ستر العيوب في أحاديث الأئمّة الأطهار
الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين.
ورد في وصيّة الإمام الصادق (عليه السلام) لعبد الله بن جندب، أنّه قال:
«يابن، جندب إنّ عيسى بن مريم (عليه السلام) قال لأصحابه: أرأيتم لو أنّ أحدَكم مرّ بأخيه فرأى ثوبه قد انكشف عن بعض عورته، أكان كاشفاً عنها كلّها أم يردّ عليها ما انكشف منها؟ قالوا: بل نردّ عليها، قال: كلّا، بل تكشفون عنها كلّها -فعرفوا أنّه مثل ضربه لهم- فقيل: يا روح الله، وكيف ذلك؟ قال: الرجل منكم يطّلع على العورة من أخيه/ فلا يسترها. بحقّ أقول لكم إنّكم لا تصيبون ما تريدون، إلّا بترك ما تشتهون، ولا تنالون ما تأملون إلّا بالصبر على ما تكرهون، إيّاكم والنظرة! فإنّها تزرع في القلب الشهوة، وكفى بها لصاحبها فتنة، طوبى لمن جعل بصره في قلبه، ولم يجعل بصره في عينه، لا تنظروا في عيوب الناس كالأرباب، وانظروا في عيوبكم كهيئة العبيد، إنّما الناس رجلان: مبتلىً ومعافىً، فارحموا المبتلى، واحمدوا الله على العافية»[1].
أيّها الأحبّة،
إنّ من أبرز الصفات التي ينبغي للمؤمن التحلّي بها، هي صفة الستر، وهي صفة يتّصف بها ربّ العزّة والجلالة، حيث يستر عبادَه العصاة في الدنيا، بل يسترهم كذلك في الآخرة، رحمةً بهم ورأفةً منه -سبحانه-، وقد ورد في الحديث: «إنّ الله -تعالى- إذا ستر على عبد عورته في الدنيا، فهو أكرم من أن يكشفَها في الآخرة، وإن كشفها في الدنيا، فهو أكرم من أن يكشفَها أخرى»[2].
وورد أيضاً: «إنّه يؤتى يوم القيامة بعبدٍ يبكي، فيقول الله -سبحانه- له: لِمَ تبكي؟ فيقول: أبكي على ما سينكشف عنّي من عوراتي وعيوبي عند الناس والملائكة. فيقول الله: عبدي، ما افتَضَحْتُكَ في الدنيا بكشف عيوبك وفواحشك، وأنت تعصيني وتضحك! فكيف أفضحُكَ اليومَ بكشفها، وأنت لا تعصيني وتبكي؟!»[3].
فإذا كان الله على هذا الحال مع عباده، وهو الذي يحقّ له أن يكشف أولئك الذين عاندوه وتعدَّوا حدوده، فكيف الحال بالناس الذين لا شأن لهم بما يفعله الآخرون من ذنوبٍ ومعاصٍ؟!
وقد ورد أنّ على الإنسان أن ينشغل بعيوب نفسه بدل الاشتغال بعيوب الآخرين، عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، طُوبَى لِمَنْ شَغَلَه عَيْبُه عَنْ عُيُوبِ النَّاسِ، وطُوبَى لِمَنْ لَزِمَ بَيْتَه وأَكَلَ قُوتَه واشْتَغَلَ بِطَاعَةِ رَبِّه وبَكَى عَلَى خَطِيئَتِه، فَكَانَ مِنْ نَفْسِه فِي شُغُلٍ والنَّاسُ مِنْه فِي رَاحَةٍ»[4].
لا تفضح، ستطلب الستر يوماً
ولا بدّ من الالتفات، إلى أنّ جميع الناس من غير المعصومين الأطهار، من الأنبياء والرسل والأئمّة (عليهم السلام أجمعين)، معرّضون لارتكاب الذنوب، وهم بالتالي معرّضون لأن يطلبوا الستر وعدم الفضيحة بين الناس. لهذا، فليتفكّر أولئك الذين يهتكون أعراض الناس ويفضحونهم في ما ارتكبوه من خطايا، أنّ حالهم ليس أفضل من غيرهم، وليعلموا أنّ من ستر عيبة أخيه ستره الله -سبحانه-.
«فَكَيْفَ بِالْعَائِبِ الَّذِي عَابَ أَخَاه وعَيَّرَه بِبَلْوَاه، أَمَا ذَكَرَ مَوْضِعَ سَتْرِ اللَّه عَلَيْه مِنْ ذُنُوبِه مِمَّا هُوَ أَعْظَمُ مِنَ الذَّنْبِ الَّذِي عَابَه بِه؟! وكَيْفَ يَذُمُّه بِذَنْبٍ قَدْ رَكِبَ مِثْلَه؟! فَإِنْ لَمْ يَكُنْ رَكِبَ ذَلِكَ الذَّنْبَ بِعَيْنِه، فَقَدْ عَصَى اللَّه فِيمَا سِوَاه مِمَّا هُوَ أَعْظَمُ مِنْه. وايْمُ اللَّه، لَئِنْ لَمْ يَكُنْ عَصَاه فِي الْكَبِيرِ، وعَصَاه فِي الصَّغِيرِ، لَجَرَاءَتُه عَلَى عَيْبِ النَّاسِ أَكْبَرُ. يَا عَبْدَ اللَّه، لَا تَعْجَلْ فِي عَيْبِ أَحَدٍ بِذَنْبِه، فَلَعَلَّه مَغْفُورٌ لَه، ولَا تَأْمَنْ عَلَى نَفْسِكَ صَغِيرَ مَعْصِيَةٍ، فَلَعَلَّكَ مُعَذَّبٌ عَلَيْه. فَلْيَكْفُفْ مَنْ عَلِمَ مِنْكُمْ عَيْبَ غَيْرِه لِمَا يَعْلَمُ مِنْ عَيْبِ نَفْسِه، ولْيَكُنِ الشُّكْرُ شَاغِلًا لَه عَلَى مُعَافَاتِه مِمَّا ابْتُلِيَ بِه غَيْرُه»[5].
[1] الحرانيّ، ابن شعبة، تحف العقول، ص305.
[2] الشيخ النراقيّ، جامع السعادات، ج2، ص209.
[3] المصدر نفسه، ج2، ص209.
[4] نهج البلاغة، ص255.
[5] المصدر نفسه، ص197.