محاور الخطبة
- اهتمام الإسلام بالأسرة
- خطوط عظيمة لبناء أسرة متكاملة
- الأسرة بين الإسلام والثقافة المادّيّة
- المخاطر المحدقة بالأسرة
- النظرة السلبيّة جاه الزواج
- ضرورة نشر المفاهيم الإسلاميّة حول الأسرة
مطلع الخطبة
قال الله -تعالى-: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾[1].
اهتمام الإسلام بالأسرة
أيّها الأحبّة،
أولى الدين الإسلاميّ الحنيف اهتماماً بالغاً بتكوين الأسرة؛ ذلك أنّها تعتبر المدماك الأوّل والأساس الذي تبنى عليه المنظومة الاجتماعيّة، فإذا ما كانت الأسرة الصغيرة على قدر من الضبط والالتزام بحدود الله والمبادئ الاجتماعيّة والإنسانيّة الصالحة، فإنّ ذلك سيسري في المجتمع عامّةً، وكذلك إذا ما كان في تكوينها خلل أو انحراف، فإنّ أثره السلبيّ حينها سيظهر في المجتمع.
وذلك كلّه نتيجة الطبع الاجتماعيّ التفاعليّ القائم بين البشر.
خطوط عظيمة لبناء أسرة متكاملة
وقد اعتنى الدين الإسلاميّ، سواء أكان من خلال آيات القرآن الكريم، أم أحاديث النبيّ المصطفى (صلّى الله عليه وآله) وأهل بيته الأطهار (عليهم السلام)، ببناء الأسرة على قواعد الإسلام وإرشاداته، من حيث الأخلاق والسلوك والالتزام والانقياد لأوامر الله -سبحانه-.
ومن المفردات التي توضّح لنا كيف أبدى الدين الإسلاميّ اهتمامه بالأسرة منذ نشوئها إلى كلّ ما يرتبط بعلاقات أفرادها فيما بينهم، ما يأتي:
1- الزواج ميثاق غليظ
إنّ أصل عقد الزواج حسب تعبير القرآن الكريم، هو ميثاق دقيق للغاية، يتّخذه الطرفان على بعضهما بعضاً، قال الله -تعالى-: ﴿وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضٰى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيْثٰقًا غَلِيظًا﴾[2].
وهذا يدل على أنّ مسألة الزواج ليست مجرّد علاقة إشباع للغريزة والأنس العاطفيّ، إنّما يندرج فيها واجبات وحقوق، على طرفي عقد الزواج التنبّه لها والالتزام بتطبيقها، ما يعني أنّ ثمّة هدفًا عظيماً يعقب الالتزام والانقياد هذا، ألا وهو بناء أسرة سليمة وصحيّة.
2- الزواج رحمة ومودّة
فنجد في القرآن دعوةً إلى تكوين الأسرة على أساس الرحمة والمودّة بين الزوجين، قال -سبحانه وتعالى-: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً...﴾[3]، وهذا يعني أنّ بناء الأسرة في أساسه ينبغي أن يكون على أساس الرحمة والمودّة بين الطرفين، ما يجعل حياتهما الأسريّة أكثر أمناً وسلاماً، ويتيح لهما تربية أولادهما على الصراط المستقيم.
3- العدالة بين أفراد الأسرة
وكذلك نجد في القرآن الكريم، آيات تتحدّث عن العدالة بين أفراد الأسرة، كقوله -تعالى- فيما يخصّ تقسيم الإرث: ﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيماً﴾[4].
4- الاهتمام بعبادة الله
وكذلك فيما يخصّ الالتزام بالواجبات، حيث أمر الله -تعالى- الأب بأن يعتني بعلاقة أبنائه بالله، قال -عزّ وجلّ-: ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْألُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعاقِبَةُ لِلتَّقْوٰى﴾[5].
وقال في ما يخصّ بالحثّ على التقوى: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلـائكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾[6].
5- الحثّ على برّ الوالدين
وقال -تعالى- في ما يخص علاقة الأولاد بآبائهم وأمّهاتهم: ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنْسٰنَ بِوٰلِدَيْهِ إِحْساناً﴾[7].
فنلاحظ من خلال هذه المفردات كلّها، أنّ الله -سبحانه وتعالى-، يضع خطوطًا هامّةً وعظيمةً أمام أفراد الأسرة جميعهم، آباءاً وأمّهات وأولاداً، ينبغي عليهم الالتزام بها للوصول إلى أرقى درجات الأمن والسلام والارتقاء بالأسرة، وبالتالي بالمجتمع عامّةً.
الأسرة بين الإسلام والثقافة المادّيّة
لا بدّ عند الحديث عن الأسرة، أن نؤكّد أنّ ثمّة نظرتين تجاه دور الأسرة ومعالمها.
النظرة الإسلاميّة: وهي التي تنظر إلى الأسرة على أنّها محور حركة المجتمع وحضارته وثقافته، وأنّ العلاقات الأسريّة لا بدّ أن تُبنى على التماسك والتكاتف والمحبّة والعطف والرحمة.
النظرة المادّيّة: وهي النظرة الغربيّة التي يجهدون في سبيل نشرها وترويجها بين الشعوب، وهي القائمة على أنانيّة واستقلاليّة أفراد الأسرة، وعلى إشباع الغريزة باعتبارها أمراً أساسيّاً وأصيلاً في منظومة علاقة الإنسان بالآخر!
وإنّ بين هاتين النظرتين بونًا شاسعاً كما هو واضح.
المخاطر المحدقة بالأسرة
أيّها الأحبّة،
إنّ مخاطر عديدةً تحدق بالأسرة في هذه الأيّام التي تنوّعت فيه سبل الإعلام والتواصل الاجتماعيّ:
1- ثقافة الاستقلاليّة
في الوقت الذي نرى فيه الإسلام يدعو إلى توحيد الأسرة وتماسكها والتزامها بالضوابط الأخلاقيّة والعباديّة والعاطفيّة، نجد أنّ ثمّة دعوات صريحة ومبطّنة إلى إرساء ثقافة الاستقلاليّة لأفراد الأسرة، حتّى يشعر الفرد بأنّه مستغنٍ عمّن حوله استغناءً تامّاً، الأمر الذي يجعل الأسرة مفكّكةً، ويؤدّي إلى التحلّل من المسؤوليّات الملقاة على الإنسان تجاه أفراد أسرته.
استقلاليّة المرأة
وإنّ أخطر النماذج في هذا الشأن ما يعملون عليه تجاه المرأة، حيث يزداد عندها الشعور بالاستقلاليّة والاستغناء حتّى من زوجها ووالديها، وأنّها قادرة على العمل والانتاج والحركة دون استنادها إلى أحد، ما يزرع في داخلها -إن لم تكن على بيّنة من أمر دينها وأخلاقها- أن تشعر بحرّيّتها التامّة على جميع الأصعدة، حتّى ينتج عن ذلك الكثير من المشكلات الاجتماعيّة، بل والأخلاقيّة.
2- ثقافة إشباع الغريزة
وأيضاً، فإنّ ثمّة ترويجاً ضخماً لثقافة إشباع الغريزة، وتصويرها على أنّها أمر مقدّس يحقّ للمرء إشباعها بأيّ وسيلة وبأيّ طريقة، حتّى كاد ذلك مركوزاً في أذهان الكثيرين دون أيّ ضابطة أخلاقيّة أو شرعيّة! فلا همّ لهؤلاء إلّا إشباع تلك الغريزة مهما كانت الوسيلة، تحت عنوان وشعار الحريّة الجنسيّة!
3- التحلّل الأخلاقيّ
بل ونجد دعوات تصبّ في صالح الابتذال الأخلاقيّ، وضياع القيم الإنسانيّة، كدعم العلاقات المثليّة الشاذّة، وتبرير وتسويغ العلاقات الجنسيّة خارج الإطار الزوجيّ، وكذلك نشر ثقافة الإباحيّة، تحت عنوان الصحّة الجنسيّة.
4- الإجهاض، من مفردات الدعوات الشيطانيّة
ونجد دعوات خطيرةً للغاية، لا ريب أنّ للشيطان فيها يداً طولى، وهي تلك الدعوات التي تطالب بالسماح بالإجهاض لدى الحامل مهما كان سبب الحمل، سواء أكانت متزوّجةً أم غير متزوّجة، وأن لا تُجرّم أمام قوانين الدول، وهذا بنفسه يعطي دافعاً للعلاقات المحرّمة، ما يجعل الأسرة في حالة من الخطر الجسيم.
النظرة السلبيّة تجاه الزواج
أيّها الأحبّة،
إنّ نظرةً بسيطةً في ما يُروَّج له في أوساط شبابنا وفتياتنا كفيل بأن نُوقن خطورته، خاصّةً فيما يتعلّق بالزواج والنظرة نحوه، فقد أصبح الزواج نتيجة المفردات التي يروّجون لها في الإعلام، وأعمال الدراما والنشاطات الثقافيّة من ندوات ومؤتمرات، أصبح مشروعاً مخيفاً، لا سلام فيه ولا أمن، حتّى كدنا نسمع الكثيرين من الشباب لا يقدمون على الزواج، ويفضلون البقاء على العزوبيّة، وهم يبرّرون ذلك بأنّ الزواج أشبه ما يكون بالسجن، أو أنّ الإقدام عليه يحتّم وقوع المسؤوليّة على الشابّ، وهو لا يطيقها، أو أنّ هناك مستلزمات كبرى للإقدام على الزواج من مال وتجهيز وحفل وغير ذلك، وغير ذلك من المفردات الموهمة، والتي تحتاج إلى الكثير من الدراسة والتحليل.
ولسنا في هذا الصدد، بموقع تفنيد هذه التبريرات كلّها، حيث إنّها في حالات معيّنة تُعتبر منطقيّةً وموضوعيّةً، وذلك لسوء الوضع الاقتصاديّ الذي تعيشه بلداننا، إلّا أنّ أكثر هذه التبريرات غير موضوعيّة، وهي ناتجة عن خلفيّات ثقافيّة يرزح تحت نيرها الكثيرون، وهي التي تعمل على تغيير نظرتهم الإيجابيّة بالزواج، وتحويله إلى كونه أمرًا مخيفاً، أو غير ضروريّ!
ومن هنا، نجد حثّ الإسلام على الزواج، وبسنّ مبكرة، وذمّ التباطؤ به وتأخيره دون عذر موضوعيّ.
ضرورة نشر المفاهيم الإسلاميّة حول الأسرة
نظراً لما يُحدق بالأسرة في هذه الأيّام من مخاطر على صعيد الأخلاق والتكاتف والوئام، فإنّه صار لزاماً علينا بأن نُظهر مبادئ الإسلام التي وضعها بحقّ الأسرة، حيث إنّ هناك العديد من الإرشادات العظيمة التي تأخذ بها نحو النجاح والفلاح، والتي من خلال ذلك نضمن بناء مجتمع إنسانيّ سالم.
والحمد لله ربّ العالمين
[1] سورة النساء، الآية 1.
[2] سورة النساء، الآية 21.
[3] سورة الروم، الآية 21.
[4] سورة النساء، الآية 11.
[5] سورة طه، الآية 132.
[6] سورة التحريم، الآية 6.
[7] سورة الأحقاف، الآية 15.