المسجد بيت الحبيب
تصدير:
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): "من ألف المسجد ألفه الله".[1]
الأهداف:
بيان معنى عمارة المسجد وبركاته.
المحاور:
1- أساس المسجد التقوى.
2- من بركات زيارة المسجد:
o الأمان
o الضيافة
o زيارة الله
مقدمة: أساس المسجد التقوى
إن المطلع على الروايات الشريفة الواردة في كتب الحديث مع إطلالته على معاني ما جاء
في الكتاب الكريم حول عمارة المساجد، وهو قوله تعالى:
﴿إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ
اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى
الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللّهَ فَعَسَى أُوْلَئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ
الْمُهْتَدِينَ﴾.[2] يجد أن ثمة مصداقين لعمارة المساجد، الأول العمارة المادية
وتشمل البناء وملحقاته من أثاث وتجهيزات ومرافق وهذا من الأمور الموعود عليها
بالجزاء الجزيل، وصحيح أن بعض الناس قد يكونون ممن أنعم الله عليهم فيقومون ببذل كل
ما يحتاجه بناء المسجد، أي أن يكون البناء الكامل على عهدتهم، وقد ورد في ثواب ذلك
عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): "من بنى مسجداً كمفحص قطاة بنى الله له
بيتاً في الجنة".[3]
على أن العبارة مسوقة على نحو من المبالغة لتقول إن من يقدر على بناء مسجد مهما صغر
حجمه حتى لو كان غاية ما يتسع له هو مقدار مصلٍ واحد فهذا يوجب له الجنة.
وكون مفحص القطاة وهو المحل التي تجثم فيه وتبيض لا يمكن إتساعه لمصل واحد قد يصلح
للإشارة إلى من يساهم في بناء المسجد بأي مقدار مع عدم قدرته على تحمل تكلفة بنائه
كاملاً فثوابه من الكريم بيت في الجنة. فمن لا يستطيع بناء مسجد كامل فليساهم في
بنائه حيث إن الله الواسع الكريم كما يقبل الكثير فإنه يقبل اليسير ويجزي عليه. فعن
الإمام الصادق (عليه السلام): "لو جرى المعروف على ثمانين كفاً لأجروا كلهم من غير
أن ينقص صاحبه من أجره شيئاً".[4]
ولهذا النحو من البناء والمساهمة فيه ليترتب الأجر شروط منها: حلية المال الذي يبنى
منه المسجد أو يساهم فيه في بنائه، والثاني الإخلاص وشرائط أخرى ذات أبعاد إيمانية
وإجتماعية.
فالتاريخ يروي لنا قصة مسجد ضرار حتى إن التعبير القرآني عنه كان شديداً وقوياً حيث
قال تعالى: (وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا
بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِّمَنْ حَارَبَ اللّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ
وَلَيَحْلِفَنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الْحُسْنَى وَاللّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ
لَكَاذِبُونَ).[5]
فالبانون كانوا حساداً لمن بنى مسجد قبا ومنافقون ويريدون الصلاة فيه حتى لا يحضروا
الجماعة مع النبي بل وكانوا يريدون اتخاذه وسيلة للتجسس على المؤمنين؛ ولما دعوا
رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ليصلي فيه استمهلهم ليعود من غزوة تبوك وفي
تلك الأثناء نزل قوله تعالى: (لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا).[6]
والرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أطاع الأمر الإلهي بل لم يكتف بعدم الصلاة فيه
إذ أمر المسلمين بإحراقه وتخريب جدرانه وتهيئته ليكون مرمى للنفايات، وهذا ينبىء عن
العمل الذي يعمل لغير الله تعالى فإذا كان المسجد المبني لغير الله هذا مصيره فما
هو مصير غيره.
ومن هنا جاء البيان الإلهي محدداً المسجد الذي يفترض إحياؤه وعمارته إذ قال:
﴿ لاَ
تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ
أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَاللّهُ
يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ﴾.[7]
من بركات زيارة المساجد
إن الله تعالى نسب أموراً إلى نفسه فمنهم الملائكة كجبرئيل(عليه السلام) أمين الوحي
وباقي الملائكة الذي يكلفهم تعالى بأمور ذات أبعاد مختلفة فيكون الملائكة منسوبين
إليه تعالى كما في قوله:
﴿وَلَمَّا جَاءتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى
قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا
ظَالِمِينَ﴾.[8]
وأخرى ينسب الكتب إليه فهذا القرآن كتاب الله، وأخرى الزمن هو المخصوص بالنسبة
فتكون الأيام أيام الله:
﴿وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللّهِ﴾.[9]
وهذه الأيام أيام نزول القرآن كتاب الله على رسول الله فيكون الزمن شهر رمضان، شهر
الله...
وكذلك البشر عندما ينسبهم إليه يكونون كما قال الطفل عيسى (عليه السلام):
﴿قَالَ
إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّ﴾.[10]
ومن الأمكنة ما ينسب إليه فتكون بذلك المساجد بيوت الله قال رسول الله(صلى الله
عليه وآله): قال الله تبارك وتعالى:: "ألا إن بيوتي في الأرض المساجد، تضئ لأهل
السماء كما تضئ النجوم لأهل الأرض، ألا طوبى لمن كانت المساجد بيوته، ألا طوبى
لعبد توضأ في بيته ثم زارني في بيتي، ألا إن على المزور كرامة الزائر، ألا بشر
المشائين في الظلمات المساجد بالنور الساطع يوم القيامة".[11]
وإن كان زمن نزول كتاب الله محل ضيافة الله في الأزمنة، فكذلك المساجد محل ضيافة
الله في الأمكنة: "ألا طوبى لمن كانت المساجد بيوته، ألا طوبى لعبد توضأ في بيته ثم
زارني في بيتي، ألا إن على المزور كرامة الزائر، ألا بشر المشائين في الظلمات
المساجد بالنور الساطع يوم القيامة ".[12]
فإذا كان ثمة من تناسب بين البيت وصاحبه فعلينا حينها أن ندرك الفارق بين بيت الله
وغيره فإن كان غيره تعالى يؤي ويحمي ويكرم فكرامة الله وعطاياه أكبر إذ لا يقاس
الآخرون وهم عبيد بالله تعالى.
ولذا فإنا نورد بعض بركات ولوازم زيارة بيوت الله، فمنها لا على سبيل الحصر:
1- الأمان:
فعندما يلجأ إنسان ما إلى دار عزيز ووجيه، بل حتى في الأعراف الدبلوماسية هذه
الأيام عندما يلجأ مطلوب ما إلى حرم سفارة دولة ما حتى لو كان مقترفاً لبعض الجرائم
فإن دخوله إلى سفارة تلك الدولة يعد كأنه دخول إلى تلك الدولة.
وأما في المساجد فهذه الكعبة المسجد الحرام جعلها الله مثابة وأمناً فلا يحق لأحد
أن ينال من مجرم إذا أوى إلى المسجد حتى يخرج بنفسه من المسجد.
وأما في غير المسجد الحرام من المساجد فكما أن الله تعالى قيد الشياطين وصفّدهم عن
الشيطنة في شهر الله كذلك فإن الشياطين لا شك عندنا ممنوعة من ولوج أبواب المساجد
ومطرودة عن تلك الأبواب لأن الزائر للمسجد هو في كنف الله وحرزه. والداخل إلى بيت
الله مستجير بالله لاجئ إليه مستغيث به فلا يعقل إلا أن يناله شيء من ذلك المأمول
منه تعالى.
2- الضيافة:
عندما يقول الحديث القدسي عنه تعالى: " ألا إن بيوتي في الأرض المساجد ..".[13]
فمعنى ذلك أنه تعالى اعتبر الوارد إلى المسجد ضيفاً عليه، بل إن قوله تعالى:
﴿إِنَّ
أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى
لِّلْعَالَمِينَ﴾.[14]
بعد أن نسبه إلى نفسه، جعل النص بيته الحرام للناس وهذا من أهم وأرقى أنواع الضيافة
وهو أن يصبح بيت المضيف بيتاً للضيف كما نظم ذلك شعراً:
يا ضيفنـا لو زرتنا لوجـدتنا***نحـن الضيـوف وأنت رب المنـزل[15]
ولذا فقد جهز المولى بيته للضيافة بأنواع البركات من قبول الأعمال واستجابة الدعوات
ومضاعفة الحسنات.
فكما أن الأنفاس في شهر الله تسبيح كذلك الأنفاس في بيته تعالى عبادة عليها الأجر
وهذا ما ورد عن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) في وصيته إلى أبي ذر قال:
"يا أبا ذر ! إن الله تعالى يعطيك ما دمت جالساً في المسجد بكل نفس تنفَّس فيه درجة
في الجنة، وتصلي عليك الملائكة، وتكتب لك بكل نفس تنفَّست فيه عشرَ حسنات، ويمحي
عنك عشرَ سيئات..".[16]
3- زيارة الله:
عن الإمام الصادق (عليه السلام): "عليكم بإتيان المساجد فإنّها بيوت الله في الأرض،
من أتاها متطهّراً طهّره الله من ذنوبه، وكُتب من زوّاره".[17]
إن الله خالق الزمان والمكان والذي كان قبلهما، هذا الإله الذي نؤمن به لا يحده
زمان ولا مكان، ولكنه تلطف لعباده وترحم على مسكنتهم وراعى قصور أفهامهم فجعل
المساجد بيوته، وعليه فإن ارتياد المساجد هو زيارة لله تعالى وبالتالي فإن اشتياق
العبد للمسجد ينبىء عن اشتياقه لربه، وأنسه به مفضٍ إلى الأنس به تعالى وعليه فإن
إدمان المسجد وشدة تعلق قلب الإنسان به علامة على تعلقه بخالقه ومولاه.
ولنا أن نختم فنقول إن كون المساجد بيوت الله ومرتادها زائر لله بعين ما هو كرامة
هو كذلك إمتحان واختبار فإذا أردت أن تعرف مقامك عند الله ومقام الله عندك فامتحن
علاقة قلبك ببيت ربك فعن الإمام الصادق (عليه السلام): "مَن أراد أن يعرف كيف
منزلته عند الله؟، فليعرف كيف منزلة الله عنده، فإنّ الله ينزل العبد مثل ما ينزل
العبد الله من نفسه".[18]
فمن يكون الله حبيبه ومعشوقه ومطلوبه فحتماً سيكون المسجد مأوى جسده وراحة روحه
ومنى قلبه وأنس نفسه ذلك لأن المسجد بيت الحبيب.
[1] المحجة البيضاء في تهذيب الأحياء- الفيض الكاشاني-ج1، ص358.
[2] سورة التوبة، الآية : 18.
[3] الوافي- الفيض الكاشاني،ج7، ص487.
[4] الكافي، الشيخ الكليني،ج4، ص:18
[5] التوبة - الآية - 107
[6] التوبة - الآية - 108
[7] التوبة - الآية - 108
[8] سورة العنكبوت - الآية - 31
[9] سورة إبراهيم - الآية - 5
[10] سورة مريم - الآية - 30
[11] وسائل الشيعة (آل البيت)- الحر العاملي،ج1،ص:382.
[12] المصدر نفسه.
[13] المصدر نفسه.
[14] سورة آل عمران - الآية - 96
[15] المستطرف في كل مستظرف- الأبشيهي-ج1، ص:304
[16] وسائل الشيعة (آل البيت)- الحر العاملي،ج4،ص:117.
[17] وسائل الشيعة (آل البيت)- الحر العاملي،ج1،ص:380.
[18] بحار الأنوار، العلامة المجلسي،ج68، ص:156.