ليلة القدر والشهادة
الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد وآله الطاهرين.
أيّها الأحبّة،
إنّ من الألطاف الإلهيّة التي منَّ اللهُ بها على عباده المسلمين، أن جعلَ لهم ليلةً عظيمة، تختزن الكثيرَ من العطايا الإلهيّة، والفضائل والخصائص التي جعلَتْها خيراً من ألفِ شهر، ألا وهي ليلةُ القدر.
وثمّة عدّة أسبابٍ في تسمية هذه الليلة بليلة بالقدر، منها:
- القدر في اللغة هو الشرف، كما تقول: فلانٌ ذو قدر عظيم؛ أي ذو شرف.
- يُقدّر فيها ما يكون في تلك السنة، فيُكتَب فيها ما سيجري في ذلك العام، وهذا من حكمته -تعالى- وإتقان صنعه وخلقه.
فضائلها
ورد العديد من الآيات والأحاديث التي تبيّن فضائل ليلة القدر، منها:
- ليلة نزول القرآن، قال -تعالى-: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ﴾[1].
عن الإمام الصادق (عليه السلام): «نزلت التوراة في ستٍّ مضت من شهر رمضان، ونزل الإنجيل في اثنتي عشْرة ليلة مضت من شهر رمضان، ونزل الزبور في ليلة ثماني عشْرة مضت من شهر رمضان، ونزل القرآن في ليلة القدر»[2].
- إنّها ليلة مباركة، قال -سبحانه-: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ﴾[3].
- ليلة تقدير الآجال والأرزاق خلال العام، قال -تعالى-: ﴿فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ﴾[4].
عن سليمان المرزوي، أنّه سأل الإمام الرضا (عليه السلام): ألا تخبرني عن ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ﴾ في أيّ شيء أُنزِلَتْ؟ قال: «يا سليمان، ليلة القدر يُقدِّر الله -عزّ وجلّ- فيها ما يكون من السنة إلى السنة، من حياة أو موت، أو خير أو شرّ، أو رزق؛ فما قدّره في تلك الليلة فهو من المحتوم»[5].
- فضل العبادة فيها عن غيرها من الليالي، قال -تعالى-: ﴿لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ﴾[6].
وقد سُئل الإمام الصادق (عليه السلام): كيف تكون ليلةُ القدر خيراً من ألف شهر؟ قال: «العمل الصالح فيها خيرٌ من العمل في ألف شهر ليس فيها ليلةُ القدر»[7].
- ليلة غفران الذنوب، فعن رسول الله (صلّى الله عليه وآله): «مَن قام ليلةَ القدر إيماناً واحتساباً، غفرَ الله ما تقدَّم من ذنبه»[8].
- تنزّل الملائكة فيها بالخير والبركة والرّحمة والمغفرة، قال -سبحانه-: ﴿تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ﴾[9].
- ليلة آمنة من الشرّ والأذى، حيث تكثر فيها الطاعات وأعمال البرّ، وتكثر فيها السلامة من العذاب، قال -تعالى-: ﴿سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ﴾[10].
- ليلة تقدير ولاية الأئمّة المعصومين (عليهم السلام)، فعن أمير المؤمنين (عليه السلام): «قال لي رسول الله (صلّى الله عليه وآله)؛ يا عليّ، أتدري ما معنى ليلة القدر؟ فقلتُ: لا يا رسول الله، فقال: إنّ اللهَ -تبارك وتعالى- قدّر فيها ما هو كائنٌ إلى يوم القيامة، فكان فيما قدَّر -عزّ وجلّ- ولايتُك وولايةُ الأئمّة من ولدك إلى يوم القيامة»[11].
ليلة الشهادة
وفي مثل هذه الليالي، كانت الضربةُ التي أدّت إلى شهادة أمير المؤمنين (عليه السلام)، وهو في محراب صلاته! حتّى خرج من هذه الدنيا، وقد أبلى وأحسن البلاء في مسيرته وسيرته بين يدي رسول الله (صلّى الله عليه وآله).
ولم يكن ليتركَ الدنيا، إلّا موصياً ولديه الحسنَ والحسينَ (عليهما السلام) بوصايا، علينا أن نتّخذ منها دروساً في السير على طريق الحقّ، وممّا أوصى به: «أُوصِيكُمَا بِتَقْوَى اللَّه، وأَلَّا تَبْغِيَا الدُّنْيَا وإِنْ بَغَتْكُمَا، ولَا تَأْسَفَا عَلَى شَيْءٍ مِنْهَا زُوِيَ عَنْكُمَا، وقُولَا بِالْحَقِّ واعْمَلَا لِلأَجْرِ، وكُونَا لِلظَّالِمِ خَصْماً ولِلْمَظْلُومِ عَوْناً. أُوصِيكُمَا وجَمِيعَ وَلَدِي وأَهْلِي ومَنْ بَلَغَه كِتَابِي بِتَقْوَى اللَّه ونَظْمِ أَمْرِكُمْ وصَلَاحِ ذَاتِ بَيْنِكُمْ؛ فَإِنِّي سَمِعْتُ جَدَّكُمَا (صلّى الله عليه وآله) يَقُولُ: صَلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ أَفْضَلُ مِنْ عَامَّةِ الصَّلَاةِ والصِّيَامِ. اللَّه اللَّه فِي الأَيْتَامِ فَلَا تُغِبُّوا أَفْوَاهَهُمْ، ولَا يَضِيعُوا بِحَضْرَتِكُمْ، واللَّه اللَّه فِي جِيرَانِكُمْ فَإِنَّهُمْ وَصِيَّةُ نَبِيِّكُمْ، مَا زَالَ يُوصِي بِهِمْ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّه سَيُوَرِّثُهُمْ...»[12].
[1] سورة القدر، الآية 1.
[2] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج4، ص157.
[3] سورة الدخان، الآية 3.
[4] سورة الدخان، الآية 4.
[5] الشيخ الصدوق، عيون أخبار الرضا، ج1، ص161.
[6] سورة القدر، الآية 3.
[7] الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، ج2، ص158.
[8] الشيخ الصدوق، فضائل الأشهر الثلاثة، ص105.
[9] سورة القدر، الآية 4.
[10] سورة القدر، الآية 5.
[11] الشيخ الصدوق، معاني الأخبار، ص315.
[12] نهج البلاغة، ص421.