محاور الخطبة
- فضل شهر رمضان
- خصائص شهر رمضان
- الجهر بالإفطار
- عمل المطاعم والمقاهي في شهر رمضان
- بعض آثار المجاهرة بالإفطار
- الابتهاج بالإفطار!
مطلع الخطبة
عن الإمام الباقر (عليه السلام): "قال رسول الله )صلّى الله عليه وآله) لمّا حضر شهر رمضان، وذلك لثلاث بقينَ من شعبان، قال لبلال: نادِ في الناس، فجمع الناس، ثمّ صعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال: أيّها الناس، إنّ هذا الشهر قد حضركم وهو سيّد الشهور، فيه ليلة خير من ألف شهر، تُغلَق فيه أبواب النيران، وتُفتح فيه أبواب الجنان"[1].
فضل شهر رمضان
أيّها الأحبّة،
إنّنا مقبلون على شهر لا يعادله في أيّامه وأوقاته وساعاته، أيّ شهر من الشهور، وقد عظّمه الله -تعالى- أيّما تعظيم، حتّى ذكره في محكم كتابه فيما عداه من الشهور، فقال -سبحانه-: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾[2].
أمّا الشهور الأخرى، فقد ذكرها بشكل عامّ كما في قوله -تعالى-: ﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللّهِ﴾[3].
وفي أحاديث النبيّ الأعظم (صلّى الله عليه وآله) وأهل بيته الأطهار (عليهم السلام) عدد لا بأس به، وهم يبيّنون فيها عظمة هذا الشهر وفضله وفضل أوقاته.
وليس لنا أبلغ من خطبة الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله) في استقبال شهر رمضان، وهي مشهورة معروفة، يكاد المحبّون والمؤمنون يحفظونها عن ظهر قلب، وممّا جاء فيها عن لسانه الشريف: "هُوَ شَهْرٌ دُعِيتُمْ فِيهِ إِلَى ضِيَافَةِ اللَّهِ، وَجُعِلْتُمْ فِيهِ مِنْ أَهْلِ كَرَامَةِ اللَّهِ"[4].
خصائص شهر رمضان
إنّ لهذا الشهر المبارك خصائص عديدةً بيّنها لنا النبيّ الأعظم (صلّى الله عليه وآله) وأهل بيته الأطهار (عليهم السلام)، وسوف نورد بعضاً منها ضمن النقاط الآتية:
أ- شهر المغفرة
عن الإمام الباقر (عليه السلام): "يا جابر، من دخل عليه شهر رمضان، فصام نهاره، وقام وِرداً من ليلته، وحفظ فرجه ولسانه، وغضّ بصره، وكفّ أذاه، خرج من الذنوب كيوم ولدته أمّه، قلت له: جعلت فداك ! ما أحسن هذا من حديث! قال: ما أشدّ هذا من شرط!"[5].
ب- إنّه شهر العتق من النار
عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال: "إنّ لله -تعالى- في كلّ ليلة من شهر رمضان عتقاء وطلقاء من النار، إلّا من أفطر على مسكر، فإذا كان آخر ليلة منه، أعتق فيها مثل ما أعتقه في جميعه"[6].
ج- شهر استجابة الدعاء
عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أنّه قال: "أربعة لا تردّ لهم دعوة، ويُفتح لهم أبواب السماء ويصير إلى العرش، دعاء الوالد لولده، والمظلوم على من ظلمه، والمعتمر حتّى يرجع، والصائم حتّى يفطر"[7].
د- شهر تقسيم الأرزاق
عن الإمام الصادق (عليه السلام) في وصيّة له لأحد أبنائه: "إذا دخل شهر رمضان، فأجهدوا أنفسكم فيه؛ فإنّ فيه تقسيم الأرزاق، ويثبت الآجال، ويكتب وفد الله الذين يفدون إليه، وفيه ليلة العمل فيها خير من العمل في ألف شهر"[8].
ه- شهر تزكيه الأبدان
عن الإمام الصادق (عليه السلام)، عن أبيه، عن آبائه (عليهم السلام) أنّه قال: "قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) لأصحابه: ألا أخبركم بشيء إن أنتم فعلتموه؛ تباعد الشيطان عنكم كما تباعد المشرق من المغرب، قالوا: بلى، قال: الصوم يسوّد وجهه، والصدقة تكسر ظهره، والحبّ في الله والموازرة على العمل الصالح يقطع دابره، والاستغفار يقطع وتينه، ولكلّ شيء زكاة، وزكاة الأبدان الصيام"[9].
هذا، وهناك الكثير من الأحاديث في فضل شهر رمضان وعظمته، ما لو أردنا ذكرها لضاق بنا المقام.
و- شهر نزول الكتب الإلهيّة
وقد شَرَّفَ اللهُ -تعالى- شهر رمضانَ أيضاً، بأن خصّصه من بين الأشهر الأخرى كلّها، لإنزال الكتب السماويّة، وممّا ورد في ذلك ما رُوِيَ عن الإمام جعفر بن محمّد الصادق (عليه السلام) أنّه قال: "نَزَلَ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً فِي شَهْرِ رَمَضَانَ إِلَى الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ، ثُمَّ نَزَلَ فِي طُولِ عِشْرِينَ سَنَةً، ثُمَّ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ (صلّى الله عليه وآله): نَزَلَتْ صُحُفُ إِبْرَاهِيمَ فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَأُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ لِسِتٍّ مَضَيْنَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَأُنْزِلَ الْإِنْجِيلُ لِثَلَاثَ عَشْرَةَ لَيْلَةً خَلَتْ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَأُنْزِلَ الزَّبُورُ لِثَمَان عَشَرَ خَلَوْنَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَأُنْزِلَ الْقُرْآنُ فِي ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَان"[10].
الجهر بالإفطار
أيّها الأحبّة،
مع ما ورد كلّه في تعظيم شهر رمضان عند الله -تعالى- وأوليائه الطاهرين، إلّا أنّ هناك من يعمل في مقابل هذا التعظيم والتشريف لهذا الشهر المبارك، وذلك بهتك حرمته بالإفطار في أيّامه جهراً وعلانيّة أمام الناس!
وقبل الخوض في غمار هذا الأمر، لا بدّ من بيان ما هو المقصود بحدود الله -تعالى-.
قال الله- عزّ وجلّ- في محكم كتابه: ﴿تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾[11].
وقال -سبحانه-: ﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ﴾[12].
وقال أيضاً -عزّ وجلّ-: ﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾[13].
هذه الآيات المباركة تشير إلى عظمة حدود الله -سبحانه وتعالى-.
وإنّما حدوده وحرماته وشعائره هي تلك الأوامر والنواهي التي بيّنها لنا -سبحانه-، ويكون تعظيمها والوقوف عندها بالالتزام بها وعدم انتهاكها.
وبقدر عظمة الأوامر تلك تكون حرمتها، وبقدر حرمتها تكون عظمة انتهاكها.
ومن هنا، لا بدّ من الإشارة إلى ظاهرة المجاهرة بالإفطار في أيّام شهر رمضان.
فإنّه للأسف نجد العديد من الناس -وخاصّة الشباب منهم- لا يراعون حرمةً لهذا الشهر الكريم، فيتناولون المفطر أمام أعين الناس، دون أيّ رادع لهم، وكأنّهم لا يدركون أنّ لهذا الشهر حرمةً ومقاماً لا بدّ من احترامها، وعدم التعدّي عليها!
النهي عن المجاهرة تشمل المعذور وغير المعذور
وإنّ النهي عن المجاهرة بالإفطار يشمل المعذور به وغير المعذور، حيث إنّ تناول المفطر بذاته أمام الناس في أيّام الصوم إنّما هو هتك لحرمة هذا الشهر، وقد أفتى علماؤنا بحرمة ذلك دون التفريق بين المعذور وغيره.
نعم إنّ غير المعذور إنّما يجاهر بمعصية يُبغضها الله -تعالى-، وقد أوعد من فعل ذلك عناداً بالعقاب.
قال -سبحانه-: ﴿وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ﴾[14].
عمل المطاعم والمقاهي في شهر رمضان
ولا بدّ من توجيه رسالة إلى بعض أصحاب المطاعم الذين لا يراعون حرمة هذا الشهر المبارك، فنجدهم يفتحون صالات مطاعمهم، ويفرشون الموائد، ويقدّمون الطعام والشراب في رابعة النهار، بحجّة أنّ ذلك عملهم، وأنّ ذلك مصدر رزقهم، وهذا في الواقع إنّما هو مواربة كبرى، وهروب من الحقّ؛ ذلك أنّه إعانة للمفطرين عمداً على معصيتهم.
وكذلك هو معصية فيما لو استلزم تقديم الطعام للمعذورين، هتكَ حرمة الشهر الكريم.
بعض آثار المجاهرة بالإفطار
وإنّ المجاهرة بالإفطار لغير المعذورين آثاراً وخيمة، على حياتهم الدنيا، فضلاً عن الآخرة؛ ذلك أنّه مجاهرة بالمعصية، وإليكم بعضها ضمن العناوين الآتية:
أ- تعجيل النقم
عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه قال: "مجاهرة الله سبحانه بالمعاصي تعجّل النقم"[15].
ب- أشدّ المآثم
عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه قال: "إيّاك والمجاهرة بالفجور؛ فإنّها من أشدّ المآثم"[16].
ج- عدم النجاة
عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) قال: "إنّي لأرجو النجاة لمن عرف حقّنا من هذه الأمّة، إلاّ لأحد ثلاثة: صاحب سلطان جائر، وصاحب هوىً، والفاسق المعلن، ثمّ قال: ﴿قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ﴾"[17].
الابتهاج بالإفطار!
وإنّنا نرى بعض المجاهرين بالإفطار، إضافةً إلى أنّهم يفطرون جهراً وعلناً، فإنّهم يبتهجون بفعلتهم هذه! وهذا بنفسه موجب لغضب الله -سبحانه وتعالى-، حيث إنّ الابتهاج بالمعصية أشدّ من المعصية نفسها، كما عن الإمام عليّ زين العابدين (عليه السلام) أنّه قال: "إيّاك والابتهاج بالذنب، فإنّ الابتهاج به أعظم من ركوبه"[18].
وعنه أيضاً (عليه السلام) أنّه قال: "لا وزر أعظم من التبجّح بالفجور"[19].
رسالة خاتمة
أيّها الأحبّة،
إنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لهو واجب من الواجبات العظمى، التي قامت عليه الشريعة الإسلاميّة الحنيفة، ويعبتر من أركانها الأساسيّة التي لا ينبغي للمؤمن إلّا وأن يلبّيه بشرطه وشروطه.
وإنّ المجاهرة بالإفطار في أيّام شهر رمضان، لهي معصية يجب مواجهتها والعمل على تقويضها، بالتي هي أحسن، وإنّ في ذلك لعظيم الأجر والثواب، وضمان لحرمة أحكام الله وحدوده -سبحانه وتعالى-.
[1] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج 4، ص 67.
[2] سورة البقرة، الآية 185.
[3] سورة التوبة، الآية 36.
[4] الحر العامليّ، وسائل الشيعة، ج10، ص 313.
[5] المصدر نفسه، ج 10، ص 304.
[6] المصدر نفسه، ج10، ص306.
[7] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج 2، ص 510.
[8] الشيخ الصدوق، فضائل الأشهر الثلاثة، ص123.
[9] الحرّ العامليّ، وسائل الشيعة، ج10، ص 396.
[10] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص 629.
[11] سورة البقرة، الآية 229.
[12] سورة الحج، الآية 30.
[13] سورة الحجّ، الآية 32.
[14] سورة النساء، الآية 14.
[15] الواسطيّ، عيون الحكم والمواعظ، ص 488.
[16] المصدر نفسه، ص95.
[17] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج75، ص 226.
[18] المصدر نفسه، ج 75، ص 159.
[19] الواسطيّ، عيون الحكم والمواعظ، ص 540.