الصفحة الرئيسية
بحـث
تواصل معنا
Rss خدمة
 
  تحريك لليسار إيقاف تحريك لليمين

العدد 1644 23 جمادى الأولى 1446 هـ - الموافق 26 تشرين الثاني 2024 م

ضياع القِيم في عصر الغَيبة

وللمظلوم عوناًالكلّ يحتاج إلى الصبر مراقباتمعاني الصبروَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ

العدد 1643 16 جمادى الأولى 1446 هـ - الموافق 19 تشرين الثاني 2024 م

التعبويُّ لا يُهزَم

كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء مع تلامذة المدارس وطلّاب الجامعاتكلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء مع أعضاء مجلس خبراء القيادةالصبر ونجاح المسيرة
من نحن

 
 

 

منبر المحراب

العدد 1363 - 08 ذو القعدة 1440 هـ - الموافق 11 تموز 2019م
المبادئ الأخلاقيّة من سيرة الإمام الرضا (عليه السلام)

تصغير الخط تكبير الخط أرسل لصديق



محاور الخطبة
- ولادة الإمام (عليه السلام)
- الأخلاق على شعب ثلاث
- من معالم أخلاق الإمام (عليه السلام)
- التعامل مع الخدم

مطلع الخطبة
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد وآله الطاهرين.
عن أبي الصلت أنّه قال: "إنّ المأمون قال للرضا (عليه السلام): يابن رسول الله، قد عرفت فضلك وعلمك وزهدك وورعك وعبادتك، وأراك أحقّ بالخلافة منّي، فقال الرضا (عليه السلام): بالعبوديّة لله أفتخر، وبالزهد في الدنيا أرجو النجاة من شرّ الدنيا، وبالورع عن المحارم أرجو الفوز بالمغانم، وبالتواضع في الدنيا أرجو الرفعة عند الله"[1].

ولادة الإمام الرضا (عليه السلام)
نبارك لكم ولادة الإمام الثامن من الأئمّة الأطهار (عليهم الصلاة والسلام)، الإمام عليّ بن الرضا (عليه السلام)، الذي عُرف بعظيم أخلاقه وعلمه وتقواه.

وُلد (عليه الصلاة والسلام) في مدينة جدّه (صلّى الله عليه وآله) في الحادي عشر من ذي القعدة، من سنة 148 للهجرة.

لُقّب (عليه السلام) بألقاب عديدة، منها الصابر، الرضيّ، الوفيّ، الفاضل، وغريب الغرباء.

أيّها الأحبّة،
إنّ الحديث عن ملامح الأخلاق في سيرة الإمام الرضا (عليه السلام) لهو من الأمور الجليلة والعظيمة، التي ينبغي لكلّ مؤمن ومؤمنة أن يبحث فيها ويقرأها، علّه بذلك ينهل من طيب أخلاق هذا الإمام العظيم، الذي جسّد في حياته العمليّة مآثر جدّه المصطفى (صلّى الله عليه وآله) وآبائه الطاهرين (عليهم الصلاة والسلام) كلّها.

الأخلاق على شعب ثلاث
إنّ مدار الحياة الأخلاقيّة التي ينبغي للمؤمن أن يسير على أساسها، تتمحور في شعب ثلاث، في العلاقة مع الله، في العلاقة مع الناس، وفي العلاقة مع النفس.

وبذلك نعلم أنّ الأخلاق ليس في جانب دون آخر، بل لا بدّ من أن تسري في أبعاد حياة الإنسان كلّها، حتّى يكون فعلاً إنسانًا متكاملاً، يصدر منه الحسنُ والخير، ولا يصدر منه السوءُ والشرّ.

وإنّ خير من جسّد أشكال الأخلاق الطيّبة كلّها، هم أولئك المطهّرون من الأنبياء والمرسلين والأئمّة المعصومين (عليهم السلام)، حتّى أنّنا نجد رفعة أخلاقهم كما وردت في سيرهم الطيّبة، قد امتزجت في حركاتهم وتصرّفاتهم ومواقفهم كلّها.

ولنا خير مثال نتكلّم عنه في هذه الخطبة، هو الإمام عليّ بن الرضا (عليه الصلاة والسلام)، الذي جسّد الإمام الرضا (صلوات الله عليه) في شخصيّته وتعامله مع من حوله الفضائل الحسنة والاخلاق الطيّبة كلّها، وبأبعادها جميعاً، وصوّرها حتّى قيل فيه ما قيل من المدح والتبجيل، وممّا قيل فيه ما عن إبراهيم بن العبّاس: "ما رأيت، ولا سمعت بأحد أفضل من أبي الحسن الرضا (عليه السلام)، ما جفا أحداً قط، ولا قطع على أحد كلامه، ولا ردَّ أحداً عن حاجة، وما مدَّ رجليه بين جليسه، ولا اتّكأ قبله، ولا شتم مواليه ومماليكه، ولا قهقه في ضحكة، وكان يجلس على مائدته مماليكه ومواليه، قليل النوم بالليل، يحيي أكثر لياليه من أوَّلها إلى آخرها، كثير المعروف والصدقة، وأكثر ذلك في الليالي المظلمة"[2].

من معالم أخلاق الإمام (عليه السلام)
ولننظر إلى بعض معالم أخلاقه (عليه الصلاة والسلام)

1- خدمته نفسه بنفسه
كما نعلم -أيّها الأحبّة- فإنّ الإمام (عليه السلام) حين تسلّم ولاية العهد، ورضيَ بها لأسباب ندركها جيّداً، فإنّه تعامل مع مواليه وخدمه بخلاف ما جرت عليه سيرة ولاة العهد وأصحاب السلطة، فقد كان يتحاشى الطلب وأمرهم بما يتعلّق به شخصيّاً حتّى قيل: إنّه احتاج إلى الحمّام، فكره أن يأمر أحداً بتهيئته له، ومضى إلى حمّام في البلد لم يكن صاحبه يظنّ أنّ وليّ العهد يأتي إلى الحمّام في السوق فيغسل فيه، وإنّما حمّامات الملوك في قصورهم .ولمّا دخل الإمام الحمّام، كان فيه جنديّ، فأزال الإمام عن موضعه، وأمره أن يصبّ الماء على رأسه، ففعل الإمام ذلك، ودخل الحمّام رجل كان يعرف الإمام، فصاح بالجنديّ: هلكت، أتستخدم ابن بنت رسول الله (صلّى الله عليه وآله)؟! فذعر الجنديّ، ووقع على الإمام يقبّل أقدامه، ويقول له متضرّعاً :
"يابن رسول الله، هلاّ عصيتني إذ أمرتك؟".
فتبسّم الإمام في وجهه وقال له -برفق ولطف- :"إنّها لمثوبة، وما أردت أن أعصيك فيما أُثاب عليه"[3].

2- جلوسه مع مماليكه
كان (عليه السلام) إذا جلس إلى مائدة، أجلس معه مماليكه حتّى السائس والبوّاب، وقد أعطى بذلك درساً لهم، لقاء التمايز بين الناس، وأنّهم جميعاً على صعيد واحد، يقول إبراهيم بن العبّاس: "سمعت عليّ بن موسى الرضا (عليه السلام) يقول: حلفت بالعتق، ولا أحلف بالعتق إلّا أعتقت رقبةً، وأعتقت بعدها جميع ما أملك، إن كان يرى أنّه خير من هذا، وأومأ إلى عبد أسود من غلمانه، إذا كان ذلك بقرابة من رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، إلّا أن يكون له عمل صالح، فأكون أفضل به منه"[4].

3- تواضع نفسه
قال له رجل: "والله، ما على وجه الأرض أشرف منك أباً" .
فقال (عليه السلام) : "التقوى شرّفتهم، وطاعة الله أحظتهم".
وقال له شخص آخر: "أنت والله خير الناس..."
فردّ عليه قائلاً: "لا تحلف يا هذا! خير منّي من كان أتقى لله –عزّ وجلّ-، وأطوع له، والله، ما نُسخت هذه الآية: {وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم}"[5].

4- زهده
عن محمّد بن عبّاد أنّه قال:" كان جلوس الرضا على حصيرة في الصيف، وعلى مسح في الشتاء، ولباسه الغليظ من الثياب، حتّى إذا برز للناس تزيّا"[6].
والتقى به سفيان الثوريّ -وكان الإمام قد لبس ثوباً من خزّ-، فأنكر عليه ذلك، وقال له: "لو لبست ثوباً أدنى من هذا". فأخذ الإمام (عليه السلام) يده برفق، وأدخلها في كُمّه، فإذا تحت ذلك الثوب مسح، ثمّ قال له :"يا سفيان، الخزّ للخلق، والمسح للحقّ..."[7].
وتدلّنا هذه الرواية على أمر آخر، وهي طيب عشرة الإمام (عليه السلام)، ولذلك نرى كيف أنّ هذا الرجل يبدي رأيه في ملبس الإمام، والإمام يردّ عليه برفق كذلك!

5- إحسانه وسخاؤه
أيّها الأحبّة،
لنا أن نقول: إنّ السخاء والإحسان إلى الفقراء والمساكين، كان من أحبّ الأعمال عند الإمام الرضا (عليه السلام)، وممّا ورد عنه في سيرته بذلك:
- إنّه حين كان في خراسان أنفق جميع ما لديه من مال على الفقراء، فقال له الفضل بن سهل: "إنّ هذا لمغرم..."
فأجابه الإمام (عليه السلام): "بل هو المغنم، لا تعدّنّ مغرماً ما ابتغيت به أجراً وكرماً"[8].
-  كان إذا أُتيَ بصحفة طعام، عمد إلى أطيب ما فيها من طعام، ووضعه في تلك الصحفة، ثمّ يأمر بها إلى المساكين، ويتلو قوله تعالى: {فلا اقتحم العقبة}، ثمّ يقول: "علم الله -عزّ وجلّ- أن ليس كلّ إنسان يقدر على عتق رقبة؛ فجعل له السبيل إلى الجنّة"[9].

 - ورُوي أن فقيراً قال له: أعطني على قدر مروّتك.
فأجابه الإمام (عليه السلام): "لا يسعني ذلك" .
والتفت الفقير إلى خطأ كلامه، فقال ثانياً: "أعطني على قدر مروّتي".
وهنا قابله الإمام (عليه السلام) ببسمات فيّاضة بالبِشر، قائلاً له: "إذاً، نعم" .
ثمّ قال: يا غلام، أعطه مئتي دينار"[10].
 
6- إكرام ضيوفه
كان (عليه السلام) يكرم الضيوف، ويغدق عليهم بنعمه وإحسانه وكان يبادر بنفسه لخدمتهم، وقد استضافه شخص، وكان الإمام يحدّثه في بعض الليل، فتغيّر السراج، فبادر الضيف لإصلاحه، فوثب الإمام، وأصلحه بنفسه، وقال لضيفه: "إنّا قوم لا نستخدم أضيافنا"[11].

7- إحسانه إلى العبيد
وكان الإمام (عليه السلام) كثير البرّ والاحسان إلى العبيد.
روى عبد الله بن الصلت عن رجل من أهل "بلخ"، قال: "كنت مع الإمام الرضا (عليه السلام) في سفره إلى خراسان، فدعا يوماً بمائدة، فجمع عليها مواليه، من السودان وغيرهم، فقلت: جعلت فداك، لو عزلت لهؤلاء مائدةً، فأنكر عليه ذلك وقال له :
"مه، إنّ الربّ -تبارك وتعالى- واحد، والاُمّ واحدة، والأب واحد، والجزاء بالأعمال..."[12].
 
التعامل مع الخدم
ولا بدّ هنا أن نشير إلى مسألة التعامل مع الخدم، وإنّها لمسألة خطيرة، خاصّةً أنّنا في أيّام تكثر فيه هذه الظاهرة في بيوت الناس.

 إنّنا نرى كيف أنّ الإمام (عليه السلام) يضع لنا درساً، بل دروساً في ذلك، بأن لا يكون في التعامل مع الخدم كبر ولا استعلاء، وبأن يكون ذلك على مبدأ الإنسانيّة ووحدة المرتبة عند الله، وإنّ اختلاف مهامّ كلّ إنسان عن الآخر في هذه الحياة الدنيا، من حيث الوظيفة والمنصب والسلطة والمال، لا يعني اختلافاً في القيمة الإنسانيّة أبدًا.

ومن هذا المنطلق، فإنّ على المرء أن يتنبّه في طريقة تعامله مع من يخدمه ويضع نفسه بين يديه في تلبية طلباته وأوامره، مقابل حفنة من المال! فلا بدّ من احترام هؤلاء الناس وتكريمهم، وعدم التعرّض لهم بالإهانة والشتم والأذيّة.

أيّها الأحبّة،
هذا غيض من فيض، ممّا ورد في سيرة الإمام الرضا (عليه الصلاة والسلام)، والتي لا بدّ أن نتّخذها نبراساً لنا نستضيء به في طريق حياتنا وعلاقتنا مع الله وخلقه -سبحانه وتعالى-.

والحمد لله ربّ العالمين

[1]  وسائل الشيعة، الحرّ العامليّ، ج 17، ص 203.
[2]  مناقب آل أبي طالب، ابن شهر آشوب، ج3، ص 469.
[3]  حياة الإمام الرضا، الشيخ باقر شريف القرشيّ، ج1، ص32.
[4]  عيون أخبار الرضا (عليه السلام)، الشيخ الصدوق، ج2، ص 262.
[5]  بحار الأنوار، العلّامة المجلسيّ، ج 46، ص 177.
[6]  مناقب آل أبي طالب، مصدر سابق، ج3، ص 470.
[7]  المصدر نفسه، ج3، ص 470.
[8]  المصدر نفسه، ج3، ص 470.
[9]  وسائل الشيعة، الحرّ العامليّ، ج 9، ص 471.
 [10] مناقب آل أبي طالب، مصدر سابق، ج3، ص 470.
[11]  وسائل الشيعة، الحرّ العامليّ، ج 24، ص 316.
[12]  المصدر نفسه، ج 24، ص 265.

11-07-2019 | 11-35 د | 1616 قراءة


 
صفحة البحــــث
سجـــــــل الزوار
القائمة البريـدية
خدمــــــــة RSS

 
 
شبكة المنبر :: المركز الإسلامي للتبليغ - لبنان Developed by Hadeel.net