الصفحة الرئيسية
بحـث
تواصل معنا
Rss خدمة
 
  تحريك لليسار إيقاف تحريك لليمين

العدد 1647 15 جمادى الثانية 1446 هـ - الموافق 17 كانون الأول 2024 م

السيّدة الزهراء (عليها السلام) نصيرة الحقّ

وَهِيَ الْحَوْرَاءُ الْإِنْسِيَّةكلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء مع مختلف فئات الشعب بشأن التطوّرات في المنطقةانتظار الفرجمراقباتمراقباتيجب أن نكون من أهل البصائر ومن الصابرين كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء القيّمين على مؤتمر إحياء ذكرى شهداء محافظة أصفهانفَمَا وَهَنُوا وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا

العدد 1646 08 جمادى الثانية 1446 هـ - الموافق 10 كانون الأول 2024 م

وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ

من نحن

 
 

 

منبر المحراب

العدد 1313 - 12 ذو القعدة1439 هـ - الموافق 26 تموز 2018م
حرمة القتل وسفك الدم

تصغير الخط تكبير الخط أرسل لصديق

الهدف: بيان بعض مما جاء في كتاب الله تعالى، وسيرة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، من تعظيم أمر القتل العمد وسفك دماء الأبرياء.

محاور الخطبة
1- جريمة قتل الناس جميعاً.
2- الشرك بالله وقتل النفس.
3- حُرمة دم المؤمن.
4- مِن هدي رسول الله (ص).
5- جزاء من يقتل مؤمناً متعمّداً.
6- وأنّى لـه الـهُـدى.
7- قاتل المؤمن، والتوبة.
8- حال القاتل يوم القيامة.
9- أقصى الغايات في احترام أهل التوحيد.
 
مطلع الخطبة
الحمد لله ربّ العالمين، وأفضل الصلاة وأزكى السلام على خاتم النبيّين وأشرف الخلق أجمعين سيّدنا ومولانا رسول الله أبي القاسم المصطفى محمّد، وعلى آله الطيّبين الطاهرين، وبعد؛

قال الله العظيم في كتابه الكريم: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ * إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ * فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ * فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ قَالَ يَاوَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ * مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا}[1].
 
جريمة قتل الناس جميعاً
أيّها المؤمنون الكرام؛ إنّ من أَعظمِ الأمور التي نهى الإسلامُ عنها، وشدَّد النكيرَ على فاعِلها بعد الشِّرك بالله هو قتل النّفس المعصومة، فإنَّ الإقدام على ذلك هو إفسادٌ في الأرض كبير، وأمر جلَل، وجريمةٌ منكرةٌ شنيعة. زِد على ذلك ما يترتّب على هذه الجريمة من مفاسدَ عظيمة، وشرور كثيرة، وترويع للمؤمنين والآمنين، وتأريث الأحقاد والعداوات، وإشاعة الفتن والذعر بين الناس؛ ولذلك كان قتل نفس واحدة بمثابة عدوان على البشريّة كلّها. وقد قال الله عزّ وجل في مُحكَم كتابه: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا}[2].
 
الشرك بالله وقتل النّفْس
حذَّر الله تعالى أعظم التحذير من الإقدام على ارتكاب جريمة القتل، فقال سبحانه:{وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا}[3]، وتوالَت نصوص الإسلام وتتابَعَت تشريعاته لتحفظ للإنسان دمَه، وتحرِمُ رُوحه وتحفظ حقَّه في الحياة، لأنّ جريمة القتل إنما هي سلب لحياة المجني عَلَيْهِ، وتيتيم لأولاده وترميل لنسائه، وحرمان لأهله وأقاربه، وإضاعةً لحقوقه، وقطع لأعمال حَيَاتهُ، فلَيْسَتْ نفس مفردة هي التي تقتل إنّما هُوَ حقّها في الحياة التي يشاركها فيها النَّاس، ولَيْسَتْ نفس مفردة هي التي تصان إنّما هي كُلّ نفس مستحقّة للصيانة بما استحقّت به تلك النفس الواحدة، ونحن إذا تتبّعنا المعاصي معصية معصية لا نجد لواحدةٍ منها فساداً يساوي فساد قتل الإِنْسَان، ولذَلِكَ كانت هذه الكبيرة تلي الشرك بِاللهِ تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ}[4].
 
حُرمة دم المؤمن
أيّها الأحبّة؛ إنّ الإنسان بُنيان الله، وهو محلُّ التكليف من الخلق، رُوحه وديعةُ الله فيه، فأعظمُ الإثم أن يعتدي مُعتدٍ "يدّعي الإسلام"، فيهدِم ذلك البُنيان، ويستلِبَ تلك الروح، ويُهدِر ذلك الدم، و وأشدُّ الحَوْب إذا كان المُعتدَى عليه مؤمناً انطوى ضميره على تقديس الله عزّ وجل، وانعقد قلبه على تنزيهه، ونبضت شرايينه بتسبيحه، ونبت لحمه واشتدّ عظمه على توحيده، وخالط الإيمان مخّه ودمه وامتزج بجميع عناصره، فشهد به لسانه، وبخعَت له أركانه، واعترفت به حركاته، وأقرّت به سكناته، مؤمناً برسوله، موقِناً بجميع ما جاء به من عند الله عزّ وجل.[5]، فإنّ العُدوان عليه أشدّ خطراً، وأعظمُ وِزراً، لأنّ حُرمتُه عند الله أعظم من حُرمة الكعبة، والأمر كما قال خاتم الأنبياء صلّى الله عَلَيْهِ وآله وسلّم عندما كان يطوف بالكعبة:"ما أعظمك وما أعظم حرمتك، وللمُؤْمِن أعظم حرمة عند الله منك؛ إنّ الله حرّم منك واحدة، وحرّم من المؤمن ثلاثاً دمه، وماله، وأن يُظنّ به ظنّ السوء"[6]..

ولذلك قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ‏: "لو أنّ أهل السماء والأرض اشتركوا في دم مؤمن، لأكبّهم الله في النار"[7].
 
من هَدي رسول الله محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم
أيّها المؤمنون الكرام؛ إذا اختلف الزمان وتغيّر، فيبقى خير الهدي هَدي رسول الله محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم، إذا اختلفت العقول والأفكار وتوسّع الناس، فيبقى أكمل الهَدي هديُه صلّی الله عليه وآله وسلّم، ولأنّه أفصح مَن نطَق بالضاد، وقد أُوتي جوامِع الكَلِم، واختصرت له المعاني اختصاراً، فقد بيّن بوضوح لا لبس فيه أنّ المؤمن لا يزال منشرح الصدر مطمئنّ النفس في سِعة من دينه تُرجى له رحمة الله ولطفه؛ طالما أنّه لم يقتل نفساً بغير حق، فقال صلّى الله عليه وآله وسلّم: "لا يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يُصب دماً حراماً"[8].

وقال صلّى الله عليه وآله وسلّم: "لا يزالُ المؤمِنُ مُعنِقاً صالحاً ما لم يُصِب دماً حَرَاماً، فإذا أصابَ دماً حَرَاماً بَلَّح".

والمُعنق هو المُسرع في المشي "من العنق"، وهو الإسراع والخطو الفسيح، والتبليح الإعياء والإنقطاع، والمعنى أنّ المؤمن لا يزال موفّقاً للخيرات مسارعاً إليها ما لم يُصب دماً حراماً، فإذا أصاب ذلك أعيي وانقطع عنه ذلك؛ لِشؤم ما ارتكب من الإثم.
 
قتلُ العَمْد
اختلف علماء المسلمين حول تعريف قتْل العَمْد، وذهبوا في ذلك مذاهب شتّى؛ إلّا أنّ أوضح التعاريف التي اطلعنا عليه هو التعريف المرويّ عن الإمام الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام، فقد روى عبد الله بن مسكان، عن الحلبي، قال: قال أبو عبد الله الصادق (عليه السلام):"العمدُ كلُ ما اعتمد شيئاً، فأصابه بحديدة، أو بحجر، أو بعصا، أو بوكزة، فهذا كله عمدٌ، والخطأ من اعتمد شيئاً، فأصاب غيرهُ"[9].

وعلى ضوء ما تفضّل به هذا الإمام العظيم يمكن القول أنّ العمد هو ما تعمّد فيه القاتل ضرب غيره بسلاح، كالسّيف والسكين والرمح والرصاص، أو ما أجري مجرى السلاح، كالمحدّد من الخشب، والحجر، والنار، وأنّ العمد معناه القصد، وهو أمر لا يمكن الإطلاع عليه ولا معرفته، إلّا بدليل يدل عليه، وهو استعمال الآلة القاتلة، فجعلت الآلة دليلاً على القصد، وأُقيمت مقامه باحتسابها مظنّة لوجوده، كما أنّ السفر مظنّة المشقّة.
 
من يقتل مؤمناً متعمّداً
القتل العمد، عدواناً، هو جريمة كبرى، وهو من السبع الموبِقات التي يترتّب عليها استحقاق العقاب في الدنيا والآخرة، وذلك بالقصاص، والخلود في نار جهنّم؛ ولو لم يرِد في بيان ضخامة هَذَا الذنب ذنب القتل، وعظمه الذي لا يتناهى إِلّا قوله تَعَالَى: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً}، لكَانَ فيها كفاية وموعظة وزجر، ففيها من الوعيد الشديد الذي ترجف منه القُلُوب وتنصدع له الأفئدة وينزعج منه أولو العقول، فقد بيّن الله تعالى أنّ نار جهنّم هي جزاء قاتل المؤمن المتعمّد، وأنّه خالد فيها وأنّ مَعَ ذَلِكَ الْعَذَاب والخلود غضب الله عزّ وجل، و أضافت الآية إلى ذَلِكَ اللعن، وَهُوَ الطرد والإبعاد عن ساحة رحمة الله، ولم تنته الآيَة إلى هَذَا الحدّ من بيان عِظَم جزاء القاتل؛ بل صرّحت تصريحًا لا خفاء فيه؛ بأنّ عذاب ذلك القاتل سيكون نوعاً وحده في الشدّة لا يماثله عذاب أيّة معصية ما عدا الشرك، فذنبه أعظم الذُّنُوب وعقوبته أشدّ العقوبات، وأنت لو فتّشت في القرآن الكريم كلّه لن تجد وعيداً كهذا الوعيد الذي جاء في الآية الثالثة والتسعون من سورة النساء.
فَإِيَّاكَ قَتْلُ النَّفْسِ ظُلْماً لِمُؤْمِنٍ.. فَذَلِكَ بَعْدَ الشِّرْكِ كُبْرَى التَفَسُّدِ
كَــفَى زَاجِـراً عَــنْـهُ توعُّــدُ قَــادِرٍ.... بِـنَـارٍ وَلَـعْــنٍ ثُمَّ تَخـْـلِـيــدِ مُـعـْـتَــدِ

والعجب من قوم يقرؤون هذه الآية العظيمة ويرَوْن ما فيها من تهديد ووعيد، ويسمعون هذه الأحاديث العظيمة، ثم يطمعون في العفو عن قاتل المؤمن بغير قَوَد {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ القرآن أَمْ على قُلُوبٍ أَقْفَالُهَآ}[10].
 
وأنّى لـه الـهُـدى
سئل عبد الله بن عباس عمن قتل مؤمناً متعمّداً ثم تاب وآمن وعمل صالحاً ثم اهتدى؟ قال: "ويحه وأنّى له الهدى؟ سمعت نبيكم صلّی الله علیه وآله وسلّم يقول:"يجيء القاتل والمقتول يوم القيامة متعلق برأس صاحبه؛ يقول ربّ سل هذا لم قتلني؟، واللـه لقد أنزلها الله عزّ وجل على نبيّكم ثم ما نسخها بعد ما أنزلها"[11].
 
قاتل المؤمن، والتوبة
وردت الكثير من الروايات الشريفة، تحت هذا العنوان، سنستعرض بعضاً منها، بدءاً بقول خاتم النبيّين صلّى الله عليه وآله وسلّم ‏:"كلُّ ذنبٍ عسى اللهُ أن يغفِرَهُ، إلا مَن ماتَ مُشرِكاً، أو من قَتَلَ مؤمناً مُتعَمداً"[12].

وقد روي عنه صلّى الله عليه وآله وسلم أنه قال:"أبى (الله) علي أن يجعل لقاتل المُؤْمِن توبة"[13].

وروى السيد الشاه عبد العظيم الحسني رضي الله عنه عن الإمام علي بن محمد الهادي (عليهما السلام) عن آبائه الكرام عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام) قال:" لمّا كلّم الله عزّ وجلّ موسى بن عمران (عليه السلام) قال موسى: إلهي فما جزاء من قتل مؤمناً متعمّداً ؟ قال يا موسى لا أنظرُ إليهِ يوم القيامة، ولا أقيلُ عثرتهُ"[14].

وجاء عن الإمام أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) فيما صح عنه:"لا يوفق قاتل المؤمن متعمداً للتوبة"[15].
 
حال القاتل يوم القيامة
روى عبد الله بن عباس عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال:"يجيء المقتول بالقاتل يوم القيامة ناصيته ورأسه بيده، وأوداجه تشخب دماً يقول يا رب هذا قتلني حتى يدنيه من العرش"[16]

وروى عبد الرحمن بن أسلم، عن أبيه، قال: قال أبو جعفر الباقر ( عليه السلام ): "من قتل مؤمناً متعمداً أثبت الله على قاتله جميع الذنوب، وبرئ المقتول منها، وذلك قول الله عزّ وجلّ: {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ}، وفي رواية سليمان بن خالد، قال: سمعت أبا عبد الله الصادق (عليه السلام) يقول: "أوحى الله إلى موسى بن عمران ( عليه السلام ): أن يا موسى قل للملأ من بني إسرائيل: إياكم وقتل النفس الحرام بغير حق، فإن من قتل منكم نفساً في الدنيا قتلته مائة ألف قتلة مثل قتلة صاحبه"[17].
 
حُرمة الدمّ المُسلم
كلِمَتُنا إلى المجرمين الذين لا نجدهم في مواطن الرجولة، والدفاع عن حقوق الأمّة في ساحات الكرامة، ولا يُحسنون إلّا تكفير أهل الإسلام والإقدام على قتل الأبرياء والعُزّل من المؤمنين، حكم الله بيننا وبينكم، ويلكم أين تذهبون من شهادة أنْ لا إله إلّا الله إذا جاءت تحتجّ عليكم يوم القيامة؟! ليت شعري ألم يبلغكم ما صحّ عن أسامة بن زيد لما لحق هو ورجل من الأنصار أحد الفارّين من المشركين، فلمّا غشياه قال: "لا اله إلا الله"، فكفَّ الأنصاري عنه، فطعنه أسامة برمحه حتى قتله، وبعدها حدث أسامة، فقال: فلما قدمنا بلغ النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذلك، فقال: "يا أسامة أقتلته بعد ما قال لا اله إلا الله "؟ قلت: كان متعوذاً؛ قال: فما زال يكررها حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم"[18].

ما تمنّى ذلك حتى اعتقد أنّ جميع ما علمه قبل هذه الواقعة (من إيمان وصحبة وجهاد وصلاة وصوم وزكاة وحج وغيرها) لا يذهِب عنه هذه السيئة، وأنّ أعماله الصالحة بأجمعها قد حبطت بها. ولا يخفى ما في كلامه من الدلالة على أنّه كان يخاف أن لا يُغفر له، ولذلك تمنّى تأخّر إسلامه عن هذه الخطيئة؛ ليكون داخلاً في حُكم قوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): "الإسلام يجبُّ ما قبله".

وناهيك بهذا الدليل على احترام لا اله إلا الله وأهلها، وإذا كانت هذه حال من يقولها متعوذاً، فما ظنّك بمن انعقدت بها نطفته ثم رضعها من ثديَي أمّه، فاشتدّ عليها عظمه، ونبَت بها لحمه، وامتلأ من نورها قلبه، ودانت بها جميع جوارحه، فلينتهِ أهل العناد عن غيِّهم، وليَحْذَروا غضب الله تعالى"[19].
 
 
أقصى الغايات في احترام أهل التوحيد
سَئل المقداد بن الأسود رضي الله عنه؛ خاتم النبيّين صلّى الله عليه وآله وسلم، فقال: يا رسول الله أرأيت إن لقيت رجلاً من الكفار فاقتتلنا، فضرب إحدى يدي بالسيف فقطعها، ثم لاذ منّي بشجرة، فقال أسلمت لله، أأقتله يا رسول الله بعد أن قالها ؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: "لا تقتله، فإن فعلته فإنّه بمنزلتك قبل أن تقتله ((يعني أنه يكون من عدول المؤمنين، لأنّ المقداد كان كذلك ))- وإنّك بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قال"[20](( يعني أنّه يكون بمنزلة الكافر الحربي، لأنّ المقتول كان كذلك قبل أن يقول كلمته التي قالها)).

وليس في كلام العرب ولا غيرهم عبارة هي أدل على احترام الإسلام وأهله من هذا الحديث الشريف، وأي عبارة تكايله في ذلك أو توازنه، وقد قضى بأنّ المقداد على سوابقه، وحُسن بلائه لو قتل ذلك الرجل لكان بمنزلة الكافرين المحاربين لله ولرسوله، وكان المقتول بمنزلة واحد من أعاظم السابقين وأكابر البدريّين الأحديّين، وهذه أقصى غاية يؤمّها المبالغ في احترام أهل التوحيد، فليتقِّ الله كلّ مجازف عنيد.[21]
 
إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى
صحّ في السيرة النبويّة العَطِرة ما روي في باب بعث رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لأمير المؤمنين علي عليه السلام، وخالد إلى اليمن: أنّ رجلاً قام، فقال: يا رسول الله اتقِّ الله، فقال صلّى الله عليه وآله وسلّم: "ويلك ألست أحقّ أهل الأرض أن يتّقي الله"؛ فقال خالد: يا رسول الله ألا أضرب عنقه ؟ قال صلّى الله عليه وآله وسلّم: "لا ؛ لعلّه أن يكون يصلّي"[22].

عظّمة هذا الحديث ودلالته هي احترام الصلاة وأهلها، وإذا كان احتمال كونه يصلّي مانعاً من قتله، وقد اعترض على النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم جهرة وكاشفه علانية، فما ظنّك بمن يُقيم الصلاة ويؤتي الزكاة، يصوم الشهر ويحج البيت، يحلّل الحلال ويحرّم الحرام، يتعبّد بقول النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وفعله وتقريره، يتقرّب الى الله تعالى بحبّه وبموالاة أهل بيته، يرجو رحمة الله عزّ وجل بشفاعته متمسّكاً بثقليه معتصماً بحبليه، يوالي وليّه وإنْ كان قاتل أبيه، ويعادي عدوّه وإنْ كان من خاصّته وأهليه.[23]
 
حفاظاً على الأنفُس البريئة
إنّه ممّا يُؤسف له أن تتربَّى بعضُ النفوس على العُدوانية والتربُّص بالآخرين، وأن يحمِل الشبابُ معهم أو في سياراتهم أو وسائل نقلهم العصيَّ والسكاكين، وعدوّهم كل من لا يُعجِبُهم، فما إن يختلفوا مع أحد حتى تنشَب المعارِك وتُسال الدماء وتُوقَع الجِراحات، لأجل أمور تافهة ودخيلة على مجتمعنا. ألم يقرع مسامعهم وهم يدعون الإسلام أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم نهى عن الإشارة الى مسلم بسلاح، ولو كان مزاحاً، وذلك حفاظاً منه على الأنفس البريئة من إزهاقها، وقتلها بغير حق، وسدّاً منه للذريعة، وحسماً لمادة الشرّ التي قد تُفضي إلى القتل، ألم يبلُغَهم أنّ أئمّة أهل البيت قد نقلوا في هذا الشأن عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام) أنّه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:"من أشار الى أخيه بسلاحه لعنته الملائكة حتى ينحيه عنه"[24]، فإذا كان مجرّد الإشارة الى مسلم بالسلاح نهى عنه رسول الله (ص)، وحذّر منه، - لأنّه قد يوقع بالمحذور- فكيف بمن يحمله غروره، أو انتسابه لعائلة قوية، أو جهة حزبية على قتل الأنفس البريئة لأنه آمن من القصاص اعتماداً منه على قوّة عشيرته، أو نفوذ حزبه، وليعلم من يهمّهم الأمر؛ أنّ سيّد الكائنات رسول الله محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم قد قال‏:"كيف يقدّس الله أمّة لا يؤخذ لضعيفهم من شديدهم"[25].

إي والله، كيف يقدّس الربّ أمّة تسفك فيها الدماء البريئة؟! ولا تصان فيها الأرواح؟! ولا تحترم فيها الكرامات.
 
رسالةٌ نأمل أن تصل
لقد شاعت في الآونة الأخيرة حوادث القتل بشكل مخيف، وهذا إن دلّ على شيء فإنّما يدلّ على مدى القسوة والغلظة التي تملأ قلوب هؤلاء القتلة الذين صارت قلوبهم كالحجارة أو أشدّ قسوة، فأعلموا عباد الله أنّ المسلم دمه معصوم وماله معصوم، ولا يجوز استباحة دماء المسلمين وأموالهم، بل لا يجوز الإشارة الى المسلم بالسلاح، لأنّ الشيطان قد ينزع في يدِ المسلح فيقتل نفساً بغير حق، فيتحمّل وزرها عند الله تعالى، وأعلموا أنّ رسول الله نهى أن يتعاطى السيف مسلولاً، فتعاطي السلاح من دون أن يُؤمّن، والتهاون في الإشارة بالسلاح عن طريق المزاح أقلّ أحواله أنّه قد يؤدّي الى جرح أخيك هذا إذا لم يؤدّي إلى قتله، وقد ورد في صحيح أخبار السيرة النبويّة أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، مرّ على قوم يتعاطَون سيفاً مسلولاً (غير مغمود)، فقال صلّى الله عليه وآله وسلّم:"لعن الله من فعل هذا؛ أو ليس قد نهيت عن هذا؛ إذا سلّ أحدكم سيفاً ينظر إليه، فأراد أن يناوله أخاه، فليغمده ثم يناوله إيّاه"[26].

وحبّذا لو يبلُغ قول رسول الله (ص) هذا للّذين يُطلقون النار بكثافة كلّما أطلّ على شاشات التلفزة بعض القادة والزعماء، فإنّ مُطلقي الرصاص قد أضرّوا بمجتمعنا ضرَراً بالغاً، بإزهاقهم للعديد من أرواح أخوتنا وأهالينا، وجرّوا للعديد من العوائل ألواناً من الويلات والمصائب، فليَحْذروا أن لا يَصلوا لمرحلة ينطبق عليهم فيها قول رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم ‏:"من حمل علينا السلاح، فليس منّا"[27].

وليعلملوا أن نَشْرَ الرُّعْب والتَّرْويع في أوْساطِ المجتمع يُعدُّ فساداً عظيماً، وأنّ الأمن مطْلب شرْعي، ومِنَّة إِلَهية، امْتَنَّ اللهُ به على عبادهِ، وقد ذكرها في مواضعَ كثيرةٍ من كتابهِ كما في قوله سبحانه: {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ}[28]، والمحافظة على الأَمْن مسؤوليّة الجميع حُكَّاماً ومحكومينَ، رجالاً ونساءً، كباراً وصغاراً، وفي الختام نُنهي هذه الرسالة بما حدّثت به السيّدة الطاهرة فاطمة بنت الإمام عليّ بن موسى الرضا عليهما السلام، قالت: سمِعت أبي علياً يحدّث، عن أبيه، عن جعفر محمد، عن أبيه وعمه زيد، عن أبيهما علي بن الحسين عن أبيه وعمه، عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال:"لا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُرَوِّعَ مُسْلِماً"[29]، وقد ورد هذا الحديث الشريف مرفوعاً إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم.[30]

1- سورة المائدة، الآيات 27-32.
2- سورة المائدة، الآية 32.
3- سورة الإسراء، الآية 33.
4- سورة الفرقان، الآية 68.
5- السيد عبد الحسين شرف الدين الموسوي العاملي أعلى الله مقامه، الفصول المهمّة في تأليف الأمّة.
6- أحمد بن الحسين بن علي بن موسى البيهقي، شعب الإيمان، ج9، ص75، حديث: 6280، طبعة:1، مكتبة الرشد للنشر والتوزيع، وابن ماجة، سنن ابن ماجة، ج2، ص1297، طبعة: دار الفكر.
7- محمد بن عيسى الترمذي، سنن الترمذي،ج4، ص17، طبعة:2، مكتبة مصطفى البابي الحلبي، مصر، والشيخ محمد بن يعقوب الكليني، الكافي، ج7، ص272- 273، طبعة:4، دار الكتب الإسلامية، طهران، وأبو القاسم الطبراني، المعجم الصغير، ج1، ص340، طبعة 1، المكتب الإسلامي+ دار عمار، بيروت + عمان.
8- محمد بن إسماعيل البخاري، صحيح البخاري، ج6، ص2517، طبعة:3، دار ابن كثير، اليمامة، ورواه الشيخ الكليني، الكافي، ج7، ص272، بسنده عن الإمام الصادق (عليه السلام).
9- ثقة الإسلام الشيخ محمد بن يعقوب الكليني، الكافي، ج7، ص278، باب قتل العمد وشبه العمد والخطأ، طبعة:4، دار الكتب الإسلامية، طهران.
10- سورة محمد، الآية 24.
11- أبو عبد الله محمد بن يزيد القزويني، سنن ابن ماجة، ج4، ص215، حديث 2621، باب: هل لقاتل مؤمن توبة؟ طبعة:1، دار الجيل.
12- أبو داود سليمان بن الأشعث بن إسحاق بن بشير بن شدّاد بن عمرو الأزدي السِّجِسْتاني، سنن أبي داود، ج2، ص505، حديث 4270، باب في تعظيم قتل المؤمن، طبعة:1، دار الفكر، ومحمد بن حبان بن أحمد التميمي البستي، صحيح ابن حبان، ج13، ص318، حديث 5980، طبعة:2، مؤسّسة الرسالة، بيروت، والحاكم النيسابوري، المستدرك، ج4، ص391، حديث: 8032، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه،
13- الترمذي، الجامع الصحيح، ج5، ص 240، حديث 3029، طبعة: دار أحياء التراث العربي
14- ضياء الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد المقدسي، الأحاديث المختارة، ج6، ص163، حديث 2164، طبعة:3، دار خضر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت.
15- الشيخ الصدوق محمد بن علي بن بابويه القمي، الأمالي، ص207-208، المجلس السابع والثلاثون، حديث رقم8، طبعة:6، كتابچى‏، طهران.
16- محمد بن عيسى الترمذي، الجامع الصحيح، ج5، ص 240، حديث 3029، طبعة: دار إحياء التراث العربي.
17- أحمد بن محمد بن خالد البرقي، المحاسن، ج1، ص206، حديث:87، طبعة:2، دار الكتب الإسلامية، قم، والشيخ الصدوق محمد بن علي، ثواب الأعمال وعقاب الأعمال، ص278-279، طبعة:2، دار الشريف الرضي للنشر، قم.
18- أبو داود السجستاني، سنن أبي داود، ج2، ص505.
19- السيد عبد الحسين شرف الدين الموسوي العاملي أعلى الله مقامه، الفصول المهمّة في تأليف الأمّة.
20- محمد بن إسماعيل البخاري، صحيح البخاري، ج4، ص1474، حديث:3794، كتاب الديات، طبعة:3، دار ابن كثير، اليمامة.
21- السيد عبد الحسين شرف الدين الموسوي العاملي أعلى الله مقامه، الفصول المهمّة في تأليف الأمّة.
22- صحيح البُخاري، ج4، ص1581، حديث:4094، باب: بعث عليّ بن أبي طالب عليه السلام.
23- السيد عبد الحسين شرف الدين الموسوي العاملي أعلى الله مقامه، الفصول المهمّة في تأليف الأمّة.
24-ابن الأشعث محمد بن محمد، الجعفريات، ص83، باب: من أشهر السلاح، طبعة:1، مكتبة نينوى الحديثة، طهران، والعلّامة محمّد باقر المجلسي، بحار الأنوار، ج76، ص202، طبعة:2، مؤسّسة الوفاء، بيروت، وقريب منه باختلاف ألفاظ في صحيح مسلم، ج4، ص2020، باب: النهي عن الإشارة بالسلاح إلى مسلم.
25- ابن ماجة القزويني، سنن ابن ماجة، ج2، ص1329، طبعة: دار إحياء الكتب العربيّة.
26- أبو عبد الله الحاكم محمّد بن عبد الله بن محمد النيسابوري، المُستدرك على الصحيحين، ج4، ص323، حديث 7786، طبعة:1، دار الكتب العلمية، بيروت، بسنده عن أبي بكرة، وابن الأشعث محمد بن محمد، الجعفريات، ص83، باب: من أشهر السلاح، طبعة:1، مكتبة نينوى الحديثة، طهران، بسنده إلى أمير المؤمنين علي (عليه السلام).
27- صحيح مسلم، ج1، ص98، باب قول النبي (ص):"من حَمَل علينا السلاح، فليس منا"، طبعة: دار إحياء التراث العربي، بيروت، وأبي جعفر محمد بن الحسن بن علي الطوسي، المبسوط في فقه الإمامية، ج7، ص263، كتاب قتال أهل البغي، طبعة: المكتبة المرتضويّة لإحياء الآثار الجعفريّة، قُم، ومحمد بن زين الدين بن أبي جمهور، عوالي اللئالي، ج1، ص147، حديث 86، طبعة:1، دار سيّد الشهداء للنشر، قُم، وعنه الميرزا حسين بن محمد تقي النوري، مستدرك الوسائل، ج13، ص460، طبعة:2، تحقيق ونشر مؤسّسة آل البيت (ع) لإحياء التراث.
28- سورة قريش، الآيتان3 و4.
29- الشيخ الصدوق محمد بن علي بن بابويه القمي، عيون أخبار الرضا (عليه السلام)، ج2، ص71، حديث: 327، طبعة:1، نشر جهان، طهران.
30- أحمد بن حنبل، مُسند أحمد، ج38، ص163، حديث 23064، طبعة:1، مؤسّسة الرسالة، بيروت.

25-07-2018 | 15-15 د | 3949 قراءة


 
صفحة البحــــث
سجـــــــل الزوار
القائمة البريـدية
خدمــــــــة RSS

 
 
شبكة المنبر :: المركز الإسلامي للتبليغ - لبنان Developed by Hadeel.net