الصفحة الرئيسية
بحـث
تواصل معنا
Rss خدمة
 
  تحريك لليسار إيقاف تحريك لليمين

العدد 1647 15 جمادى الثانية 1446 هـ - الموافق 17 كانون الأول 2024 م

السيّدة الزهراء (عليها السلام) نصيرة الحقّ

وَهِيَ الْحَوْرَاءُ الْإِنْسِيَّةكلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء مع مختلف فئات الشعب بشأن التطوّرات في المنطقةانتظار الفرجمراقباتمراقباتيجب أن نكون من أهل البصائر ومن الصابرين كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء القيّمين على مؤتمر إحياء ذكرى شهداء محافظة أصفهانفَمَا وَهَنُوا وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا

العدد 1646 08 جمادى الثانية 1446 هـ - الموافق 10 كانون الأول 2024 م

وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ

من نحن

 
 

 

منبر المحراب

العدد 1325 - 08 صفر 1440 هـ - الموافق 18 تشرين الأول 2018م
فلسفة البلاء

تصغير الخط تكبير الخط أرسل لصديق

محاور الخطبة
- معنى البلاء.
- البلاء سرّ تكامل الإنسان.
- تزهيداً في الدنيا.
- فوائد البلاء وآثاره.
- تنبيه وتحذير.

تصدير الخطبة
عن الإمام الصادق (ع)، قال: "إِنَّ فِي كِتَابِ عَلِيٍّ (ع)، أَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ بَلَاءً النَّبِيُّونَ، ثُمَّ الْوَصِيُّونَ، ثُمَّ الأَمْثَلُ فَالأَمْثَلُ. وإِنَّمَا يُبْتَلَى الْمُؤْمِنُ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِه الْحَسَنَةِ؛ فَمَنْ صَحَّ دِينُه وحَسُنَ عَمَلُه، اشْتَدَّ بَلَاؤُه؛ وذَلِكَ أَنَّ اللَّه -عَزَّ وجَلَّ- لَمْ يَجْعَلِ الدُّنْيَا ثَوَاباً لِمُؤْمِنٍ ولَا عُقُوبَةً لِكَافِرٍ، ومَنْ سَخُفَ دِينُه وضَعُفَ عَمَلُه، قَلَّ بَلَاؤُه. وأَنَّ الْبَلَاءَ أَسْرَعُ إِلَى الْمُؤْمِنِ التَّقِيِّ مِنَ الْمَطَرِ إِلَى قَرَارِ الأَرْضِ"[1].

معنى البلاء
البلاء هو الاختبار والامتحان، وقد يكون بالخير والشرّ، يُقال: أبلاه بلاءً حسناً وابتلاه معروفاً، وقد جاء في القرآن الكريم: ﴿وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيم﴾[2].

فالبلاء هو كلّ ما يمتحن الله - تعالى - عباده به، من أمراض وأسقام وفقر وإدبار الدنيا وغيرها، وقد يمتحنهم بالجاه والاقتدار والزعامة والغنى...

البلاء سرّ تكامل الإنسان
وإنّ للإنسان بعدين في الحياة الدنيا، بعداً مادّيّاً ترابيّاً وهو الجسد، وبعداً روحيّاً معنويّاً وهو الروح، ولكلّ منهما وسائل للتكامل والنموّ، فالجسد ينمو ويقوى ويشتدّ، وكذا الروح تنمو وتعظم...

وممّا لا شكّ فيه، أنّ الشدائد والصعاب هي العامل الأساس في صلابة الإنسان وقوّته؛ فكلّما تعرّض الإنسان في حياته للشدائد أكثر، كلّما كان عوده أصلب، وفي ذلك يقول أمير المؤمنين (ع): "أَلَا وإِنَّ الشَّجَرَةَ الْبَرِّيَّةَ أَصْلَبُ عُوداً، والرَّوَاتِعَ الْخَضِرَةَ أَرَقُّ جُلُوداً، والنَّابِتَاتِ الْعِذْيَةَ[3] أَقْوَى وَقُوداً وأَبْطَأُ خُمُوداً"[4].

والروح في ذلك، كما الجسد، فإنّها تقوى بالشدائد والبلاءات، وقد ورد عن رسول الله (ص): "إنّ الله لَيغذِّي عبده المؤمن بالبلاء، كما تغذِّي الوالدة ولدها باللبن"[5].

تزهيداً في الدنيا
وإنّ كلّ ما يقع في عالم الدنيا من أفعال وأعمال مدرَكَة من قِبَل النفس الإنسانيّة، يترك آثاراً في هذه النفس، سواءٌ أكانت الأعمال حسنة أو سيّئة، وسواءٌ أكانت الأعمال فرحاً أو ترحاً.

إنّ كلّ لذّة في هذه الدنيا، من طعام أو شراب أو غيرهما، لها آثارها على النفس البشريّة، ويحصل بين النفس وبينها نوعٌ من التعلّق والمحبّة، فيزداد توجّه النفس إليها.

وكلّما توغّل الإنسان في اللذائذ والمشتهيات أكثر، كلّما ازداد تعلّق النفس وحبّها لهذا العالَم. وغدا ركونه واعتماده على هذا العالَم أكبر، فتتربّى النفس وترتاض على التعلّق بالدنيا.

وكلّما كانت المتع في ذائقته أحلا، كلّما كانت جذور محبّة الدنيا في قلبه أكثر. وكلّما توفّرت وسائل العيش والعِشرة والراحة بشكل أوفى، أصبحت دوحة التعلّق بالدنيا أقوى.

وكلّما أقبلت النفس إلى الدنيا أكثر، كلّما كانت غفلتها عن الحقّ وعالم الآخرة أكثر؛ فإنّ نفس الإنسان إذا ركنت إلى الدنيا كلّياً وصار توجّهها مادّياً ودنيويّاً، انصرفت عن الحقّ المتعال ودار الكرامة نهائياًّ، ﴿أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ﴾[6].

فالانهماك في بحر اللذائذ والمشتهيات يصرف الإنسان إلى حبّ الدنيا من دون اختيار. وحبّ الدنيا يوجب النفور من غيرها، وينسيه الآخرة.

فلو استاء الإنسان من شيء وشعر ببشاعته، استدعت صورة ذلك الشيء الكراهية والنفور. وكلّما كانت تلك الصورة في النفس أقوى، كلّما  كان النفور أكثر.

فمثلاً: إذا دخل شخص إلى بلد وابتُلي فيه بأسقام وآلام، وعانى من ورائه مشاكل داخليّة وخارجيّة، فإنّه سيكره هذا البلد وسينفر منه. وكلّما كانت معاناته أكثر، كلّما كان هروبه ونفوره منه أعظم، وإذا وجد مدينة أفضل فسيقبل عليها غير متردّد أو متأسّف.

فالإنسان، إذا عاش هموم الدنيا وآلامها وأسقامها ومشاكلها وعناءها، وشعر بأنّ أمواج الفتن والمحن تزحف نحوه، نقصَ تعلّقه بها، وقلّ ركونه إليها، ونفر قلبه منها.

وإذا اعتقد بوجود عالم آخر، وفضاء رحب فارغ من جميع أنواع الشقاء والتعاسة، ارتحل إليه. وإذا لم يتمكّن من السفر بجسمه لَذهب بروحه وبعث بقلبه إلى ذلك العالَم. ومن المعلوم، أنّ المفاسد الروحيّة والخلقيّة والسلوكيّة بأسرها تنجم عن حبّ الدنيا والغفلة عن الله –سبحانه- وعالم الآخرة، فعن الإمام الصادق (ع): "رَأْسُ كُلِّ خَطِيئَةٍ حُبُّ الدُّنْيَا"[7]. في حين أنّ الصلاح الروحيّ والخلقيّ والسلوكيّ، ينبعث من التوجّه نحو الحقّ، ودار الكرامة، ومن اللامبالاة بالدنيا وعدم الانبهار بزخارفها.

يقول رسول الله (ص): "يقول الله -عزَّ وجلَّ-: يا دنيا، تمرّري على عبدي المؤمن بأنواع البلاء، وضيّقي عليه في معيشته، ولا تحلو لي فيركنَ إليك"[8].

وإلى هذا المعنى يشير إمامنا الباقر (ع)، حيث يقول:"إِنَّ اللَّه -عَزَّ وجَلَّ- لَيَتَعَاهَدُ الْمُؤْمِنَ بِالْبَلَاءِ كَمَا يَتَعَاهَدُ الرَّجُلُ أَهْلَه بِالْهَدِيَّةِ مِنَ الْغَيْبَةِ، ويَحْمِيه الدُّنْيَا كَمَا يَحْمِي الطَّبِيبُ الْمَرِيضَ"[9].

فوائد البلاء وآثاره
إنّ للبلاء فوائد إيجابيّة وثماراً عظيمة، في الدنيا والآخرة، نذكر منها:

1.    التمييز بين الخبيث والطيّب
فإنّ من بين الآثار الناجمة عن البلاء هو تمييز الناس، الخبيث من الطيّب، والطالح من الصالح.
يقول الله -تعالى-: ﴿مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ﴾[10].
وقد أشار الإمام الحسين (ع) إلى هذا المعنى خلال مسيره إلى كربلاء، حيث يقول: "الناس عبيد الدنيا، والدين لعق على ألسنتهم، يحوطونه ما درّت معائشهم، فإذا مُحّصوا بالبلاء قلّ الديّانون"[11].

2.    التنبيه والإيقاظ
إنَّ كثيراً من الابتلاءات التي يتعرّض لها الإنسان في حياته، إنّما تكون بهدف توجيهه، والأخذ بيده إلى الصراط المستقيم والطريق القويم، وإيقاظه من غفلته وسهوه.

يقول -تعالى-: ﴿وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَمًا مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِكَ وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾[12]، ﴿وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾[13].

وفي الروايات أيضاً ما يؤكّد هذا المعنى، فعن الإمام عليّ (ع) أنّه قال:"إذا رأيت الله -سبحانه- يتابع عليك البلاء فقد أيقظك"[14].

وعنه (عليه السلام) أيضاً: "إِنَّ اللَّه يَبْتَلِي عِبَادَه عِنْدَ الأَعْمَالِ السَّيِّئَةِ، بِنَقْصِ الثَّمَرَاتِ وحَبْسِ الْبَرَكَاتِ وإِغْلَاقِ خَزَائِنِ الْخَيْرَاتِ، لِيَتُوبَ تَائِبٌ ويُقْلِعَ مُقْلِعٌ ويَتَذَكَّرَ مُتَذَكِّرٌ ويَزْدَجِرَ مُزْدَجِرٌ"[15].

3.    المقام المحمود عند الله
ومن فوائد شدّة ابتلاء المؤمنين حسب ما أُشير إليه في الأخبار، أنّ لهم درجات لا ينالونها إلاّ من وراء المصائب والأسقام والآلام، وهذا ما يفسّر مصائب الأنبياء والأئمّة الأطهار والصالحين.

فعن الإمام الصادق(ع)، قال: "إِنَّهُ لَيَكُونُ لِلْعَبْدِ مَنْزِلَةٌ عِنْدَ اللهِ فَمَا يَنالُها إلاّ بِإِحْدَى الخَصْلَتَيْنِ؛ إمّا بِذَهابِ مالٍ أوْ بِبَلِيَّةٍ في جَسَدِهِ"[16].

وفي رواية شهادة الإمام الحسين (ع) أنّه رأى جدّه رسول الله (ص) المنام، وأخبره قائلاً: "إنَّ لَكَ دَرَجَةً فِي الجَنَّةِ لاَ تَنَالُهَا إلاّ بِالشَّهَادَةِ"[17].

تنبيه وتحذير

لا بدّ في الختام من إشارة إلى أمرٍ هامّ يتعلّق ببعض أنواع المصائب والرزايا، ألا وهي المصائب التي تكون نتيجةَ أعمالنا وأفعالنا السيّئة؛ حيث إنّ هذا الكون قائم على نظام العليّة، وإنّ الأعمال السيّئة هي سبب لبعض المصائب في هذه الدنيا، فتكون البلاءات حينها "بما كسبت أيدينا".

قال الله في محكم كتابه: ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ﴾[18].

وقال أيضاً سبحانه وتعالى: ﴿فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُون﴾[19].

فالحذر الحذر أن نكون ممّن يُبتلَون بسوء أفعالهم وأعمالهم!.

والحمد لله ربِّ العالمين

[1]  الشيخ الكليني، الكافي، ج 2، ص 259.
[2]  سورة الأنفال، الآية 17.
[3]  الزرع الذي لا يسقيه ماء المطر.
[4]  نهج البلاغة، ص 418.
[5]  العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 78، ص 195.
[6]  سورة الأعراف، الآية 176.
[7]  الشيخ الكليني، الكافي، ج 2، ص 315.
[8]  العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 69، ص 52.
[9]  الشيخ الكليني، الكافي، ج 2، ص 255.
[10]  سورة آل عمران، الآية 179.
[11]  العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 44، ص 383.
[12]  سورة الأعراف، الآية 168.
[13]  سورة السجدة، الآية 21.
[14]  الليثي، عيون الحكم والمواعظ، ص 135.
[15]  نهج البلاغة، ص 199.
[16]  الشيخ الكليني، الكافي، ج 2، ص 257.
[17]  راجع: بحار الأنوار، ج44، ص 313.
[18]  سورة الشورى، الآية 30.
[19]  سورة العنكبوت، الآية 40.

18-10-2018 | 09-23 د | 1825 قراءة


 
صفحة البحــــث
سجـــــــل الزوار
القائمة البريـدية
خدمــــــــة RSS

 
 
شبكة المنبر :: المركز الإسلامي للتبليغ - لبنان Developed by Hadeel.net