مواجهة الظلم والظالمين في الإسلام
محاور الخطبة
- ارتباط ظهور الإمام (عليه السلام) بشعار العدل
- الظالمون في القرآن الكريم
- كيف دعا الإسلام إلى مواجهة الظالمين؟
- السيّدة زينب (عليها السلام)، نموذج مثاليّ في اتّخاذ المواقف السياسيّة
- عقاب الظالمين
- تعدّد أشكال الظلم
مطلع الخطبة
قال الله -تعالى-: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ * مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ * وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا * رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ نُّجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُم مِّن قَبْلُ مَا لَكُم مِّن زَوَالٍ﴾[1].
أيّها الأحبّة،
إنّ من أعظم المفردات التي دعا إليها الإسلام، العدلَ في الأرض، ومواجهة الظلم والظالمين.
وإنّ ذلك من الأمور التي تتناغم مع دعوة هذا الدين الحنيف، لأن يسير الناس في طريق التكامل الإنسانيّ الذي رسم لنا معالم الوصول إليه، من خلال إرشاداته وأحكامه الشرعيّة.
ولنا أن نقول في هذا الشأن: إنّ الإسلام هو الدين الأوحد الذي ضمن العدالة بأدقّ تفاصيلها، لجميع خلقه -سبحانه-.
ارتباط ظهور الإمام (عليه السلام) بشعار العدل
من اللافت أنّ ديننا الحنيف قد تأسّس على إقامة العدل في الأرض، وأنّه أيضاً يبشّر بذلك، بظهور الإمام المهديّ المنتظر (عليه السلام)، الذي سيخرج بشعاره العظيم، وهو بسط القسط والعدل في الأرض، فعن رسول الله (صلّى الله عليه وآله): «لو لم يبقَ من الدنيا إلّا يوم واحد، لطوّل الله ذلك اليوم حتّى يبعث الله فيه رجلاً من ولدي، يواطئ اسمه اسمي، يملؤها عدلاً وقسطاً، كما مُلِئت ظلماً وجوراً...»[2].
الظالمون في القرآن الكريم
إنّ مواجهة الظالمين تُعتبر من أسس إرساء العدل بين خلق الله -تعالى-؛ ولهذا نجد آياتٍ عديدةً تدعو إلى عدم الركون إليهم، وإلى إنذارهم وتحذيرهم من مآل ما يفعلون.
كيف دعا الإسلام إلى مواجهة الظالمين؟
دعا الإسلام في طريق مواجهة الظالمين إلى استخدام عدّة أساليب، وقد ورد في أهمّيّة ذلك عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله): «إِنَّ الناسَ إذا رأوا الظالم فَلَمْ يأخذوا عَلَى يديه؛ أوشك أنْ يعمّهم الله بعقابٍ منه«[3].
1- عدم الركون إليهم
إنّ أوّل الطريق في مواجهة الظالمين، نبذهم وعدم الميل إليهم، وإنّ الله -سبحانه- قد نهى عن الركون إليهم، قال -عزّ وجلّ-: ﴿وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ﴾[4].
قال الشيخ الطبرسيّ: «الركون إلى الشيء هو السكون إليه بالمحبّة له والإنصات إليه، وقد نهى الله عن المداهنة في الدين والميل إلى الظالمين؛ لأنّ الركون إلى الظالمين المنهيّ عنه، هو الدخول معهم في ظلمهم، وإظهار الرضا بفعلهم، وإظهار موالاتهم»[5].
وقد نهى الإسلام عن أيّ شكل من أشكال الميل إلى الظالمين، وممّا ورد في ذلك النهي عن أمور ثلاثة:
أ- مدح الظلمة
عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله): «من مدح سلطاناً جائراً وتخفّف وتضعضع له طمعاً فيه، كان قرينه إلى النار»[6].
ب- الدعاء لهم
عنه أيضاً : «من دعا لظالمٍ بالبقاء، أحبّ أن يُعصى الله في أرضه»[7].
ج- مَنْ عذر ظالماً
عن الإمام الصادق (عليه السلام): «من عذر ظالماً بظلمه، سلّط الله عـــليه من يظلمه، وإن دعا له لم يُستجَب له، ولم يأجره الله على ظلامته»[8].
2- عدم الضعف في مواجهتهم
قال -عزّ وجلّ-: ﴿رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾[9]، يقول العلّامة الطباطبائيّ -صاحب تفسير الميزان-: «الذي يغري الأقوياء الظالمين على الضعفاء المظلومين، هو ما يشاهدون فيهم من الضعف، فيفتنون به، فيظلمونهم، فالضعيف بما له من الضعف فتنة للقول الظالم»[10].
3- مقاطعتهم وعدم إعانتهم
عن الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله): «إيّاكم ومخالطة السلطان؛ فإنّه ذهاب الدين، وإيّاكم ومعونته؛ فإنّكم لا تحمدون أمره»[11].
وورد عن صفوان بن مهران الجمال، قال: دخلت على أبي الحسن الأوّل [أي الإمام الكاظم (عليه السلام)]، فقال لي: «يا صفوان، كلّ شيء منك حسن جميل ما خلا شيئًا واحدًا»، قلت: جُعلت فداك! أيّ شيء؟ قال: «إكراؤك جمالك من هذا الرجل [يعني هارون]»، قال: والله، ما أكريته أشرًا ولا بطرًا ولا للصيد ولا للهو، ولكنّي أكريته لهذا الطريق [يعني طريق مكّة]، ولا أتولاّه بنفسي، ولكن أبعث معه غلماني، فقال لي: «يا صفوان، أيقع كراؤك عليهم؟»، قلت: نعم، جُعِلت فداك! قال: فقال لي: «أتحبّ بقاءهم حتّى يخرج كراؤك؟»، قلت: نعم، قال: «من أحبّ بقاءهم فهو منهم، ومن كان منهم كان وِرد النّار»[12].
4- الموقف السياسيّ
إنّ من الأساليب التي لها وقع كبير في مواجهة الظالمين هو موقف الكلمة، ولعلّه في كثير من الأحيان يكون أشدّ صلابةً وتأثيراً من الفعل، هذا بالإضافة إلى ترسيخه لمعالم الوقوف في وجه الظالمين في ثقافة الناس، عن الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله): «أفضل الجهاد كلمة حقّ عند سلطان جائر»[13].
السيّدة زينب (عليها السلام)، نموذج مثاليّ في اتّخاذ المواقف السياسيّة
إنّ لنا في السيّدة زينب (عليها السلام) نموذجاً مثاليّاً في اتّخاذ المواقف السياسيّة البنّاءة والمؤثِّرة، فقد جهدت بعد استشهاد الإمام الحسين (عليه السلام) من خلال كلماتها، أن تثبت معالم تلك الثورة الحسينيّة العظيمة، وأن تثبِت قدرتها كامرأة اتّخذت من دين جدّها المصطفى (صلّى الله عليه وآله) صلابةَ كلمةِ الحقّ في مواجهة الظالمين، مهما عتَوا واستكبروا.
أ- خطابها بأهل الكوفة
من مواقفها تلك خطابها بأهل الكوفة، حين وصلت إليها مع مسير السبايا، وممّا قالته مخاطبةً أهل الكوفة: «أتبكون؟! فلا رقأت الدمعة، ولا هدأت الرنّة، إنّما مَثَلُكم كمثل التي نقضت غزلها من بعد قوّة أنكاثاً، تتّخذون أيمانكم دخلاً بينكم... ثمّ تقول لهم: إي والله، فابكوا كثيراً واضحكوا قليلاً، فلقد ذهبتم بعارها وشنارها، ولن ترحضوها بغسل بعدها أبداً...»[14].
ب- خطابها في مجلس ابن زياد
حيث وقفت أمام ابن زياد لتجيبه عن سؤاله: (كيف رأيتِ صنع الله بأهل بيتك؟)، فقالت: «كُتب عليهم القتل، فبرزوا إلى مضاجعهم، وسيجمع الله بينك وبينهم فتتحاكمون عنده!»[15].
ج- خطابها في مجلس يزيد بن معاوية
حيث وقفت -وهي أسيرة- تخطب خطبةً أحدثت ثورةً في مجلسه، لتقول له في ما قالته: «أظننت يا يزيد، حيث أخذت علينا أقطار الأرض وآفاق السماء فأصبحنا نُساق كما تُساق الإماء، أنّ بنا على الله هواناً، وبك عليه كرامة! وأنّ ذلك لعظيم خطرك عنده! [...]، ولئن جرّت عليَّ الدَّواهي مخاطبتك، إنّي لأستصغر قدرك، وأستعظم تقريعك، وأستكثر توبيخك، لكنّ العيون عبرى، والصّدور حرّى! ألا فالعجب كلّ العجب، لقتل حزب الله النجباء بحزب الشيطان الطلقاء...»[16].
إنّ هذه المواقف الجريئة، هي بذاتها حرب ومواجهة للظلم والظالمين، وهي بذلك أسّست لمفهوم عاشوراء وثورة أخيها (عليه السلام).
5- المواجهة العسكريّة
عن الإمام عليّ (عليه السلام) أنّه قال: «أيّها المؤمنون، إنّه من رأى عدوانًا يُعمل به، ومنكرًا يُدعى إليه، فأنكره بقلبه فقد سلِم وبرئ، ومن أنكره بلسانه فقد أُجِر، وهو أفضل من صاحبه، ومن أنكره بالسيف لتكون كلمة الله هي العليا، وكلمة الظالمين السفلى، فذلك الذي أصاب سبيل الهدى...»[17].
عقاب الظالمين
ولو أردنا إيراد ما يحلّ بالظالمين، فليس أشدّ عليهم من أمور ثلاثة:
1- الحرمان من الهداية
قال -سبحانه-: ﴿وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾[18].
وعدم هدايته لهم، هي في أنّهم يخرجون عن دائرة توفيقه إيّاهم.
2- الضلال
قال -تعالى-: ﴿يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ﴾[19].
والضلال هو البعد عن طريق الحقّ، والسير بطريق الشيطان.
3- تسليط بعضهم على بعض
قال -سبحانه وتعالى-: ﴿وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ﴾[20].
وقد ورد عن الإمام الباقر (عليه السلام): «ما انتصر الله من ظالم إلّا بظالم...»[21].
تعدّد أشكال الظلم
ليس للظلم شكلٌ واحدٌ، فقد يكون على صعيد الأمم والدول، كظلم دول الاستكبار المتمثّلة أوّلاً بأمريكا، في حقّ فلسطين وأهلها، وفي حقّ الشعوب كلّها التي ترزح تحت وطأة ظلمها وجبروتها.
وقد يكون الظلم فرديّاً، بين رجل وآخر، أو رجل وزوجته، أو أهل بيت وخادمتهم، فإنّ الظلم هذا كلّه منبوذ عند الله -تعالى-، وإنّ على الإنسان دوماً أن يتنبّه ألّا يكون ظالماً في حياته، كي لا يلقى الله وعليه تبعة ذلك، مثقل به ظهره، ومسوّدة به صحيفته.
[1] سورة إبراهيم، الآيات 42-44.
[2] الشيخ المفيد، الإرشاد، ج2، ص340.
[3] الهنديّ، كنز العمال، ج3، ص71.
[4] سورة هود، الآية 113.
[5] الشيخ الطبرسيّ، مجمع البيان، ج5، ص263.
[6] الشيخ الصدوق، الأمالي، ص513.
[7] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج72، ص334.
[8] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص334.
[9] سورة يونس، الآية 85.
[10] الطباطبائيّ، محمّد، تفسير الميزان، ج10، ص114.
[11] المجلسيّ، محمّد باقر، بحار الأنوار، ج10، ص368.
[12] الحرّ العامليّ، زين الدين، وسائل الشيعة، ج17، ص182.
[13] ابن أبي جمهور الإحسائيّ، عوالي اللئالي، ج1، ص432.
[14] ابن طاووس، اللهوف في قتلى الطفوف، ص87.
[15] الشيخ الصدوق، الأمالي، ص229.
[16] ابن طاووس، اللهوف في قتلى الطفوف، ص107.
[17] الحرّ العامليّ، وسائل الشيعة، ج16، ص133.
[18] سورة البقرة، الآية 258.
[19] سورة إبراهيم، الآية 27.
[20] سورة الأنعام، الآية 129.
[21] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص334.