محاور الخطبة
- لمحة عن حياتها الشريفة
- والدتها
- ألقابها وصفاتها
- ما سرّ لقبها المعصومة؟
- فضل زيارتها
- نهاية رحلتها ووفاتها
- من زيارتها
مطلع الخطبة
الصلاة والسلام على سيّدنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين
رُوِيَ عَنِ الإمام الصَّادِقِ (عليه السلام) أَنَّهُ قَالَ: "إِنَّ لِلَّهِ حَرَماً وَهُوَ مَكَّةُ، أَلَا إِنَّ لِرَسُولِ اللَّهِ حَرَماً وَهُوَ الْمَدِينَةُ، أَلَا وَإِنَّ لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ حَرَماً وَهُوَ الْكُوفَةُ، أَلَا وَإِنَّ قُمّ الْكُوفَةُ الصَّغِيرَةُ، أَلَا إِنَّ لِلْجَنَّةِ ثَمَانِيَةَ أَبْوَابٍ ثَلَاثَةٌ مِنْهَا إِلَى قُمّ، تُقْبَضُ فِيهَا امْرَأَةٌ مِنْ وُلْدِي، اسْمُهَا فَاطِمَةُ بِنْتُ مُوسَى، وَتُدْخَلُ بِشَفَاعَتِهَا شِيعَتِي الْجَنَّةَ بِأَجْمَعِهِمْ"[1].
السيّدة فاطمة المعصومة
أيّها الأحبّة،
نتحدّث في هذه الخطبة عن امرأة جليلة القدر، كانت -وعلى الرغم من قصر عمرها الذي قضته في هذه الحياة الدنيا- رائدةً في النموذج المثاليّ للمرأة الطاهرة والعارفة بالله -سبحانه-، وقد جمعت في شخصيّتها بريق العلم والأخلاق، وصلابة الموقف والإرادة والتصميم، ما جعلها قدوةً لكلّ امرأة تتوق السير نحو الله -سبحانه-.
بل إنّنا قلّما نجد امرأةً في العالم، يستحلف بحقّها الرجالُ ربَّ العالمين، ويطلبون منه بين يديها صلاح أمورهم، ومغفرة ذنوبهم، وإنّها لعلامة فارقة لنا أن نتّخذها مثلاً رائعاً لتقديرنا واحترامنا للمرأة إذا ما كانت تعيش لله -سبحانه-.
لمحة عن حياتها
إنّها السيّدة الجليلة فاطمة بنت موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب (عليهم السلام).
وُلدت في المدينة المنوّرة، وعلى الأرجح في شهر ذي القعدة الحرام سنة 173.
وكانت وفاتها في قمّ سنة 201 للهجرة، وذلك في العاشر من ربيع الثاني، وقيل: في الثاني عشر منه، وفيها دُفنت (سلام الله عليها).
والدتها
إنّ للأمّ -أيّها الأحبّة- دوراً عظيماً في تنشئة الأولاد على حبّ الله وطاعته، وعلى التربية الحسنة والأخلاق الرفيعة، فإنّ الأولاد يتشرّبون ما تغذّيهم به الأمّ منذ ولادتهم، بل لنا أن نقول: إنّ التربية وكأنّها تبدأ مذ يكون الطفل جنيناً، وهذا ما نستشفّه من الأمور التي ورد استحباب قيام المرأة الحامل بها، كقراءة القرآن وما شاكل من أعمال، بل إنّ لذنوب المرأة الحامل أثراً على الجنين، ولهذا طبعاً تفصيل في مقام آخر.
وإنّنا عند الحديث عن السيّدة فاطمة، لا بدّ أن نعرّج قليلاً على والدتها "تكتم" (رضوان الله عليها)، وهي أمّ الإمام الرضا (عليه السلام) كذلك، حيث كانت امرأةً جليلةً وعظيمةً في قدرها بنظر الأئمّة، وممّا روي في سيرتها، أنّها لمّا ولَدَت الإمام الرضا (عليه السلام) قالت: "أعينوني بمُرضعة، فقيل لها: أنَقَصَ الدّرُّ ؟ -أي نقص لبن الرضاع-.
قالت: ما أكذب، ما نقص الدّر، ولكن عَليَّ ورِدٌ[2] من صلاتي وتسبيحي، وقد نقص منذ ولَدْتُ[3].
ألقابها وصفاتها
إنّ لشدّة بروز السمات الطيّبة والحسنة في شخصيّة السيّدة فاطمة، في أخلاقها وتقواها وورعها وعفّتها وعلمها، فقد لُقّبت بألقاب متعدّدةً؛ كالمحدّثة، والعابدة، والمقدامة، وكذلك عُرفت بكريمة أهل البيت (عليهم السلام).
كانت (عليها السلام) على انقطاع تامّ إلى الله -سبحانه-، وهي التي تربّت على يديّ أبيها الإمام الكاظم (عليه الصلوات والسلام).
وقد ورد أنّها كانت عابدةً مباركةً شبيهة جدّتها فاطمة الزهراء (عليها السلام), وأنّها على صغر سنّها، كان لها مكانة جليلة عند أهل البيت (عليهم السلام). وعند كبار فقهاء قمّ ورواتها ومحدّثيها.
ما سرّ لقبها "المعصومة"؟
اشتهرت السيّدة فاطمة بنت الكاظم (عليهما السلام) بلقب المعصومة، وهو أكثر ألقابها شهرةً على ألسنة المؤمنين، حتّى أصبحت تُعرف به عند إطلاقه، فيُقال: "السيّدة المعصومة" أو "المعصومة"، والسبب في تلقيبها بذلك يعود إلى أمرين:
الأوّل: أنّه لمّا كان عمرها (رضوان الله عليها) قصيراً -لم يتجاوز الثلاثين على أكثر الروايات-، أطلق عليها الإيرانيّون "معصومة فاطمة" أو "معصومة قمّ"؛ لأنّ معصوم بالفارسيّة بمعنى البريء، ويوصف بها الطفل البريء؛ فيكون ذلك للإشارة إلى طهارتها وصفاء روحها.
والثاني: أنّ ذلك يعود لطهارتها وعصمتها عن الذنوب، فإنّ العصمة على قسمين، عصمة واجبة كالتي ثبتت للأئمّة المعصومين (عليهم السلام)، وعصمة جائزة تثبت لكبار أولياء الله -تعالى- المطهّرين عن الذنوب. ولعلّ ما جاء في ثواب زيارتها ممّا ورد التعبير بمثله للأئمّة المعصومين (عليهم السلام) يؤيّد هذا الوجه، كالتعبير بأنّ من زارها فله الجنّة، أو وجبت له الجنّة، ونحوها ممّا سيأتي.
وربّما أيضاً يكون منشأ تسميتها بالمعصومة هو اعتصامها بأهل قمّ، فإنّها التجأت إليهم ونزلت عندهم، والعصمة في لغة العرب تأتي بمعنى المنع.
قصّة السيّد المرعشيّ ( رضوان الله عليه)
ينقل عن السيّد محمود المرعشيّ والد السيّد شهاب الدّين المرعشيّ (قدّس سرّهما) أنّه كان يريد معرفة قبر الصدّيقة الزهراء (عليها السلام)، وقد توسّل إلى الله -تعالى- من أجل ذلك كثيراً، حتّى أنّه دأب على ذلك أربعين ليلةً من ليالي الأربعاء من كلّ أسبوع في مسجد السهلة بالكوفة، وفي الليلة الأخيرة حظيَ بشرف لقاء الإمام المعصوم (عليه السلام)، فقال له الإمام (عليه السلام): "عليك بكريمة أهل البيت"، فظنّ السيّد محمود المرعشيّ أنّ المراد بكريمة أهل البيت (عليها السلام) هي الصدّيقة الزهراء (عليها السلام)، فقال للإمام (عليه السلام): جُعلت فداك، إنّما توسّلت لهذا الغرض، لأعلم بموضع قبرها، وأتشرّف بزيارتها، فقال (عليه السلام): "مرادي من كريمة أهل البيت قبر السيّدة فاطمة المعصومة (عليها السلام) في قمّ..."، وعلى أثر ذلك عزم السيّد محمود المرعشيّ على السفر من النجف الأشرف إلى قمّ لزيارة كريمة أهل البيت (عليها السلام)[4].
فضل زيارتها
إنّ لزيارة السيّدة المعصومة ثوابًا عظيماً، ونستفيد ذلك من خلال تتبّع الأحاديث الواردة عن بعض المعصومين(عليهم السلام) من الأئمّة الأطهار:
- كما عن الإمام الجواد (عليه السلام) أنّه قال في حقّ من زارها: "من زار عمّتي بقمّ، فله الجنّة"[5].
- وكذلك ما ورد عن الإمام الرضا (عليه السلام) أنّه قال فيما يناله من زارها (سلام الله عليها)، في حديث رجل اسمه سعد: يا سعد، عندكم لنا قبر؟
قال سعد: جُعلت فداك، قبر فاطمة بنت موسى (عليهما السلام).
قال: نعم، من زارها عارفاً بحقّها، فله الجنّة[6].
نهاية رحلتها ووفاتها
أيّها الأحبّة،
إنّ السيّدة فاطمة المعصومة كانت قد اتّجهت مع بعض أبناء البيت العلويّ خلف الإمام الرضا (عليه السلام) بهدف اللقاء به والتبرّك بالعيش إلى جانبه، وهو الذي انتقل من المدينة إلى خراسان، حيث كانت منطقةً بعيدةً عن المدينة وغريبة، حتّى عُرف بسبب ذلك بـ "غريب طوس".
وحين وصولها (عليها السلام) إلى منطقة ساوة -وهي منطقة قريبة من قمّ المقدّسة- ومكوثها فيها لأيّام، تعرّضت لمرض مستصعب لم يستطع أحد تخفيف وطأته عليها، حتّى اتّجهت إلى قمّ فاستقبلها أهلها بحفاوة بالغة، يتقدّمهم موسى بن خزرج الأشعريّ، الذي أخذ بزمام ناقتها وقادها إلى منزله لاستضافتها فيه.
ولبثت في دار موسى بن خزرج الأشعريّ سبعة عشر يوماً، حتّى جاءت منيّتها، ودُفنت في مدينة قمّ المقدّسة، وذلك في الثاني عشر من ربيع الثاني عام 201هـ.
أصبح قبر السيّدة المعصومة مزاراً هامًا يقصده المؤمنون والموالون من جميع أقطار العالم، خاصّةً أنّ لها (عليها السلام) كرامات عديدة، جعلت منها ملجأ المحبّين والمريدين.
بل إنّ حضرتها كانت ملاذ العلماء وحلقاتهم الدراسيّة والعلميّة، وكثير منهم قد أوصوا بالدفن إلى جانب قبرها الشريف.
وهذا إن دلّ على شيء، إنّما يدلّ على رفعة مكانتها بنظر هؤلاء العلماء والفقهاء الذين كان لهم مكانة عالية بين الناس.
من زيارتها
اَلسَّلامُ عَلَيْكِ يا بِنْتَ وَلِيِّ، اللهِ اَلسَّلامُ عَلَيْكِ يا اُخْتَ وَلِيِّ اللهِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكِ يا عَمَّةَ وَلِىِّ اللهِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكِ يا بِنْتَ مُوسَى بْنِ جَعْفَر، وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ...
يا فاطِمَةُ اشْفَعي لي فى الْجَنَّةِ، فَإنَّ لَكِ عِنْدَ اللهِ شَأناً مِنَ الشَّأنِ، اَللّـهُمَّ،إنّى اَسْاَلُكَ أنْ تَخْتِمَ لي بِالسَّعادَةِ، فَلا تَسْلُبْ مِنّي ما أَنـَا فيهِ، وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إلّا بِاللهِ الْعَلِيِّ الْعَظيمِ، اَللّـهُمَّ، اسْتَجِبْ لَنا، وَتَقَبَّلْهُ بِكَرَمِكَ وَعِزَّتِكَ، وَبِرَحْمَتِكَ وَعافِيَتِكَ، وَصَلَّى اللهُ عَلى مُحَمَّد وَآلِهِ اَجْمَعينَ، وَسَلَّمَ تَسْليماً يا أَرْحَمَ الرّاحِمينَ.[7]
[1]بحارالأنوار، العلّامة المجلسيّ، ج57، ص228.
[2]الوِرد: العمل المندوب والمستحبّ، مقابل الواجب، والجمع: أوراد.
[3]عيون أخبار الرضا، الشيخ الصدوق، ج1، ص 25.
[4]الفاطمة المعصومة، محمّد عليّ المعلّم، ص 176.
[5]بحار الأنوار، العلّامة المجلسيّ، ج 48، ص 316.
[6]المصدر نفسه، ج 48، ص 317.
[7]المصدر نفسه، ج99، ص 266.