الهدف؛ لفت أنظار المرأة المسلمة لبعض ما
خطّطه الصهاينة للإيقاع بها.
محاوِر الخطبة
1- مطلع الخطبة.
2- المرأة وآيُ الذكر الحكيم.
3- منشأ تكريم الإنسان.
4- إيمان المرأة وعملها الصالح.
5- المرأة والرجل طرفَين متقابلَين.
6- من جرائم الصهاينة بحقّ المرأة والأسرة.
7- المرأة ووثائق الدمار.
8- قبسٌ من الدور التربويّ للمرأة المسلمة.
9- نساءُ بيت النبوّة .
مطلع الخطبة
الحمد لله ربّ العالمين، وأفضل الصلاة وأزكى السلام على خاتم النبيّين وأشرف الخلق
أجمعين سيّدنا ومولانا رسول الله أبي القاسم المصطفى محمّد، وعلى آله الطيّبين
الطاهرين، وبعد؛
قال الله العظيم في كتابه الكريم: ﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ
الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ
مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ
بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبً﴾[1].
أيّها المؤمنون الكرام؛ من المعلوم أنّ الحياة لا تستقيم بحضور الرجل وحده، ولا
بحضور المرأة وحدها، بل لابدّ من تواجدهما معاً لتنتظم الحياة؛ إذ أنّهما من نفس
واحدة ﴿وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً﴾.
لقد أصبح الزوجان أزواجاً. أمّا الأنفُس فعالم ضخم يزخر بالحياة؛ يسير ما قدّر له
السير، ويمضي إلى غايته وأهدافه؛ يُعين بعضه بعضاً، ويُكمِل كلّ من شطريه الشطر
الآخر، وتلك سنّة اللّه سبحانه في جميع الأحياء على السواء، فلا يغيبنّ عنكم أنّ
الله عز وجل قد قال: ﴿وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ
تَذَكَّرُونَ﴾[2]، فلم يكن أثر المرأة في هذه الحياة بأقلّ من أثر الرجل، ولم يكن
تواجدها عاملاً ثانوياً، ولا مجرّد موضع للشّهوة، وإنّما هي عاملٌ له من الأثر ما
للرجل، وإذا عرف كلّ منهما مكانه وقام برعاية واجبه؛ استقام أمر الأسرة والجماعة
معاً.
المرأة وآيُ الذكر الحكيم
إنّ الباحِث في تعاليم الاسلام، المنبثقة عن كتاب الله وسيرة رسوله
الكريم، يرى مقدار العناية بالمرأة وعظيم الرعاية لحقّها وتمام مساواتها للرجل. فمن
تدبّر آي الذكر الحكيم الذي أنزله الله على خاتم أنبيائه؛ سيجد أنّ المرأة قد شاركت
الرجل في الوحي والاصطفاء والتكريم والاجتباء؛ ولم تقصّر عنه في ذلك. فالله عَزَّتْ
آلاَؤُهُ لمـّا أراد أن ينصر المستضعفين من بني إسرائيل؛ أوحى للمرأة التي أنجبت
منقذهم[3]، وفي ذلك يقول عز من قائل:﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ
أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي
وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾[4]،
واصطفى جلّ جلاله خيرة النساء كما اصطفى الرسل والأنبياء، وقد قال سبحانه :﴿وَإِذْ
قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَامَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ
وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ ﴾[5]، وأكرم الله المرأة بمخاطبة
الملائكة لها، وقال في ذلك: ﴿إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَامَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ
يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا
فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ﴾[6].
منشأ تكريم الإنسان
قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ
وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ
مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلً﴾[7]، ومنشأ هذا التكريم هو ما تحمّل من الإيمان بالله
وما نزل من الحق، وكان ذلك في العهد الذي أخذ على بني آدم، وقد ذكره الله تعالى في
كتابه، فقال:﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ
ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا
بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا
غَافِلِينَ﴾[8]، ومن هنا تحمّل آدم (ع) وذريته - الذكور والإناث- الأمانة العظمى (التكاليف
الإلهيّة) وِفق هذا العهد، وفيه قال تعالى: ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ
مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولً﴾[9].
إيمان المرأة وعملها الصالح
إنّ في كتاب الله عزّ وجل آيات مُحكَمات نطقت بالتكريم الإلهي العظيم الذي يحوزه من
ذريّة آدم وحواء من آمَن وعمل صالحاً. ومن هذه الآيات البيّنات قول تعالى: ﴿وَمَنْ
يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ
يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرً﴾[10]. وقد وعد الله تعالى
المؤمنين من عباده -الذكور والإناث على حدّ سواء- العاملين المجاهدين، الصابرين على
السرّاء والضرّاء، جنّات تجري من تحتها الأنهار. فقال عَزَّتْ
آلاَؤُهُ:﴿فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ
مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا
وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا
لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ
تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ
الثَّوَابِ﴾[11].
ووعدهم الله بالحياة الطيّبة في الدنيا، وحياة النعيم الأبدي في الآخرة، فقال تبارك
وتعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ
فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ
مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾[12]، ومَنَّ الله تعالى عليهم بأنّ السيئات التي يقع فيها
الإنسان، ذكراً كان أو أنثى، لا تُسجّل إلا سيّئة واحدة، أي أنّ عقابها ليس مضاعفاً،
كجزاء الحسنة التي يضاعف الله أجرها أضعافاً مضاعفة، وفي ذلك يقول سبحانه وتعالى:﴿
مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ
ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ
يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾[13].إذن؛ فالتكريم العظيم مرتبط بالإيمان
بالله تعالى، وإتباعُه بالعمل الصالح، ومن خلا حالهُ من هذا الوصف، فليس من
المكرّمين، بل من الخاسرين.
المرأة والرجل طرفَين متقابلَين
ينظر الإسلام إلى الرجل والمرأة من طرفَين متقابلَين؛ جانب الخير وجانب الشر. وقد
يكون فيهما الخير كلّه، والعكس صحيح أيضاً. وقد يمتزج الخير بالشر، ولم يصف الإسلام
المرأة بأنّها خيِّرة مطلقاً، ولا شريرة مطلقاً، بل أقرّ لها بالخيرية لمِـا تتّصف
به من الإيمان والعمل الصالح، ونوّه بها لانتهاجها سبيل المؤمنين، طلباً للنجاة من
عمل المفسدين، ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ
إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ
فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾[14]، ووصفها بالشر
لمّا انتهجت سبيل المارقين:﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ
نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ
فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا
النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ﴾[15]، وهذا عين العدل، ومن يتتبّع حال المرأة عند
الأمم التي لا تدين بالإسلام؛ يجد أنّهم كانوا لا يعترفون للمرأة بخير، وبعضهم
يرَون أنّها مصدر كلّ بلاء[16].
من جرائم الصهاينة بحقّ المرأة والأُسرة
رغم أنّ اليهود يرون المرأة أصل الخطيئة؛ إلّا أنّ الصهاينة، ولأجل أطماعهم ومآربهم
استغلوها استغلالاً دنيئاً بكلّ ما للكلمة من معنى. فقد ألبسوا هذا الإستغلال ثوباً
أشبه ما يكون بجلد الأفعى، ونشطوا لإشراكها في الثورات الأوروبية، وذلك من خلال
شعارات تحرير المرأة ومساواتها بالرجل خاصة في المجال السياسي. وتُعدّ الثورة
الفرنسية نموذجاً لهذا النشاط؛ علماً أنَّ بروتوكولات حكماء صهيون تؤكد إنَّ اليهود
كانوا وراء إشعال الثورة الفرنسية[17]، وإحداث نمط ثقافي اجتماعي يستند إلى التحرير
والإباحية منطلقين من "أنّ الذهب الذي يحتكره اليهود هو أقوى الأسلحة لفساد الشباب
والقضاء على الضمائر والأخلاق والأديان ونظام الأسرة، وإغراء الناس بالشهوات وإشاعة
الرذيلة والانحلال"[18]. وقد تمّت مراجعة وتجديد المخطّط الصهيوني تجاه المرأة
والأسرة في مؤتمر بال بسويسرا، برئاسة ثيودور هرتزل عام 1895م، وقد ركّز المؤتمر
على موضوع المرأة. ومنذ ذلك التاريخ؛ بدأت تصدر عبر توجيهاتهم تشريعات "أُمميّة"
خاصّة بالمرأة. تشير بروتوكولات حكماء صهيون إلى أنَّ ما قام به ماركس ونتيشة ((الدعوة
إلى شيوعية النساء، واستهداف تكوين الأسرة، وانتماء الأبناء إلى آبائهم))، لم يكن
خارجاً عن دائرة مخطّطهم، كما جاء في البروتوكول الثاني القول: "لاحظوا هنا أنَّ
نجاح دارون وماركس ونتيشة، قد رتّبناه من قبل، والأثر غير الأخلاقي لهذه العلوم في
الفكر الأُممي سيكون واضحاً لنا بالتأكيد"[19].
الأُمومة والأُسرة
حثّ الإسلام على التعاون التامّ بين المرأة والرجل، وذلك كي تحقّق الأسرة المسلمة
الأهداف المرجوّة منها، ولينعم أفرادها بالمحبّة والسلام والاستقرار.هذا التعاون
يجعل الأسرة متماسكة؛ حيث يُرتجى منها أن تكون مصنعاً للأبطال والقادة، والعلماء
والأتقياء والصالحين الذين يحقّقون غاية إعمار الكون، واستخلاف الله لهم فيه، وهذا
لا يكون إلّا إذا كانت المرأة المسلمة وأُسرتها في حالٍ معاكس للحال الذي آلت إليه
الأُسرة في الغرب. فالمرأة هربت من الارتباط بالأسرة، ومن مسؤولية الأولاد والزوج
طمعاً في الرقي إلى أعلى الوظائف لتُثبِت للرجل أنّها ليست أقلّ كفاءة منه.
فاستجابت لنداء الماديّين، والطامعين في تحصيل أعلى ربح ماديّ لشركاتهم وانخدعت
بالدعاية المزيّفة التي اتّخذت شعارات برّاقة تحت اسم تحرير المرأة، الحرية
الاقتصادية، المساواة التامّة بالرجل والشعارات التي ترجمت في بعض بنود الوثائق
الدولية[20]، والتي تدعو للمطالبة بتعطيل وظيفة المرأة في الحياة بصفتها زوجةً
مخلصةً وأمّاً فاضلة، واعتبار الأمومة وظيفة اجتماعية "يمكن أن يقوم بها أي شخص".
وكان من نتاج دعواهم المشبوهة توجيه ضربة قاصمة للأسرة ولفطرة المرأة. وقد صرّحت
بذلك الكاتبة الفرنسية دي بوفوار، بوضوح، حين قالت: "ستظل المرأة مستعبدة حتى يتم
القضاء على خرافة الأسرة، وخرافة الأمومة والغريزة"[21].
المرأة ووثائق الدمار
يشهد التاريخ المعاصر بأنّ الصهاينة وراء كلّ الفتن الّتي احترقت الشعوب بسعير
نيرانها، وحِمَم الجنايات المرافِقة لها. ويمكننا القول بالفم الملآن؛ أنَّ
المؤتمرات الدوليّة الخاصّة بالمرأة والأسرة قد وضع نواة مادّتها اليهود. وهي
استراتيجية ذات مدى طويل خُطّط لها، وجاءت خطوات التنفيذ تدريجيّة كي لا يلازمها
الرفض من المجتمعات. وهذا ما اتبعته المؤتمرات المذكورة ومضامين وثائقها، ولا يخفى
على اللبيب أنّ من أهم أهدافهم تفكيك بناء الأُسرة في المجتمعات، وتسخير المرأة
لتحقيق أهداف الصهاينة بإضعاف القِيَم الأخلاقية، واحتساب الأدوار التي يقوم بها
الآباء والأمهات أدواراً تقليدية نمطيّة اعتادها النَّاس، وأنَّه يجب إرجاء
الالتزام بها حتى يتمكّن من إقامة مجتمع متحرّر من القيود والروابط يستقي قِيَمَه
من توصيات وثائق الأمم المتحدة. وتُعَدُّ البنود الخاصّة بالأُسرة في تلك الوثائق
ترجمة لما تضمّنته بنود الأسرة في بروتوكولات حكماء صهيون من أنَّه "حينما تكون
الأزمات الاقتصادية ودمار تجارة الجملة قد أثرا في كل مكان؛ هناك ستمهّد السبيل
لإفساد الحماسة والنخوة، والانحلال الأخلاقي، وخاصة بمساعدة النساء اليهوديات
المتنكرات في صور الفرنسيات والايطاليات ومن إليهن؛ أنّ هؤلاء النساء أضمن ناشرات
للخلاعة والتهتك"[22].
بدأ الصهاينة بتطبيق أهدافهم؛ فطوّروا أساليبهم وحقّقوا جُلّ ما يريدون. فمن صدّقهم
احتقر العفّة والشرف والكرامة؛ حتى باتت هذه القِيَم لا وزن لها، بل أصبحت عاراً
وتخلُّفاً.كما جعلوا العلاقات المحرّمة أساس الحياة والسلوك الإنساني. فاقتنع
الرجال بذلك، وأصبحت هذه الأمور همّهم الأكبر، وآمنت النساء بذلك فخلعنَ جلبابَ
الحياء والعفّة ونبذنَه.
قبسٌ من الدور التربويّ للمرأة المسلمة
مما لاشكّ فيه أنّه وبمشيئة الله تعالى، وبالارتشاف من معين خاتم الأنبياء وبضعته
الطاهرة فاطمة الزهراء؛ ستبقى المرأة المؤمنة حصناً حصيناً لا يمكن لدعاوى اليهود
وأعوانهم اختراق منظومتها الفكرية والأخلاقية، ولا التأثير على دورها التربوي
العظيم، الذي يمكننا الإشارة "في هذه العجالة" إلى معلَم واحد من معالـِمه، وهو
تربيتها للأعداد الكبيرة من المقاومين الشرفاء الذين جعلت منهم ليوث الشَّرى
المدافعين عن الأرض والعرض، الطامحين للجهاد والشهادة، المرتفعين دوماً إلى مستوى
التحدّي، الجاهزين للمقاومة والتصدّي، الذين لم يبخلوا على دينهم ووطنهم بدمائهم
وأروحهم، ولا يزالون على عهدهم مع الله، ووعدهم مع شعبهم وأمّتهم. ولا ريب أنّ
الدور المحوريّ للمرأة المؤمنة، والذي أسهم في صناعة الرجال العظماء والشهداء
الأبطال، لم يكن إلّا نتيجة منطقيّة وخلاصة موضوعية للدور بالغ الأهمية والمتميّز
الذي قام به الإسلام المحمديّ الأصيل في التأثير على المرأة المسلمة، وصياغة
شخصيتها، والإسهام في تشييد بنيانها الفكري والتربوي والاجتماعي ودفعها لأداء
رسالتها. لقد تعامل الاسلام المحمدي الأصيل مع المرأة على أنّها كيانٌ عظيم لابدّ
لها من إيقاظ الأمّة واستنهاضها. فهي سبب أساسيّ من أسباب استقامة البشرية وصلاحها؛
كونها تمثّل، ليس نصف المجتمع فحسب؛ بل المجتمع كلّه. فبصلاحها يصلح المجتمع ويعلو
شأنه ويرتفع ذكره، ويشقّ طريقه بعزّة وإباء.
نساء بيت النبوّة
حَفِل التاريخ الإسلامي بالخيرات الصالحات اللواتي نهجنَ طريق الجدّ عن عِلم ويقين،
ورسوخ إيمان لا يتزعزع، وكانت لهنّ أعظم الأدوار التربوية والأخلاقية التي أثّرت
تأثيراً بالغاً في صياغة شخصيّة المرأة المؤمنة على مرّ العصور، وعلى رأس هؤلاء
النساء الصالحات المصلحات اللواتي حملن همّ هذا الدين، وأشعلنَ مصابيح الهدى في كلّ
الطرقات التي اعتلاها الظلام ؛كانت نساء بيت النبوّة بدءاً من السيدة أمّ المؤمنين
خديجة الكبرى وابنتها الطاهرة سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عليهما السلام،
ومروراً بالعقيلة العظيمة مولاتنا زينب بنت علي (عليما السلام)، والفواطم من بنات
أئمّة الهدى وصولاً إلى السيدة فاطمة بنت الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليهم السلام)،
والتي يطالعنا أول شهر ذي القعدة بذكرى مولدها العظيم. فقد ولدت (عليها السلام) في
المدينة المنورة سنة 173 للهجرة في بيت أبيها إمام المسلمين موسى بن جعفر بن محمد
بن علي بن الحسين بن علي (عليهم السلام)، وهو بيت لا يتنفّس فيه إلا عبير التقى،
ولا يُرتضعُ فيه إلا بلبان الإيمان، ولا تربية فيه إلا بتربية القرآن، ولا يُنهل
فيه إلا من رواء العلم، ولا يُطعم فيه إلّا من رياض الخلق، والأدب والطهر والعفّة.
ويظهر من الروايات أنّها كانت عابدة مقدّسة مباركة تشبه جدّتها فاطمة الزهراء عليها
السلام, وأنّها كانت لها مكانة جليلة عند أهل بيت النبوّة عليهم السلام، فحقيقٌ
بالأخوات المؤمنات أن يجعلنَ السيدة المعصومة (عليها السلام) نِبراساً للحياة،
يرتَشِفن من معينِ مآثرها، ويقتدينَ بها في الدين والخُلُق والانقياد التام لله
تعالى، هذا؛ وصلى الله على خير خلقه خاتم النيّين محمد وآله الطيبين الطاهرين.
[1] سورة النساء، الآية 1.
[2] سورة الذاريات، الآية 49.
[3] أكثر ما وردت كلمة (وحي) في القرآن الكريم بمعنى إخبار وإعلام الله من اصطفاه
من عباده كلَّ ما أراد إطلاعه عليه من ألوان العلم والهداية بعدَّة طرق؛ منها
الرؤيا الصادقة والإلهام، واطمئنان أُمّ نَبِيّ الله موسى بالوحيّ المذكور في هذه
الآية دليلٌ على عظيم مقامها وسموّ مكانتها، والسياق القرآنيّ لا يذكر لنا كيف
تلقَّت أمُّ النبيِّ الكليم هذا الوحي العظيم؛ إلّا أنَّ قبولها له وعملها به يؤكد
بما لا يدعُ مجالاً للشك عُمقَ معرفتها بعصمة القناة التي كان من خلالها هذا الوحيُ
الإلهيُّ.
[4] سورة القصص، الآية 7.
[5] سورة آل عمران، الآية 42.
[6] سورة آل عمران، الآية 45.
[7] سورة الإسراء، الآية 70.
[8] سورة الأعراف، الآية 172.
[9] سورة الأحزاب، الآية 72.
[10] سورة النساء، الآية 124.
[11] سورة آل عمران، الآية 195.
[12] سورة النحل، الآية 97.
[13] سورة غافر، الآية 40.
[14] سورة التحريم، الآية 11.
[15] سورة التحريم، الآية 10.
[16] يعلم ذلك من كان له أدنى اطلاع على أسفار العهد القديم "التوارة"؛ كسفر
التكوين، سفر الخروج، سفر العدد والتثنية.
[17] محمد خليفة التونسي، بروتوكولات حكماء صهيون، ص129، قدّم له عبّاس محمود
العقّاد، طبعة: دار الكتاب العربي، بيروت.
[18] بروتوكولات حكماء صهيون، ص33.
[19] بروتوكولات حكماء صهيون، ص122-123.
[20] فرؤوس الصهاينة قد قالوا: دعوهم يعتقدوا أنّ هذه القوانين النظرية التي أوحينا
إليهم بها؛ إنّما لها القدر الأسمى من أجلهم؛ وبتقييد أنظارهم إلى هذا الموضوع،
وبمساعدة صحافتنا نزيد ثقتهم العمياء بهذه القوانين زيادة مطردة، يراجع بروتوكولات
حكماء صهيون، ص133.
[21] الرئيس علي عزت بيجوفيتش، الإسلام بين الشرق والغرب، ص258، طبعة:1، مطبعة
العلم الحديث، بيروت.
[22] بروتوكولات حكماء صهيون، ص215.