ شَرايِعَ
اَحْكامِهِ، وَسَنَنْتُمْ سُنَّتَهُ، وَصِرْتُمْ فى ذلِكَ مِنْهُ اِلَى الرِّضا،
وَسَلَّمْتُمْ لَهُ الْقَضاءَ..."[9]
4- المقام المعنوي للأئمة (عليهم السلام): وفي ذلك قوله في الزيارة الجامعة:
" خَلَقَكُمُ اللهُ اَنْواراً فَجَعَلَكُمْ بِعَرْشِهِ مُحْدِقينَ حَتّى مَنَّ
عَلَيْنا بِكُمْ، فَجَعَلَكُمْ فى بُيُوت اَذِنَ اللهُ اَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ
فيهَا اسْمُهُ...".
5- بيان بركات وجودهم الشريف: وفي ذلك: " وَجَعَلَ صَلَواتِنا عَلَيْكُمْ
وَما خَصَّنا بِهِ مِنْ وِلايَتِكُمْ طيباً...".
خاتمة: لماذا الزيارة؟
مما سبق يمكن أن نستفيد ما يلي من فوائد الزيارة عملاً ومن مضامينها:
1- اكتساب المعارف الحقة وتصويب الاعتقاد على ضوء مضامين تلك الزيارات التي
شحنها أئمة أهل البيت بالمعارف والعلوم.
2- بناء العلاقة الواعية عند الزائرين بالمزورين وتمظهر العلاقة القلبية بسلوك عملي
هو سنن الزيارات ومستحباتها في الأفعال والأقوال.
3- الزيارة بحد ذاتها نوع من العرفان بفضل الرسول (ص) وأهل بيته عليهم السلام وهي
عمل له طابع الشكر والإعتراف بمقام المزور ودوره.
4- تعميق الرابطة الشخصية بين الزائر والمزور، ومرجعية المزور للزائر وكونه ملاذه
الذي جعله الله وسيلة إليه في الدنيا والشفيع في الاخرة.
5- الزيارة في الصورة وفي المضمون لها بعدها الإجتماعي من خلال التقاء المحبين حول
المشاهد المشرفة لأناس تجتمع حولهم القلوب وتتوجه إليهم النفوس بعنوان كونهم قادة
وسادة وولاة أمر وقدوات بما يعزز الروابط بين المحبين والموالين.
6- وأخيراً فإن الزيارة تؤكد مضمون ما جاء من كونهم (عليهم السلام) "الرحمة
الموصولة" التي لا تنقطع برحيلهم عن دار الدنيا. ولذا فنسأل الله أن لا يحرمنا في
الدنيا ولايتهم وزيارتهم وفي الآخرة شفاعتهم.
[1] مصباح المتهجد ص 239.
[2] مقاتل الطالبيين.
[3] الكامل في التاريخ، ج5، ص304.
[4] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج 10، ص 131.
[5] الإحتجاج، ج2 ص251- 260.
[6] المناقب، ج3، ص512
[7] مفاتيح الجنان – الزيارة الجامعة
[8] مفاتيح الجنان – الزيارة الجامعة
[9] مفاتيح الجنان الزيارة الجامعة