الصفحة الرئيسية
بحـث
تواصل معنا
Rss خدمة
 
  تحريك لليسار إيقاف تحريك لليمين
مراقباتمعاني الصبروَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ

العدد 1643 16 جمادى الأولى 1446 هـ - الموافق 19 تشرين الثاني 2024 م

التعبويُّ لا يُهزَم

كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء مع تلامذة المدارس وطلّاب الجامعاتكلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء مع أعضاء مجلس خبراء القيادةالصبر ونجاح المسيرة فضل الدعاء وآدابه

العدد 1642 09 جمادى الأولى 1446 هـ - الموافق 12 تشرين الثاني 2024 م

جهاد المرأة ودورها في الأحداث والوقائع

مراقبات
من نحن

 
 

 

منبر المحراب

العدد 1377 - 18 صفر 1441هـ - الموافق 17 تشرين الأول 2019م
زيارة الأربعين، أبعادٌ وآثار

تصغير الخط تكبير الخط أرسل لصديق

محاور الخطبة
- زيارة الأربعين من مِداد ذكر آل محمّد
- الزيارة عن معرفة
- زيارة الأربعين شعيرة عظيمة
- من أبعاد زيارة الأربعين

مطلع الخطبة
السَّلامُ عَلى وَلِيِّ الله وَحَبِيبِهِ، السَّلامُ عَلى خَلِيلِ الله وَنَجِيبِهِ، السَّلامُ عَلى صَفِيِّ الله وَابْنِ صَفِيِّهِ، السَّلامُ عَلى الحُسَيْنِ المَظْلُومِ الشَّهِيدِ، السَّلامُ عَلى أَسِيرِ الكُرُباتِ وَقَتِيلِ العَبَراتِ. اللّهُمَّ، إِنِّي أَشْهَدُ أَنَّهُ وَلِيُّكَ، وَصَفِيُّكَ، وَابْنُ صَفِيِّكَ الفائِزُ بِكَرامَتِكَ، أَكْرَمْتَهُ بِالشَّهادَة، وَحَبَوْتَهُ بِالسَّعادَةِ، وَاجْتَبَيْتَهُ بِطِيبِ الوِلادَةِ، وَجَعَلْتَهُ سَيِّداً مِنَ السَّادَةِ، وَقائِداً مِنَ القادَةِ، وَذائِداً مِنَ الذَّادَةِ، وَأَعْطَيْتَهُ مَوارِيثَ الأَنْبِياءِ، وَجَعَلْتَهُ حُجَّةً عَلى خَلْقِكَ مِنَ الأَوْصِياء، فَأَعْذَرَ فِي الدُّعاءِ، وَمَنَحَ النُّصْحَ، وَبَذَلَ مُهْجَتَهُ فِيكَ؛ لِيَسْتَنْقِذَ عِبادَكَ مِنَ الجَهالَةِ وَحَيْرَةِ الضَّلالَهِ، وَقَدْ تَوازَرَ عَلَيْهِ مَنْ غَرَّتْهُ الدُّنْيا، وَباعَ حَظَّهُ بِالأرْذَلِ الأدْنى، وَشَرى آخِرَتَهُ بِالثَّمَنِ الأَوْكَسِ[1]، وَتَغَطْرَسَ[2] وَتَرَدّى فِي هَواهُ، وَأَسْخَطَكَ وَأَسْخَطَ نَبِيَّكَ، وَأَطاعَ مِنْ عِبادِكَ أَهْلَ الشِّقاقِ وَالنِّفاقِ، وَحَمَلَةَ الاَوْزارِ المُسْتَوْجِبِينَ النَّار، فَجاهَدَهُمْ فِيكَ صابِراً مُحْتَسِباً حَتّى سُفِكَ فِي طاعَتِكَ دَمُهُ، وَاسْتُبِيحَ حَرِيمُهُ؛ اللّهُمَّ، فَالعَنْهُمْ لَعْناً وَبِيلاً، وَعَذِّبْهُمْ عَذاباً أَلِيماً[3].
 
زيارة الأربعين من مِداد ذكر آل محمّد
أيّها الأحبّة،
إنّ زيارة الأربعين هي من مِداد تلك الدماء التي سُفكت في عاشوراء، والتي لم يُمحَ ذكرها عبر القرون والعصور، وهذا ما أعلنته السيّدة زينب (عليها السلام) في قولها: "فواللهِ، لا تمحو ذكرنا، ولا تميت وحينا، ولا تدرك أمدنا، ولا ترحض عنك عارها، وهل رأيك إلّا فند، وأيّامك إلّا عدد، وجمعك إلّا بدد، يوم ينادي المنادي: ألا لعنة الله على الظالمين!"[4].

الزيارة عن معرفة
وكثيراً ما دعا الأئمّة الأطهار (عليهم السلام) إلى زيارة الإمام الحسين (عليه السلام)، مقرنين ذلك بالأجر والثواب الجزيلين من الله، إلّا أنّ ما يلفت النظر دوماً في تلك الدعوات، أنّهم أقرنوها بمعرفة الإمام، فعن الإمام الصادق (عليه السلام):

"وكّل الله بقبر الحسين (عليه السلام) أربعة آلاف ملك شُعث غُبر يبكونه إلى يوم القيامة، فمَن زاره عارفاً بحقّه شيّعوه حتّى يبلّغوه مأمنه، وإنْ مرض عادوه غدوةً وعشيّةً، وإنْ مات شهدوا جنازته واستغفروا له إلى يوم القيامة"[5].

وهذا يعني أن تكون الزيارة عن معرفة ووعي، والمعرفة تعني أن يتحرّى المرء جانب المكانة التي عليها الإمام الحسين عند الله، وأن يغوص في مقاربة ما قام به من عمل جبّار وبطوليّ وشجاع في سبيل الله -تعالى-، حتّى استُشهد بين يديه، بالإضافة إلى معرفة الهدف الأساس من ثورته المباركة (عليه السلام).

وهذا بالإضافة إلى التعرّف إلى شخصيّة الإمام، من حيث صفاته وأقواله ودعواته المختلفة، فحينها يغنم من الزيارة ما ينبغي من تلك البركات، وينهل منها ما يغذّي فكره وروحه.

زيارة الأربعين شعيرة عظيمة
لا بدّ قبل الحديث عن أبعاد زيارة الأربعين بخصوصها، أن نبيّن معنى الشعيرة وفلسفتها؛ فالشعيرة هي ذاك العمل الجماعيّ الذي يجتمع فيه المؤمنون، فلا تكون الشعيرة شعيرةً إلّا بالجمع لا بالفرد، وقد تُعرّف الشعيرة بالمنسك، كما في قوله -تعالى- في محكم كتابه: ﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا﴾[6].

وإنّ من قِوام الشعيرة أن تكون بهدف التقوى والاتّصال بالغيب؛ ولهذا نجد في قوله الله -تعالى- ما يشير إلى هدفيّة الشعائر والاهتمام بها، حيث قال: ﴿ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾[7].

وفلسفة الشعيرة هي أنّها تعمل على تحويل العمل المادّيّ الذي يقوم به الإنسان قربةً لله -تعالى- إلى أحاسيس؛ وبمعنىً آخر: تحويل العمل من صورته العقليّة إلى صورته الإحساسيّة، ولنضرب مثالاً على ذلك: رمي الجمرات، والذي يعتبر من شعائر الحجّ التي يقوم به حجّاج بيت الله الحرام، فإنّ الرمي هذا يتحوّل من الصورة المادّيّة التي عليه، إلى صورة إحساسيّة تُشعِر الرامي بعدواته للشيطان ونبذه ورفضه إيّاه.

وهكذا نفهم زيارة الإمام الحسين (عليه السلام) وزيارة الأربعين، حيث يعمد المؤمن الموالي إلى تحويل ولايته للإمام الحسين بفكره وعقله إلى أحاسيس ومشاعر، حيث يمشي في زيارته، ويبكي، ويلطم، وذلك كلّه يجعله يشعر بالإمام أكثر فأكثر، وبكلمة مختصرة: إنّ هذه الشعائر تحوّل الانتماء للإمام الحسين (عليه السلام) ومبادئه من شكله العقليّ البحت، إلى شكله الروحيّ والمشاعريّ.

وكيف إذا كانت هذه الزيارة هي زيارة الأربعين، التي يجتمع فيها الملايين من الموالين من جميع أنحاء العالم، وهم يردِّدون فيها نداءات الولاء للحقّ وأهله، ونداءات البراءة من الباطل وأهله، فإنّ لذلك وقعاً لا يمكن وصفه بالكلمات، إنّها شعائر تلج الأعماق وتهزّ المشاعر.

ولهذا ندرك جيّداً حثّ المعصومين (عليهم السلام) على زيارة الإمام الحسين في كلماتهم:

فعن الإمام الرضا (عليه السلام): "مَن زار قبر أبي عبد الله الحسين بشطّ الفرات، كان كمن زار الله فوق عرشه"[8].

وعن الإمام الصادق (عليه السلام): "زيارة الحسين بن عليّ واجبة على كلّ من يقرّ للحسين بالإمامة من الله -عزّ وجلّ-"[9].

وسأل رجل الإمام الصادق (عليه السلام)، قال: ما تقول في رجل ترك زيارة الحسين وهو يقدر على ذلك؟ قال: "إنّه قد عقّ رسولَ الله وعقّنا، واستخفّ بأمرٍ هو له"[10].

من أبعاد زيارة الأربعين
وإنّ لهذه الزيارة أبعاداً وآثاراً جليلةً وعظيمةً، إذا ما قرأها المرء جيّداً فإنّه يفقه حينها ضرورة هذه الزيارة وأهمّيّتها، والتي يتقاطر فيها الناس من كلّ حدب وصوب، بأعراقهم كلّها وثقافاتهم، ليلتقوا في جمع واحد على نداء: "لبّيك يا أبا عبد الله"، وهي التلبية التي تحمل في طيّاتها الكثير من الأبعاد العقديّة والفكريّة والثقافيّة والسياسيّة.
 
1- البُعد الاجتماعيّ
- التواصل الفكريّ والمعرفيّ
إنّ إحدى أهمّ الأبعاد التي تُستفاد من زيارة الأربعين هي الأبعاد الاجتماعيّة، الناتجة من التقاء الموالين بأعداد كبيرة، يأتون من كلّ حدب وصوب، كلٌّ منهم يحمل ثقافة بلاده وحضارته ولغته، ما يجعل الزائر وكأنّه في مؤتمر عالميّ ينهل من مجتمعاته كلّها شيئاً من ثقافاته وتوجّهاته الفكريّة، بل وعاداته من ملبس ومأكل وما شاكل ذلك.

- تعظيم العمل التطوّعيّ
إنّ العمل التطوّعيّ من الأمور التي حثّ عليه الإسلام بأكثر من ميدان، كقضاء حوائج الناس وخدمتهم، ومعونة المحتاجين وكبار السنّ، وهذا ما يتجلّى بشكل عظيم وواضح في زيارة الأربعين، حيث نجد أعداداً كبيرةً من الشبّان والفتيان، بل والطاعنين في السنّ، كيف يسهمون في مساعدة غيرهم، ويقتحمون المصاعب، ويقضون أوقاتاً طويلةً بهدف خدمتهم وإعانتهم وتمريضهم، وغير ذلك من مظاهر العمل التطوّعيّ.

- تكريس الأخلاقيّات الاجتماعيّة
تساعد زيارة الأربعين على تكريس المبادئ الاجتماعيّة الجليلة، من جود وإيثار ونبذ للأنانيّة والحبّ المفرط للذات، وغير ذلك من الأخلاقيّات التي لها جوانب اجتماعيّة ضروريّة وهامّة في بناء المجتمع الإنسانيّ.

- القضاء على التمييز العنصريّ بجميع أشكاله
من أهمّ ما نلحظه في زيارة الأربعين، أنّها تجمع جميع أطياف المجتمعات البشريّة في موكب واحد، لا اختلاف بين أسود منهم وأبيض، ولا فقير وغنيّ، ولا قويّ ولا ضعيف، ولا صحيح ولا مريض، الجميع سواءٌ في ذاك الموكب المهيب، بل إنّ المرء لا يلحظ أدنى أشكال التفرقة والعنصريّة بين عباد الله، وهذا بذاته درس من دروس الأربعين، والتي تحتاجها المجتمعات البشريّة في هذا الزمن، حيث ما يزال هناك تفريق عنصريّ للون حيناً وللعرق حيناً آخر، وللطبقيّة الاقتصاديّة حيناً ثالثاً.

2- البُعد العقائديّ
إنّ زيارة الإمام الحسين وزيارة الأربعين لا يُقتصر فيها على الاتّصال الروحيّ والمعنويّ بالإمام الحسين وقضيّته، إنّما تتعدّى ذلك لتكون حافزاً للتعرّف إلى العقيدة الحقّ، والمذهب الحقّ، أكان فيما يتعلّق بتوحيد الله وصفاته، أم بغير ذلك من العقائد التي كان يؤمن بها الإمام الحسين ويدعو إليها في كلماته وخطاباته وأدعيته.

ومن عظيم ما ورد عن لسانه الشريف قوله في دعاء عرفة: "كيف يُستدَلّ عليك بما هو في وجوده مفتقر إليك، أيكون لغيرك من الظهور ما ليس لك، حتّى يكون هو المُظهِر لك؟! متى غبت حتّى تحتاج إلى دليل يدلّ عليك؟! ومتى بَعُدْت حتّى تكون الآثار هي التي تُوصل إليك؟! عميت عين لا تراك ولا تزال عليها رقيباً! وخسرت صفقة عبد لم تجعل له من حبّك نصيباً!"[11].

بل وإنّ التأمّل في تلك الملحمة البطوليّة للإمام (عليه السلام) وأولاده وأصحابه تعطي درساً في مكانة تلك العقيدة التي كانوا يحملونها، حتّى دفعتهم إلى الموت في سبيلها، وهذا حافز للتمسّك بدين الحقّ.

3- البُعد الروحيّ
إنّ الإمام الحسين (عليه السلام) يلهمنا في حبّه لله -تعالى-، وكيف كان ذائباً فيه، عاشقاً له، بأن نتّجه إلى الله -تعالى- بأرواحنا وقلوبنا مهما كانت الظروف، وهو القائل (عليه السلام) لأخيه العبّاس طالباً استمهال القوم لليلة واحدة، بهدف التضرّع إلى الله -تعالى-: "ارجع إليهم، فإنِ استطعت أن تؤخَّرهم إلى غد، وتدفعهم عنّا العشيّة، لعلّنا نصلّي لربّنا الليلة وندعوه ونستغفره، فهو يعلم أنّي قد كنت أحبّ الصلاة له، وتلاوة كتابه، وكثرة الدعاء والاستغفار"[12].

ولقد جسّد الإمام ذاك العشق في شهادته وتضرّعه بين يديه -عزّ وجلّ-، وإنّ زيارته في الأربعين تدفع الإنسان إلى الالتزام بطاعة الله، وتبعده عن مباهج الدنيا ومتعلّقاتها، ما يجعله في حالة من الروحانيّة، فيستغلّها لتقويم علاقته بالله إذا ما كان مقصّرا فيما بينه وبينه -سبحانه-.

[1]  الأوكس: الأنقص.
[2]  تغطرس: أُعجب بنفسه.
[3]  السيّد ابن طاووس، إقبال الأعمال، ج3، ص 102.
[4]  العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج 45، ص 135.
[5]  الحرّ العامليّ، وسائل الشيعة، ج 14، ص 409.
[6]  سورة الحجّ، الآية 34.
[7]  سورة الحجّ، الآية 32.
[8]  الحرّ العامليّ، وسائل الشيعة، ج 14، ص 411.
[9]  المصدر نفسه، ج14، ص 445.
[10]  المصدر نفسه، ج14، ص 429.
[11]  العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج64، ص 142.
[12]  المصدر نفسه، ج44، ص 392.

16-10-2019 | 14-56 د | 1583 قراءة


 
صفحة البحــــث
سجـــــــل الزوار
القائمة البريـدية
خدمــــــــة RSS

 
 
شبكة المنبر :: المركز الإسلامي للتبليغ - لبنان Developed by Hadeel.net